الكتابة تجربة ممتعة قبل كل شيء
الكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج لـ"العرب": نحن في زمن الرواية لا الشعر.
الثلاثاء 2024/06/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
هدفي الأصلي من الكتابة هو الاستمتاع والتجريب
يخلق التراكم وعيا أكثر عمقا للكاتب ويفتح له مجالا واسعا لتطوير تجربته وصقلها وبنائها بشكل أكثر متانة، هذا ما تعيه جيدا الكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج، التي قدمت عددا هاما من الإصدارات في مختلف أنماط الأدب، لتبلور رؤى لها بصمتها وعمقها وجرأتها. “العرب” التقتها في هذا الحوار حول الأدب وآرائها فيه.
لطيفة الحاج كاتبة من الإمارات، بدأت الكتابة منذ أيام المدرسة وكان أول إصدار لها في 2009 بعنوان “فارس بحصان رمادي”، وقد جربت كتابة الرواية والقصة القصيرة والشعر وقصص الأطفال والمقال، ولها حتى الآن 27 إصدارا.
حول الجنس الأدبي الأقرب إليها إن كان الرواية أم القصة، تقول الكاتبة لـ”العرب”، “القصة حكاية حالها حال الرواية، لكنها تعتمد على الاختزال. فبدلا من رواية أحداث تمتد على سنوات على لسان شخصيات عديدة وفي أمكنة مختلفة، تكون القصة أضيق من ناحية الحرية التي يجدها الكاتب في الرواية. بالطبع هنالك روايات كتبت في مكان واحد وأحداثها تدور في دقائق وقد لا تزيد شخصياتها عن الشخصيتين، لكن الفكرة العامة أن الرواية تمنح الكاتب حرية أكبر”.
تعتقد الحاج أن كتابة القصة تحتاج ذكاء وقدرة على الاختزال وإيصال فكرة معينة في نص قصير. وهذا يصعب على بعض الكتاب، تماما كما يصعب على البعض من أصحاب النفس القصير كتابة رواية طويلة. لا تستطيع تحديد الأقرب إليها من النمطين الأدبيين، لأنها حينا تميل لهذه وحينا لتلك. الفكرة في النهاية هي التي تحدد ميلها واختيارها للنمط الأدبي.
تجريب أدبي
الرواية هي المفضلة لدى القراء لا خلاف على هذه الحقيقة، وكذلك هي المفضلة لدى الناشرين، لهذا يتجه الكاتب إليها
نسأل لطيفة الحاج عن سبب اتجاه الكاتب اليوم إلى جنس الرواية بالتحديد، ونحن نعرف علاقتها الخاصة مع الشعر، لتجيبنا “الرواية هي المفضلة لدى القراء لا خلاف على هذه الحقيقة، وكذلك هي المفضلة لدى الناشرين، لهذا يتجه الكاتب إليها، علاوة على ذلك فنصيب الأسد من الجوائز العربية والغربية للرواية، وفي وقتنا الحالي الكاتب الذي يحظى بالجمهور الأوسع هو الروائي إن قارناه بالشاعر أو كاتب القصة. نحن الآن في زمن الرواية ولا مكان للشعر حاليا”.
وتستبعد الكاتبة أن يتغير الأمر مستقبلا، مضيفة “إن كنا نبحث عن إمكانية تأليف الروايات عن طريق chat GPT هل تتوقع أن يكون هنالك اهتمام بالشعر يعيده إلى مكانته؟ لا ننكر طبعا أن هنالك فئة تهتم بالشعر من كتاب وقراء وتوجد جوائز تخصص لهذا النمط لكن لست متفائلة من هذه الناحية”.
تمتلك الشاعرة والروائية لطيفة الحاج لغة سردية مميزة، حيث أصدرت العشرات من الأعمال المتنوعة في الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، نسألها كيف توفق بين كلّ هذه الأنواع من الكتابة، لتقول “ليست مسألة توفيق لأن الأنماط المختلفة لا يمكن أن تختلط ببعضها البعض بالنسبة إلى الكتاب، على العكس فأنا أجد أن في تجربة أكثر من نمط توجد مساحة واسعة من الحرية، وكما ذكرت مسبقا، الفكرة هي التي تفرض النمط الأدبي واللغة التي سيكتب بها”.
