سمير الفيل: الكاتب الحقيقي يمكنه النجاة من فخ العاصمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سمير الفيل: الكاتب الحقيقي يمكنه النجاة من فخ العاصمة

    سمير الفيل: الكاتب الحقيقي يمكنه النجاة من فخ العاصمة


    أديب مصري يجد في القصة مناطق سحرية للتنقيب عن المسرات.
    الثلاثاء 2024/08/13
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    الصحافة علمتني سرعة الإنجاز ومحت خرافة الوحي

    يعتبر الكاتب المصري سمير الفيل من أبرز الأسماء الأدبية المصرية اليوم، وهو الذي راكم لعقود تجربة الكتابة في الشعر والقصة والرواية وحتى المقالات النقدية والصحفية، ما جعله يملك رؤية عميقة للأدب ووظائفه وخصائصه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب حول الأدب وبعض رؤاه الثقافية.

    القاهرة - الدأب والصبر والإصرار، عوامل حاسمة للنجاح في كل مجال، لكن النماذج القادرة على النجاح وسط الصعاب ليست كثيرة، فالأسهل هو التمسح بالأعذار والالتحاف بالمظلومية. والأديب المصري سمير الفيل نموذج ملهم في الإنتاج الدائم والإبداع المستمر، حصل على أول جائزة أدبية في سن الثامنة عشرة، ويواصل الكتابة حاصدا محبة القراء وإعجاب النقاد، وآخر جوائزه هي جائزة الملتقى في القصة القصيرة من الكويت.

    يقول سمير الفيل في حواره مع “العرب” إن جائزة الملتقى توجت رحلة الكتابة لأكثر من خمسة وخمسين عاما؛ فهي جائزة عربية مرموقة، احتضنتها دولة الكويت منذ عام 2015، وانبثقت فكرتها من إدراك أهمية وتاريخ وجمال وفعل فن القصة القصيرة العالمي والعربي.
    كتابة من الروح


    ولأن فن القصة يعاني في العقود الماضية من ابتعاد الكاتب والناشر والقارئ بسبب تسيد جنس الرواية المشهد، ولدت بشكل عملي فكرة إنشاء جائزة كويتية عربية عالمية تلتفت إلى النتاج القصصي العربي وتكرمه.

    وتم إعلان النتائج في حفل عقد بجامعة الشرق الأوسط الأميركية في الكويت، بحضور نخبة ضمت الكاتب الكويتي طالب الرفاعي مؤسس الجائزة، وفهد العثمان رئيس مجلس أمناء الجامعة، وكبار المثقفين، منهم الأكاديمي سليمان الشطي، ووليد النصف، والكاتبة ليلى العثمان، والأكاديمية سعاد العنزي، وهدى الشو، والأكاديمية ليال أبوسعد.

    تنبع قيمة الجائزة بالنسبة إلى الأديب المصري من المصداقية والشفافية التي تتميز بها، والإعلان عن لجنة التحكيم قبل الشروع في تحكيم الأعمال، وكلها خطوات تدعم فكرة النزاهة والمصداقية.

    ويلفت في حديثه لـ”العرب” إلى أن حالة السعادة بجائزته بين جموع المثقفين، في القاهرة خصوصا، هي تقدير لرحلة إبداعه الطويلة التي قضاها في الكتابة بلا توقف، حريصا باستمرار على تطوير أدواته، وأن يكتب عمّا يعرفه، كتابة من الروح، لا تلتفت للصخب والضجيج المنتشر في الساحة الثقافية، كما أن قدرا من المتابعين رأوا في حصوله على الجائزة نوعا من الإنصاف بالرغم من رفضه التام لفكرة “المظلومية”.

    قراءة مدققة للواقع الثقافي تخبرنا بأن الكاتب الحقيقي يمكنه أن يتخطى عقبات المركز والهامش بالاشتغال على تجربته وتعميقها

    يخطو سمير الفيل في عامه الرابع والسبعين، ويحرص على الجلوس يوميا على المقهى، والكتابة على منضدة قديمة من رخام في مدينته دمياط البعيدة عن القاهرة بنحو مائتي كيلومتر.

    وحول علاقة المركز بالأطراف وتلك الثنائية الظالمة للكثير من المبدعين، يقول الفيل “لا أنكر مركزية الثقافة، واهتمامها بالعاصمة أكثر من الأقاليم البعيدة عن الضوء، وأن قراءة مدققة للواقع الثقافي تخبرنا بأن الكاتب الحقيقي يمكنه أن يتخطى تلك العقبات بالمزيد من الاشتغال على تجربته وتعميقها، وتجويد كتابته، والحرص على قراءة الأعمال الإبداعية العالمية، وتحليلها، ومن ثم الانطلاق نحو تحرير كتاباته والنجاة من فخ العاصمة التي تفرض شروطها على الكتاب جميعا”.

