نجوى محمود
بمزيد من الألفة والمحبة مارس الدمشقيون طقسهم المعتاد "تكريزة رمضان" لاستقبال شهر رمضان المبارك، وبعضهم نقلها إلى بلدان أخرى، ولكن أعضاء البيت الدمشقي أضافوا إليها الحكواتي و المسحراتي والعراضة الشامية بهدف إحياء التراث الدمشقي العريق.
ذكريات قديمة
تحدث الباحث في التراث الدمشقي "هيثم طباخة" عن تكريزة رمضان" وذكرياته عن هذا التقليد التراثي، حيث قال: تكريزة رمضان عادة دمشقية متوارثة منذ القديم، وتكون قبل عدة أيام من بداية شهر رمضان الكريم، حيث اعتاد أبناء كل حي دمشقي أو عائلة دمشقية أن يخرجون مع بعضهم في نزهات وسيارين في منطقة الغوطة أو الربوة أو أراضي كيوان "حديقة تشرين" حالياً، يتشاركون فيها إعداد وتناول وجبات الفطور والغداء والعشاء فتبقى لهم كذكرى جميلة، حيث كانت النسوة تقوم بتحضير الطعام، بينما يقوم الأطفال باللعب والتسلية والرجال يلعبون الورق والبرسيس والنرد والعزف على البزق والعود والضرب على الدربكة، وكانت التكريزة موعداً سنوياً مليء بالألفة والمحبة للالتقاء والترفيه عن النفس والتعارف بين العائلات مما يساهم بالخطبة والزواج، فالتكريزة شعارها المحبة والتواصل وتلبية حاجة المحتاج بالخفاء.
أصل التسمية
وتابع الباحث "طباخة" تعتبر "التكريزة" فسحة للترويح عن النفس وتوديع لشهر شعبان بالخروج إلى الطبيعة والبساتين، وكان البعض يسميها "تكريجة" حيث كان أهلنا يقولون لنا "أكرجوا يا ولاد قدامي"، واسمها في لبنان شعبونية نسبة إلى شهر شعبان.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن التكريزة كلمة سورية قديمة بمعنى الوداع، وحاول بعضهم تحويلها إلى "كزدورة"، ولكن من المعروف أن الكزدورة مشوار قصير المسافة، أما التكريزة فتمتد إلى مسافاتٍ أبعد، مثل الربوة ودمر والهامة والغوطة وعين الفيجة والزبداني.
أعضاء البيت الدمشقي
وأضاف الباحث "طباخة" قائلاً: بعد سنوات الحرب التي مرت على بلدنا الحبيب "سورية" تبدلت الكثير من العادات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، حيث ابتعد الجيل عن عاداته وتراثه المتوارث، فبدأ العمل منذ أكثر من عشر سنوات لإحياء التراث الثقافي بهدف تعريف الجيل بعاداته المتوارثة والحفاظ عليها من الاندثار في زمن العولمة، حيث أضفنا للتكريزة الحكواتي والمسحراتي ومسرح العرائس وخيال الظل والعراضة الشامية مع الحفاظ على اللباس الدمشقي القديم والطربوش بهدف إحياء عادات تربينا عليها وافتقدناها، كما إننا حاولنا استخدام الأدوات القديمة كالمطبقة النحاسية وطنجرة المجدرة النحاسية والمقلي باللبن بالطارة الفخار القديمة وغيرها من الأدوات التراثية التي استخدمها أجدادنا.
الخطاط "أحمد سوار" تحدث عن ذكرياته لهذه العادة الدمشقية فقال:
لاستقبال شهر رمضان المبارك خصوصية في كل البلاد؛ ولكن استقبال أهل "دمشق" له تميز على العالم كله بطقوسه وتحضيراته في كافة مجالات حياتهم، فقد درجت عادات عدة كالتحضير لمأكولاته المميزة والتحضير للاستقبال الروحي والإيماني له، كما اعتادوا على ارتياد مناطق التنزه القريبة كالربوة وغوطة دمشق قبل أيام من قدوم الشهر الفضيل ليدخلوه بنفوس مطمئنة ومفعمة للتفرغ لصيامه وعباداته والفضائل المختلفة فيه ومن صلة أرحام وجبر خواطر بعضهم البعض، وبالطبع اختيرت المناطق القريبة من دمشق للقيام "بتكريزة رمضان" لاختلاف قدرات أهل دمشق وإمكاناتهم، منهم من يرتاد المتنزهات مشياً على الأقدام مصحبين معهم لوازم السيران المتنوعة من مدات وأطعمة وأدوات وأغراض النزهة، ومنهم من يستخدم وسائط نقل متنوعة من عربات أو دراجات أو دواب أو حتى القطار الذي كانت تشتهر به المدينة، حيث تجتمع العائلات أو الأصدقاء على ضفاف نهر بردى خصوصاً في أيام الربيع، فمن طرائف ما أذكره من أيام طفولتي كنت أرافق المرحوم جدي مشياً على الأقدم وهو يضع زوادته بصرة علقها على عكازه ويضعها على كتفه من حينا في باب سريجة إلى متنزه منشية الربوة حيث يكون أصدقاؤه بانتظاره من كبار السن مجتمعين لقضاء يوم جميل، وكما أذكر جدتي رحمها الله عندما كانت تربط عناقيد عنب داليتها بالجوارب النسائية المهترئة لتخبئها إلى رمضان وتحفظها من أن تأكلها الطيور والعصافير.