في حوار صحفي سابق لها قالت “ما زالت تنقصني الخبرة والتجربة، وأعرف أن هذا الأمر يحتاج وقتا”، ورغم أن عدد مؤلفاتها كثير، تعلق الحاج “ما زلت عند رأيي، وهذا الرأي هو ما يعطيني الدافع للتعلم والبحث والتحسين من الأدوات التي أوظفها في تجربة الكتابة كما أن هدفي الأصلي من الكتابة هو الاستمتاع والتجريب. مؤكد ستكون لدي فكرة معينة سأعمل عليها، لكن يهمني أن أكون مستمتعة في تجربتي”.
في حوار سابق أيضا قالت الكاتبة إن المبدع مخلوق عاطفي، والعاطفي مخلوق لا يمكنه الاستقرار. ثم سعي المبدع وحرصه على إبداع الجديد وتفاديه التكرار يجعله قلقا ومتنبها على الدوام، وهذا قدر المبدع الحقيقي.
تقول الحاج “ما الذي يدفعنا إلى الكتابة؟ يبدو سؤالا فلسفيا يحتمل إجابات كثيرة. أنا ما يدفعني إلى الكتابة هو شعوري. رغبة داخلية تلح علي في وقت معين لأقوم بالكتابة. في الحقيقة تلك الرغبة حاضرة فيّ أغلب الوقت لكنها حين يحين وقتها تكون ملحة وغير قابلة للتأجيل. ثم حين أشرع بالكتابة أراقب ما أكتب وأدخل في صراع حين أجدني أكتب باللغة نفسها والأفكار نفسها ويحدث أن أخبر نفسي بأنه عليّ الاستمرار والاستماع للصوت الداخلي الذي دفعني إلى أن أكتب ولاحقا في مرحلة التحرير سأتفادى تكرار نفسي وأعمل على التعديل والتنقيح”.
وتضيف “طبعا في بداياتي لم أكن أكتب بهذا الوعي لكنني اليوم قادرة على فعل هذا. ويبقى الصراع الداخلي بين ما أكتبه وما تجدر بي كاتبته وما لا ينبغي أن أكتبه. وفي النهاية الفكرة النهائية والعمل على صورته الأخيرة يكون كما يجدر به أن يكون بعد انتهاء الصراع والقلق وحرب المشاعر الداخلية”.
رواية “كانت لك أسنان”، تحكي ذكريات طفولة بين النخيل والفرجان القديمة والعلاقات المترابطة بين الجيران والأصدقاء، وتدور أحداثها في مدينة العين، تتحدث عنها كاتبتها لـ”العرب” قائلة “القالب العام للرواية هو ذكريات وعلاقات بين الأهل والجيران، ومثل أي عمل لا بد من خلق مكان تدور الأحداث فيه. أؤمن بأنه يقع على عاتق الكاتب أن يوثق لبلده والمدينة أو القرية التي يأتي منها. خصوصا ككاتب إماراتي، لأن عددنا ككتاب إماراتيين جادون قليلا، ونحن في حاجة إلى الكتابة عن وطننا وعاداتنا وملابسنا وأغانينا وطعامنا في ظل هذا التغير المتسارع والانفتاح على الثقافات المختلفة”.
حضور أنثوي بامتياز
وتضيف “سيقول البعض إن هذا دور المؤرخين وكتاب الروايات التاريخية، وأنا أختلف مع هذا الرأي. أفضل طريقة لتوثيق الأحداث والأمكنة والأزمنة هي توثيقها من خلال الأدب. لولا ماركيز لم نكن كعرب عرفنا كولومبيا كما عرفناها في رواياته، ولولا دوستويفسكي لم نكن لنعرف روسيا ومدنها المختلفة. هذا هو دور الكاتب، وهذا هو جمال الأدب”.
كتاب الحاج “قلبي نصف قمر مضيء” شعر يسافر بالقارئ إلى أماكن زارتها لطيفة الحاج وعاشت فيها مشاعر مختلفة، كتبت من الجو عن لقاء وحلم منتظر، تقول “أظن أن جمال القصيدة يكمن في عدم فصلها بين الحقيقة والخيال. والكاتب المبدع هو الذي يمكنه كتابة نص شعري يدمج فيه بين الواقع والخيال أو يصنع نصا لا يمكن التفريق فيه بين كونه حقيقة أو حلما”.
