كانت المراهقة الصغيرة إليزابيث أو بيتي روبنسون، لا زالت في الـ16 من عمرها فقط، عندما لفتت أنظار أستاذ مادة العلوم في مدرستها بالصدفة البحتة، لسرعتها الشديدة للغاية في الركض، إذ كان يبدو كيوم عادي بولاية إلينوي في عام 1928، عندما وقف الأستاذ تشارلز برايس، في انتظار قدوم القطار للعودة للمنزل بعد يوم عمل دراسي طويل، قبل أن يلاحظ الأمر.
أدركت بيتي لوهلة ضرورة ركضها بأقصى سرعة ممكنة أملا في اللحاق بنفس القطار الذي انتظره المعلم برايس، ليذهل أستاذ العلوم ومدرب العدو في الوقت نفسه، من أسلوب ركضها الاحترافي، الذي ساعدها على اللحاق بالقطار بل والصعود على متنه قبل إغلاق الباب بجزء من الثانية، ما دفعه لتحفيز الطالبة الصغيرة على احتراف رياضة الجري.
تدربت بيتي بكل قوة بفضل نصائح معلمها، حتى صارت مستعدة بالفعل للمشاركة في أوليمبياد أمستردام عام 1928 رغم صغر سنها، إلا أن مهمة المشاركة في تلك الدورة لم تكن شديدة التعقيد نظرا لقلة عدد المشاركات آنذاك، المفاجأة الحقيقية هنا تمثلت في فوز بيتي بالميدالية الذهبية بعد أشهر قليلة من التدريب، وبعدما كانت مجرد طالبة مجتهدة بمدرسة ثورنتون تاونشيب المحلية.
ارتفع سقف الطموحات فجأة لدى بيتي وكذلك لأسرتها الصغيرة، التي طالما حفزتها على تعلم الموسيقى وممارسة الرياضات المختلفة، حيث حلمت بالاشتراك في دورة الألعاب الأوليمبية التالية في عام 1932، لتكرار الإنجاز الذي نال إعجاب كل من حولها، إلا أن الظروف سارت في طريق مختلف تماما عما تخيلت البطلة الصغيرة.
في عام 1931، وقبل انطلاق دورة الألعاب الأوليمبية بأقل من عام واحد، صعدت بيتي على متن طائرة صغيرة يقودها ابن عمها، الطيار المتمرس ويل، من أجل الحصول على بعض المتعة، وسط التدريبات الشاقة التي انتظمت فيها، إلا أن شيء ما حدث تسبب في تعرض الطائرة لأزمة مفاجئة، جعلتها تسقط مرتطمة بالأرض قرب مدينة شيكاغو. تعرض قائد الطائرة ويل لكسور في القدم، فيما فوجئ بقريبته الشابة والدماء تسيل من رأسها ولا تحرك ساكنا، للدرجة التي جعلت المسعف الذي حملها يعتقد بأنها رحلت عن الدنيا، لذا لم يقم بنقلها للمستشفى بل لمتعهد الدفن، الذي امتلك لحسن الحظ قوة ملاحظة، أدرك من خلالها أن البطلة الأوليمبية مازالت تتنفس رغم ما أصابها من ضرر مخيف، تمثل في تشابك قدميها وتعرض إحداها لـ3 كسور مختلفة، في ظل تحطم ذراعها الأيسر وإصابة رأسها بالجروح العميقة.
دخلت بيتي في غيبوبة استمرت لعدة أسابيع، أفاقت منها في حالة يرثى لها، حيث لم تكن قادرة على الحركة بل ولم تملك حينئذ إرادة القيام من الفراش، هنا جاء دور شقيقها، حيث اعتاد إيقاظها من النوم كل صباح، ليصطحبها إلى خارج غرفتها ولو لبضع خطوات في بادئ الأمر، قبل أن تتمكن بيتي من الخروج من المنزل والسير على قدميها من جديد بكل راحة، وتبدأ في محاولات ركض فاشلة، تكللت بالنجاح بفضل إرادتها الحديدية.
تغيرت الكثير من الأمور حول بيتي، حيث عانت أسرتها من الفقر نتيجة الأموال التي تم إنفاقها خلال رحلة علاجها الطويلة، فيما زادت الأمور سوءا بفضل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عانت منها البلاد في ثلاثينيات القرن الماضي، والمعروفة باسم الكساد الكبير، إلا أن تلك الصعوبات لم تحبط البطلة السابقة التي زادت إصرارا على العودة لمضمار سباقات العدو، من بوابة أوليمبياد برلين لعام 1936.
تحقق حلم بيتي، حيث شاركت ضمن فريق الولايات المتحدة بالأوليمبياد المقامة في ألمانيا، لتفاجئ المتابعين بالحصول على الميدالية الذهبية من جديد، ليحفظ اسمها في سجلات التاريخ وتنال التكريم الذي استحقته على مدار السنوات التالية، وحتى وفاتها في عام 1999، بعد أن أثبتت للعالم أن بيتي روبنسون ليست مجرد بطلة أوليمبية، بل أسطورة رياضية لا تقهر.