نواصل نشر مقتطفات من كتاب (ليليت والحركة النسوية الحديثة)
الصادر عن وزارة الثقافة ـ دمشق 2007
#حنا_عبود
كيف توحدت ليليت مع لاماشتو
كانت لاماشتو شيطانة فيها روح نجسة، تنتظر الولادات الحديثة فتنقض على الطفل قبل يومه الأربعين وتذبحه، ثم ترحل مع الريح. قيل إنها تذهب مع الريح الشمالية، كأن أصلها من الشمال، تأوي إليه لتحمي نفسها من بقية الأرواح. وكانت تهوى الأطفال الذكور فتعمل على خنقهم. ومن وظيفتها الشيطانية نعرف أنه لا علاقة لليليت بها. ربما كان تشابه الاسمين: Lilith و Lamashtu سببا في التوحيد. ولكن الأرجح أن المجتمع الذكوري المتنامي والمتعاظم لا يترك شيئا من دون أن يستفيد منه ويوجهه لصالحه.
لاماشتو هي نقيض ليليت في وظيفتها الأساسية. والمعروف أن مدة الأربعين يوما تكون المرحلة الخطيرة بالنسبة للوالدة والمولود معا. وبما أن ليليت لا يمكن أن تكون – وهي ربة مهد بالأساس – مقترفة هذا الذنب، في خطف الولد والقضاء عليه، أو القضاء على الأم، فإن النقيض المقابل هو من كان يقوم بذلك. وهذا النقيض هو لاماشتو، حتى تقف في وجه ليليت وتنتزع منها الأطفال المولودين حديثا، أو المرأة التي ولدته، خلال أربعين يوما. ومن هنا كانت الصلوات لليليت لا تنقطع من المجتمع الأمومي طيلة هذه المدة حتى تحفظ النسل وتربي الأطفال. ولكن بعد تحول المجتمع وخضوعه لسيطرة الذكر زعموا أن ليليت هي لاماشتو. فهي التي تخنق الأطفال، ولا فرق بينها وبين لاماشتو سوى أن ليليت مغاوية للرجل تستدرجه إلى الأماكن المهجورة وتقضي عليه.
ليليت بأجنحة الملائكة
الكلـمة السومرية Lilitu مؤنث Lil أو Lilu ومـعناها الريح. وقد صارت تطلق عـلى الليل. والكائنات الروحية هي التي تخلق من الريح، أي من الهواء، حيث يتم التلقيح مثل غبار الطلع. وقد ظلت هذه العقيدة تظهر في معتقدات الشعوب. ففي العصور الوسطى، وفي حكايات الملك آرثر نجد شيئا من هذا. فالفارس ميرلن مخلوق هوائي، ولذلك ظهرت منه المعجزات والأفعال العجائبية والتنبؤ بالمستقبل (عدا التنبؤ بمصيره) وكان واحدا من فرسان المائدة المستديرة.
لم تكن ليليت روحا شيطانية، لأنها جميلة جمالا أخاذا، تلك السمراء بشعر فاحم طويل. كانت روحا ملائكية تدل على ذلك تلك النقوش التي تجعل لها جناحي ملاك. ولم تظهر لها صورة قبيحة الوجه إلا في العهد الفارسي المتأخر.
لكن السومريين الذين راحوا ينتقلون إلى المجتمع الأبوي أرادوا الخلاص منها وتشويه سمعتها فنسبوا إلها كثيرا من التهم. ظلت تظهر بأجنحة ولكن صارت تظهر بومتان إلى يمينها وشمالها ويقعى خلفها وحشان ضاريان، وأحيانا غير ضاريين. بقيت معالم وجهها وجسدها في أبهى مظهر وأجمل خلقة عرفها السومريون. لم تشوه هذه المعالم إلا في العهود المتأخرة. كانت جميلة جمالا باهرا.
التشويه الذي أصاب ليليت جسدا وروحا وأفعالا يرجع إلى المفاهيم الجديدة التي تنحاز إلى جانب الرجل. وقد كانت الربة إينانا متأرجحة بين الإخلاص لأنوثتها وبين الرضوخ لمطالب الموجة الجديدة العاتية التي تريد أن تنتزع الحقوق من المرأة. وبالأخص حق ملكية الأولاد. وبدأت بالفعل كلمة "ابن فلان" تحل محل "ابن فلانة" في الآداب السومرية المتأخرة، وعلى الأخص في الثيوغونيا.
