العيش في الفضاء
عندما يدور الناس حول الأرض، أو يسافرون إلى القمر، فإنهم يعيشون في الفضاء إلى حين. وهناك يتعرضون إلى ظروف تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة على الأرض. فلا هواء في الفضاء. وترتفع الحرارة وتهبط إلى درجات مفرطة، ويصدر عن الشمس إشعاع في غاية الخطورة. وتشكل بعض الجسيمات المادية التي تملأ الفضاء مصدر خطورة لمرتادي الفضاء. فعلى سبيل المثال، تهدد جسيمات الغبار التي تسمى النيازك الدقيقة المركبات الفضائية بسرعتها الهائلة المدمرة. كما أن أنقاض (مخلفات) البعثات الفضائية السابقة يمكنها أن تدمر المركبة الفضائية.
وعلى الأرض يمثل الغلاف الجوي واقيًا طبيعيًا للأرض ضد هذه المخاطر. أما في الفضاء فيحتاج رائد الفضاء والأجهزة التي تصحبه إلى أنواع أخرى من الحماية. ولابد لهم أيضًا من تحمل الآثار الجسمية الناتجة عن الرحلة الفضائية، والعمل على حماية أنفسهم من قوى التسارع الهائلة خلال عمليتي الإطلاق والهبوط. ولابد أيضًا من توفير الحاجات الأساسية لرائد الفضاء مثل التنفس والأكل والشرب والتخلص من فضلات الجسم والنوم وغيره.
الحماية من أخطار الفضاء:
تمكن المهندسون العاملون مع الاختصاصيين في طب الفضاء من التغلب على معظم مخاطر العيش في الفضاء أو تقليلها إلى درجة كبيرة. فقد جعلوا للمركبة الفضائية بدنًا مزدوجًا، بحيث يتهشم الجسم الذي يرتطم بالبدن الخارجي، فلا يستطيع اختراق البدن الداخلي.
يحمى رواد الفضاء من الإشعاع بطرق شتى. فعلى سبيل المثال، يتم تركيب مرشحات (فلاتر) على نوافذ المركبة الفضائية، تحمي الرواد من خطر الأشعة فوق البنفسجية.
ويحمى رواد الفضاء أيضًا من الحرارة العالية والآثار الجسمية المصاحبة لعمليتي الإقلاع والهبوط، بتزويد المركبات الفضائية بواقيات حرارية تقاوم درجة الحرارة العالية، وتقوية بنائها بحيث تتحمل قوى التسارع الساحقة. ويكون جلوس الرواد بطريقة لا تجعل الدم يندفع بقوة من الرأس إلى أسفل الجسم مما يسبب حالات الدوخة والغشية (الإغماء).
وترتفع درجة الحرارة داخل المركبة بسبب الحرارة المنبعثة من النبائط الكهربائية وأجسام الطاقم. ولهذا يعمل نظام التحكم الحراري على تنظيم درجة الحرارة، حيث يضخ النظام بعض السوائل المسخنة بحرارة القمرة إلى ألواح مشعة، والتي تطلق الحرارة الزائدة في الفضاء. وتُدفع السوائل الباردة مرة أخرى إلى ملفات بالقمرة.
الجاذبية الصغرية:
تتعرض المركبة الفضائية، وكل شيء داخلها، عند دخولها مدارًا ما إلى حالة تعرف باسم الجاذبية الصغرية، حيث تسقط المركبة ومحتوياتها بتلقائية منتجة حالة شبيهة بانعدام الوزن داخل المركبة. ولهذا السبب تعرف الجاذبية الصغرية بالجاذبية الصفرية أيضًا. ولكن، على أية حال، فإن من الخطأ فنيًا استخدام هذين المصطلحين. فالجاذبية في المدار لاتقل عن الجاذبية في الأرض إلا بدرجة ضئيلة. فالمركبة الفضائية ومحتوياتها تسقط باستمرار في اتجاه الأرض، ولكن سرعة المركبة الأمامية الهائلة أثناء هبوطها وعودتها للأرض تجعل سطح الأرض ينحني بعيدًا عنها. ويبدو أن السقوط المتواصل تجاه الأرض يجعل كل محتويات المركبة الفضائية بلا وزن، وهي الحالة التي يطلق عليها أحيانًا انعدام الوزن.
