في المبنى الميتاسردي
علون السلمان
النص الثقافي معطى قابل للاستنطاق والتثاقف..واللعبة الميتاسردية لعبة قائمة على قصدية الكتابة كادب تخيلي ينتمي لتيار ما بعد الحداثة يتناول بوعي ذاتي ادوات السرد ليكشف عن خدع النص الداخلية عبر حكي خيالي يتحدث عن الهموم السردية داخل فضاء السرد.. حيث يبرز سارد يوظف غالبا ضمير المتكلم ليعلن صراحة عن نيته كتابة نص سردي او حكائي او يكشف عن رغبته للعثور على مخطوطة او وثيقة او مدونة شفاهية او مكتوبة….فيبدو السرد متماهيا الى حد كبير مع السرد الاوتوبيوغرافي ـ السيري الذاتي..)..لذا فهو السرد حول السرد بتداخل الراوي بمجرياته مخاطبا المتلقي او محاورا شخصياته الروائية وتندرج هذه التقنية الاسلوبية التي تقدم على فكرة التداخل النصي ضمن اطار النقد الادبي التطبيقي ما بعد الحداثوي بتوظيف آليات قرائية تكشف عن عناصرالنص ومكوناته ووظائفه وصوت الروائي المتوحد والراوي المركزي الذي يتدخل ليفصح عن نظرته للابداع او يقدم تصورا روائيا مغايرا باعتماد التعددية كقيمة سردية جمالية..كون(المتعدد هو الاساس الادراكي والمعرفي لاي ممارسة فنية او ادبية او علمية..).. ان تقنية الميتا سرد او(ما وراء السرد او ما وراء الرواية).. والتي يعد الروائي (جون فاولز) من ابــــــرز ممثليها..مصطلح مركب من metaبمعنى وراء او المغاير وnarration بمعنى التخييل..هي جزء من انفجار(الميتا) وتناسلها الذي شمل جميع العلوم الاجتماعية والفكرية..فكان خطابا متعاليا يعني برصد عوالم الكتابة الحقيقة والافتراضية والتخييلية..كونه يقوم على فكرة التداخل النصي التي فيها يعمد السارد الى كسر الخطية التتابعية لتنامي الحكي في البنية السردية بتوظيف الوثيقة التاريخية او المدونة الرقمية او التحقيق الصحفي او المخطوطة من اجل توليد مستويات متعددة في المعاني والدلالات والاصوات..
ومرحلة الستينيات من القرن الماضي تعد مرحلة التجريب على مستوى البناء والصياغة وتوظيف هذه التقنية في السرد..والتي دعمت بدراسات وتنظيرات من قبل نقاد وروائيين..و(المبنى الميتا ـ سردي في الرواية)..المنجز النقدي الذي نسجته انامل مبدعه الناقد فاضل ثامر واسهمت دار المدى في نشره وانتشاره/2013..لرؤاه النقدية الحداثوية التي احتضنت سبعا وثلاثين عنوانا وتمهيد حول اطروحة الكتاب التي تنهض على (فرضية ان اشكال البناء الميتاسردي او الميتا روائي في الرواية العربية وقبل ذلك في الرواية العالمية.. هي تنويعات وتمثلات لما بعد الحداثة في الثقافة..)ص7.. وهي بمجموعها تشكل احد المؤلفات التنظيرية لهذه التقنية الادبية والتي شكلت الرواية فضاءها الرحب..اذ يتناول الناقد الاليات المشكلة للميتا ســرد(المخطــوطة/المــدونة الرقــمية/التحقــــيق الصحفي/اليوميات بوصفها مدونة وثائقيــة/مخطـــوطة العائلة والميراث/صناعة الطاغية ميتا سرديا فاللغة السردية والتخيل التاريخي لثنائية الطبيعة/الثقافة واخيرا انثى السراب بوصفها لعبة ميتاسردية..فتذييل اللعبة الميتا سردية بوصفها تجريبا..ثم يعرج الناقد على بعض النماذج الروائية ناقدا لها ومطبقا للمنهج الميتاسردي منها:
