
Sajiyousef Qorqmaz
الصلب الروماني بنموذجٍ أمريكيٍ إسلامي !
المكان : مسرح ساحة البلدية القديمة في تدمر .
الزمان : صبيحة الثلاثاء 18 آب 2015 .
لكنه ورغم بعد المسافة زمنياً ، فهو يعيد إلى الذاكرة اليوم الذي صلب فيه الرومان واليهود يسوع المسيح .
ساحة تدمر القديمة تحولت إلى مسرحٍ رومانيٍ نصف دائريٍ ، جهته الجنوبية سوداء كالليل ، بينما ملأ أهالي تدمر جهاته الثلاث مدعوين إلى حفلٍ فاجرٍ .
كان الحشد قد بدأ منذ الصباح بالتوافد إلى المسرح، لمتابعة الحفل . الفرق الوحيد بين ما يحدث في المسرح الروماني وما يحدث الآن ، أن الحشد في المسرح الروماني يبقى في حالة هيجانٍ و صراخٍ . أما اليوم فإن الحشد صامتٌ صمت القبور ، فهو على علمٍ بالعرض القادم ، هو مقبلٌ على مشهد قتلٍ لم يحدث منذ قتل الرومان الجدد الشيخ المختار ببربريةٍ لا مثيل لها في ليبيا . وهم اليوم يقتلون الشيخ الخالد .
مجموعةٌ من أصحاب الرايات السود ، تصل الساحة برفقة خالد الذي يوضع تحت تصرف السياف ، بعد أن تليت عليه اتهامات أصحاب الرايات السود له .
إيلي لم شبقتني ؟
كنت برفقة حنا وبابلو وليز نتابع الحدث إلى جانب الأمير، والواضح أنه دعانا كي نرى يمكن أن يحدث لنا إذا لم نستمر بالتعاون معه . لم يصفق أحد ، ولم يعلق أحد فالصمت كان سيد الموقف ، وحدهم بعض أصحاب الرايات هللوا بألله أكبر ، وانتهى العرض بالطلب من خالد أن يركع ويحني رأسه ليتمكن السياف من قطعه .
نظر خالد إلى السياف بهدوء ، نظر إلى من قرأ عليه التهم بهدوء ، بحث عنا ، لمحنا إلى جانب الأمير ، نظر مودعاً ومشجعاً بابتسامةٍ كانت تملأ فضاء تدمر ، رفع رأسه ليراه كل من حضر العرض الأخير للرومان، جال نظره في تدمر لثوانٍ :
نخلات تدمر
التي سقتها زنوبيا
لا تنحني
رفع السياف يديه الاثنتين إلى الهواء استعداداً لقطع عنق خالد ...
- قف.
يبست يدا السياف في الهواء ، وهو ينظر إلى أمير تدمر مصدر الصوت.
- أيها الزنديق أهبك فرصةً أخرى وأخيرة ، يمكنك من خلالها إنقاذ رأسك .
ابتسامته التي كانت تملأ فضاء تدمر لم تفارقه ، شجاعته النادرة في
تقبل الموت لم تفارقه ، نظرته المشجعة لحنا وبابلو ولي لم تفارقه :
- أنتم تدنسون مملكتي ، لن أخاف منكم ، ولن أخشاكم ! وطالما أنتم تدنسون تراب تدمر المقدس ، فإني لست بحاجةٍ إلى رأسي ...اهنؤوا بقطعه .
- اقطع رأسه أيها السياف .
هوت يد السيّاف الأمريكي ، هو أمريكيٌ من أصل ٍ سعودي ، كان ينفذ أوامر الإعدام بقطع الرأس في المملكة الوهابية ، وهو خبيرٌ في ذلك . هوت يد السياف لتقطع رأس خالد وتفصل رأسه عن جسده . استيقظت دموع أهل تدمر ثانيةً بعد آخر ندبٍ وبكاءٍ تم منذ 1745 عاماً عندما رحلت زنوبيا . هل رأوا فيه ظلاً لزنوبيا ؟ هل أعاد السياف زنوبيا إلى مرمى نظراتهم في مسرحٍ مشابهٍ منذ 1745 عاماً في روما !
تفرق الحشد ، علق ذوو الرايات السود جسد خالد مقطوع الرأس على أحد أعمدة الكهرباء في الشارع الرئيسي للمدينة ، مرفقاً بلائحة الاتهام ، وترك رأسه بقرب الجسد ، والنظارات التي كان قرأ و كتب بواسطتها حضارة تدمر ملقاةٌ إلى جانب الرأس .
تسللت ليلاً برفقة حنا ، وحملنا رأس خالد بسرعةٍ كبيرةٍ قبل أن يرانا أحد ، ودخلنا إلى أقرب بيتٍ تدمريٍ ، أسرع صاحب البيت ليساعدنا في دفن الرأس في حديقة منزله .
مرت أربعة أيامٍ بعدها وأنا وحنا نتحين الفرصة لانتزاع جسده من على عمود الكهرباء ، أخيراً تمكنا من ذلك ، وقد ساعدنا صاحب الحديقة التي دفنا فيها الرأس ، بنقل الجسد إلى مكانٍ آخر ، فإذا عرفوا مكان الرأس ، لن يعرفوا مكان الجسد .
أنهى خالد حياته شهيداً كما أراد، خالداً كما تمنى ، حزنت وحنا ، أنه لم ير المشهد الأخير ، وأظن أنه تمنى ذلك ، أن يرى بنفسه آخر مشهدٍ له :
مثبتٌ على الخشبة كما يسوع
وكما رافقت النجوم ملوك سوريا
في مباركتهم ليسوع
كانت سماء تدمر الصيفية مضاءةً
وسبعة نجومٍ تضيء مباركةً خالد
نراه كما يوم زرناه لآخر مرة
يرفع خالدٌ رأسه الى السماء
بكلمات ٍ واضحةٍ وروحٍ ساكنة :
أية اقدارٍ شبهتني بك أيها المسيح
ثبتوني على هذا الصليب كي لا أنحني
نخلات تدمر التي زرعتها و سقتها زنوبيا
لا تنحني
تسقط روما تسقط أمريكا
إيلي شبقتني ؟
لتكن إرادتك
***
... من ( ...قمح )
الأستاذ:سجيع قرقماز