ياسين حكان
معرض الكتاب الدولي في الرباط في خضم الريع الثقافي
من خلال متابعتنا، ليوميات المعرض الدولي للكتاب في الرباط لهذا العام، يبدو أن الريع لم يعد مقتصرا على المجال الاقتصادي، بل أضحى ظاهرة ثقافية، في وقت تتسابق فيه بعض الأسماء على الظهور، والقيام بلقاءات ثقافية، والمشاركة في ندوات متعددة ومتنوعة، وفي أحيان كثيرة تخرج على نطاق تخصصها، ومن يلحظ برمجة معرض الكتاب، يجد الأسماء نفسها والوجوه نفسها، لدرجة أضحى معها الفعل الثقافي مبتذلا، وتجد هذه الوجوه تتكرر في ندوات الوزارة، ثلاث مرات أو أربع مرات، وربما أكثر في بعض الحالات، كأن المغرب ليس فيه كُتّاب وباحثون ومبدعون، غير فئة معينة لها علاقات زبونية، وتتعامل بمنطق الريع الاقتصادي وتبادل المصالح.
أنا أكتب عنك وأنت تكتب عني، أنا أدعوك لندوة وأنت تدعوني لأخرى، يبدو أننا نحتاج سنوات طويلة لنخرج من منطق القبيلة والعشيرة والحقد الثقافي، ومنطق الزبونية والعلاقات الأفقية في التعامل مع الكتاب والكُتّاب والقراءة والفعل الثقافي بشكل عام، لاسيما أننا نعيش في عصر عولمة الرداءة، رداءة الأفكار والكتب والمطبوعات والسرقات العلمية، التي أضحت واقعا عجيبا، تعيش فيه زمرة من الكتاب يدعون أنهم كبار في الفكر والثقافة، وفي أحيان كثيرة، يحصلون على جوائز ثقافية مهمة، وهم يسرقون جهود آخرين، سواء الطلبة أو بعض زملائهم الذين لم تتح لهم فرصة الظهور في وسائل الإعلام العمومي، أو الخاص، إذ يكادون لا يعرفهم أحد.
مع الأسف الشديد، أضحى هؤلاء «السراق» يتصدرون المشهد الثقافي والإعلامي، وتجد أنهم ينشرون في السنة الواحدة فقط، من ثلاثة إلى أربعة كتب، وأغلبها بعد التمحيص والتدقيق، تجدونها فقط هناك، تغيير في العنوان وتنقيح أو إضافة فصل أو فصلين، ويعلن للقراء أنه أصدر كتابا جديدا، ويطلب من زملائه ومن بعض الصحافيين أن يكتبوا عنه، وربما تتم استضافته في النشرات الرئيسية للأخبار في القناتين العموميتين (الأولى والثانية) بقدرة قادر، قد يتحول إلى عضو في لجنة من لجن الجوائز، التي تشرف على الكتاب.
وهذا هو المسار غير الطبيعي الذي يتخذه بعض أشباه المثقفين في هذه الأيام، التي صارت فيها الثقافة مبتذلة، والعلم قناع يغطي الأعطاب الاجتماعية، لأشخاص معطوبين ثقافيا ونفسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويتساءل البعض لماذا لا يقبل الشباب والفئة المتعلمة على الكتب والعلم والمعرفة؟ وحادثة أسامة المسلم أثبتت فشل الكثيرين في التسويق للثقافة والكتاب، بغض النظر عما يكتبه الرجل، هل هو فانتازيا أم كتابة جديدة؟ وهل ما يكتبه مفيد ويرفع من الذائقة الأدبية للشباب أم لا؟
لا تهم هذه الأسئلة، بقدر ما يهم ما يجري في واقع الكتاب بالمغرب، والجشع الذي أصاب الكثيرين في التواطؤ بين دور النشر وبعض الكُتاب، إذ لم يعد الكتاب في متناول الطلبة والفئات البسيطة من المجتمع، التي ليس لها حظ في الوصول إلى الثروة، ولا المكانة الاجتماعية، وما تحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو من التزييف الذي يمارسه بعض الكُتّاب ليس من فراغ، بل هو واقع يعكس ما نعيشه اليوم من تحولات وتغيرات سلبية في علاقة الشباب مع عالم الكتب والمثقفين، إذ لم يعد للمثقفين مكان في المجتمع، وأضحوا كديكور يِؤثث به المكان. ولربما أفرطت في الجرأة في ذكر مساوئ فعلنا الثقافي، وما دامت هذه الممارسات حاضرة في واقعنا الثقافي، فلن نتحرر من التبعية الثقافية والاستلاب الثقافي وكل مظاهر التخلف الفكري، وسنبقى بعيدين عن تمثل الثقافة كقيمة وسلوك، تسمو بالمرء عن كل الأعطاب الاجتماعية.
كاتب مغربي