سابع ايام الخلق) للروائي عبدالخالق الركابي و(كراسة كانون)لمحمد خضير و(رغوة السحاب)لمحمود عبدالوهاب و(تيمور الحزين) و(الخراب الجميل) لاحمد خلف و(ظلال على النافذة)لغائب طعمة فرمان و(صراخ في ليل طويل)لجبرا ابراهيم جبرا و(عالم النساء الوحيدات)للطفية الدليمي و(همس مبهم)لفؤاد التكرلي و(اوتار القصب)لمحسن الموسوي و(بابا سارتر) لعلي بدر و(لعبة النسيان)لمحمد برادة و(في انتظار فرج الله القهار)للروائي سعدي المالح بوصفها رواية عن انهيار الحلم الانساني بالعدالة..وهي تنطوي على مستويات سردية متنوعة وتحفل ببنية سردية بوليفونية(متعددة الاصوات).. اضافة الى (صخرة طانيوس) لامين معلوف و(احياء في البحر الميت)لمؤنس الرزاز..ثم يكتب الناقد في السرد الواقعي والسرد الغرائبي ويكون سليم مطر في (امراة القارورة) انموذجه بوصفها رواية تنتمي الى مخيلة فنطازية وهي تقيم تناصا بنيويا وسرديا مع حكاية المصباح السحري في (الف ليلة وليلة)..اذ يقول الناقد عنها(تثير رواية (امراة القارورة)مجمــــوعة من الاشكاليات الكبيرة منها اشكاليات سردية حول مستويات تعالق ما هو واقعي وما هو تخيلي..حيث يخامرنا الاحساس في لحظات معينة بان الحكاية في جوهرها قائمة على الايهام..وان آدم انما يمارس نوعا من الاستنماء الحلمي ليس الا ) ص78. اما في المدونة الرقمية كبنية سردية فيتخذ الناقد من رواية(بنات الرياض) للسعودية رجاء عبدالله الصانع انموذجا..كونها تتخذ من المدونة الرقمية منطلقا لها في بناء الخطاب الروائي من خلال استثمار طاقات الشبكة العنكبوتية والانترنت للاتصال التفاعلي مع الاخر..)ص83..اما النحقيق الصحفي كبنية ميتاسردية فتشكل رواية(الراكض وراء الذئاب) لعلي بدرهي الانموذج..فـ (قراءة في بلاد سعيدة)لشاكر الانباري والتي هي مزيج من الحاضر اليومي لعراق ما بعد الاحتلال وتفاصيل الماضي البعيد المستعادة في ذاكرة ابطاله وشخصياته ..هذا يعني ان الرواية تنهض على استثمار خزين السيرة الذاتية للمؤلف..لكنها(سيرة ذاتية ماكرة مموهة ومتشظية..فالمؤلف وزع بمهارة مكونات سيرته الذاتية على شخصياته الروائية..كل شخصية تحمل جانبا من خزين تجربته.. وتحت عنوان الرواية تشظي الثيمة المركزية ..كانت رواية المنعطف لحنون مجيد انموذجا..اما البطل الجماعي واشكالية التبئير السردي فرواية عبدالله صخي(خلف السدة) التي تتجاوز الاطر التقليدية والمحاكاتية للسرد الواقعي..اذ تتميز(بغياب مفهوم البطل المركزي وسيادة البطل الضد او البطل اللابطولي)فجميع الشخصيات تنتمي الى نمــط الشخصيات الثانوية وهي شخصيات بسيطة مستمدة من القاع السفلي للمجتمع..اما تحت عنوان السرد وتصدع البنية الاطارية فيكون فيها محمود الظاهر ورواية(تقاطع الازمنة) واسئلتها الخاصة بلغة السرد والبناء وزاوية النظــروبناء الشــــخصيات وحركيــتــها انموذجا..كونها تعتمد على بنية ميتاسردية تقوم على اشتغال بنية اطارية سردية تتمحور حول الطبيب الجراح الذي يستقبل في المشفى مريضا يحمل في يده رزمة من الاوراق يكشف الطبيب بعدها ان هذا المريض مشهور فيقرر ان يجرب عليه جهازه العلمي الجديد القادر على قراءة افكار مريضه وتسجيلها على الورق..ومن ثم ينتقل الناقد دارسا رواية موسى كريدي(نهايات صيف)التي مثلت تتويجا لتجربته التي تكشف عن جوهر ميتاسردي منذ بدايتها..اذ تدور حول تجربة عبدالله الذي يحلم ان يصبح مؤلف قصص وروايات..بعد هذا يعرج الناقد على الميتاسرد وفتنة النص المتفرع والوقوف على رواية(اوتار القصب)للناقد الدكتور محسن الموسوي والتي تعتمد بشكل مقصودمثلت تتويجا لتجربته التي تكشف عن جوهر ميتاسردي منذ بدايتها..اذ تدور حول تجربة عبدالله الذي يحلم ان يصبح مؤلف قصص وروايات..بعد هذا يعرج الناقد على الميتاسرد وفتنة النص المتفرع والوقوف على رواية(اوتار القصب)للناقد الدكتور محسن الموسوي والتي تعتمد بشكل مقصود للافادة من فكرة النص المتفرع واثراء المتن النصي الاصلي بمجموعة كبيرة من الهوامش والحواشي التي تعلق على الحدث الروائي..