    ويضاف إلى ذلك ضرورة الانفلات من النمط بغية الارتقاء بالنص السردي إلى آفاق غير محدودة، وحتمية الوعي بحركة التاريخ وبموقع الذات في تفاعلها مع الواقع المتحرك الذي لا يعرف الثبات.

    وينظر الأديب المصري إلى النماذج الفارقة في الأدب فيجد أغلبهم قادما من الأطراف، ممن شكلوا من خلال وعيهم بالقضايا الحقيقية أدبا رفيعا، مثل يحيى الطاهر عبدالله في القصة القصيرة القادم من جنوب مصر (الصعيد)، وإدوار الخراط وإبراهيم عبدالمجيد وحجاج أدول القادمين من الإسكندرية، وصبري موسى وعبدالفتاح الجمل ولطيفة الزيات القادمين من دمياط، مسقط رأسه.

    حصل سمير الفيل على جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 2016، وفي العام التالي نال جائزة يوسف أبورية، ثم جائزة ساويرس لكبار الكتاب عام 2020، وفي مارس الماضي فازت مجموعته القصصية “دمى حزينة” بجائزة الملتقى في دورتها السادسة، من بين 198 مجموعة قصصية.



    تمثل دمياط حالة خاصة وحياة عند سمير الفيل، فقد قدمت لمصر أهم كتاب المسرح في هذا العصر، مثل يسري الجندي ومحمد أبوالعلا السلاموني وعبدالغني داود، وبشير الديك، كاتب قصة وسيناريو وحوار فيلم “سواق الأتوبيس”.

    ويؤكد الأديب المصري لـ”العرب” أن وجود المركز لا يعني إهمال الجهد الشخصي وحركة المقاومة للسير في طرق غير ممهدة تخص إنتاج إبداع عابر للأمكنة ومحدوديتها.

    ولاقت المجموعات القصصية المعبرة عن التحولات الاجتماعية في الواقع المصري لسمير الفيل اهتماما واسعا في الأوساط الثقافية، وقال عنه الناقد شريف الجيار إنه “يمتلك فلسفة ورؤية فكرية واعية، تهدف إلى سبر أغوار الحياة وفهمها”.

    ويحرص عبر صفحته الخاصة على موقع فيسبوك على الحديث بالصور عن مكان محدد في مدينته دمياط هو “مقهى العيسوي”، المكان المفضل لجلوس كتاب القصة والشعراء، والمسرحيين والموسيقيين.

    ووصفه لـ”العرب” بأنه “مقهى شعبي بقلب المدينة، نجتمع فيه في اليوم الثاني من كل عيد، لكن بعد إحالته للتقاعد صار يختلف إليه، وشيئا فشيئا صار مكانا نقرأ فيه نصوصنا الجديدة ونتعرف على أحدث كتابات الزملاء والكتاب الشباب، نناقش أعمالهم بصبر وهدوء وحسن استبصار”.

    ويتابع “صار المقهى بيتنا الثاني، يأتي كتاب من المدن القريبة للجلوس فيه. ومن رواده الحاليين فكري داود، وحلمي ياسين، وهشام الخميسي، وعابد المصري، ورسام الكاريكاتير محمد عزالدين. وقد نقرأ أعمالا مترجمة وفصولا من روايات عالمية شهيرة. المهم هنا الاستفادة من التجمع في الارتقاء بكتاباتنا، وأحيانا نستمد من عابري الشارع أفكارا جنينية لنصوص سوف تكتب في ما بعد”.

    أبدع سمير الفيل بكل أشكال وفنون الكتابة، في الشعر والرواية والقصة القصيرة، فضلا عن الصحافة والمسرح والنقد، وبدأ تجربته شاعرا للعامية عام 1968، ليحصل في العام التالي على جائزة “المؤتمر الأول للأدباء الشبان” بمدينة الزقازيق (شمال القاهرة)، وعمره وقتها 18 عاما، لكن القصة القصيرة هي الفن الذي جذبه.
    أبطال مهزومون


    الشعر في منظور الأديب المصري تحليق للوصول إلى قمة الخيال، والرواية قطع مسافات طويلة للذهاب إلى أمكنة بعيدة

    يعد الشعر في منظور الأديب المصري تحليقا في الأعالي للوصول إلى قمة الخيال، والرواية هي قطع مسافات طويلة للذهاب إلى أمكنة بعيدة في خريطة العالم أو داخل أغوار النفس البشرية، أما القصة القصيرة فتعتمد على التكثيف والتلميح والتقشف اللغوي فضلا عن زاوية الالتقاط.