وقد يكون أمثال إينانا عددا لا بأس به في المجتمع السومري، ولكن المرأة السومرية ظلت حريصة على صورة ليليت الملائكية، وعلى تقاليدها في تربية الطفل على السلم والمحبة. وحتى اليوم نطلق تعبير "تربية نساء" على الفتى المهذب الأنيق اللطيف الميال إلى الأسلوب الهادئ السلمي. نطلق عليه هذا التعبير ذما لا مدحا، كأننا نتخذ موقف السومريين المحاربين الذين ألحوا على إنتاج شبان مقاتلين لا مهادنين ومحاربين لا مسالمين. حتى اليوم نريد الشاب أن يكون مقتحما "غير هياب" مع بقية الصفات التي رسمها المجتمع البطريركي للشاب السومري. آلاف السنين مرت وما زلنا نحمل الإرث السومري الذكوري.
ولكن إلى جانب مفهومنا الذكوري ظلت حفيدات ليليت مخلصات للتقليد الليليتي، فلا يربين الطفل إلا على السلام والمحبة. هل هي مورثات في التكوين الجسدي؟
ومن هنا ظلت ليليت في مخيلة المرأة السومرية، امرأة ربة هيولية ناعمة رقيقة تأتي في الظلام لتشرف على تربية الطفل. وقد أطلقن اسمها على الليل وليس العكس. والمدهش أن الأسماء التي تستخدمها المرأة اليوم من أمثال ليال وليلى وليلي ولولا ولوليتا ولوليت. . . ترجع إلى الأيام السحيقة قبل آلاف السنين وكلها تشير إلى ليليت التي أطلقن اسمها على الليل أو الليلة.
ظلت الأجنحة ترافق صورة ليليت حتى العصور المتأخرة. وقد لعبت المانوية دورا كبيرا في الحفاظ على الصورة الجميلة لليليت. كان ماني رساما ماهرا فجعلها ممثلة للخير وجعل حواء ممثلة للشر، كما سوف يأتي في مكان آخر.
الصادر عن وزارة الثقافة ـ دمشق 2007
#حنا_عبود
كيف توحدت ليليت مع لاماشتو
كانت لاماشتو شيطانة فيها روح نجسة، تنتظر الولادات الحديثة فتنقض على الطفل قبل يومه الأربعين وتذبحه، ثم ترحل مع الريح. قيل إنها تذهب مع الريح الشمالية، كأن أصلها من الشمال، تأوي إليه لتحمي نفسها من بقية الأرواح. وكانت تهوى الأطفال الذكور فتعمل على خنقهم. ومن وظيفتها الشيطانية نعرف أنه لا علاقة لليليت بها. ربما كان تشابه الاسمين: Lilith و Lamashtu سببا في التوحيد. ولكن الأرجح أن المجتمع الذكوري المتنامي والمتعاظم لا يترك شيئا من دون أن يستفيد منه ويوجهه لصالحه.
لاماشتو هي نقيض ليليت في وظيفتها الأساسية. والمعروف أن مدة الأربعين يوما تكون المرحلة الخطيرة بالنسبة للوالدة والمولود معا. وبما أن ليليت لا يمكن أن تكون – وهي ربة مهد بالأساس – مقترفة هذا الذنب، في خطف الولد والقضاء عليه، أو القضاء على الأم، فإن النقيض المقابل هو من كان يقوم بذلك. وهذا النقيض هو لاماشتو، حتى تقف في وجه ليليت وتنتزع منها الأطفال المولودين حديثا، أو المرأة التي ولدته، خلال أربعين يوما. ومن هنا كانت الصلوات لليليت لا تنقطع من المجتمع الأمومي طيلة هذه المدة حتى تحفظ النسل وتربي الأطفال. ولكن بعد تحول المجتمع وخضوعه لسيطرة الذكر زعموا أن ليليت هي لاماشتو. فهي التي تخنق الأطفال، ولا فرق بينها وبين لاماشتو سوى أن ليليت مغاوية للرجل تستدرجه إلى الأماكن المهجورة وتقضي عليه.
