الناقد المغربي عزالدين بوركة يفتح نوافذ ماتيس على طنجة.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الناقد المغربي عزالدين بوركة يفتح نوافذ ماتيس على طنجة.

    الرحلة الطنجاوية قادت الفرنسي هنري ماتيس إلى أفق تشكيلي ولوني جديد


    الناقد المغربي عزالدين بوركة يفتح نوافذ ماتيس على طنجة.
    الجمعة 2024/05/31

    طنجة قامت بدور الكاشف والمنير لماتيس

    استقى رواد الفن التشكيلي الحديث والمعاصر في أوروبا خاصة توجهاتهم الجديدة من الانفتاح على الآخر، وخاصة الآخر الأفريقي واللاتيني، وكانت رحلات الفنانين إلى القارة السمراء بشكل خاص مساحة لتطوير تجاربهم بل والانقلاب عليها والتأسيس لمسارات مغايرة، ومن بين المناطق الأكثر تأثيرا كانت شمال أفريقيا حاضرة بقوة ولعل في تجربة ماتيس ورحلته الطنجاوية خير دليل على ذلك.

    الدار البيضاء (المغرب)- شكل المغرب محطة فارقة في تاريخ الفن، خاصة بتلك الزيارة التي قام بها مجموعة من الفنانين الغربيين، الباحثين عن تجديد رؤاهم أو الطامعين في تأثيث فضاءات لوحاتهم بفضاءات غير مكتشفة، أو المأخوذين بالنزعة الاستشراقية التي ابتدأت فنيا مع أولى رحلات دولاكروا إلى هذه الجغرافيا العربية والأفريقية القصية.

    كان المغرب، شأنه شأن بلدان أخرى من شمال أفريقيا بشكل خاص، منطلق التجديد الفني الذي طال الفن الغربي، منذ أربعينات القرن التاسع عشر، لما تشكله المنطقة من فسيفساء تجمع بين طبائع جمالية وفنية وتاريخية تضم في صميم تركيبتها الأفريقي والإسلامي والعربي والأمازيغي وحتى الروماني والفينيقي والقرطاجي والفرعوني وغير ذلك من التقاطعات التي أغنت هوية هذه البقعة الثرية. هنري ماتيس واحد من هؤلاء الذين بحثوا عن الضوء وعن تجديد النَفَس الفني والصباغي قادما إلى المغرب.
    تأثيرات طنجة




    يسعى الباحث الجمالي في الفن المعاصر المغربي عزالدين بوركة إلى أن يلامس أثر التجربة المغربية في مسار هذا الفنان الفرنسي، الذي أثر في دواخل لقائه بميونخ عام 1910، بمجموعة من المعروضات الفنية والأغراض الإسلامية. وهو ما سيحمسه لزيارة مناطق بالأندلس في إسبانيا، قبل أن يشد الترحال إلى شمال أفريقيا، وبالتحديد مدينة طنجة شمال المغرب. “كما سيتجلى الأثر الشرقي الإسلامي، بقوة في أعمال ماتيس من خلال أسلوب تصوير الوجوه، باستحضار أسلوب المنمنمات، وهو ما نلمسه في الكثير من لوحاته، وخاصة تلك التي تناولت شخصية الزُهرة، في فضاءات وحالات متعددة. وذلك بعدما تأثر أيضا، وبشكل جلي، بالفن البيزنطي”، يؤكد بوركة.

    في مؤلفه “نوافذ ماتيس، المغرب شرقا بين الألفة والغرابة”، الصادر عن دار خطوط وظلال، الأردن، 2024، يعمل بوركة على تتبع الأثر المغربي الإسلامي الأمازيغي – العربي الأفريقي في مجمل الأعمال الصباغية التي أنجزها ماتيس بطنجة، وما ترتب على ذلك من دلالات وعلامات وأمارات وجد سبيلها على التجربة الماتيسية في ما بعد عودة الفنان إلى وطنه فرنسا.

    يقول صاحب الكتاب “أدت طنجة الدور الكاشف والمنير لماتيس، الذي سمح له بفهم الضوء بشكل أفضل، وتعميق إدراكه لشدته. إلى جانب إعادة النظر في اللون والتلوين، وفي مفهوم المكان والفضاء التشكيلي والمفردات المكونة له، بعدّه نسيجا كليا تنصهر في صلبه كل الأغراض والشخوص، وفي مساحة تلوينية واحدة لا أثر لخط كفافي contour فيها، خطّ فاصل وحاد”.