    يوضح سمير الفيل لـ”العرب” أنه في مجموعاته القصصية “صندل أحمر”، و”هوا بحري” و”جبل النرجس”، أنصت لعالم المهمشين وطارد ظلال أبطاله المهزومين واقترب من هواجسهم وأوجاعهم.

    ويعي أن فن القصة القصيرة فيه لمسات واقعية وشطحات صوفية ومعرفة عميقة من جانب الكاتب بأبطال القصص، ففي قصص “مشيرة” و”نرجس” و”ألحان علي”، البطل هو الفرد المنكسر، المنشطرة ذاته، لكنه يقاوم ولا يرتضي بالخنوع وطأطأة الرأس، حتى آخر لحظة.

    ويعترف الأديب المصري بأنه وجد في القصة القصيرة مساحات للبوح ومناطق سحرية للتنقيب عن مسرات لم يكن يتيحها سوى القص، مؤكدا ضرورة أن نتعلم من تشيخوف ويوسف إدريس وزكريا تامر، أهمية الاقتصاد في اللغة وإسقاط التفصيلات التي لا تفيد بنية النص.

    عمل سمير الفيل بالصحافة لأربع سنوات في جريدة “اليوم” السعودية، ثم عاد إلى مصر مراسلا لها، وكتب العديد من المقالات في مجلة “النص الجديد”، وقال إنه تعلم من الصحافة “سرعة الإنجاز، وقد محت عنده خرافة الوحي بالنسبة إلى الكتاب، ولم يضره العمل الصحفي لأنه وضع حدودا واضحة بين نشاطه الصحفي والإبداعي”.



    وتصف الناقدة العراقية، الأكاديمية وجدان الصائغ إبداعات سمير الفيل بأنها مناخات تضيء عناءات فادحة، لا يمكن قراءتها سوى بالعثور على النفق السري الذي يربط بين بؤرتين كبيرتين، هما الأم والمكان.

    وارتبط اسم سمير الفيل بأدب الحرب، وحازت قصصه الأولى على اهتمام بعض النقاد العرب، خاصة مجموعتيه القصصيتين “خوذة ونورس وحيد”، و”شمال يمين”. وحصلت قصة “في البدء كانت طيبة” على الجائزة الأولي للقصة القصيرة في أدب الحرب عام 1974، وتسلم الجائزة من وزير الثقافة المصري الراحل الأديب يوسف السباعي، بينما نال عن أولى رواياته “رجال وشظايا” ميدالية الجيش المصري في اليوبيل الفضي لحرب أكتوبر 1973.

    وكتبت الأكاديمية المصرية عزة بدر عن كتاباته حول الحرب “ها هي اللحظة الحاسمة تكشف عن معدن الرجل وشجاعته، ها هي لحظة الموت التي تعرّي الذات وتكشف مكامن الضعف ومواطن القوة. ها هو الاختيار الحي أمام سلطان الموت”.

    ونشر الأديب المصري ثلاث مجموعات قصصية وروايتين في أدب المقاومة وحول الصراع العربي – الاسرائيلي، وأهدى قصصه إلى الكاتب الفلسطيني زكي العيلة.

    ويتحدث سمير الفيل بألم قائلا “اهتممت في أعمالي برصد ما يعتمل في نفوس المحاربين لحظات المواجهة الدامية. كنت مهتما بالإنسان لا الآلة. أما ما يحدث حاليا في غزة فهو حرب إبادة واضحة وصريحة، يقف العالم مكتوف الأيدي تجاهها، لكن الشعوب ربما تحركت واستيقظت ضمائرها”.

    وتسأل “العرب” الأديب المصري حول كيفية التعبير بالفن عن التطورات الدامية الحالية في غزة، وأيّ الفنون هو الأنسب؛ الشعر أم الرواية أم القصة، فيقول “بالتأكيد كل فنون الكتابة يمكنها معالجة القضية، والتعبير عن كونه صراع وجود لا حدود، والرواية يمكنها أن تستوعب ما جرى، كما رأينا في أعمال غسان كنفاني وإميل حبيبي ومريد البرغوثي، وأن الأحداث التي بدأت تهز ضمير العالم الحر سوف تجد من يترجمها إلى نصوص عالية القيمة، فهي مسألة وقت”.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد شعير
    كاتب مصري
يعمل...
X