وتحت عنوان من الوعي القائم الى الوعي الممكن تشكل رواية(الصليب حلب بن غريبة)لفهد الاسدي مجموعة من الاسئلة حول طبيعة تجربة الاتجاهات الواقعية في الادب العراقي منها الطريقة التي اعتمدها الراوي في توظيف اللغة الشعبية والريفية ومحاولة تفصيحها او الابقاء على مفردات شعبية مثل(الهوسات)الشعبية..كما تطرح الرواية بعض الاشكاليات الخاصة بطريقته في تحقيق لون من التناوب السردي في المنظورات ووجهات النظر الخاصة بالشخصيات الروائية الرئيسة..ثم ينتقل الناقد الى الهوية السردية للمدينة التي هي جزء من نظرية سردية واسعة طورها بول ريكور في كتابه(الزمان والسرد)..ونص بصرياثا..صورة مدينة لمحمد خضير انموذجا..فاليوميات بوصفها مدونة وثائقية ميتاسردية ورواية(العمامة والقبعة) للمصري صنع الله ابراهيم..وهي تحاكي بنية اليوميات التي كتبها مؤرخ مصر عبدالرحمن الجبرتي والتي دون فيها يوميات الحملة الفرنسية لاحتلال مصر والموسومة بـ(عجائب الاثار في التراجم والاخبار)..فمخطوطة العائلة والميراث الميتاسردي والتامل النقدي في رباعية عبدالخالق الركابي (الراووق)و(قبل ان يحلق الباشق)و(سابع ايام الخلق)و(سفر السرمدية)..اما رواية(الحفيدة الامريكية)لانعام كجه جي فقد كانت انموذج الناقد تحت عنوان الرواية والوعي الشقي في زمن الاحتلال..وفيها تعتمد المؤلفة على
نمط من السرد المتناوب..فهي تنتقل من خلال فعل الذاكرة وبناء المشاهد الحية وتوظيف عين الكاميرا بين ازمنة وامكنة متعددة دونما التزام بنسق خطي متصاعد…وتحت عنوان بنية المتاهة والنسخ الميتاسردي للحكاية ..تخضع رواية احمد السعــداوي(انــه يحلــم او يلعب او يموت) لابداع الناقــد فاحصا لتقنياتها السردية.. اذ انها تعتمد لعبة سردية تنهض على اساس نسخ الحكايات واعادة سردها بطريقة معاكسة..
اما رواية(لعبة النسيان)للمغربي محمد برادة فقد درسها الناقد تحت عنوان اللعبة الميتاسردية والتنازع السردي.. والتي تنفتح منذ بدايتها على منزع ميتاسردي يكون فيه فعل الكتابة والسرد قصديا وواعــيا ومتقـــلبا حسب لعبة المؤلف او راويه الضمني..وتحت عنوان عندما يشترك الضحية والجلاد في اللعبة الميتاسردية يتناول الناقد رواية(قشور الباذنجان)للقاص والروائي عبدالستار ناصر كشهادة شخصية عن تجربة عاشها المؤلف في المعتقل..ثم يخوض الناقد في عوالم القاص والروائي حميد المختار عبر روايته(صحراء نيسابور)تحت عنوان رحلة افتراضية ميتاسردية في تخوم المجهول.. والتي تنهض على اساس القيام بمهمة صحفية يقوم بها البطل وهو صحفي وكاتب يعمل محررا في احدى الصحف للكتابة عن بعض الاضرحة والمراقد لعدد من الاولياء والعلماء والعارفين فيقوده ذلك الى البحث عن ضريح احد المتصوفة محمد بن علي الجبلي..هذا يعني ان الرواية تتخذ منحى عرفانيا وصوفيا وتتحول الرحلة الافتراضية والتخيلية الى الدخول في المجهول وكشف الماورائية.. اما رواية(حكايات دومة الجندل لجهاد مجيد فقد كانت تحت عنوان بين لغة الموروث الشفاهي ولغة السرد الحديث..والتي تستحضر الماضي برؤيا حديثة..اذ يحاول
الحديث..والتي تستحضر الماضي برؤيا حديثة..اذ يحاول الحفيد(بطل الرواية)وراويها المركزي لاستكمال مهمة البحث التي قام بها جده عن مدينة الاسلاف الافتراضية(دومة الجندل).. ولفاضل العزاوي كان اختيار الناقد لرواية (الاسلاف) انموذجا تحليليا تحت عنوان الاختراق الميتاسردي للفنطازيا..كونها تتكئ على المخطوطة بوصفها نصا سرديا مستقلا ..حتى انها تشكل المتن النصي الاساسي للرواية باستثناء المقدمة التي تروى من قبل راو ضمني يصف نفسه بـ(الناشر)..