ما بين الماضي والحاضر
وبدورها السبعينية "أسماء الحبال" التي تعتبر تكريزة رمضان طقساً اعتادت على أدائها منذ الطفولة، حيث تؤكد أن الأمر اختلف عما كان في الماضي، ففي فترة الحرب لم نكن نستطيع الخروج إلى البساتين والمنتزهات لفترة من الزمن، أما حالياً فقد أصبحت التكريزة بمثابة رفاهية نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث أصبحت تكلفتها باهظة الثمن، وخصوصاً إذا أردت الجلوس بإحدى المنتزهات، لذلك نجد إن العديد من الأسر لم تعد قادرة على إحيائها نتيجة تردي أوضاعها الاقتصادية، واقصرت على ترفيه أطفالها بنزهة قريبة لإحدى الحدائق العامة.
خارج الحدود
وبدورها" رنا الخياط" المقيمة في "مصر" منذ أكثر من عشر سنوات أعربت عن تمسكها بتراثها الدمشقي بهدف تعريف أبنائها العادات الدمشقية التي تربت عليها، حيث تقوم بالتحضير للتكريزة بتجهيز المأكولات الدمشقية من حراق بإصبعو والكبب والفتوش والعصائر والحلويات لاصطحابهم إلى الحديقة، وتجتمع مع بعض الأسر السورية هناك لإحيائها، وبعض الأصدقاء المصريين الذين أعجبتهم الفكرة وسعدو معنا بهذا الطقس، وخصوصاً إنها تعتبر متنفساً لنا في الغربة.
وذكر "منير كيال" المؤرخ للتقاليد الشامية في كتاب "يا شام" الصادر عام 1984 أن "من عادات الدمشقيون القيام بما يسمى تكريزة رمضان، فقبل حلول شهر رمضان بيوم أو بيومين يقومون بسيارين (نزهات) الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمقسم والمنشار والغياض، كما جاء في الكتاب أن الشباب يتحلقون حول شاب تبرع بوصلة غناء من الميجانا أو العتابا وأبو الزلف، وبعض المنولوجات الشعبية.تكريزة ..بروح دمشقية عريقة
نجوى محمود
بمزيد من الألفة والمحبة مارس الدمشقيون طقسهم المعتاد "تكريزة رمضان" لاستقبال شهر رمضان المبارك، وبعضهم نقلها إلى بلدان أخرى، ولكن أعضاء البيت الدمشقي أضافوا إليها الحكواتي و المسحراتي والعراضة الشامية بهدف إحياء التراث الدمشقي العريق.
ذكريات قديمة
تحدث الباحث في التراث الدمشقي "هيثم طباخة" عن تكريزة رمضان" وذكرياته عن هذا التقليد التراثي، حيث قال: تكريزة رمضان عادة دمشقية متوارثة منذ القديم، وتكون قبل عدة أيام من بداية شهر رمضان الكريم، حيث اعتاد أبناء كل حي دمشقي أو عائلة دمشقية أن يخرجون مع بعضهم في نزهات وسيارين في منطقة الغوطة أو الربوة أو أراضي كيوان "حديقة تشرين" حالياً، يتشاركون فيها إعداد وتناول وجبات الفطور والغداء والعشاء فتبقى لهم كذكرى جميلة، حيث كانت النسوة تقوم بتحضير الطعام، بينما يقوم الأطفال باللعب والتسلية والرجال يلعبون الورق والبرسيس والنرد والعزف على البزق والعود والضرب على الدربكة، وكانت التكريزة موعداً سنوياً مليء بالألفة والمحبة للالتقاء والترفيه عن النفس والتعارف بين العائلات مما يساهم بالخطبة والزواج، فالتكريزة شعارها المحبة والتواصل وتلبية حاجة المحتاج بالخفاء.
أصل التسمية
وتابع الباحث "طباخة" تعتبر "التكريزة" فسحة للترويح عن النفس وتوديع لشهر شعبان بالخروج إلى الطبيعة والبساتين، وكان البعض يسميها "تكريجة" حيث كان أهلنا يقولون لنا "أكرجوا يا ولاد قدامي"، واسمها في لبنان شعبونية نسبة إلى شهر شعبان.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن التكريزة كلمة سورية قديمة بمعنى الوداع، وحاول بعضهم تحويلها إلى "كزدورة"، ولكن من المعروف أن الكزدورة مشوار قصير المسافة، أما التكريزة فتمتد إلى مسافاتٍ أبعد، مثل الربوة ودمر والهامة والغوطة وعين الفيجة والزبداني.
