النقد الأدبي الحديث
النقد الأدبي الحديث إذًا، هو تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفنون عامة أو إلى الشعر خاصة ويقصد به القدرة على التمييز والقدرة على التفسير والتعليل والتحليل والتقييم، وهي خطوات لا تغني إحداها عن الأخرى وهي متدرّجة على هذا النسق كي يتخذ الموقف نهجًا واضحًا مؤصلًا على قواعد جزئية أو عامة مؤيدًا بقوة ملكة الإبداع بعد ملكة التمييز.
شروط أضافها المحدثون:
أما الدارسون المحدثون فقد رأوا وجوب توفر شوط أخرى يتحلى بها الناقد في تناوله العمل الأدبي و منها:
- الذكاء:
أو الخبرة :و ذلك أن يكون الناقد ذا معرفة واسعة بالفن الأدبي الذي ينتقده ثم بما يلابسه من فنون و موضوعات أخرى،لأن النقد الأدبي لا تتضح قضاياه و لا تستقيم أحكامه حتى يعتمد على مقاييسه الخاصة. و من نواحي الخبرة أن يكون الناقد مطلعا على عصر الأديب و مكانه وسيرته و لا مناص من تعرف ذلك لفهم الأدب،و تعليل ظواهره،و سلامة النقد من الظلم.
- المشاركة العاطفية:
و تسمى التعاطف،و المراد بها أن يكون الناقد ذا قدرة على النفاذ إلى عقول الأدباء، ومشاعرهم،يحل محلهم و يأخذ مواقفهم أمام التجارب التي بلوها،والفنون التي عالجوها.و في هذا المقام يطالب أحمد الشايب الناقد أن ينسى ما استطاع،كل ما يحول دون اتحاده بالأدباء،ينسى ميوله الخاصة و ذوقه،ينسى ما قد يكون في نفسه من قيم و أفكار عنهم لئلا تسبق فتؤثر في تصوير آثارهم و قدرها،ينسى عصبيته الجنسية أو القومية أو الحزبية.
-الذاتية أو الفردية:
و يقصد بها أن يضيف الناقد إلى ذكائه و مشاركته العاطفية للعمل الأدبي،مقياسه الدقيق الخاص به الذي لا يصرفه عن سلامة الحكم و الإنصاف في التقدير،و هذا المقياس الخاص مزيج من الذوق السليم و المعرفة الشاملة،أو هو المواهب النفسية التي تتلقى آثار الأدب مجتمعة فتتذوقها وتحكم عليها.و فائدة الذاتية أن تهب لآراء الناقد قوة العقيدة،و ثقة اليقين،و الابتكار و الجدة والطرافة.
و خلاصة القول أن خصوصية الطاقة النقدية خصوصية كاملة،و اكتسابها لا يحدث بالتلقين والتعلم. إنما تكتسب هذه الطاقة متى توافرت شروطها الذاتية.
النقد بين العلم و الفن:
اشتد الخلاف بين النقاد حول طبيعة النقد الأدبي و تصنيفه بين العلم أوالفن،فمنهم من رأى أن النقد مسألة ذاتية خالصة تعتمد على ما تبعثه النصوص في نفوس القراء من انفعالات، وما تؤثر في أذواقهم من آثار مقبولة أو منكرة،و هذه النفوس و الأذواق مختلفة باختلاف الأفراد،على أن هذه الأذواق تستحيل مع الأيام وسعة الثقافة،و استحالة الحياة الطبيعية والاجتماعية، فتصبح أحكامها معرضة للتناقض،و معنى ذلك تعدد الأحكام بتعدد النقاد،ثم تغيرها بتغير الأحوال،و ليس هذا من طبيعة العلم. و لذلك وجب أن يوضع للنقد قواعد ومقاييس علمية تستعين بجملة من العلوم المختلفة و تضع لنفسها مناهج تسترشد بها في دراسة العمل الفني دراسة موضوعية بعيدا عن الذاتية و الأهواء الشخصية.على أن هذه القواعد النقدية التي يسترشد بها النقاد حين ينهضون بوظيفتهم لا يمكن مطلقا أن تخلق الناقد البارع ما لم يكن من طبعه أساس خلقي و طبع و عبقرية موهوبة.
النقد بين الذاتية و الموضوعية:
لقد بذلت جهود و محاولات لجعل النقد الأدبي علما كسائر العلوم الطبيعية،مهمته تشريح النص عبر قوانين عامة مستمدة من العلوم في أغلب الأحيان و منذ القديم وجدت قواعد لضبط القول الأدبي و تصنيف أنواعه،سيما في الشعر. و لقد تبين لنا حتى الآن أن النقد لا يمكن أن يكون من العلوم التجريبية كالطبيعة والكيمياء و لا من العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والجبر، لعل الحائل الرئيس ودون ذلك أن هذه العلوم موضوعية تتناول الأشياء و المقادير كما هي في دقة براءة من سلطان الأمزجة و العواطف،و لكن النقد فيه جانب موضوعي عام يتصل بالمسائل النحوية و البيانية و بمقدار من الذوق العام،و فيه جانب ذاتي يعتمد حتما
على الذوق الخاص ..لذلك خرج النقد الأدبي من دائرة العلوم الخالصة،ثم حاول أن يكون فنا خالصا فما استطاع،إذ الفن يمثل الذاتية الخالصة.