وتؤثر الجاذبية الصغرية على الرواد والمعدات معًا. فعلى سبيل المثال، لايتدفق الوقود من مستودعاته في الجاذبية الصغرية إلا بعد ضخه بغاز تحت ضغط عال. ولايرتفع الهواء الساخن في الجاذبية الصغرية ويتم تنشيط دورة الهواء بوساطة المراوح. وتنتشر جسيمات الغبار والماء في القمرة وتتجمع في مرشحات المراوح.
أما جسم الإنسان فيتأثر بالجاذبية الصغرية بطرق عديدة، حيث يعاني أكثر من نصف الرواد في أي بعثة فضائية من غثيان مستمر ربما صاحبه أحيانًا تقيؤ. ويعتقد بعض الخبراء أن "مرض الفضاء" هذا، والذي يسمى أيضًا متلازمة التكيف الفضائى، رد فعل طبيعي للجاذبية الصغرية. وتعالج هذه الحالة التي تستمر لبضعة أيام ببعض الأدوية.
وتؤثر الجاذبية الصغرية أيضًا على الجهاز الدهليزي، فتحدث خللاً في إحساسه بالاتجاهات المختلفة. ويتكون الجهاز الدهليزي من أعضاء التوازن في الأذن الداخلية. فبعد مضي عدة أيام في الفضاء، لايتعرف الجهاز الدهليزي على الإشارات الاتجاهية. وتستأنف أعضاء هذا الجهاز عملها عند عودة رائد الفضاء إلى الأرض.
يعاني جسم رائد الفضاء لأيام، وربما لأسابيع، من حالة تعرف باسم عدم التكيُّف. وفي هذه الحالة تضعف عضلات الجسم لقلة استخدامها، وينتاب القلب والأوعية الدموية الخمول. وتعالج هذه الحالة بالتدريبات البدنية الجادة مثل ركوب الدراجات الهوائية، واستخدام طواحين الدوس، وغيرهما من النشاطات البدنية.
وتعاني عظام رائد الفضاء بعد قضائه عدة شهور في الفضاء من زوال التمعدن. ويعتقد كثير من الأطباء أن زوال التمعدن يحدث لعدم الضغط على العظام في حالة انعدام الوزن. وقد أثبتت حالات الرواد الروس الذين قضوا مددًا طويلة في الفضاء أن التدريبات الجادة والحمية الخاصة يمكن أن يقللا من الإصابة بزوال التمعدن.
تأمين المتطلبات الأساسية في الفضاء:
تجهز مركبة الفضاء المأهولة بأنظمة المساعدة على الحياة والمصممة كي تؤمن متطلبات جسم رائد الفضاء. فهناك أنظمة محمولة مساعدة على الحياة يمكن حملها في علبة خلفية تمكن رائد الفضاء من العمل خارج مركبته.
التنفس. ينبغي أن تجهز مركبة الفضاء المأهولة بمصدر للأكسجين الذي يستعمله الطاقم في عملية التنفس. كما يجب أن تحتوي على وسائل التخلص من ثاني أكسيد الكربون الناتج من عملية الزفير. وتستخدم المركبات المأهولة مزيجًا من الأكسجين والنيتروجين يماثل نظيره الموجود على سطح الأرض، في مستوى سطح البحر. وتعمل المراوح على تدوير الهواء، بالقمرة وفوق حاويات مليئة بكريات مادة كيميائية تسمى هيدروكسيد الليثيوم، والتي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء. ويمكن أيضًا التخلص من ثاني أكسيد الكربون بإمراره على بعض المواد الكيميائية. وتساعد مرشحات الفحم النباتي على التحكم في الروائح.
الأكل والشرب. ينبغي أن يكون الطعام على المركبة الفضائية مغذيًا وسهل التجهيز وملائمًا للتخزين. فقد كان رواد الفضاء في البعثات الأولى يأكلون طعامًا مجمدًا جافًا تم تغليفه في أنابيب بلاستيكية، وأزيل منه الماء. وكان رائد الفضاء يشرع في تناول طعامه بعد مزجه بالماء.