سيدة شارفت الأربعين من العمر وتحاول جهدها للحصول على ولد قبل وصولها إلى سن اليأس، هذا ما نقرأه في روايتها “سين تريد ولدا”، المحبوكة بإتقان ووصف رائع للعلاقات والصراعات والشوق للأمومة، تتحدث الحاج لـ”العرب” عن عملها تقول “سين تريد ولدا، رواية أظنها مست الكثيرات ممن قرأنها، عرفت هذا حين تلقتها الأغلبية بصمت غريب. ربما لكونها تصف وضع كثيرات في المجتمع العربي. غريزة الأمومة موجودة لدى جميع الإناث. وكثيرات حرمن من الأمومة بسبب تأخر الزواج والعزوف عنه بسبب التغيرات التي طرأت على المجتمعات. حين كتبتها كنت أسمع الكثير من القصص عن الأمومة والزواج وهذا ما استفزني للكتابة عن الموضوع الذي لا تجرؤ كثيرات على الحديث عنه”.
نسألها لماذا اختارت “نواقيس العزلة” عنوانا لإحدى رواياتها، لتجيبنا “يستحيل أن يتمكن المرء من عزل نفسه عزلة تامة لكنه قد يوظف طرقا وتكنيكات ذهنية تمكنه من الانفصال عن العالم الذي يتوق للانسلاخ عنه. ونحن مهما حاولنا الانسلاخ عن عوالمنا إلا أن هناك مؤثرات خارجية تعيدنا. ونواقيس داخلية مثل الذكريات والتفكير في الماضي أو الحاضر أو حتى المستقبل. والنواقيس هي أجراس قد تستخدم لتذكير الناس بأمر ما. ليس بالضرورة أن يكون تذكيرا بأن هنالك عالما صاخبا يجب العودة إليه وإنما هي استجابة لنداء داخلي للعودة إلى عالم العزلة. لذلك وجدت أن عنوان ‘نواقيس العزلة’ مناسب لأحداث الرواية وما رسمته في شخصية مريم البطلة وزوجها راشد”.
رسالة إلى القارئ
الكاتبة لا تميل إلى ربط اهتمامها بالأدب وممارسة الكتابة بقضية ما إنها تكتب لمتعة التجريب والتخفف من أعباء الحياة
نسأل الحاج كيف تجدين عالم الأدب العربي اليوم؟ ولماذا لا ينظر العالم إلى المثقفين والكتاب في الجوائز العالمية؟ لتجيبنا “الأدب العربي من ناحية المستوى جيد بل ممتاز. أظن المشكلة تكمن في الترجمة وفي وصول الأعمال الأدبية إلى القارئ الأجنبي حتى يستحق الترشح للجوائز”.
حول رأيها في موجة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل تساهم في متابعة القارئ للإنتاج الأدبي؟ تقول الكاتبة الإماراتية “لا يمكن إنكار دور مواقع التواصل الاجتماعي في التسويق للكتب والإصدارات والتأثير على رواد المواقع واتجاه الكثير منهم إلى القراءة لمجرد التقليد والمشاركة في الـ trends، لكن يوجد من أصبحت القراءة حاضرة في حياتهم بسبب مواقع التواصل الاجتماعي. المشكلة أن هنالك بعض المقلدين والمبتدئين كقراء ممن يقومون بتقييم الكتب ولهم متابعون بالآلاف فيتحكمون بأذواق القراء الجدد ويرفعون أعمالا ليست بالمستوى على حساب الأدب الجاد”.
أما عن القضية الرئيسة للكاتبة لطيفة الحاج؟ وإلى ماذا تطمح كتاباتك الأدبية مستقبلا؟ فتقول “لا أميل إلى ربط اهتمامي بالأدب وممارسة الكتابة بقضية ما. أنا أكتب لمتعة التجريب والتخفف من أعباء الحياة. وما أطمح إليه هو أن يكون إنتاجي ممتعا للقارئ، يقترب من نفسه ويستفز أفكاره ويضيف إليه شيئا جديدا مختلفا. وبالطبع أطمح لأن أكون أفضل ككاتبة وأسهم في إثراء الأدب المحلي، وهذا لن يتحقق إلا بالاستمرار في الكتابة والإنتاج والقراءة والبحث”.
