"أبناء الأرجوان" رواية تستعيد أسرار الأساطير في إحياء جديد لها
الروائية والقاصة ديانا دودو تعيد سرد حكايات وقصص تخيلتها وفق سياقات تاريخية مضت.
الاثنين 2024/06/03
ShareWhatsAppTwitterFacebook
قراءة في التاريخ
عمان - في لحظة بعيدة من التاريخ، يقف بولاريس أمام حطام مدينته العتيقة "صور"، يذرف دمعة حارة على المدينة لكنه يذرف الآلاف من الخطوات بحثا عن سينثيا. إنهم أبناء الأرجوان، أو الطبقة المخملية التي تصارعت وتعانقت في رواية تأخذك في عوالم مجهولة من تاريخ الإسكندر المقدوني وغزوه للعالم، مرورا بصور، تلك المدينة التي اختفت عن الوجود بعد أن داهمتها الحضارة المقدونية وأخرجتها خارج الحضارة الفينيقية، لكنها بقيت بحكاياتها وأسرارها وأساطيرها التي لا تزال عالقة في فضاء الحكايات.
في رواية “أبناء الأرجوان”، الصادرة حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمان، تعيد الروائية والقاصة ديانا دودو سرد حكايات وقصص تخيلتها وفق سياقات تاريخية مضت، ووفق بناءات وفضاءات مفتوحة على الخيال والتأويل لتبني سرديتها التي قدمت من خلالها العشق المجرد، والخوف المجرد، والتناقضات التي أخذت الحكاية إلى نهايات مفتوحة من خلال مسارين اتكأت عليهما الحكاية.
في الحكاية التاريخية التي حملت الأفكار التي ساقتها الروائية وحملتها أوزار النص يقف الإسكندر الغازي على تخوم لبنان، فتتراءى له مدينة صور العظيمة، تأخذه القسوة والغيرة على مدينة كانت من نماذج المدن العظيمة في الحضارة الفينيقية، فيدخلها، ويقضي على جميع من فيها من البشر، ويهدمها عن بكرة أبيها، ويأخذ ما تبقى من البشر سبايا وعبيدا، يوزعهم على جنوده وهم في طريقهم إلى مصر، لكي ينقض على حضارة أخرى.
◙ أجواء الرواية تعيدنا إلى تاريخ عريق لحضارة الفينيقيين وأساطيرهم كطائر الفينيق والياقوتة الحمراء وشجرة الأرز وغيرها
في كل الحروب تقف الفئات العاجزة عن الدفاع عن نفسها قاصرة أمام قوة السلاح والموت، ومن هذه الفئات الأطفال والشيوخ والنساء، ولعل بطلة الرواية التي تسبى لتكون حصة هكتور في طريقه إلى مصر هي سينثيا زوجة ومعشوقة بولاريس، وهو ربان سفينة، كان خارج المدينة أثناء تدميرها...
يأتي بولاريس من قرطاج ليصل إلى صور التي لم تعد موجودة، فيبحث عن سينثيا ليكتشف أنها ضمن السبي وأنها في طريقها عبر فلسطين وصحراء مصر إلى الإسكندرية، فيقرر أن يلاحقها لكن عن طريق البحر، وفي هذه الأثناء تفتح الروائية دودو طريقين متوازيين لتأخذ القارئ في سياقات روائية وعوالم تشحنها الغيرة والحب والخوف والصراعات الدامية، لترسم ملامح حياة مكتملة وصراعا ناضجا يقود إلى وعي في عوالم مجهولة.
تصف البطلة شعورها بالاستعباد “خرجت من الخيمة، أخذتها خطواتها بلا اتجاه بعيدا عن أضواء الخيام، عبث نسيم بثوبها فخلعت وشاحها وحلت شعرها، أغمضت عينيها وحاولت أن تعيش آخر لحظات من الحرية نحو العبودية المطلقة، بدأت القضبان الحديدية تقفل على جسدها ونفسها، بدأت تناجي نفسها وتبكي: لو كان قلبي من زجاج لتَهشمَ منذ زمن بعيد، هل هو الحب أم الذكرى ما يبقيني على قيد الحياة؟”.