أما اليوم، وبعد مضي سنوات على ارتياد الفضاء، فقد أصبح الطعام الذي يقدم للرواد أكثر شهية. فاليوم يستمتع الرواد بتناول الطعام الجاهز الذي لايقل جودة عن ذلك الذي يعد على الأرض. فقد توافرت في المركبات الفضائية معدات لتدفئة الطعام وتبريده، بل وتجميده.
ونظرًا لأهمية ماء الشرب لأية بعثة فضائية، فإن خلايا الوقود بالمكوكات الفضائية تنتج ماء نقيًا عند توليدها للكهرباء اللازمة للمركبة. ويعاد استخدام الماء في الرحلات التي تستغرق وقتًا طويلاً في عمليات الغسيل والنظافة. وتنقي أجهزة إزالة الرطوبة الهواء من الرطوبة الناتجة من عملية الزفير.
التخلص من فضلات الجسم. يمثل تراكم فضلات الجسم وطرحها مشكلة كبيرة في الفضاء، وبخاصة أثناء المرور بحالة الجاذبية الصغرية. ويستخدم رواد الفضاء نبيطة تشبه مقعد المرحاض. وتعمل القوة الماصة الناتجة من تدفق الهواء على تحريك الفضلات إلى مجمعها تحت المقعد. ويستخدم الرواد في المركبات الصغيرة أقماعًا عند التبول وأكياسًا بلاستيكية عند التخلص من الفضلات القوية. وعندما يعمل الرواد خارج المركبة الفضائية، فإنهم يرتدون معدات خاصة يتم التخلص من فضلاتهم فيها.
الاستحمام. تتم الطريقة البسيطة للاستحمام في المركبة الفضائية بوساطة قطعة أسفنج وفوط مبللة بالماء. واستخدم الرواد الأوائل غرف استحمام في شكل حجيرات بلاستيكية قابلة للطي، حيث كان الرواد ينثرون الماء على أجسادهم، ثم يفرغون الحجيرة من الماء، ويجففون أنفسهم بالفوط. أما المحطات الفضائية الحديثة فتشتمل على حجيرات استحمام ثابتة.
النوم. يستطيع رواد الفضاء النوم على أكياس نوم مزودة بأشرطة تربطهم بسطح ناعم ووسائد. ويفضل رواد الفضاء النوم سابحين في الهواء ومقيدين بأشرطة قليلة تحميهم من الارتطام بمعدات القمرة. ويضع رواد الفضاء عصابات على أعينهم تقيهم ضوء الشمس المتسلل من نوافذ المركبة أثناء دورانها. وينام الرواد في الفضاء نفس المدة التي ينامونها على الأرض.
الترويح. للترويح أهمية خاصة لصحة رواد الفضاء العقلية في الرحلات الطويلة. فالتحديق عبر نوافذ المركبة الفضائية يزجي وقتًا طيبًا للرواد. وتزخر المحطات الفضائية بالكثير من الكتب وأشرطة التسجيل والألعاب الحاسوبية. وتتيح التدريبات الرياضية أيضًا فرص الترويح.
التحكم في المواد المخزونة والنفايات. يعد حفظ وتنظيم آلاف المواد المستخدمة في المركبة الفضائية من المشكلات الكبيرة التي يواجهها رواد الفضاء. فهناك أدراج وخزانات تحوي مواد كثيرة، وتعلق أشياء أخرى بالجدران والأسقف والأرضيات. ويعمل الحاسوب على حصر جميع هذه المواد المخزونة، ويحدد أماكنها وطرق إحلال بعضها محل بعض. أما النفايات، فإن الطاقم يعمل على تخزينها في مكان غير مستغل من المركبة، ثم يتم التخلص منها بإلقائها خارج المركبة، لتحترق في الغلاف الجوي، وربما عادوا بها للأرض حيث يتم التخلص منها.
الاتصال مع الأرض:
يتصل رواد الفضاء مع إدارة البعثة، وهي الجهة التي تشرف على الرحلة الفضائية من الأرض، بعدة طرق من أهمها استخدام الراديو والتلفاز. وترسل الحواسيب وأجهزة الإحساس وغيرها من المعدات الإرشادية إشارات منتظمة إلى الأرض. وتستطيع أجهزة الفاكسميلي (الناسوخ) التي بالمركبة استقبال المعلومات من الأرض.