أما الرسائل التي تود إيصالها إلى القارئ من خلال كتاباتها، فتقر بأن الرسالة الأهم هي أن الأدب أداة مهمة في التوثيق للمكان والزمان والعادات، وكما تؤثر الأفلام في عقل المشاهد فإن الأدب له تأثير مماثل لكن المشكلة أن الإقبال على القراءة ليس مثل الإقبال على الأفلام. وهذا ما يجعلها تميل إلى اللغة السهلة في الكتابة فهذا يجعل العمل الأدبي أسهل في الوصول إلى مختلف القراء.
نسألها إن حظيت أعمالها من شعر وقصص وروايات باهتمام النقاد والإعلام الإماراتي، فتجيبنا “على نطاق ضيق، وقد تكون لاحظت ذلك من عدد اللقاءات والمقابلات الموجودة في الإنترنت. وهنالك أسباب مختلفة منها أن الحركة النقدية في الإمارات محصورة على فئة معينة من الكتاب، وهذا أمر شائع في مختلف المجتمعات الأدبية ولا أظنه في الإمارات فقط”.
نسألها ختاما لماذا لا يكرّم المبدع أثناء حياته، ولا يتحقق الاهتمام به من قبل مؤسسات المجتمع إلا بعد رحيله، لتجيبنا “هذا الأمر يستفزني كثيرا، وما يستفز أكثر حين تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بصور الكاتب الراحل وصور من إصداراته واسترجاع إنجازاته ومدح أخلاقه وهو في حياته لم يكن هنالك من يشير إلى كتبه أو يقرؤها حتى. ربما هي الطبيعة البشرية التي تقوم على عدم تقدير الأشياء إلا بعد فقدها”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عمر شريقي
إعلامي سوري
الكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج لـ"العرب": نحن في زمن الرواية لا الشعر.
الثلاثاء 2024/06/11
ShareWhatsAppTwitterFacebook
هدفي الأصلي من الكتابة هو الاستمتاع والتجريب
يخلق التراكم وعيا أكثر عمقا للكاتب ويفتح له مجالا واسعا لتطوير تجربته وصقلها وبنائها بشكل أكثر متانة، هذا ما تعيه جيدا الكاتبة الإماراتية لطيفة الحاج، التي قدمت عددا هاما من الإصدارات في مختلف أنماط الأدب، لتبلور رؤى لها بصمتها وعمقها وجرأتها. “العرب” التقتها في هذا الحوار حول الأدب وآرائها فيه.
لطيفة الحاج كاتبة من الإمارات، بدأت الكتابة منذ أيام المدرسة وكان أول إصدار لها في 2009 بعنوان “فارس بحصان رمادي”، وقد جربت كتابة الرواية والقصة القصيرة والشعر وقصص الأطفال والمقال، ولها حتى الآن 27 إصدارا.
حول الجنس الأدبي الأقرب إليها إن كان الرواية أم القصة، تقول الكاتبة لـ”العرب”، “القصة حكاية حالها حال الرواية، لكنها تعتمد على الاختزال. فبدلا من رواية أحداث تمتد على سنوات على لسان شخصيات عديدة وفي أمكنة مختلفة، تكون القصة أضيق من ناحية الحرية التي يجدها الكاتب في الرواية. بالطبع هنالك روايات كتبت في مكان واحد وأحداثها تدور في دقائق وقد لا تزيد شخصياتها عن الشخصيتين، لكن الفكرة العامة أن الرواية تمنح الكاتب حرية أكبر”.
تعتقد الحاج أن كتابة القصة تحتاج ذكاء وقدرة على الاختزال وإيصال فكرة معينة في نص قصير. وهذا يصعب على بعض الكتاب، تماما كما يصعب على البعض من أصحاب النفس القصير كتابة رواية طويلة. لا تستطيع تحديد الأقرب إليها من النمطين الأدبيين، لأنها حينا تميل لهذه وحينا لتلك. الفكرة في النهاية هي التي تحدد ميلها واختيارها للنمط الأدبي.
