خالد خالدي يرصد الاتجاهات المعاصرة لفن الخط العربي بالجزائر
الهوية التراثية الجزائرية تمنح فنانيها لغة تعبيرية جديدة.
الثلاثاء 2024/08/13
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الفنان خالدي منهمك في نقش أجزاء من القرآن
خالد خالدي خطاط جزائري يمتلك تجربة فنية فريدة، اختار هذه المرة أن يلتفت لفن الخط في الجزائر، محاولا رصد اتجاهاته المعاصرة في كتاب تطرق فيه إلى تجربة أهم الخطاطين في البلاد وخصوصية كل واحد منهم، ومسترجعا بدايات المدرسة الحروفية في بلاده.
الجزائر - في كتابه الصّادر تحت عنوان “الاتّجاهات المعاصرة لفنّ الخط العربي بالجزائر”، عن دار بصمة علمية للنشر، يحاول د. خالد خالدي أن يتتبّع مسارات تطوُّر الخط العربي المعاصر في الجزائر، في صيغته الحروفيّة، لمعرفة الدلالات التي حقّقت التوازن والإتقان والقيم التجريديّة الجمالية لتجعل سرّ جمال اللّوحة الجزائرية التشكيليّة الحروفيّة المعاصرة متميّزة عن غيرها، وذلك من خلال توجُّه الفنان الجزائري المعاصر إلى توظيف أسلوبه المتنوّع في فنّ الحروفيات، وإبراز عملية تحليل القيم الفنيّة في فنّ الخط العربي ضمن المنطق الجمالي للفن الإسلامي الذي يُمثّل الهوية التراثية الجزائرية التي تعتبر واحدة من أفضل السبل في استقاء المعاني والبحث عن لغة جديدة للتعبير.
ويؤكّد خالد خالدي، مؤلّف هذا الكتاب، بالقول “جاء هذا الكتاب بعد تفكير عميق، حاولتُ عبره القيام ببحث أكاديمي حول الاتّجاهات المعاصرة في الخط العربي في الجزائر، خاصّة بعدما لاحظتُ أنّه لا يوجد لدينا تاريخ محدّد لانطلاقة الخط العربي في الجزائر لكن، منذ عام 2000، بدأت مضامين الخط العربي المعاصر تظهر، فضلا عن أنّ أطروحتي في الدكتوراه تتمحور حول الفلسفة الجمالية للخط العربي بين الأصالة والمعاصرة في الجزائر، ووجدتُ أنّ أطروحتي تفتقر إلى الجيل الجديد الذي ظهر مؤخّرا، خاصّة في فنّ الحروفيات، ومن ثمّ تضمّن بحثي هذا دراسة حول فنّ الحروفيات في الجزائر وآفاقه، وركّزت أكثر على بعض الرموز في الخط العربي المعاصر في فترات ما قبل الاستعمار”.
خالدي يتتبع مسارات تطور الخط العربي المعاصر في الجزائر لمعرفة الدلالات التي حققت التوازن والإتقان والقيم التجريدية
وبالنسبة إلى الاستنتاجات التي خلص إليها هذا الكتاب، يضيف المؤلف بالقول “أنا خطّاط مجاز في الخط العربي من طرف الخطّاط السوري نبيل الغانم، وأمارس الخط الكلاسيكي وفنّ الحروفيات، وقد توصّلت إلى أنّ الكفاءة الجزائرية نوعيّة، فإذا لاحظنا مثلا أسلوب خالد سباع، وهو فنان تشكيليّ وخطّاط حروفيّ، وكذلك الأمر بالنسبة للخطاط الطيب العيدي (1971 – 2022)، وأنا أيضا أمارسهما معا، نجد أنّ هذه الازدواجية بين الفن التشكيلي والحروفيات، أنتجت أسلوبا متميّزا عمّا يوجد في الدول الأخرى”.
ويوضح “عندما قمت بهذا البحث، وجدتُ أنّ أكثر اللّوحات، من ناحية فلسفتها، هي تلك التي يقوم بها الفنانون الجزائريُّون، خاصّة في طريقة إخراج اللّوحة، سواء في الكتلة أو تحقيق النسبة الفاضلة، وبالرغم من أنّ خالد سباع، وهو من خنشلة (شرق الجزائر)، ليس خطّاطا في الأصل، إلا أنّه استطاع أن يُنتج أعمالا تحمل فلسفة عميقة من ناحية استخدام الحرف واللّون، وكذلك الأمر بالنسبة للدكتور رضا جمعي، وهو أستاذ بجامعة عبدالحميد بن باديس بولاية مستغانم (غرب الجزائر)، بالرغم من أنّه ليس رسّامًا إلا أنّه أنتج أعمالا في مستوى عال”.