العمل في الفضاء:
يشرع أفراد الطاقم بالعمل داخل المركبة أو خارجها عند وصولها إلى مدارها، وذلك لتحقيق أهداف البعثة.
الملاحة والتوجيه والسيطرة. يستخدم رواد الفضاء أنظمة ملاحة حاسوبية، ويقومون بوضع علامات على النجوم لتحديد موقعهم واتجاههم. كما تستخدم في الأرض أنظمة متابعة عالية التقنية تقوم بقياس موقع مركبة الفضاء بالنسبة للأرض. ويستخدم رواد الفضاء صواريخ صغيرة تشبه صواريخ المركبة الفضائية لإمالة المركبة قليلاً أو دفعها نحو المكان الذي يراد إرساء المركبة فيه. وتراقب الحواسيب كل التغييرات التي يحدثها الرواد للتأكد من أنها قد تمت على الوجه الأمثل.
تشغيل الأجهزة وإدارتها. يتم إيقاف جميع الأجهزة عن العمل عند إطلاق المركبة. ويعمل الرواد على إعادة إدارتها وتشغيلها في الفضاء، ثم يتم إيقافها مرة أخرى عند الهبوط.
رصد الملاحظات العلمية والقيام بالأبحاث. يستخدم رواد الفضاء أجهزة خاصة لرصد الأرض والنجوم والشمس، كما يجرون التجارب المتعلقة بتأثير الجاذبية الصغرية على أنفسهم والمواد المختلفة والحيوان والنبات.
الالتحام. يساعد الرادار طاقم المركبة الفضائية على التحكم في سرعتها واتجاهها عندما تقترب من هدفها الذي قد يكون محطة فضائية أو قمرًا صناعيًا. وعندما تستوي المركبة في المكان الصحيح إلى جوار الهدف فإنها تلتحم (تلتقي) به بوساطة أجهزة خاصة. ويستطيع مكوك الفضاء استخدام ذراعه الآلية في الاتصال بالأهداف التي أطلق من أجلها.
صيانة المعدات وإصلاحها. تضم المركبة الفضائية آلاف القطع من المعدات ذات الجودة العالية، ولكن، ورغم ذلك، قد يتعرض بعضها للعطب. فربما تحطم الحوادث بعض المعدات، أو قد يحتاج القديم منها للاستبدال. يحدد رواد الفضاء نوع العطب، والوحدة التي تأثرت به، ويقومون بإصلاحها أو استبدالها.
تركيب المحطات الفضائية. يتحتم على رواد الفضاء أحيانًا، العمل بوصفهم عمال بناء وتشييد في الفضاء. فهم يقومون بتركيب المحطات الفضائية من أجزاء حملوها معهم في المكوك. وكثيرًا ما يضيف رواد الفضاء أجزاء جديدة للمحطات الفضائية أو ينصبون هوائيات وألواحًا شمسية. هذا بالإضافة إلى عملهم في تركيب توصيلات الهواء والقدرة الكهربائية داخل المحطة وخارجها.
الخروج من المركبة الفضائية. قد تستدعي الضرورة عمل رواد الفضاء خارج المركبة. ويسمى هذا النوع من العمل النشاط خارج المركبة. ويستعد رواد الفضاء للعمل خارج المركبة بارتداء البذلات الفضائية والدخول إلى حجيرة ذات بابين تسمى هويس الهواء. وعقب ذلك يقوم الرواد بإطلاق الهواء من الحجيرة، وفتح الباب الخارجي، ثم الخروج من المركبة. وعند عودتهم، فإنهم يغلقون الباب الخارجي، ويسمحون بدخول الهواء إلى الحجيرة ثم يفتحون الباب الداخلي الذي يؤدي إلى باقي أجزاء المحطة الفضائية حيث يستبدلون بذلاتهم الفضائية.
