قصيدة التفعيلة.لشاعرة العراق:نازك الملائكة عام1947م.فما خطوات تعبير الفكرة أو الصورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصيدة التفعيلة.لشاعرة العراق:نازك الملائكة عام1947م.فما خطوات تعبير الفكرة أو الصورة

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٤٠٥٢٣-٠٩٠٠١١_Chrome.jpg 
مشاهدات:	10 
الحجم:	109.6 كيلوبايت 
الهوية:	213615

    أبدع شعراء الحداثة في تطويعها للتعبير عن الفكرة أو الصورة: خطوات قصيدة التفعيلة

    28 - أكتوبر - 2023م
    عبد الواحد لؤلؤة
    وتسمية قصيدة التفعيلة هي أحسن الحلول السيّئة لنظام القصيدة الجديد الذي أوجدته شاعرة العراق الكبرى نازك الملائكة عام 1947، وسمّته خطأً غير مقصود بالشعر الحُرّ، وهي أعرف من غيرها أن قصيدة «الكوليرا» لا تشبه قصائد «أوراق العشب» التي كتبها الشاعر الأمريكي والت ويتمان (1819-1892) ونشرت صورتها الأولى عام 1855، قصائد من الشعر المنثور تخلو من أي وزن وقافية. ولكن التسويغ الذي قدمته نازك «للتحرّر» من «عدد» التفعيلات في بيت الشعر العربي التراثي هو تسويغ مقبول ومنطقي: لماذا يجب أن نلتزم بعدد التفعيلات في البيت التراثي إذا أمكن التعبير عن الفكرة أو الصورة بعدد أقل من التفعيلات؟ وقد مثّلت لذلك بشكل ناجح في قصائدها الأولى.
    وقد تلقّف شباب شعراء العراق هذه الفكرة، وراحوا يكتبون قصائد متحرّرة من عدد التفعيلات المفروضة في الشعر العربي التراثي، وأبرزهم بدر شاكر السيّاب، وعبد الرزاق عبد الواحد، وعبد الوهاب البياتي والشاعرة المبدعة لميعة عبّاس عماره، وشكّلوا بذلك ثورة في الشعر العربي المعاصر امتدت آثارها إلى البلاد العربية المجاورة، وإلى مصر والمغرب العربي لاحقاً. وقد برز في سوريا الشاعر الكبير نزار قباني، وفي مصر أحمد عبد المعطي حجازي وآخرون، وفي المغرب ظهر عددٌ من شباب الشعراء مثل محمد بنّيس الذي أبدع في استعمال التفعيلة الحرّة في عدد من قصائده منذ سبعينات القرن الماضي فلاحقاً، إلى جانب إبداعه في كتابة الشعر الحرّ الذي يخلو من الوزن والقافية.
    وقد أبدع شعراء الحداثة في العراق في تطويع التفعيلة المفردة للتعبيرعن الفكرة أو الصورة. ففي قصيدة «عُرس في القرية» يجسّد السيّاب صورة تكاد تكون ملموسة قوامها تفعيلة «فاعِلُن» تستمر على امتداد القصيدة:

    «مثلما/ تنفض ال/ ريحُ ذرّ/ رّ النضارْ/ عن جنا / ح الْفرا/ شةِ ما / تَ ال/ نهار… ولا تتغير تفعيلة «فاعلن» إلى «فَعِلُن» إلا لتحاكي «نقرَالدرابك»، في «شيخ اسم ال/لله ترَلّلا/ ترَلَلاّ/ عرّسَ حُمّادي».
    ومثل ذلك نجد الكثير في شعر عبد الرزاق عبد الواحد:
    «باسم العرا/ قِ أكسّر ال/ أختام عن/ صوتي المُدمّى/ بي ما أنو/ ءبه وقد / سَمّيتُ حتى ال/غ َيبَ لا /كنّ ال /لذي بي لا يُسَمّى».

    التفعيلة الواحدة

    وفي قصائد أخرى نجد التفعيلة الواحدة هي أساس الموسيقى في القصيدة كلِّها: فاعِلُن فاعلن فاعلن فاعلن. أو نجد مفاعيلُن سائدةً في القصيدة كلها مثل «بلى نغضَب» مفاعيلن. وهذا تحرّر ليس من عدد التفعيلات في البيت العربي التراثي وحسب، بل تحرر من قوام التفعيلة نفسها بما يسمّيه العروضيون: الخَبن والطيّ، وما إلى ذلك. وقد شجّعت رواية «يا ابن الدنيا مهلاً مهلاً / زِنْ ما يأتي وزناً وزناً» إلى كثرة استعمال تفعيلة المتدارَك: فعلُن. كما نجد استعمال التفعيلة الواحدة مكرّرة على غير ورودها في نسق بحرها عوناً للشاعر في قصيدة ذات طبيعة درامية أو تمثيلية، مثل قصيدة عبد الرزاق حول عودة القطعات العسكرية من ساحة القتال قبل إكمال مهمة التحرير التي راحوا من أجلها، عادوا بناء على أوامر السياسيين أصحاب «ماكو أوامر» سيئة الصيت:
    «إرفعوا الآن أوجهكم/ ولتقِس كلّ عين مسافة ما بينها والرجولة/ ولتقِس كلُّ عينٍ مسافة ما بينها والدم المُتَخَثِّر فوق الدروع وأغطيةِ العربات»..
    هنا لا نسمع قصيدة تُتلى، بل نسمع هزيم الرعد وغضب المواطن العربي الذي كان ينظر إلى الجيش الوطني عائداً ببشائر النصر على العدو. لكن هذه الخيبة لم تُبقِ لدى المواطن العربي سوى زمجرة الغضب.
    نجد هذا في قصيدة «الزمن العلقم المُر» حيث النبرة الدرامية التمثيلية على أوضحها:

    «غاضبٌ أنت؟ /من أين لي بالغضب/ خائفٌ؟/ أي شيء تُراني أخاف؟/ قد ورِدتُ الأسى من جميع الضفاف/ وشربتُ من الموت حتى نَضَب/ موجَعٌ؟/ من جميع العرب»….