تجريب أدبي
الرواية هي المفضلة لدى القراء لا خلاف على هذه الحقيقة، وكذلك هي المفضلة لدى الناشرين، لهذا يتجه الكاتب إليها
نسأل لطيفة الحاج عن سبب اتجاه الكاتب اليوم إلى جنس الرواية بالتحديد، ونحن نعرف علاقتها الخاصة مع الشعر، لتجيبنا “الرواية هي المفضلة لدى القراء لا خلاف على هذه الحقيقة، وكذلك هي المفضلة لدى الناشرين، لهذا يتجه الكاتب إليها، علاوة على ذلك فنصيب الأسد من الجوائز العربية والغربية للرواية، وفي وقتنا الحالي الكاتب الذي يحظى بالجمهور الأوسع هو الروائي إن قارناه بالشاعر أو كاتب القصة. نحن الآن في زمن الرواية ولا مكان للشعر حاليا”.
وتستبعد الكاتبة أن يتغير الأمر مستقبلا، مضيفة “إن كنا نبحث عن إمكانية تأليف الروايات عن طريق chat GPT هل تتوقع أن يكون هنالك اهتمام بالشعر يعيده إلى مكانته؟ لا ننكر طبعا أن هنالك فئة تهتم بالشعر من كتاب وقراء وتوجد جوائز تخصص لهذا النمط لكن لست متفائلة من هذه الناحية”.
تمتلك الشاعرة والروائية لطيفة الحاج لغة سردية مميزة، حيث أصدرت العشرات من الأعمال المتنوعة في الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، نسألها كيف توفق بين كلّ هذه الأنواع من الكتابة، لتقول “ليست مسألة توفيق لأن الأنماط المختلفة لا يمكن أن تختلط ببعضها البعض بالنسبة إلى الكتاب، على العكس فأنا أجد أن في تجربة أكثر من نمط توجد مساحة واسعة من الحرية، وكما ذكرت مسبقا، الفكرة هي التي تفرض النمط الأدبي واللغة التي سيكتب بها”.
في حوار صحفي سابق لها قالت “ما زالت تنقصني الخبرة والتجربة، وأعرف أن هذا الأمر يحتاج وقتا”، ورغم أن عدد مؤلفاتها كثير، تعلق الحاج “ما زلت عند رأيي، وهذا الرأي هو ما يعطيني الدافع للتعلم والبحث والتحسين من الأدوات التي أوظفها في تجربة الكتابة كما أن هدفي الأصلي من الكتابة هو الاستمتاع والتجريب. مؤكد ستكون لدي فكرة معينة سأعمل عليها، لكن يهمني أن أكون مستمتعة في تجربتي”.
في حوار سابق أيضا قالت الكاتبة إن المبدع مخلوق عاطفي، والعاطفي مخلوق لا يمكنه الاستقرار. ثم سعي المبدع وحرصه على إبداع الجديد وتفاديه التكرار يجعله قلقا ومتنبها على الدوام، وهذا قدر المبدع الحقيقي.
تقول الحاج “ما الذي يدفعنا إلى الكتابة؟ يبدو سؤالا فلسفيا يحتمل إجابات كثيرة. أنا ما يدفعني إلى الكتابة هو شعوري. رغبة داخلية تلح علي في وقت معين لأقوم بالكتابة. في الحقيقة تلك الرغبة حاضرة فيّ أغلب الوقت لكنها حين يحين وقتها تكون ملحة وغير قابلة للتأجيل. ثم حين أشرع بالكتابة أراقب ما أكتب وأدخل في صراع حين أجدني أكتب باللغة نفسها والأفكار نفسها ويحدث أن أخبر نفسي بأنه عليّ الاستمرار والاستماع للصوت الداخلي الذي دفعني إلى أن أكتب ولاحقا في مرحلة التحرير سأتفادى تكرار نفسي وأعمل على التعديل والتنقيح”.