وتساعد البذلات الفضائية في الإبقاء على حياة رواد الفضاء لمدة تتراوح بين ست وثماني ساعات. وتصنع البذلة من طبقات من مادة النيلون أو التيفلون. وتقي هذه البذلات المحكمة الحياكة رواد الفضاء من الحرارة والبرد والجسيمات الفضائية. وهناك جهاز على ظهرها يزود مرتديها بالأكسجين ويتخلص من ثاني أكسيد الكربون والرطوبة. وبالبذلة راديو يساعد في القيام بالاتصالات اللازمة بين رائد الفضاء وزملائه، ومع الأرض. وتتيح الخوذة لرائد الفضاء رؤية أفضل، وتقيه من الأشعة الشمسية الضارة. وتعتبر القفازات من أهم أجزاء البذلة الفضائية، وتكون في العادة رقيقة ومرنة تمكن رائد الفضاء من الإحساس بالأجسام الصغيرة، واستخدام الأدوات بسهولة ويسر.
مأوى الطاقم يستطيع حمل سبعة رواد فضاء. ويحتوي على مناطق للطبخ والنوم، بالإضافة إلى محطات عمل الرواد. وتقع منطقة الحمولة خلف مأوى الطاقم . |
وعلى الأرض يمثل الغلاف الجوي واقيًا طبيعيًا للأرض ضد هذه المخاطر. أما في الفضاء فيحتاج رائد الفضاء والأجهزة التي تصحبه إلى أنواع أخرى من الحماية. ولابد لهم أيضًا من تحمل الآثار الجسمية الناتجة عن الرحلة الفضائية، والعمل على حماية أنفسهم من قوى التسارع الهائلة خلال عمليتي الإطلاق والهبوط. ولابد أيضًا من توفير الحاجات الأساسية لرائد الفضاء مثل التنفس والأكل والشرب والتخلص من فضلات الجسم والنوم وغيره.
تجربة الرياح الشمسية على القمر. |
تمكن المهندسون العاملون مع الاختصاصيين في طب الفضاء من التغلب على معظم مخاطر العيش في الفضاء أو تقليلها إلى درجة كبيرة. فقد جعلوا للمركبة الفضائية بدنًا مزدوجًا، بحيث يتهشم الجسم الذي يرتطم بالبدن الخارجي، فلا يستطيع اختراق البدن الداخلي.
يحمى رواد الفضاء من الإشعاع بطرق شتى. فعلى سبيل المثال، يتم تركيب مرشحات (فلاتر) على نوافذ المركبة الفضائية، تحمي الرواد من خطر الأشعة فوق البنفسجية.
ويحمى رواد الفضاء أيضًا من الحرارة العالية والآثار الجسمية المصاحبة لعمليتي الإقلاع والهبوط، بتزويد المركبات الفضائية بواقيات حرارية تقاوم درجة الحرارة العالية، وتقوية بنائها بحيث تتحمل قوى التسارع الساحقة. ويكون جلوس الرواد بطريقة لا تجعل الدم يندفع بقوة من الرأس إلى أسفل الجسم مما يسبب حالات الدوخة والغشية (الإغماء).
وترتفع درجة الحرارة داخل المركبة بسبب الحرارة المنبعثة من النبائط الكهربائية وأجسام الطاقم. ولهذا يعمل نظام التحكم الحراري على تنظيم درجة الحرارة، حيث يضخ النظام بعض السوائل المسخنة بحرارة القمرة إلى ألواح مشعة، والتي تطلق الحرارة الزائدة في الفضاء. وتُدفع السوائل الباردة مرة أخرى إلى ملفات بالقمرة.
مشية في الفضاء قام بها إدوارد وايت الثاني، كانت الأولى من مشيات عدة في برنامج جميني. تمرن رواد الفضاء على المناورة للاستعداد للعمل مستقبلاً في الفضاء. |
تتعرض المركبة الفضائية، وكل شيء داخلها، عند دخولها مدارًا ما إلى حالة تعرف باسم الجاذبية الصغرية، حيث تسقط المركبة ومحتوياتها بتلقائية منتجة حالة شبيهة بانعدام الوزن داخل المركبة. ولهذا السبب تعرف الجاذبية الصغرية بالجاذبية الصفرية أيضًا. ولكن، على أية حال، فإن من الخطأ فنيًا استخدام هذين المصطلحين. فالجاذبية في المدار لاتقل عن الجاذبية في الأرض إلا بدرجة ضئيلة. فالمركبة الفضائية ومحتوياتها تسقط باستمرار في اتجاه الأرض، ولكن سرعة المركبة الأمامية الهائلة أثناء هبوطها وعودتها للأرض تجعل سطح الأرض ينحني بعيدًا عنها. ويبدو أن السقوط المتواصل تجاه الأرض يجعل كل محتويات المركبة الفضائية بلا وزن، وهي الحالة التي يطلق عليها أحيانًا انعدام الوزن.
