محراب عثماني صغير في مغارة الأرواح التي كانت تستخدم خلوة ومعتكفا وهي مغلقة اليوم بالكامل (الجزيرة نت)25/11/2019
جمان أبوعرفة-القدس
مغارة الأرواح.. حكاية مخبأة أسفل المسجد الأقصى
إذا دخلت قبة بخٍ بخٍ شمال غرب قبة الصخرة في المسجد الأقصى، وتأملت محرابها البديع ونوافذها الثمانية المضيئة، لن تتوقع أن مغارة بحجم غرفة القبة تقع أسفل قدميك أغلقت بإحكام بستة ألواح خشبية، يعلوها مكتب لجنة إعمار المسجد الأقصى، وستندهش كما دُهش الكثيرون من رواد الأقصى أن معلما أثريا محفورا بالصخر أسفل الأرض لا تعلم عنه شيئا!
تتوارى مغارة الأرواح أو بخٍ بخٍ عن أنظار المصلين، ولا تتوفر صورها في محركات البحث على شبكة الإنترنت،وحتى ذكرها في الكتب شحيح مقتضب، كما أن لجنة إعمار المسجد الأقصى تغلقها أمام الجميع.
بنى العثمانيون قبة بخ بخ لنيل البركة من مكان عروج الرسول صلى الله عليه وسلم على بعد أمتار قليلة من قبة الصخرة (لجزيرة نت)
ويعلل مدير اللجنة المهندس بسام الحلاق للجزيرة نت صعوبة فتحها والوصول إليها بسبب استعمال القبة المقامة أعلاها مكتبا للجنة الإعمار، وفتحها يستوجب إخلاء الغرفة وأثاث المهندس المقيم، كما أن "استغلال المنطقة العلوية يلغي فتح المغارة السفلية".
كان مدير الوعظ والإرشاد في المسجد الأقصى ناجح بكيرات أحد الذين حالفهم الحظ ونزلوا إلى مغارة الأرواح عام 1981، وقت كانت القبة أعلاها مهملة مخربّة تملؤها سجلات المحكمة الشرعية في القدس، يقول بكيرات للجزيرة نت إن دائرة الأوقاف رممت قبة بخ بخ وحوّلتها في البداية إلى دار للحديث الشريف ثم إلى مكتب للجنة الإعمار.
النزول إلى مغارة الأرواح يتم عبر فتحة تقود إلى 12 درجة حجرية (الجزيرة نت)
جوّ روحاني فريد
ويضيف أنه نزل إلى المغارة تحت الأرض أثناء تطوعه لتنظيفها برفقة مجموعة من الشبان، ويصفها بأنها "كانت مظلمة جدا في البداية، لكن نورا بدأ يتسلل رويدا من "منور" أو كوّة في السقف، شعرت بالسكينة وإيحاءات إيمانية جمة لا يمكن وصفها، دخولها يقطع المرء عن العالم الخارجي، تخيلت حينها الأنبياء الذين مرّوا على الأقصى وصلوا فيه".
النزول إلى مغارة الأرواح يتم عبر فتحة تقود إلى 12 درجة حجرية من الجنوب إلى الشمال يحيط بيمينها "درابزين" أو قوائم من حديد صنعت يدويا من دون لِحام، تحتوي المغارة فقط على محراب عثماني في طرف جزئها الجنوبي، بالإضافة إلى كوّتين (فتحتين)، واحدة باتجاه الشمال وهي ظاهرة على السطح حتى اليوم، وأخرى جنوبية أغلقت بعد تبليط محيط القبة.
تكمن فرادة القبة وروحانيتها في عدم تغيّر ملامحها، فقد حفرت بكاملها بالصخر حتى غدت جدرانها وأرضيتها صخرية بالكامل. لكنها اليوم تعاني من الرطوبة لقلة التهوية والإضاءة وتسرب بعض الماء إليها من آبار المسجد المجاورة لها من الجهة الشمالية والشرقية. كما تقدر مساحة المغارة بمئة متر مربع بطول مختلف لعدم استواء زوايا المغارة يصل إلى ثلاثة أمتار في وسطها.
كوة المغارة فتحتها الوحيدة في قسمها الشمالي فوق سطح الأرض(الجزيرة نت)
خلوة ومعكتف
لا يُعرف تحديدا تاريخ حفر المغارة، لكن الثابت أنها سبقت بناء القبة التي أمر ببنائها والي القدس العثماني محمد بك عام 1700م فوق مساحة المغارة. وسمّيت القبة -الأكبر مساحة بين قباب الأقصى- بأسماء عدة منها: قبة مصلى الخضر، ومسجد النبي، والزاوية المحمدية، وبخٍ بخٍ (اسم فعل للمدح والإعجاب والرضا بشيء، ويكرّر للمبالغة).
أحد أبرز أسماء القبة هي "قبة الشيخ الخليلي" نسبة إلى العالم المتصوف ومفتي القدس في العهد العثماني محمد الخليلي الذي درّس في القبة وأوقف أملاكه عليها عام 1726، كما اتخذ مغارة الأرواح أسفلها خلوة ومعتكفا له، وكتب عنها مخطوطة بعنوان "كشف الظلام عن مقام النبي عليه السلام"، التي يعكف مركز ترميم المخطوطات في المسجد الأقصى على تحقيقها حاليا
وعن ذلك ذكر الشيخ مصطفى البكري الصديقي في كتابه "النصيحة السنيّة" أنه زار الشيخ الخليلي في خلوته بقبة بخ بخ وصلى خلفه لما يتمتع به من جميل الصفات وحسن قراءة وتكميل في صلاته. وفي كتاب الصديقي الآخر "الخمرة الحسيّة في الرحلة القدسية"، قال "حدثني شيخنا محمد الخليلي أنه بلغ المرام بخلوته التي على يمين وشمال قبة المعراج".
مكتب مدير لجنة إعمار الأقصى أعلى مغارة بخ بخ (الجزيرة نت)
دعوات لاستصلاح المغارة
بنى العثمانيون قبة بخ بخ في موقعها الحالي لاعتقادهم أنها مكان عروج النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء ليلة الإسراء والمعراج، ويقول بكيرات إنه وبسبب اختلاف المسلمين على مرّ العصور على موقع المعراج، بُنيت قباب عديدة حول قبة الصخرة، فبنى الأمويون قبة الصخرة فوق ما اعتقدوا أنها صخرة المعراج، وبنى الأيوبيون قبة المعراج، وبنى المماليك المدراس والبوائك لاعتقادهم أن المعراج هو المسجد الأقصى بأكمله، ولاحقا استخدمت القباب للتدريس أو العبادة والخلوات.
يدعو بكيرات إلى ترميم مغارة الأرواح واستصلاحها من قبل لجنة الإعمار وعدم تركها مهملة، مع الحفاظ على عمل اللجنة أعلى المغارة في القبة، ودعا إلى ضرورة التعريف بها لأنها جزء مهم لا يتجزأ من المسجد الأقصى بما تحت أرضه وفوقه.
المصدر : الجزيرة