الرواية التي استخدمت فيها الروائية الأصوات المتعددة والمستويات السردية المختلفة جاءت لتؤكد على ولادة روائية مكتملة الأدوات وقادرة على إنضاج مشروعها وفق رؤية تشكلت في الأساس على مستوى قصصي مهم كان من خلال مجموعتها القصصية الأولى “وخزة دبوس” والتي تكونت من مجموعة من 14 قصة نشرتها وزارة الثقافة، وأن قراءتها في كتب التاريخ قد ألهمتها أسرار هذه الرواية وفتنتها، فكتاب حياة الإسكندر المقدوني وما يحمل في طياته من طرائف هذه السيرة قد تعالقت مع حياة أبطال الرواية وخلال المدى الزمني الذي بنته الروائية دودو والذي لم يتجاوز الـ6 إلى الـ8 شهور.
تعيدنا أجواء الرواية إلى تاريخ عريق لحضارة الفينيقيين، وأساطيرهم كطائر الفينيق، والياقوتة الحمراء، وشجرة الأرز، وغيرها، وحكاياتهم وأسماءهم، وطقوسهم، ولعل “أبناء الأرجوان” أو الاسم الذي اختص به العمل الروائي يأتي من تلك المدة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية حيث يحمل غلاف الرواية أو العتبة الأولى لها لوحة الصدفة النادرة “صدفة الميوريكس” التي كانت تستخرج من البحار ليتم انتزاع اللون الأرجواني منها، وهو اللون الذي كانت تصبغ به ملابس الطبقات المخملية أو باذخة الثراء، وكانت هذه من الحرف التي يختص بها الفينيقيون وأبناء هذا اللون وهم أبطال الرواية ولأن شخوص الرواية قد جاؤوا من هذه الطبقة فإن اسم الرواية هو أيضا جاء محمولا على هذا المكان.
تنتهي الأحداث في وادي النيل في مصر بعد أن قدمت الروائية حكاية مكتملة وفق صنعة روائية اقتربت من الكمال وحاولت من خلالها أن تؤسس لتجربة روائية جديدة ومهمة في هذا العمل. لقد أسهم الثراء الدلالي والتخييلي للأسطورة في شحن النص بمعان جديدة، وذلك بوعي يتجنب السقوط في الترديد العقيم، إذ تتطلب الكتابة اعتمادا على الأساطير وعيا جماليا ومعرفيا خاصا، كما حدث عند الشعراء الغربيين، وكما نقرأ في هذه الرواية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook
الروائية والقاصة ديانا دودو تعيد سرد حكايات وقصص تخيلتها وفق سياقات تاريخية مضت.
الاثنين 2024/06/03
ShareWhatsAppTwitterFacebook
قراءة في التاريخ
عمان - في لحظة بعيدة من التاريخ، يقف بولاريس أمام حطام مدينته العتيقة "صور"، يذرف دمعة حارة على المدينة لكنه يذرف الآلاف من الخطوات بحثا عن سينثيا. إنهم أبناء الأرجوان، أو الطبقة المخملية التي تصارعت وتعانقت في رواية تأخذك في عوالم مجهولة من تاريخ الإسكندر المقدوني وغزوه للعالم، مرورا بصور، تلك المدينة التي اختفت عن الوجود بعد أن داهمتها الحضارة المقدونية وأخرجتها خارج الحضارة الفينيقية، لكنها بقيت بحكاياتها وأسرارها وأساطيرها التي لا تزال عالقة في فضاء الحكايات.
في رواية “أبناء الأرجوان”، الصادرة حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمان، تعيد الروائية والقاصة ديانا دودو سرد حكايات وقصص تخيلتها وفق سياقات تاريخية مضت، ووفق بناءات وفضاءات مفتوحة على الخيال والتأويل لتبني سرديتها التي قدمت من خلالها العشق المجرد، والخوف المجرد، والتناقضات التي أخذت الحكاية إلى نهايات مفتوحة من خلال مسارين اتكأت عليهما الحكاية.
في الحكاية التاريخية التي حملت الأفكار التي ساقتها الروائية وحملتها أوزار النص يقف الإسكندر الغازي على تخوم لبنان، فتتراءى له مدينة صور العظيمة، تأخذه القسوة والغيرة على مدينة كانت من نماذج المدن العظيمة في الحضارة الفينيقية، فيدخلها، ويقضي على جميع من فيها من البشر، ويهدمها عن بكرة أبيها، ويأخذ ما تبقى من البشر سبايا وعبيدا، يوزعهم على جنوده وهم في طريقهم إلى مصر، لكي ينقض على حضارة أخرى.