    يذهب الناقد المغربي إلى المقارنة بين ما سماه مغرب دولاكروا ومغرب ماتيس، حيث إن الأول بحث عن الغرائبي والفانتازيا بينما سعى الثاني إلى إيجاد ذرائع التحول والتطور في تجربته، دون أن يكون مدفوعا بأي نزعة استشراقية. فإن كان المغرب لكل منهما يقع في الشرق، إلا أنه بالنسبة إلى ماتيس لا يحمل أي حمولة عجائبية وأي نزعة تعمل على التضخيم والاحتكام إلى الغواية الزائفة المنبعثة من النبش خلف الجدران الحميمية.

    يخبرنا بوركة كاتبا “بخلاف أوجين دولاكروا الذي رأى المناظر الطبيعية المغربية الخلابة بعدّها لوحات جاهزة، أقرّ ماتيس بصعوبة تحويل المشهد الحقيقي إلى لوحة قماشية. فقد بحث الثاني على مغربه الخاص الخفي في تفاصيل منتزعة من كل نزعة استشراقية، بينما ظل المغرب قائما في المتخيّل واللامكشوف والمتروك للاستهامات بالنسبة للأول. ويتأكد ذلك جليا في تعاطي كل منهما للموتيف نفسه، إذ لم ينظرا إلى الطبيعة المغربية وأنماط الزربية بعين واحدة. إذ ستتحول الزربية، في لوحات ماتيس إلى أسلوب إنتاج لا بوصفها منتوجا، ينبغي إعادة تمثيله وتمثله”.

    لا يتبع عزالدين بوركة في كتابه خطا نقديا أفقيا، بقدر ما يعمل على جعل كتابه هذا مونوغرافية سردية نقدية، يدمج في طياتها حيزا من حياة الفنان بالمغرب، طنجة خصوصا، ونوعا من التحليل والتأويل لمجموعة هامة من اللوحات التي بعضها كان قبل قدوم ماتيس إلى المغرب، وأخرى أثناء إقامته على مرحلتين (1912 – 1913)، وأخرى تمتد إلى ما بعد رجوعه إلى فرنسا. كل ذلك من أجل استخراج العلامات الماتيسية التي تميز الفنان عن باقي المستشرقين.
    أفق تشكيلي جديد



    تجديد النفس الفني والصباغي


    يكتب بوركة “لقد سمحت له (أي ماتيس) الإقامة في طنجة بنقل مشاعره إلى التصوير الصباغي على نحو مكثف بالتلوين الساعي للكشف عن ‘وحشية’ الذات تجاه العالم، ليس بالمعنى الموحش والعنيف، بل بكل ما تتطلبه الرغبة في تبيان ما لا ندركه بالعين ومدركاتها اللونية والضوئية. قدم منزعجا بفعل أزمة نفسية دفعته إلى مساءلة نفسه باستمرار، وجد ماتيس في هذه المدينة الصفاء والثقة التي كان يفتقر إليها لإعطاء زخم جديد للوحاته وتجربة نابعة من عذوبة الضوء”.

    ابتغى ماتيس من رحلته الطنجوية هذه، البحث عن الذات وتجديد نفسه الفني، وذلك في ظل احتدام المنافسة مع التيارات الفنية الحديثة، والتي كان يقودها فنانون أمثال بيكاسو وكاندينسكي وغيرهما. وهو ما تمثل في تطويره اشتغالا فريدا على اللون الأسود، وأيضا التفاف مجموعة من الفنانين الجدد حوله في ما سمي بالتوجه الوحشي، وأثره على التعبيرية وغيرها من التيارات الفنية.

    يكتب صاحب المؤلف “قدم ماتيس إلى المغرب وهو يتقصد البحث عن ملمح فني متجدد، ولتطوير ما بلغه منذ انعطافة سنة 1908، حيث بدأ الاهتمام بالتناظر الموسيقي، مضحيا بكل المفردات الصباغية الإضافية لصالح المزيد من التبسيط”.

    ويدرك بوركة دائما، بأن ماتيس قد فتح أفقا تشكيليا وصباغيا هاما في القرن الماضي، حيث اصطنع لنفسه لوحات تمزج بين نسيج اللوحة ونسيج العالم، حيث تكاد تختفي فيها الحدود بين الفضاءات، مما يجعل المتلقي جزءا من الفضاء العام للعمل الفني.

    يقول “ما يكسب اللوحة قيمتها، كونها ليست تقليدا ميميا للحياة الحقيقية، ولكن بعدّها واقعا جديدا أنشأه الفنان، انطلاقا من رؤيته الداخلية، حيث تتحد كل الأغراض في العالم مع بعضها، لكونها تتشكل من نسيج واحد.. وهي رؤية ميرلوبونية استباقية”.
    طنجة قامت بدور الكاشف والمنير لماتيس مدينة أثرت في ألوان الفنان
يعمل...
X