متتالية روائية أردنية تجمع بين الفانتازيا وروح الصوفية
الكاتب مصعب البدور يخوض تجربة سردية مختلفة في روايته بين الرسم بالكلمات ورسم المستقبل في لوحات استشرافية.
الجمعة 2024/07/26
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كتابة غير مألوفة (عمل للفنان دينو أحمد علي)
عمان - رواية “الساحرة في رواق الزاوية” للكاتب الأردني مصعب البدور هي متتالية روائية تجمع بين الفانتازيا وروح الصوفية عبر شهود ثلاثة وكأنها فصول منفصلة متصلة.
ويمكن اعتبار رواية مصعب البدور توغلا في نمط مختلف من الكتابة الروائية لا يقوم على النسقية والخطية المعتادة ولا حتى على تتبع الحدث بل توغل في حالات متشظية متاحة للقارئ ليجمعها ويركب من خلالها العالم الذي يتخيله.
وترى الكاتبة هدى توفيق أنه يوجد الآن مصطلح الرواية الجديدة المتطورة على المستوى الهيكلي، وفنيات الحدث، ومدى تفاعله مع الشكل الجديد. ربما لم يعد يروق للكاتب الشكل التقليدي المعتاد في كتابة الرواية، وأصبحت متعة اللعب بالأشكال الأدبية من وظائف اهتمام الكاتب أثناء الكتابة، وليس فقط تطبيق الفكرة المعتادة. أحيانا تجلب الكتابة أشكالا غير التي تشكلت عليها ذائقتنا الأدبية في قراءة القصة والرواية.
ومن هذه الأساليب المبتكرة المتتالية الروائية التي لا تقوم على وحدة النص والنسيج السردي بل على تفريقه بالتتالي ومنح المساحة للتأويل وخيال القارئ الذي يرشده طبعا الكاتب ولا يتركه في متاهة.
تبدأ الرواية، الصادرة حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، متتبعة أثر الكلمات في حياة الإنسان، ودورها في تغيير مصيره، كما توازي بين الرسم الملهَم الذي يعرض مشاهد من أحداث ستدور في المستقبل من خلال أحد الأبطال الرئيسيين في الرواية.
يقول مصعب البدور في مقدمة الشهود الأول “بعض الكاميرات تشوه الحقيقة، وبعض الأصوات تكون مزيفة، ربما الكلمات وحدها القادرة على المرور من كل الحجب، واصفة الحقيقة، فلو عرضت لك صورة فتاة صغيرة تعبث بهرة، فلا أعتقد أنك ستصدق أنها تسحبها بخيط خفي، تشدها من أيّ مكان كانت فيه، فتاة تستطيع جمع الكائنات والأشباح، والذباب البشري، ثم تبهرك وهي تنثر سحرها متطايرا في الهواء، براءة وجهها معقدة، فصورتها ستغرك بين لذة الطبيعة وبراءة النظرة وبين هالة الحجاب، والحركة الهادئة السريعة”.
ويتابع مصعب بعد بضعة أسطر “الكلمات وحدها قادرة على صناعة صنم للأشخاص، فلو رأيتم صورة طفل أشعث بين أروقة الزاوية يدور في حلق الذكر، فهل ستعتقدون أن خطه سيء حد الطلاسم، وهل سيتكشف لكم عن عقل عبقري يتصور كل شيء ويرسمه، هل ستصدقون أنه يرسم كل شيء لكنه على خصام مطلق مع الكلمات؟ رسْمه كله متقن إلا رسم الكلمات، لا يَجد بينه وبينها كيمياء، إنه فن العلامات”.
وكأن “الكلمات” بطل مواز لشخوص الرواية فيتحدث عنها من جديد بعد بضع صفحات أخرى “لماذا على الكلمات أن تخلّف ندوبا في النفوس، لماذا عليها أن تسود جدران أرواحنا ومهجنا، لماذا الكلمات تخرق الآذان لتستقر في القلب، لماذا تخدرنا الكلمات حتى تتبلد مشاعرنا؟ لربما لو وزن الناس كلامهم لاستقام الحال، أو انفرط عقد كل شيء”.
وفي الفصل المعنون “علامات” يقول مصعب البدور “ويسألونك عن فتى تتيه فيه كلمات، فإن قلْتَ: عجيب فهو أعجب، وإن قلتَ: لامع فهو ألمع، إن قلتَ: درويش فهو مريد حد الانجذاب، وإن سألوك عن شعوره فقل فيزياء. وحدها الفيزياء تحتل مساحة الإيجابية فلا تعترف بالبرودة، وتصر على الحرارة معاندة لغات العالم، وحدها الفيزياء تكرس الترند القديم ‘كل شيء فوق الصفر إنجاز‘ أرأيت مسألة فيزيائية واحدة تقيس قصَرا”.
