أطفالُ ودمية /

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أطفالُ ودمية /

    (أطفالُ ودمية / ربيع دهام)
    أجدني مثل ثورٍ هائجٍ، أخرجُ من حظيرةِ الكنبةِ. أقفز داخل الحلبة.
    أنقضّ على المصارعين الصغار. أنتزع المحرمة، أو الدمية الحمراء،
    من براثن أياديهم المتشابكة.
    أطرح الدمية أرضاً. أطحنها بقدميّ الحانقتيَن، ثم أعلِن بعد ذلك النصرَ المبين.
    نعم. صراع الأطفال على دميةٍ واحدة، تاركين وراءهم كل الألعاب الأخرى،
    قد استفزَّ كل خليّة عصبيّة بداخلي.
    - دعهم وشأنهم، نصحني صديقي الأبله.
    وأكمل بلاهته بجملةٍ كانت بمثابة الأفعى التي التفّت حول عنقي:
    - ما هم سوى أطفال لا يفقهون.
    أخرجت أنيابي من غمدها. عضضتُ الأفعى. مضغتُ جلدَها،
    وبوجهه الشنيع بصقته.
    قلتُ له ودم الأفعى على شفتيّ:
    - لا يفقهون، لكنهم يزعجون!
    حدجني بنظرةٍ باردة خبّأت، أو يا ليتها خبّأت، في عمقِها شيئاً.
    - ألا يزعجونك؟، سألته بغضبٍ.
    أجابني بلغّةٍ "إسكيمويّة" قادمة من معاجم القطب الشمالي:
    - فكِّر بأمرٍ آخر.
    صرختُ في نفسي:
    - نعم. سأفكّر في أمرٍ آخر. سأقتلُكَ مثلاً!
    وفيما كنّا أنا وصديقي المومياء نتجاذب، أو نتقاذف، أطراف الحديث،
    استل أحد الأطفال الأشقياء الدمية من الأرضِ، وأعادها خلسةً إلى
    حلبة الملاكمة.
    هجم الأطفال الآخرون عليه. مدّوا أياديهم نحو الدمية، فاستؤنِف الصراع الأزلي فيما بينهم.
    انتصبتُ على قدميّ والدخان يتصاعد من منخريّ.
    وكم تمنّيت لو كان لي منخراً إضافيّاً من شدّة النار التي أوقدها
    بداخلي "الملائكة المتقاتلة".
    بلعتُ حنجرتي وخرجتُ كالبغل من غرفة الاستقبال.
    صفعتُ الباب ورائي، ولمّا صرتُ في الخارج صرختُ:
    "حمقى! أغبياء! تتصارعون على دمية واحدة، ودمى الكون بمتناول أياديكم؟!".
    وحينما وصلتُ الطابق الأرضي رأيتُ بائع جرائد. ناديته.اقترب.
    اشتريت منه جريدة علّني أسدُّ بأوراقها فوهّات غيظي المشرّعة.
    رفعتُ الجريدة. قرأتُ العنوان:
    " ما زالت الطائفة-أ تتقاتل مع الطائفة-ب في نزاعٍ عمره ألفي سنة ".
    كوّرتُ الجريدة وقذفتها جانباً.
    - هؤلاء الكتّاب الحمقى!، قلتُ في نفسي، ألا يدرون ماذا يكتبون؟!
    وصمتُّ لبرهةٍ قبل أن أطلق من خياشيمي الحقيقةَ البيِّنة:
    - كلُّ الطوائف زائفة...إلا طائفتي".
    وأكملتُ طريقي.
    وما إن وصلتُ بيتي حتى استللت رشّاشي، لقّمته بشحناتٍ تاريخيّة،
    وركضتُ كالثورِ المغوارِ إلى ساحات القتال.
يعمل...
X