الطيران بحُريّة في الفضاء يجعل رائد الفضاء قمرًا صناعيًا بشريًا. وتوجد علبة خلفية تستمد طاقتها من النفث استُخدمت للمرة الأولى عام 1984م، وهي تساعد رواد الفضاء في المناورة خارج المركبة الفضائية دون الحاجة إلى حزام أمان |
أما جسم الإنسان فيتأثر بالجاذبية الصغرية بطرق عديدة، حيث يعاني أكثر من نصف الرواد في أي بعثة فضائية من غثيان مستمر ربما صاحبه أحيانًا تقيؤ. ويعتقد بعض الخبراء أن "مرض الفضاء" هذا، والذي يسمى أيضًا متلازمة التكيف الفضائى، رد فعل طبيعي للجاذبية الصغرية. وتعالج هذه الحالة التي تستمر لبضعة أيام ببعض الأدوية.
وتؤثر الجاذبية الصغرية أيضًا على الجهاز الدهليزي، فتحدث خللاً في إحساسه بالاتجاهات المختلفة. ويتكون الجهاز الدهليزي من أعضاء التوازن في الأذن الداخلية. فبعد مضي عدة أيام في الفضاء، لايتعرف الجهاز الدهليزي على الإشارات الاتجاهية. وتستأنف أعضاء هذا الجهاز عملها عند عودة رائد الفضاء إلى الأرض.
يعاني جسم رائد الفضاء لأيام، وربما لأسابيع، من حالة تعرف باسم عدم التكيُّف. وفي هذه الحالة تضعف عضلات الجسم لقلة استخدامها، وينتاب القلب والأوعية الدموية الخمول. وتعالج هذه الحالة بالتدريبات البدنية الجادة مثل ركوب الدراجات الهوائية، واستخدام طواحين الدوس، وغيرهما من النشاطات البدنية.
وتعاني عظام رائد الفضاء بعد قضائه عدة شهور في الفضاء من زوال التمعدن. ويعتقد كثير من الأطباء أن زوال التمعدن يحدث لعدم الضغط على العظام في حالة انعدام الوزن. وقد أثبتت حالات الرواد الروس الذين قضوا مددًا طويلة في الفضاء أن التدريبات الجادة والحمية الخاصة يمكن أن يقللا من الإصابة بزوال التمعدن.
بدلة فضائية لرائد فضاء توفر نظامًا يساعد على العيش خارج المركبة الفضائية. وتمكن العلبة الخلفية المدفوعة بالغاز رائد الفضاء من الحركة حول المركبة الفضائية لفترة تصل إلى ست ساعات. |
تجهز مركبة الفضاء المأهولة بأنظمة المساعدة على الحياة والمصممة كي تؤمن متطلبات جسم رائد الفضاء. فهناك أنظمة محمولة مساعدة على الحياة يمكن حملها في علبة خلفية تمكن رائد الفضاء من العمل خارج مركبته.
التنفس. ينبغي أن تجهز مركبة الفضاء المأهولة بمصدر للأكسجين الذي يستعمله الطاقم في عملية التنفس. كما يجب أن تحتوي على وسائل التخلص من ثاني أكسيد الكربون الناتج من عملية الزفير. وتستخدم المركبات المأهولة مزيجًا من الأكسجين والنيتروجين يماثل نظيره الموجود على سطح الأرض، في مستوى سطح البحر. وتعمل المراوح على تدوير الهواء، بالقمرة وفوق حاويات مليئة بكريات مادة كيميائية تسمى هيدروكسيد الليثيوم، والتي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء. ويمكن أيضًا التخلص من ثاني أكسيد الكربون بإمراره على بعض المواد الكيميائية. وتساعد مرشحات الفحم النباتي على التحكم في الروائح.
الأكل والشرب. ينبغي أن يكون الطعام على المركبة الفضائية مغذيًا وسهل التجهيز وملائمًا للتخزين. فقد كان رواد الفضاء في البعثات الأولى يأكلون طعامًا مجمدًا جافًا تم تغليفه في أنابيب بلاستيكية، وأزيل منه الماء. وكان رائد الفضاء يشرع في تناول طعامه بعد مزجه بالماء.
