العلامة الراحل محمود محمد شاكر مؤلف وأديب دافع عن العربية وواجه التغريب وخاض معارك أدبية حول أصالة الثقافة العربية وحقق كتبا تراثية (مواقع التواصل)
علي الكفراوي
24/2/2024
نصوص في الذاكرة.. شيخ العربية محمود شاكر يدافع عن فلسطين
في هذه الزاوية الثقافية "نصوص في الذاكرة" تفتح الجزيرة نت مساحة لتذوق النصوص العربية والمترجمة، لتتحدث الكلمات بألسنتها بلا وسطاء، إيمانا منها بأولوية النص (الشفهي والكتابي) لبناء القيم والأفكار وتشكيل الوعي والوجدان والذوق والسلوك، حتى في عصر هيمنة الصورة.
وهذه الحلقة نصوص مختارة للشيخ محمود محمد شاكر، أبو فهر (1909-1997) وهو أديب ومحقق مصري، دافع عن العربية في مواجهة التغريب، اطلع على كتب التراث، وحقق العديد منها، صاحب منهج التذوق في الشعر، خاض كثيرا من المعارك الأدبية حول أصالة الثقافة العربية، ومصادر الشعر الجاهلي، حفظ ديوان المتنبي كاملا وعمره 12 عاما.
وبعد اجتيازه الثانوية تعذر التحاقه بكلية الآداب لانتسابه إلى القسم العلمي، لكنه بوساطة من الدكتور طه حسين وزير المعارف لدى أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة المصرية آنذاك استطاع أن يلتحق بها وعمره دون الـ16 سنة.
وفي الجامعة لم يكن كأي طالب، بل كان أستاذا في موقع الطلاب، استمع شاكر لمحاضرات طه حسين عن الشعر الجاهلي، وكانت صدمته حين ادعى طه حسين أن الشعر الجاهلي منتحل، وأنه كذب ملفق، وجد نفسه عاجزا، تمنعه الهيبة والأدب أن يقف مناقشا أستاذه، وعندما رد على طه حسين في صراحة وبغير مداراة، لم يستطع أن يواجهه بأن ما يقوله إنما هو سطو على أفكار بعض المستشرقين.
ومع هذا الموقف ترك الجامعة وهو في السنة الثانية؛ لأنه لم يعد يثق بها، وسافر إلى جدة مهاجرا، وكان عمره أقل من 19 عاما، وأسس، بناء على طلب الملك عبد العزيز آل سعود، مدرسة جدة السعودية الابتدائية، وعمل مديرا لها، حتى استدعاه والده الشيخ، فعاد إلى القاهرة سنة 1929.
وكان الشيخ محمود شاكر -برغم صغر سنه- من كتاب مجلة الرسالة الدائمين، والرسالة مجلة ثقافية أسبوعية عربية صدر منها 1025 عددا، وكانت منصة لإطلاق عدد كبير من الكتاب والأدباء والشعراء المصريين والعرب، ظهر العدد الأول في 15 يناير/كانون الثاني 1933، ولفظت آخر أنفاسها مع عددها الأخير في 23 فبراير/شباط 1953 بعد شهور قليلة من ثورة الضباط في مصر، ترأس تحريرها الأديب المصري أحمد حسن الزيات (1885-1968).
وتصدت مجلة الرسالة للدفاع عن القضية الفلسطينية منذ أعدادها الأولى، وكان الشيخ محمود شاكر من الكتاب الذين شغلهم الهم الفلسطيني، وانطلق يكتب ويؤازر الفلسطينيين، ويندد بالسياسات البريطانية والأميركية على الأرض المقدسة ودعمهم لإسرائيل وخيانتهم المستمرة للعرب.
وكتب الشيخ شاكر عددا من المقالات عن فلسطين خلال محنة التقسيم وحرب 1948، وطالب المسلمين والعرب بالتصدي للمؤامرة التي تحيكها الدول الاستعمارية لطرد الفلسطينيين وتأسيس الوطن القومي لليهود على التراب الفلسطيني، وفي هذه النصوص المختارة بعض ما كتبه شاكر بتصرف محدود:
"لا تقبلوا مساعدة ولا تنتظروا عطفا"
في مجلة الرسالة -العدد 744- في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1947 كتب مقالة بعنوان "لا هَوَادة بعد اليوم" موجها حديثه للعرب جميعا، مؤكدا أن الجهاد للدفاع عن فلسطين هو فرض عين على كل عربي:
لا يحل لعربي منذ اليوم أن يرفع يده عن سلاح يعده لقتال عدو قد أحاطت به جيوشه من كل ناحية، ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يدع ثغرة من ثغور العدى إلا سدها بنفسه أو ولده أو صديقه، ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يضع عن عاتقه عبء الكد والكدح التماسا للراحة أو الدعة.
ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يتواكل ويقول لنفسه "لقد تعبت، وما يضرني أن أترك هذا لفلان فهو كافيه"، ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يقول "غدا أفعل ما حقه أن يفعل اليوم"، ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يخدع نفسه عن حرب دائرة الرحى بيننا وبين إسرائيل وأشياعهم من أمم الأرض.
ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يكتم الحق عن أهله أو عن عدوه، ويقول هذه سياسة وكياسة وترفق، ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يمالئ قوما يكاشفونه بالعداوة والبغضاء ونذالة الأخلاق.
ولا يحل لعربي منذ اليوم أن يقبل من رجال السياسة تأجيل شيء من قضايا العرب، فهي كل مترابط لا ينفك منها شيء عن شيء.
لا تنتظروا مساعدة ولا عطفا من أحد، كيف تستجدون العطف من أميركا وبريطانيا وهم سبب المشكلة وبكم لا يبالون؟.
وكيف تعطف بريطانيا وهي التي ورطَّت الدنيا كلها في مشكلة فلسطين، ثم تجيء فتطلب من هذه الدنيا أن تحل المشكلة لها؟ وكيف تعطف أميركا وهي التي تمد إسرائيل بالمال والقوة والسلاح والدعاية؟.
وكيف وهي التي تبيح لشركات النشر والإذاعة والصحافة أن تدلس وتكذب وتخدع في شأن العرب، ولا تجد منكرا ينكر، ولا لسانا يدافع، ولا قلما يشمئز من هذه الوسائل التي تطفح بالغدر والبغي والنذالة؟.
آخر الحروب الصليبية
وفي مقال بعنوان " حديث الدولتين، نٌشر في مجلة الرسالة، العدد 746 في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1947، يبين دور الغدر الذي لعبته بريطانيا في تمكين إسرائيل من أرض فلسطين، وكتب يقول:
الآن حصحص الحق، ولم تبق في نفس ريبة تحجبها عن رؤية الحقيقة سافرة بينة واضحة تكاد تنطق وتقول ها أنذا فاعرفوني، فهذه بريطانيا أم المكر والدسائس قد دخلت أرض فلسطين العربية ليقول قائد جيشها يومئذ حين وطئت قدماه المدنستان هذه الأرض المطهرة (هذه آخر حرب صليبية)، فكان ذلك إعلانا عما اعتمل في نفوس أولئك الغزاة من سخائم الحقد والضغينة والعصبية الجاهلية الموروثة، ثم لم تلبث هذه الدولة أن نكثت عهودها للعرب، وكانت قد قطعت هذه العهود على نفسها لتستجر معونة العرب لها في الحرب العالمية الأولى.
تعليق