    هنا ثانيةً، كما في مواقع أخرى عديدة، نسمع قرعَ النواقيس في تفعيلة فاعِلُن. وهذا ما تؤدّيه تفعيلة واحدة تحفّز الذهن وتهيّئ المسرح للسمع والبصر معاً.

    التفعيلة المستقلة

    وللواقعية نصيبها من التصوير بشعر يعتمد على التفعيلة المستقلة عن نسقها المتعدِّد في البيت التراثي، ولو أن النسق التراثي لا يغيب تماما. هذا ما نجده في أفضل الشعر المعاصر للدكتورة بشرى البستاني، أستاذة الأدب والنقد في جامعة الموصل في العراق. ففي قصيدة «أندلسيات لجروح العراق» لا نجد تهويمات وعذابات عشق مُتخيَّل، بل نجد صوراً من عذابات إنسان يرى ويسمع ما يحلّ بوطنه من عذاب بسبب الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003، صوراً ملموسةً محسوسةً مسموعةً مرئية. وهي صور مدبّبة الحواف حتى ليكاد القارئ يسمع انفجارات القنابل، ويشم روائح الحرائق، ويرى القتلى والمصابين في شوارع المدينة من الرجال والنساء والأطفال، ويرى البيوت تتهدّم على ساكنيها.
    «دبّابات الغزو تدور/تسائلني الأسلحة العزلاء عن السر/ وأسالُها عن نبض الفجر/ وأجثو عند خزائن بغداد وآشور/..».
    فالشاعرة واقعية في حب الوطن الذي تمثله خزائن بغداد وآشور، التي وجدها الغزو حضارةً عزلاء، و«الكابوس يعاودني… أسأل… عن سر الجبل الصامت في قلب الصحراء» وهو سرٌّ بقى الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد إزاءه «موجعٌ… من جميع العرب».
    وفي قصيدة «أندلسيات لجروح العراق» تقدم الشاعرة المعاصرة دليلا على قدرة تفعيلة واحدة من التعبير عن فكرة كاملة، وصورة تكاد تلمسها الحواس جميعا، من دون الحاجة إلى استعمال شطر أو شطرين من البحر الذي تَرِد فيه تلك التفعيلة. صور الحرب والحب كذلك تستمر في التنوع كما يتغير الوزن بتغير التفعيلة تجنباً للرتابة. تفعيلة فَعِلُن تجسِّم حركة الدبّابات السريعة: «حول الدبّابة يعترِكُ الرُكبان/ جاءت/ ذهبت/ دخلت/ حرِنت…» وتتوسع صورة قبح الحرب والخوف من سرعة تنقل الدبّابات. وهذا كله يتم بوساطة تفعيلة واحدة من بحر خليلي يبقي القارئ على اتصال دائم بشعر التراث، ولو أن تفعيلة واحدة هي من يقوم بتصوير الفكرة أو الشعور. وصور الحب والحرب في هذه القصيدة تستمر في التنوّع وتبرز بشكل جديد مع تقدم القصيدة.
    «وتدلّى من ثقب الشمس حصانٌ ميّتْ/ صهوته سدّت وجهَ الشرق ووجهَ الغرب/ ولكن فوق الصهوة… كانت وَمضةُ عينِك/ تدعوني لوليمة حب».
    حتى في هذا الوضع المرعب لا يغيب الحُب وكأن الشاعرة تريد أن تذكِّرنا بأن الحب أقوى من الموت. أحسب أن هذه فكرة جديدة تختلف عما ورد في «نشيد الأنشاد» بان الحب قوي كالموت، لكن الشاعرة هنا تقول إن الحب أقوى من الموت، وتقوله بتفعيلة واحدة، ولو أنها تتكرر، لكنها تبقى التفعيلة الواحدة.
    كيف استطاعت تفعيلة واحدة، تتكرر في مواقع مختلفة، أن تستحضر كل هذه الصور المحزنة في قصيدة واحدة؟ هنا سرّ تفاعل الحب مع الموت، حيث يتغلب الحب على الموت: «كانت وَمضةُ عينِك تدعوني/ لوليمة حب». ولكن ما زالت:
    «دبابات الغزو تدورُ/ شواطئ دجلة غبراءُ/ السمَك المِّيّت يعلوضفتها/… تبكي دجلةُ في قلب الليل/… وقلب الليل/ ينزف أندلسا ًأخرى/ وفلسطين/ تطلعُ من عينِ غزالٍ/ زنبقه تُطفئها الشمس».
    هنا ترتفع النغمة الحزينة من الشخصي والمحلي إلى ما هو أوسع وأشمل في ضياع الأندلس الذي يعبِّر عن الخوف من ضياع أندلس معاصرة، هي فلسطين اليوم صورة أندلس الأمس.
    وقد توحي النغمة الحزينة السائدة في هذه القصيدة أنها قصيدة تفجُّع، ونَدب، ولكنه ندبٌ مهذّب، فهو حزنٌ شامل وشخصي في الوقت نفسه، تؤديه تفعيلة واحدة لا تتكرر بشكل رتيب، وتبقى تذكِّر بأوزان الشعر التراثي.
يعمل...
X