◙ أجواء الرواية تعيدنا إلى تاريخ عريق لحضارة الفينيقيين وأساطيرهم كطائر الفينيق والياقوتة الحمراء وشجرة الأرز وغيرها
في كل الحروب تقف الفئات العاجزة عن الدفاع عن نفسها قاصرة أمام قوة السلاح والموت، ومن هذه الفئات الأطفال والشيوخ والنساء، ولعل بطلة الرواية التي تسبى لتكون حصة هكتور في طريقه إلى مصر هي سينثيا زوجة ومعشوقة بولاريس، وهو ربان سفينة، كان خارج المدينة أثناء تدميرها...
يأتي بولاريس من قرطاج ليصل إلى صور التي لم تعد موجودة، فيبحث عن سينثيا ليكتشف أنها ضمن السبي وأنها في طريقها عبر فلسطين وصحراء مصر إلى الإسكندرية، فيقرر أن يلاحقها لكن عن طريق البحر، وفي هذه الأثناء تفتح الروائية دودو طريقين متوازيين لتأخذ القارئ في سياقات روائية وعوالم تشحنها الغيرة والحب والخوف والصراعات الدامية، لترسم ملامح حياة مكتملة وصراعا ناضجا يقود إلى وعي في عوالم مجهولة.
تصف البطلة شعورها بالاستعباد “خرجت من الخيمة، أخذتها خطواتها بلا اتجاه بعيدا عن أضواء الخيام، عبث نسيم بثوبها فخلعت وشاحها وحلت شعرها، أغمضت عينيها وحاولت أن تعيش آخر لحظات من الحرية نحو العبودية المطلقة، بدأت القضبان الحديدية تقفل على جسدها ونفسها، بدأت تناجي نفسها وتبكي: لو كان قلبي من زجاج لتَهشمَ منذ زمن بعيد، هل هو الحب أم الذكرى ما يبقيني على قيد الحياة؟”.
الرواية التي استخدمت فيها الروائية الأصوات المتعددة والمستويات السردية المختلفة جاءت لتؤكد على ولادة روائية مكتملة الأدوات وقادرة على إنضاج مشروعها وفق رؤية تشكلت في الأساس على مستوى قصصي مهم كان من خلال مجموعتها القصصية الأولى “وخزة دبوس” والتي تكونت من مجموعة من 14 قصة نشرتها وزارة الثقافة، وأن قراءتها في كتب التاريخ قد ألهمتها أسرار هذه الرواية وفتنتها، فكتاب حياة الإسكندر المقدوني وما يحمل في طياته من طرائف هذه السيرة قد تعالقت مع حياة أبطال الرواية وخلال المدى الزمني الذي بنته الروائية دودو والذي لم يتجاوز الـ6 إلى الـ8 شهور.
تعيدنا أجواء الرواية إلى تاريخ عريق لحضارة الفينيقيين، وأساطيرهم كطائر الفينيق، والياقوتة الحمراء، وشجرة الأرز، وغيرها، وحكاياتهم وأسماءهم، وطقوسهم، ولعل “أبناء الأرجوان” أو الاسم الذي اختص به العمل الروائي يأتي من تلك المدة الزمنية التي تدور فيها أحداث الرواية حيث يحمل غلاف الرواية أو العتبة الأولى لها لوحة الصدفة النادرة “صدفة الميوريكس” التي كانت تستخرج من البحار ليتم انتزاع اللون الأرجواني منها، وهو اللون الذي كانت تصبغ به ملابس الطبقات المخملية أو باذخة الثراء، وكانت هذه من الحرف التي يختص بها الفينيقيون وأبناء هذا اللون وهم أبطال الرواية ولأن شخوص الرواية قد جاؤوا من هذه الطبقة فإن اسم الرواية هو أيضا جاء محمولا على هذا المكان.
تنتهي الأحداث في وادي النيل في مصر بعد أن قدمت الروائية حكاية مكتملة وفق صنعة روائية اقتربت من الكمال وحاولت من خلالها أن تؤسس لتجربة روائية جديدة ومهمة في هذا العمل. لقد أسهم الثراء الدلالي والتخييلي للأسطورة في شحن النص بمعان جديدة، وذلك بوعي يتجنب السقوط في الترديد العقيم، إذ تتطلب الكتابة اعتمادا على الأساطير وعيا جماليا ومعرفيا خاصا، كما حدث عند الشعراء الغربيين، وكما نقرأ في هذه الرواية.
ShareWhatsAppTwitterFacebook