"قلم رصاص" مسلسل كويتي عن صراع العلاقات الاجتماعية
رحلة معاناة أسرة تحاول استرجاع ابنتها الضائعة.
الخميس 2024/06/27
ShareWhatsAppTwitterFacebook
علاقات تسودها الخلافات
من قصة حقيقية اقتبست المؤلفة مريم القلاف موضوع مسلسل “قلم رصاص” الذي أخرجه عبدالله التركماني، ليسردا معا حكاية عائلة تعود إلى وطنها للبحث عن ابنتها الضائعة منذ ثلاثة عقود.
“قلم رصاص” مسلسل كويتي اقتبست قصته من حادثة حقيقية شهدتها الكويت خلال الغزو العراقي عام 1990، حين انتقلت أسرة كويتية إلى السعودية وعند الحدود اكتشف الأب أنه نسي ابنته.
وعن عنوان العمل قالت كاتبة المسلسل مريم القلاف”علينا أن نكون أحيانا قلم رصاص وفي بعض الأوقات الأخرى ممحاة، لكي نمحي أخطاءنا في حق الآخرين ونصححها”.
يرمز عنوان العمل إلى قلم الرصاص الذي يسهل تصحيح الأخطاء حتى بعد الكتابة، وهو ما يشير إلى إمكانية تجاوز الأزمات وتحسين العلاقات والتعاون الإيجابي بين الشركاء. فهل التزم العمل بهذا الهدف لمحو الأخطاء وتجاوزها وإعادة تصحيح مسار حياة الشخصيات؟
لو قمنا بتتبع حلقات العمل لوجدنا أن الخلافات الزوجية والأسرية شكلت بنيته الأساسية وأساس سرديته. وبداية لا يمكن القول إن هذا العمل حمل في طياته فكرة جديدة، فمنذ الحلقة الأولى استطعنا أن ندرك أن العمل يدور حول فقدان فتاة أثناء الحرب لتبدأ بعد ذلك رحلة البحث وتنتهي بالعثور عليها، ويبدأ الصراع بين الأم البيولوجية والأم التي ربتها، وكثيرة هي الأعمال التي طرحت هذه القضية من قبيل “عائد إلى حيفا” والفيلم الكوميدي الشهير “هوك ألون 1″، كما نجد هذا الأمر في مسلسل “التغريبة الفلسطينية” ومسلسل “البرنس” و”العمدة” والقائمة تطول.
اسم العمل يرمز إلى قلم الرصاص الذي يسهّل تصحيح الأخطاء، وهو ما يشير إلى إمكانية تجاوز الأزمات وتحسين العلاقات
ولعل تكرار هذه الفكرة لا يقلل من قدر العمل إلا أن هناك نقاط ضعف لا يمكن تجاوزها، ومنها المدة الزمنية لابتعاد العنود عن أهلها التي استمرت 33 سنة، ومهما قيل إن العمل مقتبس من قصة حقيقية، فهذا الأمر يضعنا أمام سؤال لماذا ظلت نورا التي عثرت على العنود وربتها ملتزمة الصمت طوال هذه المدة، ألم يجدر بها البحث والتقصي؟!
لا يمكننا أن ننكر فضلها في تنشئة العنود وتربيتها ومع ذلك فهي تبقى موضع اتهام، ولعل هذا التساؤل خطر على بال الكاتبة نفسها لذلك رأت أنها مضطرة إلى سرد هذا التساؤل من خلال سؤال أم بدر لنورا “عقب التحرير كنت تقدرين تاخذينها وتدينها لجنة الأسرى والمفقودين وتبلغين عنها بس أنت اللي ما بغيتي هالشي عشان تاخذينها”. ولم تكن إجابات نورا لتقنع أي أحد، حتى العنود أبدت استغرابها.
ومن الأمور التي أخفقت فيها الكاتبة إظهار أم العنود البيولوجية بمظهر المذنبة المسؤولة عن ضياعها، وجعلها تخوض صراعا مع نورا في إثبات أيهما تستحق أن تكون أما، مع إظهارها مدى العطف الذي تمتلكه نورا في حين برزت أم بدر شعلة تختفي معها مشاعر الحب والحنين إلى ابنتها، لنرى الكاتبة تعلن اصطفافها مع نورا وتمثل ذلك في أحد المشاهد عندما أخبرت نورا أم بدر بألا تجبرها على جعل العنود تختار بينها وبين أم بدر وهي تعلم مسبقا أن العنود ستختارها.
كما أن إطالة الصراع بين نورا وأم بدر لم تكن مستساغة، ولاسيما أن نورا ليست بالفتاة الصغيرة. كان الأحرى بالكاتبة تجاوز هذه المعضلة بسرعة وإعفاء المشاهدين من هذه التراجيديا المطولة، لكن الرغبة في إطالة حلقات المسلسل كانت تفرض نفسها على صناع العمل.
ومن الأمور التي لا تغتفر للكاتبة مسحة الحزن التي طبعت شخصية العنود ببرود صادم، فالكاتبة أرادت أن تشير إلى مدى تأثير الحرب على العنود وهذا ما جعل صورتها جامدة، إلا أن هذا الأمر يتناقض مع طفولتها التي بدت من خلال تقنية استرجاع الماضي واستذكار الأحداث فتاة ضاحكة مفعمة بالحيوية.
إذًا لماذا حكمت الكاتبة على بطلتها بأن تسير في هذا النسق الباهت؟ ربما يحق للبعض الوقوف إلى جانب زوجها رغم سوئه، ففي تعاملها مع زوجها كانت طوال الوقت باردة متجهمة على عكس زوجها الذي يتسم بحس الدعابة، وربما فسر بعضهم هذا البؤس الذي طبع حياتها بأنه نتاج افتقاد الأهل وتأثير الحرب.
ومن الثغرات التي عانى منها العمل افتقاد الحجج المنطقية في الكثير من سلوكيات الشخصيات، فلماذا تصبر العنود على زوجها رغم سوء المعاملة والجفاء والاستهانة بها ورفضها أن تنجب له ولدا ورغم غياب أي مؤشر على حب بينهما ولاسيما أنه يكبرها بسنين؟
لقد كان الدافع كما وضعته الكاتبة سخيفا، وهو عدم امتلاك العنود لمسكن، هذا الأمر الذي كان يردده رائد (زوج العنود) ويتخذه وسيلة ضغط جعلت أم عنود تسكت عندما علمت بأن صهرها كان متزوجا من قبل ولديه ولد. رأينا هذا الأمر يتكرر عندما طلبت العنود الطلاق، في حين نجد نورا أثناء صدامها مع أم بدر تكشف لها امتلاكها المال والذهب الذي تركه لها زوجها.
وآخر الثغرات التي أوقعتنا فيها الكاتبة هي الغموض الذي خالط حياة الكثير من شخوصها؛ فمثلا لم نفهم سبب رفض رائد السلام على ولده عندما جاءت به العنود إلى بيتها، كما لم نفهم الأسباب وراء طلاقه من فوز. وفوق ذلك لم نفهم سوء معاملته للعنود رغم امتلاكها صفات الأنثى المميزة.
هذه بعض الأمور التي تركتنا الكاتبة في حيرة أمامها، لا نكاد نلمّ بالأسباب والدوافع بناء على الأحداث المتراكمة.
وفيما يتعلق بخط سير العمل، فقد وضعت الكاتبة لنفسها خطة وألزمت نفسها السير وفقها من خلال إغراق العمل بالصراعات لتغدو خطوطا متشابكة لا تتقاطع إلا لتتشابك مرة أخرى، إذ استطاعت بحرفية تامة فك عقدها وفرض الحلول المنطقية وجعل القارئ يتقبل ذلك بسلاسة وعفوية وبمنطق لا يتناقض مع فهم القارئ وتطلعاته، فالعمل شكل مسرحا للصراعات العائلية والأسرية، وحينها يغدو قلم الرصاص بلا نفع في تصحيح المسار.
رائد لم ينفعه قلم الرصاص في تصحيح مسار حياته المبنية على الأخطاء وسوء معاملة الزوجة لتغدو النهاية عادلة ألا وهي الطلاق. لقد كان الصراع بينهما حاضرا في كل مشهد، فشخصية رائد التي طرحتها الكاتبة وعالجها العمل لم تتجاوز شخصية “سي السيد” التي عرفناها في الدراما المصرية لكنه مجرد من الذكورية المعهودة، كان شخصا فظا طوال حلقات المسلسل في حين جاءت شخصية العنود ضعيفة تقبل إملاءات زوجها مستسلمة في أغلب الأوقات، تحكمهما علاقة محكومة بالفشل.
ومع تطور الأحداث اتخذت العلاقة بينهما منحى آخر، فقد رأينا شخصية العنود بدأت تتصاعد عندها حالات الرفض والانصياع لأوامر زوجها، فمجرد حملها ورفض الاستمرار في تناول حبوب منع الحمل هو في حد ذاته شكل من أشكال الرفض وإعلان التمرد على أوامر الزوج، لقد أدركت أن العلاقة بينهما انتهت بعد موت جنينها ليكون القرار حاسما بطلبها الطلاق، فأخطاء رائد لا يمكن محوها بقلم رصاص.
وعلى الطرف المقابل وجدنا عائلة ناصر أبوبدر تخوض صراعا يهدد بتمزقها، وقد استطاع أبوبدر بحكمته وأدائه الرائع والمتميز أن يسير بعائلته نحو بر الأمان، فنراه يقف إلى جانب زوجته وأبنائه لتحقيق أحلامهم.
الكاتبة لجأت إلى استحضار الثنائيات والمقابلات في عملها، فصراع بدر مع زوجته مرام كان يقابله صراع رائد مع العنود
كما نراه يسعى إلى البحث عن ابنته العنود ويساندها غداة طلاقها، ونراه يدافع عنها أمام زوجها. ولا يمكننا أن ننسى ذلك المشهد عندما جاء ابنه خالد وزوجته فوز التي كان يحبها أخوه بدر، ليحصل صدام بين خالد وأخيه الرافض لإقامته معه في بيت واحد، وهنا يتدخل الأب ليعلن في وجه ابنه خالد رفضه إقامته معه بعد هذا السلوك المشين.
هذا درس توعوي للآباء في إدارة العائلة ومواجهة الصراعات. لقد كانت العقلانية سلاح ناصر أبي بدر في تلافي الخلافات ضمن عائلته، والتي استطاع من خلالها أن يسير بعائلته إلى بر الأمان.
في حين بدت شخصية تحرير وأخيها خالد ضعيفة الأداء، ولعل إضافتهما للعمل إنما هي لإكسابه المزيد من الحلقات التي انخفض فيها حجم التفاعل مع المجتمع ما انعكس أثره سلبا على المسلسل، فكانت هناك قلة ملحوظة في الشخصيات الفاعلة وضيق الحيز المكاني للصراع بينها.
وكان من الممكن أن تسترجع الكاتبة لحظات الغزو بفاعلية أكبر وتعطي مساحة أكبر لسرد الماضي ومعالجة الأحداث السابقة بروية.
وقد لجأت الكاتبة إلى استحضار الثنائيات والمقابلات في عملها، فصراع بدر مع زوجته مرام كان يقابله صراع رائد مع العنود، ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين الشخصيتين لوجدنا رائد وبدر متشابهين من حيث الشكل العام، إلا أن الاختلاف بينهما كان ظاهرا فشخصية رائد بدت ثابتة استطعنا أن ندرك سلوكياتها مسبقا، في حين جعلت شخصية بدر نامية متغيرة، وهو ليس صاحب علاقات نسائية متعددة إنما عاشق عانى لوعة الفراق وأذى الحبيبة فوز طليقة رائد. لقد احتفظ بدر بتوتره وفظاظته إلى لحظات متقدمة من العمل إلا أن الكاتبة بمهارتها استطاعت في الحلقات الأخيرة تصحيح مسار حياته ومحو أخطائه التي خطها فيما مضى، فنراه يغير تعامله مع ابنه ناصر الذي كان يعاني جفاء الأب والألم جراء صراع والديه.
أما لوعدنا إلى شخصية رائد فسنجدها ثابتة محتفظة بفظاظتها وجفائها. وتستمر الكاتبة في الارتقاء بشخصيته من خلال تخليصه من عقدة محبوبته السابقة فوز بانتقامه منها ليبدأ مرحلة التعافي من الماضي الأليم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
سامر سالم أحمد
كاتب سوري
رحلة معاناة أسرة تحاول استرجاع ابنتها الضائعة.
الخميس 2024/06/27
ShareWhatsAppTwitterFacebook
علاقات تسودها الخلافات
من قصة حقيقية اقتبست المؤلفة مريم القلاف موضوع مسلسل “قلم رصاص” الذي أخرجه عبدالله التركماني، ليسردا معا حكاية عائلة تعود إلى وطنها للبحث عن ابنتها الضائعة منذ ثلاثة عقود.
“قلم رصاص” مسلسل كويتي اقتبست قصته من حادثة حقيقية شهدتها الكويت خلال الغزو العراقي عام 1990، حين انتقلت أسرة كويتية إلى السعودية وعند الحدود اكتشف الأب أنه نسي ابنته.
وعن عنوان العمل قالت كاتبة المسلسل مريم القلاف”علينا أن نكون أحيانا قلم رصاص وفي بعض الأوقات الأخرى ممحاة، لكي نمحي أخطاءنا في حق الآخرين ونصححها”.
يرمز عنوان العمل إلى قلم الرصاص الذي يسهل تصحيح الأخطاء حتى بعد الكتابة، وهو ما يشير إلى إمكانية تجاوز الأزمات وتحسين العلاقات والتعاون الإيجابي بين الشركاء. فهل التزم العمل بهذا الهدف لمحو الأخطاء وتجاوزها وإعادة تصحيح مسار حياة الشخصيات؟
لو قمنا بتتبع حلقات العمل لوجدنا أن الخلافات الزوجية والأسرية شكلت بنيته الأساسية وأساس سرديته. وبداية لا يمكن القول إن هذا العمل حمل في طياته فكرة جديدة، فمنذ الحلقة الأولى استطعنا أن ندرك أن العمل يدور حول فقدان فتاة أثناء الحرب لتبدأ بعد ذلك رحلة البحث وتنتهي بالعثور عليها، ويبدأ الصراع بين الأم البيولوجية والأم التي ربتها، وكثيرة هي الأعمال التي طرحت هذه القضية من قبيل “عائد إلى حيفا” والفيلم الكوميدي الشهير “هوك ألون 1″، كما نجد هذا الأمر في مسلسل “التغريبة الفلسطينية” ومسلسل “البرنس” و”العمدة” والقائمة تطول.
اسم العمل يرمز إلى قلم الرصاص الذي يسهّل تصحيح الأخطاء، وهو ما يشير إلى إمكانية تجاوز الأزمات وتحسين العلاقات
ولعل تكرار هذه الفكرة لا يقلل من قدر العمل إلا أن هناك نقاط ضعف لا يمكن تجاوزها، ومنها المدة الزمنية لابتعاد العنود عن أهلها التي استمرت 33 سنة، ومهما قيل إن العمل مقتبس من قصة حقيقية، فهذا الأمر يضعنا أمام سؤال لماذا ظلت نورا التي عثرت على العنود وربتها ملتزمة الصمت طوال هذه المدة، ألم يجدر بها البحث والتقصي؟!
لا يمكننا أن ننكر فضلها في تنشئة العنود وتربيتها ومع ذلك فهي تبقى موضع اتهام، ولعل هذا التساؤل خطر على بال الكاتبة نفسها لذلك رأت أنها مضطرة إلى سرد هذا التساؤل من خلال سؤال أم بدر لنورا “عقب التحرير كنت تقدرين تاخذينها وتدينها لجنة الأسرى والمفقودين وتبلغين عنها بس أنت اللي ما بغيتي هالشي عشان تاخذينها”. ولم تكن إجابات نورا لتقنع أي أحد، حتى العنود أبدت استغرابها.
ومن الأمور التي أخفقت فيها الكاتبة إظهار أم العنود البيولوجية بمظهر المذنبة المسؤولة عن ضياعها، وجعلها تخوض صراعا مع نورا في إثبات أيهما تستحق أن تكون أما، مع إظهارها مدى العطف الذي تمتلكه نورا في حين برزت أم بدر شعلة تختفي معها مشاعر الحب والحنين إلى ابنتها، لنرى الكاتبة تعلن اصطفافها مع نورا وتمثل ذلك في أحد المشاهد عندما أخبرت نورا أم بدر بألا تجبرها على جعل العنود تختار بينها وبين أم بدر وهي تعلم مسبقا أن العنود ستختارها.