وتحت عنوان اللعبة الميتا سردية وخيارات السرد المتعدد يكون مهدي عيسى الصقر في روايته(امراة الغائب)انموذجا نقديا..اما جمعة اللامي في روايته(مجنون زينب)التي اندرجت تحت عنوان عندما يتحول الميتاسرد الى لعبة ماكرة..والتي تتشكل بنيتها من تسعة مقاطع تتراوح بين نصوص شعرية وعرفانية ورؤى تخييلية واناشيد ومذكرات وتجليات وصحائف صوفية..فضلا عن ثيمتها المركزية المتمحورة حول شخصيتي(زينب والمجنون) خط سردي تمثله مرويات وحكايات الراوي..ثم ينتقل الناقد لقراءة الروائية لطفية الدليمي عبر روايتها(سيدات زحل) تحت عنوان الكتابة الميتاسردية ملاذا من جحيم الموت..فرواية عزازيل للروائي يوسف زيدان والتي احتضنها العنوان شخصية القرين وثنائية العرفــــــــــــــاني/البرهاني..والتي تتشكل من مقدمة ومتن مخطوطة كتبها راهب من اصل مصري يدعى(هيبا)..
وتحت عنوان(الحب ضحية لارهاب الحرب) فقد وجد الناقد ان اللعبة الميتاسردية تتمثل في رواية(اسمه الغرام) لعلوية صبح..اذ يجد الناقد انها(من الروايات القليلة المحتشدة بالعناصر الميتاسردية الواضحة عبر فصولها..ففيها تركيز استثنائي على فعل الكتابة السردية.. وللروائي الفلسطيني حسن حميد يتناول الناقد رواية(جسر بنات يعقوب) منطلقا نقديا تطبيقيا للميتاسرد تحت عنوان بين ما يقوله المؤلف وما يقوله النص..كونها تتشكل من متنين نصيين مستقلين الاول يتمحور حول الدير المطل على قرية الشماصنة وراهباتــه الثلاث..والنــص الاساس الذي يتمحور حول
المهاجر يعقوب وبناته والجسر الذي استحوذ عليه.. اما رواية(الخائف والمخيف) للروائي زهير الجزائري فقد كانت انموذج الناقد لبابه(صناعة الطاغية ميتاسرديا)وفيها يعتمد الروائي تقنية الميتاسرد في بناء الحدث على توظيف اللغة السينمائية عبر تقنية السيناريو الذي يعمد الى خلق مشاهد ولوحات بصرية بعيدا عن تدخل المؤلف..وقد اعترف(وليد) سارد الرواية مع نفسه عن هذا المنحى في التقاطه وتناوله للاحداث.. اما باب(اللعبة الميتاسردية والتخيل التاريخي لثنائية الطبيعة/الثقافة) فقد كانت رواية (القوس والفراشة) للروائي المغربي محمد الاشعري..وهناك تحت باب(التاريخ بوصفه حاضرا في الخطاب الروائي) فقد كانت رواية(دروز بلغراد..حكاية حنا يعقوب) للروائــي اللبناني ربيع جابــر..وفــي باب(انثى السـراب بوصفها لعبة ميتاسردية) فتكون رواية(انثى السراب) للروائي واسيني الاعرج التي تعلن منذ البداية عن لعبتها الميتاسردية..كونها قائمة على تلفيق افتراضي وتخيلي لخلق شخصيات واجواء وصراعات على الورق..واخيرا يقف الناقد على عملية التجريب القصصي في بابه الاخير(تذييل اللعبة الميتاسردية بوصفها تجريبا على مستوى البنى واللغة والاساليب ووجهات النظر والرؤى.. ويشير الناقد الى ان عقد الستينات من القرن الماضي كان قد شهد الاقتران الابرز بين القصة القصيرة واللعبة الميتا سردية..كما في قصة(همس مبهم)لفؤاد التكرلي و( اهتمامات عراقية)لجمعة اللامي و(الدائرة لا باب لها)لعبدالرحمن
الربيعي و(العلامات المؤنسة) لمحمد خضير و(اوراق ضالة لرحلة قصيرة)لموسى كريدي و(وقفة عند جدار الموت)ليوسف الحيدري و(في زورق واحد) لجليل القيسي و(الانشودة الاخيرة لهوميروس)لخضير عبدالامير..
وبهذا الكتاب تكون المكتبة قد احتفلت بالجديد المقالي والتاليفي الذي شكل اضافة خلاقة للوجود الانساني.
المصدر جريدة الزمان