لهذا لا نستطيع أن نعد الكتابة النقدية كتابة لالنقدية كتابة لها علميتها و حياديتها،فالجانب الذاتي فيها أمر طبيعي،يستطيع أن يهب النص النقدي حيوية و جاذبية،خاصة إذا استطاع الناقد إقامة توازن بين انفعالاته و وجدانه و بين معارفه و الأسس النظرية التي ينطلق فيها العمل الفني،فلا يسقط ذاته على النص الأدبي ليمنع استقلاليته وقراءته من الداخل،فنقرأ أعماق الناقد و رؤاه أكثر مما نقرأ أعماق النص و رؤى الكاتب.
وظيفة النقد:
يمكن تلخيص أهمية النقد و وظيفته و غايته في النقاط الآتية:
*دراسة العمل الأدبي و تمثله و تفسيره و شرحه،و استظهار خصائصه الشعورية والتعبيرية،و تقويمه فنيا و موضوعيا.
*تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب،و تحديد مدى ما أضافه في التراث الأدبي في لغته و في العالم الأدبي كله.و معرفة مدى جدته من عدمها.
*تحديد مدى تأثر العمل الأدبي بالمحيط ومدى تأثيره فيه،هذا من الناحية التاريخية،أما من الناحية الفنية،فإنه من المهم معرفة ماذا أخذ هذا العمل الأدبي ومدى استجابته للبيئة.
* يفسر النقد الآثار الأدبية و يبين الأصول اللازمة لفهمها،و الوجوه التي تفهم عليها و هو بذلك ييسر قراءتها على الناس و يصل بينهم و بين الشعراء و الكتاب الذين ربما لا يعرفون لولا النقاد و لهذا تتمكن منزلتهم في النفوس،و يشتركون في بناء الحياة الاجتماعية،مؤثرين و متأثرين.
* لا يقف النقد الأدبي الخلاق عند بيان المساوئ و المحاسن،و إنما يتعدى ذلك إلى اقتراح ما ينهض بالأدب و يوسع من آفاقه إلى فنون جديدة و أساليب ممتعة..
النقد الأدبي الحديث إذًا، هو تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفنون عامة أو إلى الشعر خاصة ويقصد به القدرة على التمييز والقدرة على التفسير والتعليل والتحليل والتقييم، وهي خطوات لا تغني إحداها عن الأخرى وهي متدرّجة على هذا النسق كي يتخذ الموقف نهجًا واضحًا مؤصلًا على قواعد جزئية أو عامة مؤيدًا بقوة ملكة الإبداع بعد ملكة التمييز.
شروط أضافها المحدثون:
أما الدارسون المحدثون فقد رأوا وجوب توفر شوط أخرى يتحلى بها الناقد في تناوله العمل الأدبي و منها:
- الذكاء:
أو الخبرة :و ذلك أن يكون الناقد ذا معرفة واسعة بالفن الأدبي الذي ينتقده ثم بما يلابسه من فنون و موضوعات أخرى،لأن النقد الأدبي لا تتضح قضاياه و لا تستقيم أحكامه حتى يعتمد على مقاييسه الخاصة. و من نواحي الخبرة أن يكون الناقد مطلعا على عصر الأديب و مكانه وسيرته و لا مناص من تعرف ذلك لفهم الأدب،و تعليل ظواهره،و سلامة النقد من الظلم.
- المشاركة العاطفية:
و تسمى التعاطف،و المراد بها أن يكون الناقد ذا قدرة على النفاذ إلى عقول الأدباء، ومشاعرهم،يحل محلهم و يأخذ مواقفهم أمام التجارب التي بلوها،والفنون التي عالجوها.و في هذا المقام يطالب أحمد الشايب الناقد أن ينسى ما استطاع،كل ما يحول دون اتحاده بالأدباء،ينسى ميوله الخاصة و ذوقه،ينسى ما قد يكون في نفسه من قيم و أفكار عنهم لئلا تسبق فتؤثر في تصوير آثارهم و قدرها،ينسى عصبيته الجنسية أو القومية أو الحزبية.
-الذاتية أو الفردية:
و يقصد بها أن يضيف الناقد إلى ذكائه و مشاركته العاطفية للعمل الأدبي،مقياسه الدقيق الخاص به الذي لا يصرفه عن سلامة الحكم و الإنصاف في التقدير،و هذا المقياس الخاص مزيج من الذوق السليم و المعرفة الشاملة،أو هو المواهب النفسية التي تتلقى آثار الأدب مجتمعة فتتذوقها وتحكم عليها.و فائدة الذاتية أن تهب لآراء الناقد قوة العقيدة،و ثقة اليقين،و الابتكار و الجدة والطرافة.
