النقوش الإسلامية بنجران تثبت انتشار مهنة الكتابة بين النساء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النقوش الإسلامية بنجران تثبت انتشار مهنة الكتابة بين النساء

    النقوش الإسلامية بنجران تثبت انتشار مهنة الكتابة بين النساء


    الباحث السعودي مشلّح بن كميخ المريخي يبيّن أن وفرة النقوش التذكارية ذات المدلولات التاريخية في موقع ما، تعد دليلا على أهمية هذا الموقع.
    الثلاثاء 2024/08/13

    وثائق من تاريخ السعوديةمسعود المسردي


    الرياض - أنجز الباحث والأكاديمي السعودي مشلّح بن كميخ المريخي، كتابا ضمن السلسلة العلمية التي تصدرها الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، وعنوانه “النُّقوش الإسلامية في جبل الذّرواء – نجران”.

    ويقع الكتاب في 112 صفحة من القطع الصغير، محتويا على 33 نقشا إسلاميا جميعها غير مؤرخة، ويرجّح الباحث أنها تعود إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين، منها 26 نقشا لأفراد أسرة واحدة، سُطرت بخط كوفي بسيط مجود، على صفحات “جبل الذرواء” الذي يقع في الجهة الجنوبية الشرقية لمركز “سقام” بمنطقة نجران، وهي نقوش تبرز أهمية الموقع كواحد من المواقع الاستيطانية الهامة في الجزيرة العربية، فضلا عما لهذا الموقع من أهمية إستراتيجية كملتقى لطرق التجارة والحج.

    واستهل الباحث كتابه بتوطئة عن أهمية النّقوش بوجه عام بصفتها مصدرا هاما وأساسيا لدراسة التاريخ، فهي ذات دلالات ومؤشرات جوهرية؛ لتحديد معالم الاستيطان الحضاري، ومعرفة تطور شؤون حياة الإنسان بجميع تفرعاتها.

    الدراسة تقرأ النّقوش وتحلل مضامينها اللغوية والدينية وتربطها ببعضها البعض لمعرفة فتراتها الزمنية وعلاقة أصحابها ببعضهم

    وتعتبر النقوش وثائق حية يمكن من خلالها قراءة التاريخ والواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي في المنطقة في تلك الأزمنة، وهو ما حدا بالباحث إلى رصدها وتفسيرها بشكل دقيق.

    وتعرض الدراسة لقراءة هذه النّقوش وتحليل مضامينها اللغوية والدينية، وربطها ببعضها البعض ومعرفة فتراتها الزمنية وعلاقة أصحابها ببعضهم، فضلا عما تقدمه هذه المجموعة من تراكيب لغوية وسمات خطية، وأسماء أعلام مثل: داوود بن سليمان بن يزيد، والرّبيع بن عبدالوهاب، والهيثم بن بشر بن يزيد، وعاتكة بنت بشر بن يزيد، وعلي بن يزيد، والفرات، ومحمد بن داوود، وراجيل، وأم جعفر بنت محمد بن سليمان، وسعد بن يزيد، وزيد بن عبدالرحمن.

    واشتركت نقوش “جبل الذرواء” مع غيرها من النّقوش التذكارية في الجزيرة العربية في العديد من الصيغ والأدعية الدينية، بيد أنها تفردت ببعض التراكيب اللغوية والصيغ الفريدة التي لم يسبق أن وردت في النّقوش الأخرى، ومن الصيغ البارزة في هذه النّقوش على سبيل المثال لا الحصر: “اللهم سلّم فلان من كل مكروه، وجنبه كل محذور، ولقّه السلامة في دينه والعافية في بدنه”. “اللهم بارك لفلان في محلّته هذه، واغفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، وأعنه على أمر الدنيا والآخرة”. “يا رب أعش فلان سعيدا، وتوفه شهيدا”. “رب عافني ولا تعاقبني”.

    وتضمن الموقع عددا من النقوش التي نفذت من قبل نساء، وهي نقوش لها دلالاتها التاريخية التي ترمز إلى مدى انتشار مهنة الكتابة بين النساء آنذاك، ودورهن في المجتمع، ومهارتهن الفائقة التي تظهر في جودة خطوطهن، وثقافتهن العالية التي تجلت من خلال توظيف التراكيب اللغوية الراقية، والصيغ الدينية المناسبة.

    وبيّن الباحث أن وفرة النقوش التذكارية ذات المدلولات التاريخية في موقع ما، تعد دليلا على أهمية هذا الموقع، حيث تنتشر غالبا في المواقع الاستيطانية، أو على جنبات طرق التجارة أو الحج وروافدها ومحطاتها، ومما لا شك فيه أن لطرق التجارة والحج دورا بارزا في نشأة العديد من الحواضر التجارية وازدهارها.


    وتشير الدلائل إلى أن “نجران” كانت واحدة من أهم المراكز التجارية القديمة في جنوب الجزيرة العربية، وملتقى لعدد من طرق التجارة؛ لاسيما “طريق البخور”، وذلك منذ الألف الأول قبل الميلاد، حيث تبوّأت “نجران” مكانة بارزة منذ العصور التاريخية القديمة.

    وأسهمت في ذلك جملة من العوامل من أهمها: اعتدال جوها، وخصوبة أرضها، ووفرة مائها، وموقعها الجغرافي المتميز، إذ كانت على مر التاريخ نقطة اتصال وتواصل ثقافي وحضاري واقتصادي بين مختلف مواقع جزيرة العرب، فقد كان الطريق البرّي الذي يبدأ من أقصى جنوب الجزيرة العربية يمر بـ”نجران”، ومن ثم يتفرع عند “بئر حمى” إلى فرعين، أحدهما يتجه إلى شمال شرق الجزيرة العربية، مارّا بقرية الفاو ثم الأفلاج فاليمامة ثم الجرهاء، سائرا بعد ذلك بمحاذاة الساحل الشرقي إلى بلاد ما بين النهرين، بينما يتجه الآخر من “بئر حمى” عبر “منطقة تثليث” باتجاه الشمال الغربي؛ حتى يبلغ “يثرب”، ومنها إلى العلا ثم البتراء حتى غزّة ووادي النيل.

    وقد ازدادت أهمية الطريق منذ الألف الأول قبل الميلاد، عندما أصبحت البضائع التجارية المنقولة من جنوب بلاد العرب ذات قيمة تجارية عالمية، وازداد الطلب عليها في أسواق العالم القديم، وبعد ظهور الإسلام لم يفقد هذا الطريق أهميته؛ حيث أصبح طريقا رئيسا لتحركات الحجاج إلى الأماكن المقدّسة في الجزيرة العربية.

    الجدير ذكره أن “وكالة الآثار والمتاحف” (هيئة التراث حاليا)، حصرت ما يقرب من 200 نقش إسلامي في “منطقة نجران”، ويرجع أقدمها إلى سنة 190هـ وأحدثها نقشا مؤرخ في سنة 1180هـ.
يعمل...
X