أعضاء البيت الدمشقي
وأضاف الباحث "طباخة" قائلاً: بعد سنوات الحرب التي مرت على بلدنا الحبيب "سورية" تبدلت الكثير من العادات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، حيث ابتعد الجيل عن عاداته وتراثه المتوارث، فبدأ العمل منذ أكثر من عشر سنوات لإحياء التراث الثقافي بهدف تعريف الجيل بعاداته المتوارثة والحفاظ عليها من الاندثار في زمن العولمة، حيث أضفنا للتكريزة الحكواتي والمسحراتي ومسرح العرائس وخيال الظل والعراضة الشامية مع الحفاظ على اللباس الدمشقي القديم والطربوش بهدف إحياء عادات تربينا عليها وافتقدناها، كما إننا حاولنا استخدام الأدوات القديمة كالمطبقة النحاسية وطنجرة المجدرة النحاسية والمقلي باللبن بالطارة الفخار القديمة وغيرها من الأدوات التراثية التي استخدمها أجدادنا.
الخطاط "أحمد سوار" تحدث عن ذكرياته لهذه العادة الدمشقية فقال:
لاستقبال شهر رمضان المبارك خصوصية في كل البلاد؛ ولكن استقبال أهل "دمشق" له تميز على العالم كله بطقوسه وتحضيراته في كافة مجالات حياتهم، فقد درجت عادات عدة كالتحضير لمأكولاته المميزة والتحضير للاستقبال الروحي والإيماني له، كما اعتادوا على ارتياد مناطق التنزه القريبة كالربوة وغوطة دمشق قبل أيام من قدوم الشهر الفضيل ليدخلوه بنفوس مطمئنة ومفعمة للتفرغ لصيامه وعباداته والفضائل المختلفة فيه ومن صلة أرحام وجبر خواطر بعضهم البعض، وبالطبع اختيرت المناطق القريبة من دمشق للقيام "بتكريزة رمضان" لاختلاف قدرات أهل دمشق وإمكاناتهم، منهم من يرتاد المتنزهات مشياً على الأقدام مصحبين معهم لوازم السيران المتنوعة من مدات وأطعمة وأدوات وأغراض النزهة، ومنهم من يستخدم وسائط نقل متنوعة من عربات أو دراجات أو دواب أو حتى القطار الذي كانت تشتهر به المدينة، حيث تجتمع العائلات أو الأصدقاء على ضفاف نهر بردى خصوصاً في أيام الربيع، فمن طرائف ما أذكره من أيام طفولتي كنت أرافق المرحوم جدي مشياً على الأقدم وهو يضع زوادته بصرة علقها على عكازه ويضعها على كتفه من حينا في باب سريجة إلى متنزه منشية الربوة حيث يكون أصدقاؤه بانتظاره من كبار السن مجتمعين لقضاء يوم جميل، وكما أذكر جدتي رحمها الله عندما كانت تربط عناقيد عنب داليتها بالجوارب النسائية المهترئة لتخبئها إلى رمضان وتحفظها من أن تأكلها الطيور والعصافير.
ما بين الماضي والحاضر
وبدورها السبعينية "أسماء الحبال" التي تعتبر تكريزة رمضان طقساً اعتادت على أدائها منذ الطفولة، حيث تؤكد أن الأمر اختلف عما كان في الماضي، ففي فترة الحرب لم نكن نستطيع الخروج إلى البساتين والمنتزهات لفترة من الزمن، أما حالياً فقد أصبحت التكريزة بمثابة رفاهية نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث أصبحت تكلفتها باهظة الثمن، وخصوصاً إذا أردت الجلوس بإحدى المنتزهات، لذلك نجد إن العديد من الأسر لم تعد قادرة على إحيائها نتيجة تردي أوضاعها الاقتصادية، واقصرت على ترفيه أطفالها بنزهة قريبة لإحدى الحدائق العامة.
خارج الحدود
وبدورها" رنا الخياط" المقيمة في "مصر" منذ أكثر من عشر سنوات أعربت عن تمسكها بتراثها الدمشقي بهدف تعريف أبنائها العادات الدمشقية التي تربت عليها، حيث تقوم بالتحضير للتكريزة بتجهيز المأكولات الدمشقية من حراق بإصبعو والكبب والفتوش والعصائر والحلويات لاصطحابهم إلى الحديقة، وتجتمع مع بعض الأسر السورية هناك لإحيائها، وبعض الأصدقاء المصريين الذين أعجبتهم الفكرة وسعدو معنا بهذا الطقس، وخصوصاً إنها تعتبر متنفساً لنا في الغربة.
وذكر "منير كيال" المؤرخ للتقاليد الشامية في كتاب "يا شام" الصادر عام 1984 أن "من عادات الدمشقيون القيام بما يسمى تكريزة رمضان، فقبل حلول شهر رمضان بيوم أو بيومين يقومون بسيارين (نزهات) الغوطة الشرقية أو مناطق الربوة والشادروان والمقسم والمنشار والغياض، كما جاء في الكتاب أن الشباب يتحلقون حول شاب تبرع بوصلة غناء من الميجانا أو العتابا وأبو الزلف، وبعض المنولوجات الشعبية.