ليليت بأجنحة الملائكة
الكلـمة السومرية Lilitu مؤنث Lil أو Lilu ومـعناها الريح. وقد صارت تطلق عـلى الليل. والكائنات الروحية هي التي تخلق من الريح، أي من الهواء، حيث يتم التلقيح مثل غبار الطلع. وقد ظلت هذه العقيدة تظهر في معتقدات الشعوب. ففي العصور الوسطى، وفي حكايات الملك آرثر نجد شيئا من هذا. فالفارس ميرلن مخلوق هوائي، ولذلك ظهرت منه المعجزات والأفعال العجائبية والتنبؤ بالمستقبل (عدا التنبؤ بمصيره) وكان واحدا من فرسان المائدة المستديرة.
لم تكن ليليت روحا شيطانية، لأنها جميلة جمالا أخاذا، تلك السمراء بشعر فاحم طويل. كانت روحا ملائكية تدل على ذلك تلك النقوش التي تجعل لها جناحي ملاك. ولم تظهر لها صورة قبيحة الوجه إلا في العهد الفارسي المتأخر.
لكن السومريين الذين راحوا ينتقلون إلى المجتمع الأبوي أرادوا الخلاص منها وتشويه سمعتها فنسبوا إلها كثيرا من التهم. ظلت تظهر بأجنحة ولكن صارت تظهر بومتان إلى يمينها وشمالها ويقعى خلفها وحشان ضاريان، وأحيانا غير ضاريين. بقيت معالم وجهها وجسدها في أبهى مظهر وأجمل خلقة عرفها السومريون. لم تشوه هذه المعالم إلا في العهود المتأخرة. كانت جميلة جمالا باهرا.
التشويه الذي أصاب ليليت جسدا وروحا وأفعالا يرجع إلى المفاهيم الجديدة التي تنحاز إلى جانب الرجل. وقد كانت الربة إينانا متأرجحة بين الإخلاص لأنوثتها وبين الرضوخ لمطالب الموجة الجديدة العاتية التي تريد أن تنتزع الحقوق من المرأة. وبالأخص حق ملكية الأولاد. وبدأت بالفعل كلمة "ابن فلان" تحل محل "ابن فلانة" في الآداب السومرية المتأخرة، وعلى الأخص في الثيوغونيا.
وقد يكون أمثال إينانا عددا لا بأس به في المجتمع السومري، ولكن المرأة السومرية ظلت حريصة على صورة ليليت الملائكية، وعلى تقاليدها في تربية الطفل على السلم والمحبة. وحتى اليوم نطلق تعبير "تربية نساء" على الفتى المهذب الأنيق اللطيف الميال إلى الأسلوب الهادئ السلمي. نطلق عليه هذا التعبير ذما لا مدحا، كأننا نتخذ موقف السومريين المحاربين الذين ألحوا على إنتاج شبان مقاتلين لا مهادنين ومحاربين لا مسالمين. حتى اليوم نريد الشاب أن يكون مقتحما "غير هياب" مع بقية الصفات التي رسمها المجتمع البطريركي للشاب السومري. آلاف السنين مرت وما زلنا نحمل الإرث السومري الذكوري.
ولكن إلى جانب مفهومنا الذكوري ظلت حفيدات ليليت مخلصات للتقليد الليليتي، فلا يربين الطفل إلا على السلام والمحبة. هل هي مورثات في التكوين الجسدي؟
ومن هنا ظلت ليليت في مخيلة المرأة السومرية، امرأة ربة هيولية ناعمة رقيقة تأتي في الظلام لتشرف على تربية الطفل. وقد أطلقن اسمها على الليل وليس العكس. والمدهش أن الأسماء التي تستخدمها المرأة اليوم من أمثال ليال وليلى وليلي ولولا ولوليتا ولوليت. . . ترجع إلى الأيام السحيقة قبل آلاف السنين وكلها تشير إلى ليليت التي أطلقن اسمها على الليل أو الليلة.
ظلت الأجنحة ترافق صورة ليليت حتى العصور المتأخرة. وقد لعبت المانوية دورا كبيرا في الحفاظ على الصورة الجميلة لليليت. كان ماني رساما ماهرا فجعلها ممثلة للخير وجعل حواء ممثلة للشر، كما سوف يأتي في مكان آخر.