ويضيف د. خالدي بالقول “توصّلتُ من خلال هذا الكتاب، إلى ثلاثة استنتاجات بخصوص الخطّاطين الجزائريين، أوّلا، هناك حروفيٌّ ولا يحمل صفة فنان تشكيلي. ثانيا، هناك حروفيٌّ فنان تشكيليّ ولا يمارس الخط، وثالثا، هناك حروفيٌّ يزاوج بين الحروفية وفن الخط، أمثال الطيب العيدي الذي حقٌّق في أعماله التوازن بين اللّون والحرف العربي. أمّا أعمال خالد سباع فتركّز أكثر على اللّون والنسب والمساحة والحركات التي يضعها في اللّوحة، بالرغم من أنّ حروفه ليست مشابهة للخط الأصيل. أمّا أعمال هشام بن سراي في الحروفيات، وهو خطاطٌ وليس رسّامًا، فتركّز أكثر على الخط العربي وتُهمل الجانب اللّوني، في حين نجد أنّ أعمال نورالدين كور تمتاز بأسلوبها الكلاسيكي وتُحقّق التوازن بين اللّون والحرف”.
من جهة أخرى، يؤكّد خالدي أنّ أوّل من وضع فلسفة المدرسة الجزائرية في فنّ الحروفيات، هما الفنانان رشيد قريشي (1947)، ومحجوب بن بلة (1946 – 2020)، وهذا الأخير كان عضوا في لجنة دولية تأسّست سنة 1970 تحت إشراف الفنان التشكيلي العراقي شاكر حسن آل سعيد (1925 – 2004)، تحت اسم “جماعة البعد الواحد”، والتي حقّقت نظرية البعد الواحد في فنّ الحروفيات.
ويُقرُّ الدكتور والفنان الجزائري بالقول “هذا الجيل من الفنانين الحروفيّين الجزائريّين لم يتوقّف عند الخطوات التأسيسيّة الأولى التي وضعها المؤسّسون الأوائل، وقام بتطوير فنّ الحروفيات باستخدام البعد الثالث، وهو ما نجده في بعض أعمالي، مثل لوحة ‘اللّطيم’، وهي عبارة عن حصان أبيض مرسوم بمجموعة حروف. كما طوّر هذا الجيل أيضا في استخدامات الألوان، والأساليب، والخامات، وأدخل بعض الخطّاطين فنّ النحت ضمن اللّوحة الحروفية، وهو ما نجده في أعمال الفنان محمود طالب، والخطّاط محمد بن عزوز”.
لوحة رشيد قريشي أحد رواد الخط بالجزائر
يُشار إلى أنّ د. خالد خالدي، مؤلّف هذا الكتاب، فنان تشكيلي وخطّاط جزائري، من مواليد البيوض بولاية النعامة (جنوب الجزائر)، مجاز من طرف الخطّاط نبيل الغانم (سوريا)، في خطي الجلي الديواني والديواني، ويكتب عدّة خطوط، إلا أنّه اتّجه إلى فنّ الحروفيات متأثّرا بصديقه الخطّاط الطيب العيدي، وهو أيضا باحث مهتمّ بالخط العربي، وحائز على شهادة دكتوراه في الدراسات الفنيّة التشكيليّة، وحصل عام 2020 على وسام التميُّز في مهرجان العقبة الدولي للفنون الإسلامية بالأردن.
تصفه الناقدة سامية غشير بأنه “تجربة فنيّة فريدة من نوعها، وحالة استثنائيّة قد لا يشهد الفنّ العربي مثلها، فهذا الفنّان الفريد المتفرّد يملك أسلحته الخاصّة التي يغري بها عُيون معجبيه المتعطشّين إلى عبق الفنّ وروعة الخط، وسحر طقوس ممارسة الفنّ الذّي تسامى عنده إلى القداسة، كيف لا والفنّان يخاطب العقول والقلوب ويفتن العيون، ويعبّق المكان من وهج نور الجمال”.
وتشرح أن الفنان خالد خالدي “يملك خيالا خصبا ونرجسيّة جميلة في حب الفن، لأنّه يدرك أنّ الفنّ هو من يصنع الذّات، ويرسم في خوالجها تلابيب الألق، ويتبّلها بعطور الصبابة والطبيعة والإنسانية والحياة، بل أكثر من ذلك ينحت أناقة الرّوح، فكلّ من تبصر عيونه لوحاته تصاب بداء الجمال، وهوس حبّ الحياة في أرقى صورها، وأطهر تجلّياتها وأسمى مظاهرها، فكيف لا وهو يقول الجمال عبر لوحاته ورمزية خطه”.