بقلم محمد عبود
مايو 18, 2024م
أطفال على هيئة رجال وتأثرهم بأزمة الرجولة الحالية
"إنها ظاهرة نفسية فريدة. أصبح الأولاد يرفضون أن يكبروا، والرجال يتصرفون مثل المراهقين...". دان كيلي.
ما أزمة الرجولة؟
أزمات اجتماعية ونفسية كثيرة يعانيها البشر في العصر الحديث، وهذا أمر تسببت فيه سرعة التحولات التي يمر بها الإنسان مؤخرًا.
من بين هذه الأزمات، أزمة الرجولة، سنتطرق في هذا المقال إلى أبعاد هذه الأزمة وعلاقتها بالشخصية الخيالية بيتر بان.
اقرأ أيضًا زمن فقدت فيه الرجولة.. الأسباب والعواقب
متلازمة بيتر بان
بيتر بان شخصية من نسج خيال الكاتب المسرحي الأسكتلندي جيمس ماتيو باري، فهو ولد شقي لا يكبر أبدًا، يعيش مرحلة طفولة لا تنتهي في عالم من المغامرات على أرض جزيرة نيفرلاند، متزعمًا عصابة من الأطفال الضالة، ويقضون أوقاتهم في مطاردة حوريات البحر.
في عام 1982 نشر الطبيب النفسي الأمريكي دان كيلي كتابًا بعنوان غريب (متلازمة بيتر بان)، وكانت غرابة العنوان تكمن في وصف حالة نفسية باسم شخصية كرتونية.
فبعد سنوات من البحث توصل كيلي إلى متلازمة مرضية لم تكن مدرجة ضمن الحالات النفسية المعترف بها علميًّا، مع حضورها الطاغي بين الشباب والفتيات، وذكر كيلي أنها متلازمة تهدد الصحة العقلية والنفسية لكثيرين من هذه الفئة.
واختصر المتلازمة بأنها سلوك الأولاد الذين يرفضون أن يكبروا، فهم مراهقون في أجساد رجال بالغين، وعلى الرغم من مرور أكثر من 40 سنة من صدور الكتاب، فإن هذه الظاهرة لا تزال موجودة.
اقرأ أيضًا اليوم العالميّ للرَّجل
أزمة الرجولة وأثرها في الفرد
وبشيء من التفصيل، وعلى لسان كيلي نفسه، يقول إنه خلال سنوات عدة تعامل في عيادته النفسية مع العشرات من البالغين الذين تجاوزت أعمارهم منتصف العشرينيات، وهم في الثلاثينيات أو حتى الأربعينيات.
مكتملو النمو الجسماني ولا تبدو عليهم أي علامات أمراض عضوية، لكن يتصرفون مثل الأطفال ويفكرون مثل المراهقين، فقد لاحظ أنهم جسمانيًّا رجال ومن الداخل يسيطر عليهم منطق الأطفال، إذ إن إدراكهم للحياة محدود ولديهم شعور عالٍ بالاستحقاق.
وهم إلى ذلك يتجنبون المسؤولية لذلك يهربون من الزواج وتكوين الأسرة، وإذا ما فرض عليهم الزواج بسبب ضغط المجتمع أو لتلبية رغبة الوالدين فإنهم لا يتحملون المسؤولية ولا يؤدون ما عليهم من أعباء والتزامات.
ومنذ صدور كتاب دان كيلي -الذي أثار عاصفة من ردود الأفعال- توالت الدراسات التي تناقش أزمة الرجولة بقدر أكبر من العمق والتحليل، ونشرت كتب عدة.
منها (مقاطعة الرجل) لعالم النفس الأمريكي فيليب زيمباردو، كما نشر وارن فاريل كتابه الشهير (أزمة الولد)، واستمرت الدراسات والبحوث التي أجمعت أن الوضع من الممكن أن يزداد سوءًا وتتحول هذه الأزمة إلى وباء يؤثر في جيل بِرُمَّته.
اقرأ أيضًا ملخص كتاب "ذكر شرقي منقرض"
مراحل النمو والمراهقة الممتدة
وفي السياق نفسه، لكي نستوعب حجم هذه الأزمة، فمن المهم التأكيد على نقطة غاية في الأهمية، وهي أن الإنسان منذ القدم يمر بثلاث مراحل عمرية أساسية هي الطفولة والرشد ثم الشيخوخة.