ويؤصل البدور لمدى أثر الكلمات ودورها في تحديد مصير الإنسان، في بدايات الشهود الثاني قائلا “الاختيار في أبجديتك اختيار إلهي ليس كمثله اختيار، حتى الأدب الإنجليزي الذي اخترته لتكوني معلمة له كان مزيجا فريدا بينكما أنت والشعر الرومانسي، أنت ولوسي غراي توأمان، تنحدر السلسلة كلها من توت شفاهك كأنها سلاف فلوسي التائهة البريئة وأنت الراحلة البريئة، أما القيثار فهو اختارك إن كان بيدك تغيير السلم الموسيقي ليصبح منك”.
وفي الشهود الثالث يقول الكاتب بنكهة صوفية بادية “قدح في ذهني كلام شيخي يوم حملوا عبير إلى مرسى سفينتها: يا درويش لكل شيء ظاهر وباطن، ربما يكون الظاهر شرا والباطن خيرا، وربما يكون الظاهر خيرا والباطن شرا، ألم ترَ الخير في خرق السفينة، والرحمة في قتل الغلام والغنى في إخفاء كنز الأيتام؟ كل ما عليك أن تثق بما اختاره الله”.
وكذلك يقول البدور في الشهود الثالث والأخير “الأخوّة لا تعرف حاجزا ولا تعترف بالجليد، مهما تجمدت روح العلاقة تبقى للأخوّة حرارة تذيب كل شيء، قادرة على صهر التاريخ وتشكيله من جديد، لم يتمالك بكري نفسه عندما رأى عدنان يدخل البيت عندها خر راكعا، لن يغسل البكاء الأحداث ولن تقف الأيام عن زلة أو عثرة، العاطفيون وحدهم من يدركون معنى أن يفسد يومك لأن يد الباب عاندتك، وهم ذاتهم المتذوقون طعم كل حدث، يحترقون في الفرقة، وهم خير من يفرحون باللقاء، هم أهل الألم إذا أحسوا بطعنة، وأسرع من يصفح”.
من الجدير ذكره أن مصعب محمد البدور كاتب أردني يعمل في وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، صدر له: “خبت أضواؤها”، مجموعة قصصية، “نقوش في جدران الذاكرة”، مجموعة قصصية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الكاتب مصعب البدور يخوض تجربة سردية مختلفة في روايته بين الرسم بالكلمات ورسم المستقبل في لوحات استشرافية.
الجمعة 2024/07/26
ShareWhatsAppTwitterFacebook
كتابة غير مألوفة (عمل للفنان دينو أحمد علي)
عمان - رواية “الساحرة في رواق الزاوية” للكاتب الأردني مصعب البدور هي متتالية روائية تجمع بين الفانتازيا وروح الصوفية عبر شهود ثلاثة وكأنها فصول منفصلة متصلة.
ويمكن اعتبار رواية مصعب البدور توغلا في نمط مختلف من الكتابة الروائية لا يقوم على النسقية والخطية المعتادة ولا حتى على تتبع الحدث بل توغل في حالات متشظية متاحة للقارئ ليجمعها ويركب من خلالها العالم الذي يتخيله.
وترى الكاتبة هدى توفيق أنه يوجد الآن مصطلح الرواية الجديدة المتطورة على المستوى الهيكلي، وفنيات الحدث، ومدى تفاعله مع الشكل الجديد. ربما لم يعد يروق للكاتب الشكل التقليدي المعتاد في كتابة الرواية، وأصبحت متعة اللعب بالأشكال الأدبية من وظائف اهتمام الكاتب أثناء الكتابة، وليس فقط تطبيق الفكرة المعتادة. أحيانا تجلب الكتابة أشكالا غير التي تشكلت عليها ذائقتنا الأدبية في قراءة القصة والرواية.
ومن هذه الأساليب المبتكرة المتتالية الروائية التي لا تقوم على وحدة النص والنسيج السردي بل على تفريقه بالتتالي ومنح المساحة للتأويل وخيال القارئ الذي يرشده طبعا الكاتب ولا يتركه في متاهة.
تبدأ الرواية، الصادرة حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، متتبعة أثر الكلمات في حياة الإنسان، ودورها في تغيير مصيره، كما توازي بين الرسم الملهَم الذي يعرض مشاهد من أحداث ستدور في المستقبل من خلال أحد الأبطال الرئيسيين في الرواية.
