طموحي الشخصي والأدبي يتجاوز الشهرة
راوية المصري لـ"العرب": أسعى إلى إلهام القراء وتحفيزهم على التفكير والتساؤل
عمر شريقي
الثلاثاء 2024/05/21م
هناك من الكتاب والأدباء من لا يسعى بشكل محموم إلى الشهرة أو الجوائز أو الحضور الصاخب، وكلها أمور لها وجهان، إذ يرى هؤلاء ومن بينهم الكاتبة والروائية اللبنانية راوية المصري، أن التفاعل مع القارئ وإثارة التساؤل وإنشاء النصوص هي الأهم في لعبة الكتابة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المصري حول قضايا الكتابة وغيرها.
خاضت الروائية اللبنانية راوية المصري تجربتها الكتابية بقلب أنثى محبة للحياة والوطن، دخلت عالم الكتابة والإبداع عن حب وعشق. وحملت على عاتقها مسؤولية أن تكون مبدعة دائما، ولهذا فهي لا تكتب سوى ما تقتنع بأنه مميز وجديد.
بدأت مسيرتها الأدبية في سن مبكرة، حيث كانت القراءة والكتابة جزءا لا يتجزأ من حياتها. الكتابة بالنسبة إليها لم تكن مجرد تجريب إبداعي، بل كانت طريقة لاستكشاف الذات والتعبير عن الأفكار والمشاعر التي كانت تتملكها، خاصة تلك المتعلقة بقضايا الحرية والعدالة الاجتماعية، وبالأخص قضايا المرأة وتأثيرات الحرب الأهلية اللبنانية وتجربة الغربة.
إلهام القارئ
الغربة أتاحت للكاتبة فرصة النظر إلى قضايا وطنها من منظور مختلف ومكنها من تقديم رؤية أكثر شمولية وعمقا
تتحدث راوية المصري لـ”العرب” عن تأثرها بالكتابة والموضوعات التي أخذت حيزا أكبر في كتاباتها، تقول “في بداياتي، تأثرت بشكل كبير بالروائيين الكبار الذين تناولوا موضوعات مشابهة، وكانت كتاباتي تركز على الحرية، الظلم، ومعاناة المرأة في مجتمعاتنا. حيث بدأت بكتابة المقالات ونشرها بعدة صحف باللغة العربية والإنجليزية، هذه الموضوعات شكلت النواة الأساسية لأعمالي الأدبية”.
وعن روايتيها “الضحية والقنديل” و”غريبة ستوكهولم” والأفكار الرئيسية للعملين، تقول “عنوان روايتي ‘الضحية والقنديل‘ يرمز إلى النضال والأمل في مواجهة الظلم والقمع، بينما ‘غريبة ستوكهولم‘ تعكس تجربتي الشخصية مع الغربة وفقدان الهوية. كلا الروايتين تعبران عن معاناة الفرد والبحث عن الذات في ظروف صعبة ومعقدة”.
وتتابع حول انشغالها بالفكرة الروائية مما يسهل عليها اختيار أسلوب معالجتها قائلة “بالنسبة إلى الأسلوب، فإن الانشغال بفكرة روائية يساعدني بالفعل على صياغة وتحديد الأسلوب الأمثل لمعالجتها، حيث أن كل فكرة تتطلب طريقة خاصة للتعبير عنها تتناسب مع عمقها ودلالاتها”.
سألناها عن الغربة وأثرها على المبدع والكاتب لتجيبنا بأن العيش في الغربة كان له تأثير كبير على كتاباتها، حيث أنه أتاح لها فرصة النظر إلى قضايا وطنها من منظور مختلف، وأعطاها القدرة على تقديم رؤية أكثر شمولية وعمقًا”.
