قلعة دبسي فرج
==============
تقع قلعة "دبسي فرج" على الضفة الغربية لنهر الفرات، وترتفع بمقدار 295م عن مستوى سطح البحر،
ويأتي موقعها في منتصف المسافة الفاصلة بين "تل مريبط" و"مسكنة" (إيمار القديمة) والبالغة نحو40 كم.
.
تعود أولى المنشآت في هذا الموقع إلى القرن الأول ق.م، حيث تأسست مستوطنة صغيرة استمدت أهميتها من قربها من الطريق الرئيسة الواصلة بين "أنطاكية" و"دورا أوربوس".
.
وقد عثر في الطبقة الأولى على لقى تدل على النشاط التجاري لهذا الموقع سواء مع الغرب أم مع الشرق، ومن بينها منتجات زجاجية و فخارية دقيقة الصنع.
.
أما الاستيطان الرئيس للموقع فكان في العصر الروماني حين بنيت قلعة محصنة ومن حولها سور مزدوج له شكل الكلية أو حبة الفاصولياء، وكان هذا الشكل بسبب طبوغرافية الموقع التي تحكمت في شكل الموقع وسوره. وتتجلى أهمية هذا المستوطن بوجود العمارة الضخمة ذات الزخارف، وفسيفساء الحمامات، فضلاً عن التماثيل الضخمة. ويشبه بعض الباحثين هذا الموقع بمدينة أتيس (Athice) الرومانية، التي أصبحت لاحقاً مدينة (قيصرية الجديدة) خلال العهد الروماني المتأخر.
.
كانت القلعة عند بنائها في القرن الأول ق.م من دون تحصين، ولكن الامبراطور "ديوقليسيانوس" - الذي دخل في مواجهة عنيفة مع الفرس- قام بإشادة أول سور للقلعة لصد الهجمات والدفاع عن المدينة، واتخذت القلعة شكلها الحالي، وبلغت أبعاد السور 379م من الشرق إلى الغرب، و75 حتى 220م من الشمال إلى الجنوب؛ لأن شكل السور غير منتظم.
.
وهناك عدة أبراج مربعة الشكل، ويتخلله أربع بوابات إلى القلعة، ثلاث منها في الجانب الشمالي – الشرقي، والرابعة الرئيسة في الجانب الجنوبي.
وقد تم تحصين كل بوابة ببرجين على جانبي المدخل.
.
وقد وجدت شبكة طرق تصل بين البوابات والمنشآت الموجودة داخل القلعة. وتعززت هذه العمارة التحصينية لاحقاً خلال عهد الامبراطور "جستنيانوس" الذي بنى سوراً آخر، وملأ الفراغ بالأحجار والركام من بقايا معمارية لم تعد مستخدمة، ومنها تيجان أيونية، ومنحوتات نصفية لرجال ونساء، وجزء من عمود نحت عليه رسم يمثل ربة النصر.
.
أما على صعيد الأبراج فقد تم تجديدها، واستعمل الآجرّ المشوي في بناء برجي البوابة الجنوبية. وهذه الأبراج مشابهة - من ناحية نمط البناء - أبراج موقع (حلبية). كما تم ترميم البرج الموجود في الزاوية الشرقية، وأصبح سداسي الشكل، كما أضيفت أبراج مستطيلة الشكل إلى المسافات الفاصلة بين الأبراج الرئيسة، وهذا ما يمكن أن يلاحظ في الجانبين الشمالي والشرقي.
.
لم تقتصر اهتمامات "جستنيانوس" على التحصين فقط، بل أشاد :
◘حماماً - من الآجر- ملحقاً بمقرّ الإقامة الرسمي. وقد بقي منه بعض آثار لأرضيات فسيفسائية؛ فضلاً عن بعض الكسر من الرخام الذي كان يكسو الجدران.
.
◘ وبُني حمام آخر خارج السور في القطاع الثالث في بيت يعود تاريخ تشييده إلى القرن الرابع الميلادي، وقد بقيت أماكن مراجل تسخين المياه واضحة المعالم.
وقد جُدِّد الحمام في القرن الخامس - وهذا ما يظهره النقش الحجري الذي عثر عليه في الممر- عام 764 بحسب التأريخ السلوقي، ويوافقه 452 م.
وشملت أعمال التجديد فرش أرضية الحمام بالفسيفساء، والتي تحمل مشاهد ملونة لحيوانات، من بينها أسد يهاجم غزالاً، ومشهد يمثل (ربة الصحة) الهيجيا.
.
◘ كما كُشف عن حمام ثالث - خارج الأسوار أيضاً- من جهة الغرب، وقد احتوى هذا الحمام على أنابيب ضخمة للتزود بالمياه.
.
وقد عُثر عند الزاوية الجنوبية الشرقية على كنيسة، وهي بازيليكا أبعادها 28×38م، مؤلفة من فناء يحيط به رواق من الجهتين الشمالية والجنوبية. الأرضية من الفسيفساء، لكن مشاهدها غير واضحة سوى في بعض الأجزاء الصغيرة التي تظهر فيها زخارف هندسية. وأضيفت إلى هذه البازيليكا لاحقاً غرفة عبادة صغيرة (chapel).
.
لم ينتهِ الاستيطان في "دبسي فرج" عند هذه المرحلة ، فقد كشف عن قطع نقدية بيزنطية وإسلامية يقارب عددها 700 قطعة؛ وهذا يشير إلى استيطان إسلامي في الموقع.
=======================================
عمار عبد الرحمن - الموسوعة العربية