وتضيف “طبعا في بداياتي لم أكن أكتب بهذا الوعي لكنني اليوم قادرة على فعل هذا. ويبقى الصراع الداخلي بين ما أكتبه وما تجدر بي كاتبته وما لا ينبغي أن أكتبه. وفي النهاية الفكرة النهائية والعمل على صورته الأخيرة يكون كما يجدر به أن يكون بعد انتهاء الصراع والقلق وحرب المشاعر الداخلية”.
رواية “كانت لك أسنان”، تحكي ذكريات طفولة بين النخيل والفرجان القديمة والعلاقات المترابطة بين الجيران والأصدقاء، وتدور أحداثها في مدينة العين، تتحدث عنها كاتبتها لـ”العرب” قائلة “القالب العام للرواية هو ذكريات وعلاقات بين الأهل والجيران، ومثل أي عمل لا بد من خلق مكان تدور الأحداث فيه. أؤمن بأنه يقع على عاتق الكاتب أن يوثق لبلده والمدينة أو القرية التي يأتي منها. خصوصا ككاتب إماراتي، لأن عددنا ككتاب إماراتيين جادون قليلا، ونحن في حاجة إلى الكتابة عن وطننا وعاداتنا وملابسنا وأغانينا وطعامنا في ظل هذا التغير المتسارع والانفتاح على الثقافات المختلفة”.
حضور أنثوي بامتياز
وتضيف “سيقول البعض إن هذا دور المؤرخين وكتاب الروايات التاريخية، وأنا أختلف مع هذا الرأي. أفضل طريقة لتوثيق الأحداث والأمكنة والأزمنة هي توثيقها من خلال الأدب. لولا ماركيز لم نكن كعرب عرفنا كولومبيا كما عرفناها في رواياته، ولولا دوستويفسكي لم نكن لنعرف روسيا ومدنها المختلفة. هذا هو دور الكاتب، وهذا هو جمال الأدب”.
كتاب الحاج “قلبي نصف قمر مضيء” شعر يسافر بالقارئ إلى أماكن زارتها لطيفة الحاج وعاشت فيها مشاعر مختلفة، كتبت من الجو عن لقاء وحلم منتظر، تقول “أظن أن جمال القصيدة يكمن في عدم فصلها بين الحقيقة والخيال. والكاتب المبدع هو الذي يمكنه كتابة نص شعري يدمج فيه بين الواقع والخيال أو يصنع نصا لا يمكن التفريق فيه بين كونه حقيقة أو حلما”.
سيدة شارفت الأربعين من العمر وتحاول جهدها للحصول على ولد قبل وصولها إلى سن اليأس، هذا ما نقرأه في روايتها “سين تريد ولدا”، المحبوكة بإتقان ووصف رائع للعلاقات والصراعات والشوق للأمومة، تتحدث الحاج لـ”العرب” عن عملها تقول “سين تريد ولدا، رواية أظنها مست الكثيرات ممن قرأنها، عرفت هذا حين تلقتها الأغلبية بصمت غريب. ربما لكونها تصف وضع كثيرات في المجتمع العربي. غريزة الأمومة موجودة لدى جميع الإناث. وكثيرات حرمن من الأمومة بسبب تأخر الزواج والعزوف عنه بسبب التغيرات التي طرأت على المجتمعات. حين كتبتها كنت أسمع الكثير من القصص عن الأمومة والزواج وهذا ما استفزني للكتابة عن الموضوع الذي لا تجرؤ كثيرات على الحديث عنه”.
نسألها لماذا اختارت “نواقيس العزلة” عنوانا لإحدى رواياتها، لتجيبنا “يستحيل أن يتمكن المرء من عزل نفسه عزلة تامة لكنه قد يوظف طرقا وتكنيكات ذهنية تمكنه من الانفصال عن العالم الذي يتوق للانسلاخ عنه. ونحن مهما حاولنا الانسلاخ عن عوالمنا إلا أن هناك مؤثرات خارجية تعيدنا. ونواقيس داخلية مثل الذكريات والتفكير في الماضي أو الحاضر أو حتى المستقبل. والنواقيس هي أجراس قد تستخدم لتذكير الناس بأمر ما. ليس بالضرورة أن يكون تذكيرا بأن هنالك عالما صاخبا يجب العودة إليه وإنما هي استجابة لنداء داخلي للعودة إلى عالم العزلة. لذلك وجدت أن عنوان ‘نواقيس العزلة’ مناسب لأحداث الرواية وما رسمته في شخصية مريم البطلة وزوجها راشد”.