يتجه جل الكتاب اليوم إلى جنس الرواية، هنا نسأل المصري عن علاقتها الخاصة مع الأجناس الأدبية الأخرى، لتقول “أعتقد أن الرواية تجذب الكتاب اليوم لأنها توفر مساحة واسعة للتعبير عن الأفكار المعقدة والشخصيات المتعددة الأبعاد، وهي تسمح بالغوص في تفاصيل الحياة الإنسانية بشكل يفوق غيرها من الأجناس الأدبية”.
وعن موضوع متكرر في الثقافة العربية يتمثل في تكريم المبدعين فقط بعد رحيلهم، تقول الروائية اللبنانية “من المؤسف أن الاعتراف بالمبدعين غالبا ما يأتي بعد رحيلهم، وهذا يعكس نظرة مجتمعية تحتاج إلى إعادة تقييم لكيفية تقديرنا للفن والأدب أثناء حياة المبدعين”.
وحول رأيها في موجة مواقع التواصل الاجتماعي، وهل تساهم في متابعة القارئ للإنتاج الأدبي ترى المصري أن مواقع التواصل الاجتماعي لها دور مزدوج؛ فهي تساهم في نشر الأعمال الأدبية ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى تشتيت القارئ. الأهم، في رأيها، هو كيفية استخدام هذه الأدوات لخدمة الأدب والثقافة بشكل فعّال.
وحول الرسائل التي تود الأديبة إيصالها للقارئ من خلال كتاباتها تقول “أسعى من خلال كتاباتي إلى إلقاء الضوء على القضايا الإنسانية والاجتماعية، وأتمنى أن تلهم أعمالي القراء وتحفزهم على التفكير والتساؤل”.
طموح أدبي
تسأل “العرب” المصري هل حظيت أعمالها من رواية وشعر ومقالة باهتمام النقاد والإعلام في لبنان لتجيبنا “أعمالي لاقت اهتمامًا من النقاد والإعلام، وأنا ممتنة لذلك. وفي المستقبل، أخطط لمواصلة الكتابة والتعبير عن القضايا التي تهم المجتمع”.
وتضيف “في مسيرتي الأدبية، لم يكن السعي وراء الاهتمام أو الثناء من النقاد والإعلام هو الدافع الأساسي، بل كان الرغبة العميقة في استكشاف أعماق الروح الإنسانية وتقديم تأملات حول الوجود ومعضلاته. الأعمال التي خطتها يداي لم تكن سوى محاولات لرسم خرائط النفس البشرية في مواجهتها للحياة بكل تعقيداتها وجمالها. إن كانت هذه الأعمال قد لقيت صدى لدى النقاد والإعلام، فذلك يعد تكريمًا للفكرة وليس للشخص”.
وحول مشاريعها الأدبية مستقبلا تقول “طموحي الشخصي والأدبي هو أن أستمر في الكتابة التي تحدث فرقًا، وأن أكون صوتًا للذين لا صوت لهم من خلال أعمالي الأدبية. أما بالنسبة إلى مشاريعي الأدبية المستقبلية، فهي تتجه نحو استكشاف أعمق للعلاقات الإنسانية في ظل التحديات العالمية المعاصرة، والبحث عن معنى الأمل في عالم يبدو أحيانًا محاطًا بالظلام”.
وتتابع راوية المصري “أسعى إلى أن تكون كتاباتي جسرًا يربط بين الأفراد، ملهمة إياهم للنظر إلى العالم وإلى أنفسهم بعيون جديدة، مفتوحة على إمكانيات التغيير والنمو، وطموحي الشخصي والأدبي يتجاوز حدود الإنجازات المادية أو الشهرة؛ إنه يكمن في الرغبة العميقة في ترك بصمة إيجابية على العالم من خلال الكلمة. أطمح إلى أن تكون كتاباتي مصدر إلهام للأجيال القادمة، تحثهم على التفكير النقدي والشجاعة في مواجهة الصعاب. في النهاية، الأدب بالنسبة إليّ هو عملية مستمرة من البحث والاكتشاف، رحلة لا تنتهي نحو فهم الذات والعالم”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عمر شريقي
إعلامي سوري