الأكل في الفضاءيستلزم تكيفًا مع انعدام الوزن، وتبين الصورة، رائد فضاء على متن مكوك فضائي، وهو يتناول وجبة غذائه وقد شُدت قدماه إلى أسفل. |
ونظرًا لأهمية ماء الشرب لأية بعثة فضائية، فإن خلايا الوقود بالمكوكات الفضائية تنتج ماء نقيًا عند توليدها للكهرباء اللازمة للمركبة. ويعاد استخدام الماء في الرحلات التي تستغرق وقتًا طويلاً في عمليات الغسيل والنظافة. وتنقي أجهزة إزالة الرطوبة الهواء من الرطوبة الناتجة من عملية الزفير.
التخلص من فضلات الجسم. يمثل تراكم فضلات الجسم وطرحها مشكلة كبيرة في الفضاء، وبخاصة أثناء المرور بحالة الجاذبية الصغرية. ويستخدم رواد الفضاء نبيطة تشبه مقعد المرحاض. وتعمل القوة الماصة الناتجة من تدفق الهواء على تحريك الفضلات إلى مجمعها تحت المقعد. ويستخدم الرواد في المركبات الصغيرة أقماعًا عند التبول وأكياسًا بلاستيكية عند التخلص من الفضلات القوية. وعندما يعمل الرواد خارج المركبة الفضائية، فإنهم يرتدون معدات خاصة يتم التخلص من فضلاتهم فيها.
الاستحمام على متن مركبة فضائية يتطلب معدات خاصة. ولقد أخذ رواد الفضاء في سكايلاب حمامًا ساخنًا في حجرة قابلة للطي مجهزة بنظام تفريغ لسحب الماء المستعمل. |
النوم. يستطيع رواد الفضاء النوم على أكياس نوم مزودة بأشرطة تربطهم بسطح ناعم ووسائد. ويفضل رواد الفضاء النوم سابحين في الهواء ومقيدين بأشرطة قليلة تحميهم من الارتطام بمعدات القمرة. ويضع رواد الفضاء عصابات على أعينهم تقيهم ضوء الشمس المتسلل من نوافذ المركبة أثناء دورانها. وينام الرواد في الفضاء نفس المدة التي ينامونها على الأرض.
الترويح. للترويح أهمية خاصة لصحة رواد الفضاء العقلية في الرحلات الطويلة. فالتحديق عبر نوافذ المركبة الفضائية يزجي وقتًا طيبًا للرواد. وتزخر المحطات الفضائية بالكثير من الكتب وأشرطة التسجيل والألعاب الحاسوبية. وتتيح التدريبات الرياضية أيضًا فرص الترويح.
تسجيل المعلومات الطبية يتم أثناء الرحلة. وتمكن هذه المعلومات الأطباء على الأرض من تعيين أي تغير غير طبيعي في الجسم يمكن أن يشير إلى اضطرابات جسمية أو انفعال. |
الاتصال مع الأرض:
يتصل رواد الفضاء مع إدارة البعثة، وهي الجهة التي تشرف على الرحلة الفضائية من الأرض، بعدة طرق من أهمها استخدام الراديو والتلفاز. وترسل الحواسيب وأجهزة الإحساس وغيرها من المعدات الإرشادية إشارات منتظمة إلى الأرض. وتستطيع أجهزة الفاكسميلي (الناسوخ) التي بالمركبة استقبال المعلومات من الأرض.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مجسات ومركبات الفضاء المهمة | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
الفنيون يراقبون من مركز التحكم في الإطلاق |
يشرع أفراد الطاقم بالعمل داخل المركبة أو خارجها عند وصولها إلى مدارها، وذلك لتحقيق أهداف البعثة.
الملاحة والتوجيه والسيطرة. يستخدم رواد الفضاء أنظمة ملاحة حاسوبية، ويقومون بوضع علامات على النجوم لتحديد موقعهم واتجاههم. كما تستخدم في الأرض أنظمة متابعة عالية التقنية تقوم بقياس موقع مركبة الفضاء بالنسبة للأرض. ويستخدم رواد الفضاء صواريخ صغيرة تشبه صواريخ المركبة الفضائية لإمالة المركبة قليلاً أو دفعها نحو المكان الذي يراد إرساء المركبة فيه. وتراقب الحواسيب كل التغييرات التي يحدثها الرواد للتأكد من أنها قد تمت على الوجه الأمثل.