وقد ذكر عالم الاجتماع الألماني نوربرت في إحدى مقالاته عن مفاهيم الطفولة: "إنه قديمًا كان الطفل يتعلم في السنين الأولى جميع المهارات التي يحتاج إليها للبقاء حيًّا بصفته بالغًا، ما يعني أننا أمام خط تطور سلوكي مستقيم من لعب الأطفال إلى ممارسات البالغين، يكون فيه الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الرشد تحولًا مباشرًا لا مراهقة فيه".
غير أنه خلال القرن الماضي ظهرت مرحلة جديدة وسيطة بين الطفولة والرجولة، وهي المرحلة العمرية التي يعبر عنها بمصطلح المراهقة، وقد مر هذا المفهوم بتغيرات وتطورات عدة.
في البداية كانت المراهقة مرحلة تبدأ في سن 12 وتنتهي بحدود 17 سنة، لكن في عالمنا الحديث وبسبب مجموعة من العوامل أصبحت تمتد مرحلة المراهقة أحيانًا إلى منتصف العشرينيات، إذ أشارت مجموعة من دراسات "طب نفس الأطفال"، إلى أن متوسط عمر المراهقة في العالم حاليًّا أصبح ينتهي عند سن 25 سنة، وهذا ما يفسر وجود أطفال على هيئة رجال.
اقرأ أيضًا هل الرجولة خشونة في المعاملة أم صفة نبيلة؟
تأثير أزمة الرجولة في المجتمع
ويعد هذا دليلًا على خطورة انتشار هذه الأزمة وتأثيرها في استقرار المجتمع، فإضافة إلى عزوف كثير من الشباب عن الزواج تجنبًا لتحمل المسؤولية، فقد تزايدت نسبة المشكلات الأسرية التي تؤدي كثيرًا إلى فشل استمرار العلاقات الزوجية وتنتهي بالطلاق.
وأكدت أحدث دراسة ميدانية أصدرتها وزارة العدل السعودية حول الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى ارتفاع نسبة الطلاق، أن التقصير في المسؤوليات والالتزامات الأسرية هو من الأسباب الرئيسة لذلك.
وبينت أن "نتيجة للحياة الاجتماعية ومعطياتها الحديثة ووسائل التنشئة الأسرية التي اختلفت عما كانت عليه في المجتمع التقليدي، فقد أهمل كثير من الأزواج مسؤولياتهم العائلية وواجباتهم الخاصة تجاه أزواجهم وأبنائهم".
اقرأ أيضًا كيف نربي ذكرًا ليصبح رجلًا
"زوجوه وبكرة يعقل"
وأخيرًا، يفضل كثير من الأسر أن يتخلصوا من ذلك الكائن الإنساني الغريب "الطفل على هيئة رجل"، سواء لأسباب نفسية أو لأنه يعيش مراهقة متأخرة، وذلك نتيجة للأساليب التربوية الخاطئة التي تمارسها بعض الأسر التي تنشئ الأولاد على عدم تحمل مسؤولياتهم وتنزع عنهم خصائصهم الذكورية وتعزلهم عن الواقع بواسطة المبالغة في صنع مساحات آمنة لهم، وبدلًا عن مساعدتهم في الحصول على الإرشاد النفسي والاجتماعي المناسب.
وعملًا بالقاعدة الاجتماعية الذهبية: "زوجوه بكرة يعقل" تبدأ رحلة البحث عن "الزوجة الصالحة" التي سوف تصلح كل شيء، لتتحول الزوجة إلى طبيبة نفسية، ومستشارة أسرية وتربوية، وطباخة، ومعالجة، فضلًا على دورها أمًّا للأطفال.
وإذا فشلت العلاقة الزوجية وحصل الطلاق رميت المشكلة عليها، بطبيعة الحال في كثير من مجتمعاتنا العربية أي امرأة مطلقة ينسب لها أسباب فشل العلاقة.
وعلى الرغم من أن الزواج رباط مقدس قائم على تحمل كلا الطرفين مسؤولياته، فإنه في ظل أزمة الرجولة كثيرًا ما تتحمل الزوجات العبء الأكبر في إنجاح العلاقة الأسرية، وأصبحن المحور الرئيس لها، بل وحلَّ بعضهن مكان الرجل في أداء كثير من أدواره.
بقلم محمد عبود