بينهم أدباء أمثال جبران وجبرا ومعلوف: كتبوا بلغاتٍ أخرى
20 - أبريل - 2024م
عبد الواحد لؤلؤة
ثمة عدد قليل نسبياً من الأدباء العرب ممن كتب بلغات غير العربية، ولو أن هناك عددا غير قليل ممن نُقلت أعمالهم إلى لغات أخرى. وأول مثال على ذلك، كتاب «الأيام» لطه حسين، الذي نُقل إلى أكثر من أربعين لغة عالمية.
ومن الكتّاب العرب الذين كتبوا أحياناً أعمالاً باللغة الإنكليزية، أو الفرنسية، يحضر إلى الذهن الأديب الفلسطيني-العراقي جبرا إبراهيم جبرا، والروائي اللبناني-الفرنسي أمين معلوف الذي يكتب بالفرنسية، وقد نُقلت أعماله إلى أكثر من أربعين لغة. وثمة كتّاب عرب، لبنانيون بالدرجة الأولى، ممن هاجروا إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، من مثل جبران خليل جبران، اللبناني الذي هاجر إلى نيويورك في أوائل القرن العشرين وأسس مع جماعة من الأدباء اللبنانيين «الرابطة القلمية» لنشر النصوص الشعرية من أدب المهجر.
وربما كان كتاب «النبيّ» (1923) من أشهر كتب جبران، وقد كتبه بالإنكليزية ثم تُرجم إلى حوالي خمسين لغة. ويدور الكتاب عن القيم والمعاني الإنسانية. ولغة الكتاب لغة متصوّف يؤمن بوحدة الوجود، وهي لغة تسمو على لغة العرق والدين واللون، وتؤكد على العلاقات الإنسانية التي تربط الإنسان بالإنسان، ويتناول موضوعات الحب والزواج والأولاد والبيوت والثياب والبيع والشراء والحرية والقانون والعقاب، من خلال حكيم إسمه المصطفى، وهو المتصوّف الذي تجري على لسانه معالجة الموضوعات الرئيسة في كتاب «النبيّ».
ويُستحسن التعرّض إلى بعض جوانب حياة جبران مثل عوداته العديدة إلى أمريكا أو إلى لبنان حسبما يستجدّ من ظروف الحياة. والذي يدعو إلى التساؤل هو كيف استطاع جبران أن يواجه مطالب الحياة المادية وهو المهاجر الذي ليس لديه من المال ما يكفي لمطالب المعيشة في بلد أجنبي، ولو أنه كان لديه الكثير من الأصدقاء اللبنانيين المهاجرين مثله إلى أمريكا. ثم إن جبران قد تعرّض لمشاكل صحية عديدة يعود قسم منها إلى إدمانه على تعاطي المشروبات الكحولية. والعجيب هذا العدد الكبير من الانتقال من مسكن إلى آخر، أغلبها عند أصدقائه من اللبنانيين المهاجرين مثله. وهذا ما لا يوفّر الهدوء أو الصفاء الذهني لإنتاج كل ما أنتجه من شعر وروايات وأعمال فنية.
ومن الملاحظ أن اللبنانيين كانوا غالباً ما يطلبون منه العودة إلى لبنان، ولكنه كان يقول: «أنا لستُ سياسياً، ولن أكون كذلك، لذا لن أستطيع تلبية رغباتهم في قيادة المجتمع إلى الأهداف التي يريدون».
ومع ذلك، كان جبران يقول: «أعتقد أن بوسعي مساعدة شعبي، وربما يكون بوسعي قيادتهم، ولكنهم لا يريدون أن يُقادوا.»
كان جبران يدعو إلى تبنّي اللغة العربية لغة قومية في بلاد الشام، منظوراً إليها من وجهة نظر جغرافية، وليس كوحدة سياسية.
كان جبران لا يشعر بكثير من الودّ للحكم العثماني لبلاد الشام ولبنان على الخصوص. ويرى أن المجاعة في جبل لبنان قد تسبّب فيها الحكم العثماني. وكان يرى أن ثمانين ألفا في بلاده قد خضعوا إلى المجاعة وأن الألوف كانوا يموتون كل يوم. ومثل هذا حدث مع الأرمن المسيحيين في تركيا، وفي جبل لبنان. وقد وصف ذلك في قصيدة بالإنكليزية بعنوان «موتى هم أبناء شعبي». وعند خروج العثمانيين من سوريا، بعد الحرب العالمية الأولى، رسم لوحة كبيرة بعنوان «سوريا الحرّة» وقد نُشرت في عدد خاص من المجلة العربية «السائح» التي تأسست عام 1912 في نيويورك بجهود حدّاد وعادل بشارة، كما ورد في مسوّدة مسرحية ما تزال بين أوراق جبران التي تعبّر عن الأمل الكبير بالاستقلال الوطني والتقدّم. وهذه المسرحية، في رأي خليل حاوي، تعبّر عن عقيدة جبران بالقومية السورية، وتميّز بينها وبين القومية اللبنانية والقومية العربية، ما يؤكد لنا حضور فكرة القومية السورية في ذهنه حتى في أيامه الأخيرة إلى جانب الشعور بالقومية العالمية.
وقد هاجر جبران مع والدته وأخوته إلى الولايات المتحدة عام 1895 وكانت والدته تعمل في الخياطة، ودخل المدرسة في بوستن، وتعرّف إلى المصوّر هولانْد دَي. وقامت أسرة جبران بإعادته إلى بلده وعمره خمس عشرة سنة ليدخل إلى كلية الحكمة في بيروت. وقد عاد إلى بوستن في عام 1902. وفي عام 1904 عُرضت لوحاته الفنية للمرة الأولى في بوستن، ونُشر كتابه العربي الأول عام 1905 في نيويورك بمساعدة مادية من الراعية مَيري هاسْكال التي ساعدته في الذهاب إلى باريس لدراسة الفن بين 1908-1910. وفي عام 1920 أعاد جبران تنظيم «الرابطة القلمية» في نيويورك. وفي 1911 استقرّ في نيويورك، حيث نُشر كتابه الأول بالإنكليزية بعنوان «المجنون» مع كتاب «النبيّ» و«آلهة الأرض». وهناك بدأ مراسلة مع الأديبة مي زيادة ابتداء من 1912. وهكذا نرى أن حياة جبران في المهجر الأمريكي لم تكن مما يحلم به أي أديب أو شاعر، ما أثبته جبران خليل جبران.
أمّا جبرا، فقد كتب أول رواية له بالإنكليزية بعنوان «صيادون في شارع ضيّق» ويستقي صورها من شارع الرشيد، عصب الحياة في بغداد في تلك الأيام. وقد كنتُ أول مَن قرأها عند صدورها، يوم كنتُ وقتها في أوكسفورد، فحاضرتُ عنها في مناسبات عديدة، وكتبتُ عنها أول مقالة بالعربية، نُشرت في مجلة «الأديب» البيروتية، في عدد نيسان 1962. وقد ترجم الرواية إلى العربية أحد تلامذته، الدكتور محمد عصفور، وهو أستاذ الأدب الإنكليزي في الجامعة الأردنية بعمّان.
وتدور أحداث رواية «صيادون» عن شخصيات معروفة في المجتمع العراقي في بغداد، لا تخفى على القارئ المطّلع على ذلك المجتمع في أواسط الخمسينات. ومن تلك الشخصيات، رؤساء وزارات وسياسيون وأدباء بارزون، ما يجعل الرواية أشبه بمرآة للمجتمع من دون كشف هوياتهم وعلاقاتهم مع بعضهم.
ولجبرا كذلك عدد من المجموعات الشعرية باللغة الإنكليزية، من أسلوب الشعر الحرّ، منها مجموعة «تمّوز في المدينة» وقد أعاد كتابتها بالعربية.
ومن الأدباء المعروفين، أمين معلوف، الذي كتب عدداً كبيراً من الروايات باللغة الفرنسية، استقطبت الكثير من الأدباء في فرنسا قبل أن تُترجم إلى لغات عالمية عديدة.
ومن أعمال أمين معلوف بالفرنسية، رواية «سمرقند» و«ليو أفريكانوس» وكتاب «الحروب الصليبية كما يراها العرب» ورواية «التائهون» و«الهويات القاتلة».
والروائي أمين معلوف أديب واسع الثقافة، بل متعدد الثقافات، وقد حصل على العديد من الجوائز، وأبرزها جائزة «البُوكَر» للرواية المكتوبة بالفرنسية.
في رواية «الحروب الصليبية كما يراها العرب» نجد اعتماداً على المصادر العربية الأصلية حول المحاربين فتسميهم المصادر العربية «الفرنجه» ويقدم الروائي صورة مغايرة تماماً للروايات الأوروبية. وابتداءً من الحملة الصليبية الأولى يصف الفرنجه بأنهم قوم قساة متوحشون وجهلة متخلفون ثقافياً.
ومن روايات معلوف رواية بعنوان «ليو أفريكانوس» (1986) وقد كُتبت على شكل مذكّرات تصف حياة رحّالة من القرون الوسطى، لا يُعرف عنه الكثير، ولكن الكتاب مليء بأحداث تاريخية تضع «ليو» بمصاف الكثير من الشخصيات الرئيسة في التاريخ القروسطي في مجال السياسة والثقافة، بمن فيهم الباباوات ليو العاشر، وآدريان السادس، وكليمنت السابع، ومن الأباطرة العثمانيين سليم الأول، وسليمان القانوني، وأبوعبد الله، آخر ملوك الموريسكيين، ملك غرناطة، ومحمد الأول، وفرديناند ملك إسبانيا، وفرنسيس الأول ملك فرنسا، والفنان رافائيل، وآخرين كثيرين. ورواية «ليو أفريكانوس» كانت أولى روايات أمين معلوف، وقد نالت شهرة كبيرة لأنها تتناول المواجهات بين الإسلام والمسيحية، إلى جانب تأثير جانب على الآخر.