تشغيل الأجهزة وإدارتها. يتم إيقاف جميع الأجهزة عن العمل عند إطلاق المركبة. ويعمل الرواد على إعادة إدارتها وتشغيلها في الفضاء، ثم يتم إيقافها مرة أخرى عند الهبوط.
رصد الملاحظات العلمية والقيام بالأبحاث. يستخدم رواد الفضاء أجهزة خاصة لرصد الأرض والنجوم والشمس، كما يجرون التجارب المتعلقة بتأثير الجاذبية الصغرية على أنفسهم والمواد المختلفة والحيوان والنبات.
الالتحام. يساعد الرادار طاقم المركبة الفضائية على التحكم في سرعتها واتجاهها عندما تقترب من هدفها الذي قد يكون محطة فضائية أو قمرًا صناعيًا. وعندما تستوي المركبة في المكان الصحيح إلى جوار الهدف فإنها تلتحم (تلتقي) به بوساطة أجهزة خاصة. ويستطيع مكوك الفضاء استخدام ذراعه الآلية في الاتصال بالأهداف التي أطلق من أجلها.
صيانة المعدات وإصلاحها. تضم المركبة الفضائية آلاف القطع من المعدات ذات الجودة العالية، ولكن، ورغم ذلك، قد يتعرض بعضها للعطب. فربما تحطم الحوادث بعض المعدات، أو قد يحتاج القديم منها للاستبدال. يحدد رواد الفضاء نوع العطب، والوحدة التي تأثرت به، ويقومون بإصلاحها أو استبدالها.
تركيب المحطات الفضائية. يتحتم على رواد الفضاء أحيانًا، العمل بوصفهم عمال بناء وتشييد في الفضاء. فهم يقومون بتركيب المحطات الفضائية من أجزاء حملوها معهم في المكوك. وكثيرًا ما يضيف رواد الفضاء أجزاء جديدة للمحطات الفضائية أو ينصبون هوائيات وألواحًا شمسية. هذا بالإضافة إلى عملهم في تركيب توصيلات الهواء والقدرة الكهربائية داخل المحطة وخارجها.
الخروج من المركبة الفضائية. قد تستدعي الضرورة عمل رواد الفضاء خارج المركبة. ويسمى هذا النوع من العمل النشاط خارج المركبة. ويستعد رواد الفضاء للعمل خارج المركبة بارتداء البذلات الفضائية والدخول إلى حجيرة ذات بابين تسمى هويس الهواء. وعقب ذلك يقوم الرواد بإطلاق الهواء من الحجيرة، وفتح الباب الخارجي، ثم الخروج من المركبة. وعند عودتهم، فإنهم يغلقون الباب الخارجي، ويسمحون بدخول الهواء إلى الحجيرة ثم يفتحون الباب الداخلي الذي يؤدي إلى باقي أجزاء المحطة الفضائية حيث يستبدلون بذلاتهم الفضائية.
وتساعد البذلات الفضائية في الإبقاء على حياة رواد الفضاء لمدة تتراوح بين ست وثماني ساعات. وتصنع البذلة من طبقات من مادة النيلون أو التيفلون. وتقي هذه البذلات المحكمة الحياكة رواد الفضاء من الحرارة والبرد والجسيمات الفضائية. وهناك جهاز على ظهرها يزود مرتديها بالأكسجين ويتخلص من ثاني أكسيد الكربون والرطوبة. وبالبذلة راديو يساعد في القيام بالاتصالات اللازمة بين رائد الفضاء وزملائه، ومع الأرض. وتتيح الخوذة لرائد الفضاء رؤية أفضل، وتقيه من الأشعة الشمسية الضارة. وتعتبر القفازات من أهم أجزاء البذلة الفضائية، وتكون في العادة رقيقة ومرنة تمكن رائد الفضاء من الإحساس بالأجسام الصغيرة، واستخدام الأدوات بسهولة ويسر.