شاعر الحب والحرية
عدت يا يوم مولدي
الحبيب الأسود
الأحد، 03 ديسمبر، 2023م
في العام 1948 نشر الشاعر والصحفي الكبير كامل الشناوي على صفحات مجلة الاثنين قصيدته “عدت يا يوم مولدي” التي أثارت جدلا واسعا بين أوساط المثقفين والقراء في تلك الفترة، وحظيت بإعجاب الموسيقار محمد عبدالوهاب المعروف بذائقته المتميزة للشعر وقدرته الرهيبة على تصوير معانيه، والذي سبق وأن تعامل مع الشناوي في قصيدة “الخطايا” ضمن فيلم “لست ملاكا” إنتاج 1946.
اتصل عبدالوهاب بصديقه الشاعر، واستأذنه في تلحين “يوم مولدي”، فأذن له، لكنه كان كلما وضع لها لحنا وأعجب به، سارع إلى وضعه على كلمات أخرى، إلى أن جاء اليوم الذي اعتذر فيه بصراحة للشناوي، وأبلغه بأنه لن يلحّن القصيدة، ربما لأنه شعر بأن كلماتها تحمل شحنة كبيرة من التشاؤم والحزن لا تليق برجل مثله يحب الحياة ويقبل عليها ويخاف من الموت والمرض إلى درجة معاناته من الوسواس القهري.
مع اقتراب احتفال كامل الشناوي بعيد ميلاده الثاني والخمسين في الثامن من ديسمبر 1960، اقترح عليه الموسيقار فريد الأطرش أن يقيم له حفلا خاصا في منزله يحضره أصدقاؤهما المشتركون، وفي تلك الليلة ألقى الشناوي قصيدته “عدت يا يوم مولدي/عدت يا أيها الشقي/الصبا ضاع من يدي/وغزا الشيب مفرقي/ليت يا يوم مولدي/كنت يوما بلا غد/ليت أني من الأزل/لم أعش هذه الحياة/عشت فيها ولم أزل/جاهلا أنها حياة/ليت أني من الأزل/كنت روحا ولم أزل/أنا عمر بلا شباب/ وحياة بلا ربيع/أشتري الحب بالعذاب/أشتريه فمن يبيع”.
صفق الحاضرون للقصيدة ومن بينهم فريد الذي طلب منه السماح له بتلحينها وأدائها فسمح له بذلك بعد أن أعلمه بتفاصيل قصتها مع عبدالوهاب، وفي اليوم الموالي انشغل فريد بوضع لحن لتلك الكلمات التي شعر وكأنها تتحدث عنه، ومن فرط إعجابه بها، طلب من السيناريست يوسف عزالدين عيسى والمخرج هنري بركات وضع قصة سينمائية تتمحور حول موضوعها، وهو ما تم فعلا، فتم تسجيل الأغنية بالأستوديو في أغسطس 1961، ثم كان فيلم “يوم بلا غد” الذي عرض لأول مرة في الرابع من مارس 1962، وشارك في بطولته إلى جانب فريد الأطرش عدد من كبار النجوم آنذاك مثل مريم فحرالدين وزكي رستم وزيزي البدراوي ويوسف فخرالدين ومحمد سلطان الذي اشتهر لاحقا كواحد من أبرز الملحنين المصريين والعرب.
يقول الناقد محمد رضوان في دراسة بعنوان “كامل الشناوي.. شاعر الحب والحرية حياته وشعره” إن “من العوامل التي جعلت الشناوي يوغل في حديث الحرمان والتشاؤم والحيرة قراءاته الكثيرة لفيلسوف التشاؤم والحزن والحرمان أبي العلاء المعري، فقد كان أول شاعر أثّر في شخصية شاعرنا وأخذ عنه كامل نزعته ولكنه كان يسميها نزعة التشاؤم”.
الكثيرون هم الذين يتذكرون “عدت يا يوم مولدي” كلما اقتربت أعياد ميلادهم، فكل عيد يأتي يطوي معه عاما من حياة صاحبه، وتلك هي طبيعة الحياة التي تحتاج إلى التعامل معها بالكثير من الأمل والتفاؤل والطاقة الإيجابية .
تعليق