عمى الألوان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عمى الألوان

    عمى الألوان
    وأنا في الطّابور أنتظر دوري لدخول الخلوة والإدلاء بصوتي، استبدّت بي حالة من القلق. فالأسئلة التي تواردت بذهني فجأة، جعلتني غريبا عنّي. " أنت الذي عاهدت نفسك على الاخلاص لهذا البلد، تلتحق بالطّابور دون أن يقنعك برنامج انتخابي واحد من برامج المترشّحين. أتراك خرجت من شرنقتك في غير وقتك؟...". يكتنفني شعور غريب لم أعهده من قبل. يبدو أنّي اتصالح مع المألوف، واقاد بأخلاق العبيد. وجدت نفسي أخيرا أمام حسناء، طلبت منّي بطاقة هويتي، وقبل أن أستجيب، غمست سبّابتي اليمنى في حبر بنفسجيّ سرعان ما بدأ يميل الى السّواد، وابتسمت ابتسامة مغرية. لم أهتمّ بالأمر، مددت يدي أهمّ بأخذ ورقات التصويت المنضّدة أمامها بعناية فائقة. أخذت الورقة الأولى، فالثانية، فالثالثة. انتبهت على صوت حمحمة الحسناء. وجّهت بصري نحوها، أطلقت وابلا من الغمزات اشبه ما تكون بالمخدّر. لم أدرك ما تحمله غمزاتها من رسائل. أشحت بصري أتحاشى النّظر في عينيها. عدت ألتقط ما بقي من أوراق التصويت، فأعادت الحمحمة والغمزات. زادت حيرتي وألفيت الورقات تتساقط من بين أصابعي، إلّا واحدة بقيت ثابتة. وقد زادها صوت شيخ كان يقف خلفي ثباتا. مشبع بالثّقة بالنفس والسّعادة، وبشيء من التبجّح "هرمت من أجل هذه اللحظة...". أخذ نفسا عميقا معجونا برائحة العرق ونظرات الحساء السّاحرة، ثمّ أطلق آهة تختزل شعورا شبقيا غامرا. انتشر صوت شاب في ارجاء القاعة "نعم هرمنا من أجل هذه اللحظة...و نجحنا في جعل كلّ الألوان تتجانس وتشكّل لونا واحدا وحاكما واحدا". بدأت أصوات تتعالى من هنا وهناك تردّد ما تفوه به الشيخ و الشّاب. خفت كما لم أخف من قبل، عدت إليّ، وتفاقم شعوري بالغربة والخطيئة. تذكّرت أنّي رسّخت في ذهن ابني أنّ الألوان تمزج لتولّد لونا آخر مختلفا عن الألوان الاولى، وأنّ لكل لون خاصيات وهويّة، وأنّ سحر الألوان في تمايزها، ولكن نسيت ان اطلعه على سحر الغمزات.
    رياض انقزو
    /تونس
يعمل...
X