يقول مصعب البدور في مقدمة الشهود الأول “بعض الكاميرات تشوه الحقيقة، وبعض الأصوات تكون مزيفة، ربما الكلمات وحدها القادرة على المرور من كل الحجب، واصفة الحقيقة، فلو عرضت لك صورة فتاة صغيرة تعبث بهرة، فلا أعتقد أنك ستصدق أنها تسحبها بخيط خفي، تشدها من أيّ مكان كانت فيه، فتاة تستطيع جمع الكائنات والأشباح، والذباب البشري، ثم تبهرك وهي تنثر سحرها متطايرا في الهواء، براءة وجهها معقدة، فصورتها ستغرك بين لذة الطبيعة وبراءة النظرة وبين هالة الحجاب، والحركة الهادئة السريعة”.
ويتابع مصعب بعد بضعة أسطر “الكلمات وحدها قادرة على صناعة صنم للأشخاص، فلو رأيتم صورة طفل أشعث بين أروقة الزاوية يدور في حلق الذكر، فهل ستعتقدون أن خطه سيء حد الطلاسم، وهل سيتكشف لكم عن عقل عبقري يتصور كل شيء ويرسمه، هل ستصدقون أنه يرسم كل شيء لكنه على خصام مطلق مع الكلمات؟ رسْمه كله متقن إلا رسم الكلمات، لا يَجد بينه وبينها كيمياء، إنه فن العلامات”.
وكأن “الكلمات” بطل مواز لشخوص الرواية فيتحدث عنها من جديد بعد بضع صفحات أخرى “لماذا على الكلمات أن تخلّف ندوبا في النفوس، لماذا عليها أن تسود جدران أرواحنا ومهجنا، لماذا الكلمات تخرق الآذان لتستقر في القلب، لماذا تخدرنا الكلمات حتى تتبلد مشاعرنا؟ لربما لو وزن الناس كلامهم لاستقام الحال، أو انفرط عقد كل شيء”.
وفي الفصل المعنون “علامات” يقول مصعب البدور “ويسألونك عن فتى تتيه فيه كلمات، فإن قلْتَ: عجيب فهو أعجب، وإن قلتَ: لامع فهو ألمع، إن قلتَ: درويش فهو مريد حد الانجذاب، وإن سألوك عن شعوره فقل فيزياء. وحدها الفيزياء تحتل مساحة الإيجابية فلا تعترف بالبرودة، وتصر على الحرارة معاندة لغات العالم، وحدها الفيزياء تكرس الترند القديم ‘كل شيء فوق الصفر إنجاز‘ أرأيت مسألة فيزيائية واحدة تقيس قصَرا”.
ويؤصل البدور لمدى أثر الكلمات ودورها في تحديد مصير الإنسان، في بدايات الشهود الثاني قائلا “الاختيار في أبجديتك اختيار إلهي ليس كمثله اختيار، حتى الأدب الإنجليزي الذي اخترته لتكوني معلمة له كان مزيجا فريدا بينكما أنت والشعر الرومانسي، أنت ولوسي غراي توأمان، تنحدر السلسلة كلها من توت شفاهك كأنها سلاف فلوسي التائهة البريئة وأنت الراحلة البريئة، أما القيثار فهو اختارك إن كان بيدك تغيير السلم الموسيقي ليصبح منك”.
وفي الشهود الثالث يقول الكاتب بنكهة صوفية بادية “قدح في ذهني كلام شيخي يوم حملوا عبير إلى مرسى سفينتها: يا درويش لكل شيء ظاهر وباطن، ربما يكون الظاهر شرا والباطن خيرا، وربما يكون الظاهر خيرا والباطن شرا، ألم ترَ الخير في خرق السفينة، والرحمة في قتل الغلام والغنى في إخفاء كنز الأيتام؟ كل ما عليك أن تثق بما اختاره الله”.
وكذلك يقول البدور في الشهود الثالث والأخير “الأخوّة لا تعرف حاجزا ولا تعترف بالجليد، مهما تجمدت روح العلاقة تبقى للأخوّة حرارة تذيب كل شيء، قادرة على صهر التاريخ وتشكيله من جديد، لم يتمالك بكري نفسه عندما رأى عدنان يدخل البيت عندها خر راكعا، لن يغسل البكاء الأحداث ولن تقف الأيام عن زلة أو عثرة، العاطفيون وحدهم من يدركون معنى أن يفسد يومك لأن يد الباب عاندتك، وهم ذاتهم المتذوقون طعم كل حدث، يحترقون في الفرقة، وهم خير من يفرحون باللقاء، هم أهل الألم إذا أحسوا بطعنة، وأسرع من يصفح”.
من الجدير ذكره أن مصعب محمد البدور كاتب أردني يعمل في وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، صدر له: “خبت أضواؤها”، مجموعة قصصية، “نقوش في جدران الذاكرة”، مجموعة قصصية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook