كان الشاعر العبقري "أحمد رامي" وهو متجه إلى عمله صباحا يمر على بيت من البيوت ، له شرفة (بلكونة) منخفضة ، ارتاح سكانه لوضع (قلة) تتلقى تيار الهواء البارد ، في زمن خلا من الثلاجات والكولدير ..
وكانت ربة البيت تضع على رأس ( القلة ) إيشاربا ، وهي قطعة من القماش تضعها المرأة المصرية على رأسها ، حتى لا يدخل في ( القلة ) غبار فضلا عن حشرة من الحشرات ..
تصور أحمد رامي أن هذه القلة ذات ( الإيشارب) فتاة جالسة في البلكونة تنتظر كل يوم قدومه ،
وما منعها أن تنظر إليه إلا الحياء والخجل ، فازداد حبه لها ، وتعلق قلبه بها ، وتصور أنه أخيرا وجد من يغرس في طريقه وردا ، ويضيء له قنديلا ، فلم يشغل باله بالبحث عمن يطفئه !
وكان كلما مر في ذات الموعد وجدها جالسة ، بنفس الوضعية التي تركها عليها في المرة السابقة ، فتيقن أن الفتاة تحبه كما يحبها ، فراح يبدع الأشعار ويؤلف القصائد المفعمة بالرقة والعذوبة !
وفي يوم من الأيام ، وقبل أن يمعن النظر في جمال وانسيابية رأس الفتاة التي لا تتحرك حياءً من فتاها ،
وجد ربة البيت تنتزع الإيشارب من أعلى ( القلة) فاندفعت هرمونات الضغوط بعد تضخم جزء من القلب بشكل مؤقت لم تتمكن عضلته من ضخ الدم بشكل طبيعي فأوشك على السقوط ، لولا عناية الله به ورحمته بقلبه الضعيف !
في الواقع ما وصل إلينا من إبداع لأحمد رامي كان نتيجة ( ملكة التصور والقدرة العالية على التخيل) فقد تصور أن ( قلة ) تعشقه ، كما تصور أن أم كلثوم مغرمة به لكنها تتمنع ، فراح ينشد الأشعار المفعمة بعذوبة الكلمات ورقة الإحساس !
من جميل ما قال "آينشتاين" ( إن العلامة الحقيقية على الذكاء ليست المعرفة بل القدرة على التخيل) ومن قبله قال الأديب البريطاني "جورج برنارد شو" : إن الخيال هو بداية الإبداع، إنك تتخيل ما ترغب فيه، وترغب فيما تتخيله، وأخيرا تصنع ما ترغب فيه..
صحيح أن بعض المفاهيم والتصورات الخاطئة قد تفضي بنا إلى نتائج كارثية ، وصحيح أن من يصدرون أحكاما مطلقة بعيدة عن الواقع لا تستحضر إلا أوهاما تكون نهايتهم وخيمة ،
غير أن الخيال والتصور قد يكون الحل الوحيد لاسيما إذا رافقه نشاط نفسي إيجابي ينصهر في بوتقة العقل فيتفتق عن حالة الصهر إبداعا واستعدادا نفسيا لمواصلة المشوار ...