رسالة إلى القارئ
الكاتبة لا تميل إلى ربط اهتمامها بالأدب وممارسة الكتابة بقضية ما إنها تكتب لمتعة التجريب والتخفف من أعباء الحياة
نسأل الحاج كيف تجدين عالم الأدب العربي اليوم؟ ولماذا لا ينظر العالم إلى المثقفين والكتاب في الجوائز العالمية؟ لتجيبنا “الأدب العربي من ناحية المستوى جيد بل ممتاز. أظن المشكلة تكمن في الترجمة وفي وصول الأعمال الأدبية إلى القارئ الأجنبي حتى يستحق الترشح للجوائز”.
حول رأيها في موجة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل تساهم في متابعة القارئ للإنتاج الأدبي؟ تقول الكاتبة الإماراتية “لا يمكن إنكار دور مواقع التواصل الاجتماعي في التسويق للكتب والإصدارات والتأثير على رواد المواقع واتجاه الكثير منهم إلى القراءة لمجرد التقليد والمشاركة في الـ trends، لكن يوجد من أصبحت القراءة حاضرة في حياتهم بسبب مواقع التواصل الاجتماعي. المشكلة أن هنالك بعض المقلدين والمبتدئين كقراء ممن يقومون بتقييم الكتب ولهم متابعون بالآلاف فيتحكمون بأذواق القراء الجدد ويرفعون أعمالا ليست بالمستوى على حساب الأدب الجاد”.
أما عن القضية الرئيسة للكاتبة لطيفة الحاج؟ وإلى ماذا تطمح كتاباتك الأدبية مستقبلا؟ فتقول “لا أميل إلى ربط اهتمامي بالأدب وممارسة الكتابة بقضية ما. أنا أكتب لمتعة التجريب والتخفف من أعباء الحياة. وما أطمح إليه هو أن يكون إنتاجي ممتعا للقارئ، يقترب من نفسه ويستفز أفكاره ويضيف إليه شيئا جديدا مختلفا. وبالطبع أطمح لأن أكون أفضل ككاتبة وأسهم في إثراء الأدب المحلي، وهذا لن يتحقق إلا بالاستمرار في الكتابة والإنتاج والقراءة والبحث”.
أما الرسائل التي تود إيصالها إلى القارئ من خلال كتاباتها، فتقر بأن الرسالة الأهم هي أن الأدب أداة مهمة في التوثيق للمكان والزمان والعادات، وكما تؤثر الأفلام في عقل المشاهد فإن الأدب له تأثير مماثل لكن المشكلة أن الإقبال على القراءة ليس مثل الإقبال على الأفلام. وهذا ما يجعلها تميل إلى اللغة السهلة في الكتابة فهذا يجعل العمل الأدبي أسهل في الوصول إلى مختلف القراء.
نسألها إن حظيت أعمالها من شعر وقصص وروايات باهتمام النقاد والإعلام الإماراتي، فتجيبنا “على نطاق ضيق، وقد تكون لاحظت ذلك من عدد اللقاءات والمقابلات الموجودة في الإنترنت. وهنالك أسباب مختلفة منها أن الحركة النقدية في الإمارات محصورة على فئة معينة من الكتاب، وهذا أمر شائع في مختلف المجتمعات الأدبية ولا أظنه في الإمارات فقط”.
نسألها ختاما لماذا لا يكرّم المبدع أثناء حياته، ولا يتحقق الاهتمام به من قبل مؤسسات المجتمع إلا بعد رحيله، لتجيبنا “هذا الأمر يستفزني كثيرا، وما يستفز أكثر حين تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بصور الكاتب الراحل وصور من إصداراته واسترجاع إنجازاته ومدح أخلاقه وهو في حياته لم يكن هنالك من يشير إلى كتبه أو يقرؤها حتى. ربما هي الطبيعة البشرية التي تقوم على عدم تقدير الأشياء إلا بعد فقدها”.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
عمر شريقي
إعلامي سوري