كما أن إطالة الصراع بين نورا وأم بدر لم تكن مستساغة، ولاسيما أن نورا ليست بالفتاة الصغيرة. كان الأحرى بالكاتبة تجاوز هذه المعضلة بسرعة وإعفاء المشاهدين من هذه التراجيديا المطولة، لكن الرغبة في إطالة حلقات المسلسل كانت تفرض نفسها على صناع العمل.
ومن الأمور التي لا تغتفر للكاتبة مسحة الحزن التي طبعت شخصية العنود ببرود صادم، فالكاتبة أرادت أن تشير إلى مدى تأثير الحرب على العنود وهذا ما جعل صورتها جامدة، إلا أن هذا الأمر يتناقض مع طفولتها التي بدت من خلال تقنية استرجاع الماضي واستذكار الأحداث فتاة ضاحكة مفعمة بالحيوية.
إذًا لماذا حكمت الكاتبة على بطلتها بأن تسير في هذا النسق الباهت؟ ربما يحق للبعض الوقوف إلى جانب زوجها رغم سوئه، ففي تعاملها مع زوجها كانت طوال الوقت باردة متجهمة على عكس زوجها الذي يتسم بحس الدعابة، وربما فسر بعضهم هذا البؤس الذي طبع حياتها بأنه نتاج افتقاد الأهل وتأثير الحرب.
ومن الثغرات التي عانى منها العمل افتقاد الحجج المنطقية في الكثير من سلوكيات الشخصيات، فلماذا تصبر العنود على زوجها رغم سوء المعاملة والجفاء والاستهانة بها ورفضها أن تنجب له ولدا ورغم غياب أي مؤشر على حب بينهما ولاسيما أنه يكبرها بسنين؟
لقد كان الدافع كما وضعته الكاتبة سخيفا، وهو عدم امتلاك العنود لمسكن، هذا الأمر الذي كان يردده رائد (زوج العنود) ويتخذه وسيلة ضغط جعلت أم عنود تسكت عندما علمت بأن صهرها كان متزوجا من قبل ولديه ولد. رأينا هذا الأمر يتكرر عندما طلبت العنود الطلاق، في حين نجد نورا أثناء صدامها مع أم بدر تكشف لها امتلاكها المال والذهب الذي تركه لها زوجها.
وآخر الثغرات التي أوقعتنا فيها الكاتبة هي الغموض الذي خالط حياة الكثير من شخوصها؛ فمثلا لم نفهم سبب رفض رائد السلام على ولده عندما جاءت به العنود إلى بيتها، كما لم نفهم الأسباب وراء طلاقه من فوز. وفوق ذلك لم نفهم سوء معاملته للعنود رغم امتلاكها صفات الأنثى المميزة.
هذه بعض الأمور التي تركتنا الكاتبة في حيرة أمامها، لا نكاد نلمّ بالأسباب والدوافع بناء على الأحداث المتراكمة.
وفيما يتعلق بخط سير العمل، فقد وضعت الكاتبة لنفسها خطة وألزمت نفسها السير وفقها من خلال إغراق العمل بالصراعات لتغدو خطوطا متشابكة لا تتقاطع إلا لتتشابك مرة أخرى، إذ استطاعت بحرفية تامة فك عقدها وفرض الحلول المنطقية وجعل القارئ يتقبل ذلك بسلاسة وعفوية وبمنطق لا يتناقض مع فهم القارئ وتطلعاته، فالعمل شكل مسرحا للصراعات العائلية والأسرية، وحينها يغدو قلم الرصاص بلا نفع في تصحيح المسار.
رائد لم ينفعه قلم الرصاص في تصحيح مسار حياته المبنية على الأخطاء وسوء معاملة الزوجة لتغدو النهاية عادلة ألا وهي الطلاق. لقد كان الصراع بينهما حاضرا في كل مشهد، فشخصية رائد التي طرحتها الكاتبة وعالجها العمل لم تتجاوز شخصية “سي السيد” التي عرفناها في الدراما المصرية لكنه مجرد من الذكورية المعهودة، كان شخصا فظا طوال حلقات المسلسل في حين جاءت شخصية العنود ضعيفة تقبل إملاءات زوجها مستسلمة في أغلب الأوقات، تحكمهما علاقة محكومة بالفشل.
ومع تطور الأحداث اتخذت العلاقة بينهما منحى آخر، فقد رأينا شخصية العنود بدأت تتصاعد عندها حالات الرفض والانصياع لأوامر زوجها، فمجرد حملها ورفض الاستمرار في تناول حبوب منع الحمل هو في حد ذاته شكل من أشكال الرفض وإعلان التمرد على أوامر الزوج، لقد أدركت أن العلاقة بينهما انتهت بعد موت جنينها ليكون القرار حاسما بطلبها الطلاق، فأخطاء رائد لا يمكن محوها بقلم رصاص.
وعلى الطرف المقابل وجدنا عائلة ناصر أبوبدر تخوض صراعا يهدد بتمزقها، وقد استطاع أبوبدر بحكمته وأدائه الرائع والمتميز أن يسير بعائلته نحو بر الأمان، فنراه يقف إلى جانب زوجته وأبنائه لتحقيق أحلامهم.
الكاتبة لجأت إلى استحضار الثنائيات والمقابلات في عملها، فصراع بدر مع زوجته مرام كان يقابله صراع رائد مع العنود
كما نراه يسعى إلى البحث عن ابنته العنود ويساندها غداة طلاقها، ونراه يدافع عنها أمام زوجها. ولا يمكننا أن ننسى ذلك المشهد عندما جاء ابنه خالد وزوجته فوز التي كان يحبها أخوه بدر، ليحصل صدام بين خالد وأخيه الرافض لإقامته معه في بيت واحد، وهنا يتدخل الأب ليعلن في وجه ابنه خالد رفضه إقامته معه بعد هذا السلوك المشين.
هذا درس توعوي للآباء في إدارة العائلة ومواجهة الصراعات. لقد كانت العقلانية سلاح ناصر أبي بدر في تلافي الخلافات ضمن عائلته، والتي استطاع من خلالها أن يسير بعائلته إلى بر الأمان.
في حين بدت شخصية تحرير وأخيها خالد ضعيفة الأداء، ولعل إضافتهما للعمل إنما هي لإكسابه المزيد من الحلقات التي انخفض فيها حجم التفاعل مع المجتمع ما انعكس أثره سلبا على المسلسل، فكانت هناك قلة ملحوظة في الشخصيات الفاعلة وضيق الحيز المكاني للصراع بينها.
وكان من الممكن أن تسترجع الكاتبة لحظات الغزو بفاعلية أكبر وتعطي مساحة أكبر لسرد الماضي ومعالجة الأحداث السابقة بروية.
وقد لجأت الكاتبة إلى استحضار الثنائيات والمقابلات في عملها، فصراع بدر مع زوجته مرام كان يقابله صراع رائد مع العنود، ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين الشخصيتين لوجدنا رائد وبدر متشابهين من حيث الشكل العام، إلا أن الاختلاف بينهما كان ظاهرا فشخصية رائد بدت ثابتة استطعنا أن ندرك سلوكياتها مسبقا، في حين جعلت شخصية بدر نامية متغيرة، وهو ليس صاحب علاقات نسائية متعددة إنما عاشق عانى لوعة الفراق وأذى الحبيبة فوز طليقة رائد. لقد احتفظ بدر بتوتره وفظاظته إلى لحظات متقدمة من العمل إلا أن الكاتبة بمهارتها استطاعت في الحلقات الأخيرة تصحيح مسار حياته ومحو أخطائه التي خطها فيما مضى، فنراه يغير تعامله مع ابنه ناصر الذي كان يعاني جفاء الأب والألم جراء صراع والديه.
أما لوعدنا إلى شخصية رائد فسنجدها ثابتة محتفظة بفظاظتها وجفائها. وتستمر الكاتبة في الارتقاء بشخصيته من خلال تخليصه من عقدة محبوبته السابقة فوز بانتقامه منها ليبدأ مرحلة التعافي من الماضي الأليم.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
سامر سالم أحمد
كاتب سوري