و خلاصة القول أن خصوصية الطاقة النقدية خصوصية كاملة،و اكتسابها لا يحدث بالتلقين والتعلم. إنما تكتسب هذه الطاقة متى توافرت شروطها الذاتية.
النقد بين العلم و الفن:
اشتد الخلاف بين النقاد حول طبيعة النقد الأدبي و تصنيفه بين العلم أوالفن،فمنهم من رأى أن النقد مسألة ذاتية خالصة تعتمد على ما تبعثه النصوص في نفوس القراء من انفعالات، وما تؤثر في أذواقهم من آثار مقبولة أو منكرة،و هذه النفوس و الأذواق مختلفة باختلاف الأفراد،على أن هذه الأذواق تستحيل مع الأيام وسعة الثقافة،و استحالة الحياة الطبيعية والاجتماعية، فتصبح أحكامها معرضة للتناقض،و معنى ذلك تعدد الأحكام بتعدد النقاد،ثم تغيرها بتغير الأحوال،و ليس هذا من طبيعة العلم. و لذلك وجب أن يوضع للنقد قواعد ومقاييس علمية تستعين بجملة من العلوم المختلفة و تضع لنفسها مناهج تسترشد بها في دراسة العمل الفني دراسة موضوعية بعيدا عن الذاتية و الأهواء الشخصية.على أن هذه القواعد النقدية التي يسترشد بها النقاد حين ينهضون بوظيفتهم لا يمكن مطلقا أن تخلق الناقد البارع ما لم يكن من طبعه أساس خلقي و طبع و عبقرية موهوبة.
النقد بين الذاتية و الموضوعية:
لقد بذلت جهود و محاولات لجعل النقد الأدبي علما كسائر العلوم الطبيعية،مهمته تشريح النص عبر قوانين عامة مستمدة من العلوم في أغلب الأحيان و منذ القديم وجدت قواعد لضبط القول الأدبي و تصنيف أنواعه،سيما في الشعر. و لقد تبين لنا حتى الآن أن النقد لا يمكن أن يكون من العلوم التجريبية كالطبيعة والكيمياء و لا من العلوم الرياضية كالحساب والهندسة والجبر، لعل الحائل الرئيس ودون ذلك أن هذه العلوم موضوعية تتناول الأشياء و المقادير كما هي في دقة براءة من سلطان الأمزجة و العواطف،و لكن النقد فيه جانب موضوعي عام يتصل بالمسائل النحوية و البيانية و بمقدار من الذوق العام،و فيه جانب ذاتي يعتمد حتما
على الذوق الخاص ..لذلك خرج النقد الأدبي من دائرة العلوم الخالصة،ثم حاول أن يكون فنا خالصا فما استطاع،إذ الفن يمثل الذاتية الخالصة.
لهذا لا نستطيع أن نعد الكتابة النقدية كتابة لالنقدية كتابة لها علميتها و حياديتها،فالجانب الذاتي فيها أمر طبيعي،يستطيع أن يهب النص النقدي حيوية و جاذبية،خاصة إذا استطاع الناقد إقامة توازن بين انفعالاته و وجدانه و بين معارفه و الأسس النظرية التي ينطلق فيها العمل الفني،فلا يسقط ذاته على النص الأدبي ليمنع استقلاليته وقراءته من الداخل،فنقرأ أعماق الناقد و رؤاه أكثر مما نقرأ أعماق النص و رؤى الكاتب.
وظيفة النقد:
يمكن تلخيص أهمية النقد و وظيفته و غايته في النقاط الآتية:
*دراسة العمل الأدبي و تمثله و تفسيره و شرحه،و استظهار خصائصه الشعورية والتعبيرية،و تقويمه فنيا و موضوعيا.
*تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب،و تحديد مدى ما أضافه في التراث الأدبي في لغته و في العالم الأدبي كله.و معرفة مدى جدته من عدمها.
*تحديد مدى تأثر العمل الأدبي بالمحيط ومدى تأثيره فيه،هذا من الناحية التاريخية،أما من الناحية الفنية،فإنه من المهم معرفة ماذا أخذ هذا العمل الأدبي ومدى استجابته للبيئة.
* يفسر النقد الآثار الأدبية و يبين الأصول اللازمة لفهمها،و الوجوه التي تفهم عليها و هو بذلك ييسر قراءتها على الناس و يصل بينهم و بين الشعراء و الكتاب الذين ربما لا يعرفون لولا النقاد و لهذا تتمكن منزلتهم في النفوس،و يشتركون في بناء الحياة الاجتماعية،مؤثرين و متأثرين.
* لا يقف النقد الأدبي الخلاق عند بيان المساوئ و المحاسن،و إنما يتعدى ذلك إلى اقتراح ما ينهض بالأدب و يوسع من آفاقه إلى فنون جديدة و أساليب ممتعة..