مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يعيد المسرح إلى بيئته الأولى
"الناموس".. صراعات أبناء العم ونهايات مؤلمة في مسرح مليء بالرموز.
دراما تحركها القصائد
لكل شعب خصوصياته الثقافية وعاداته الفرجوية، ووفق هذا الإقرار فقد عرفت ثقافات وجغرافيات أخرى إضافة إلى الإغريق الفن المسرحي، ومنها الثقافة العربية، ولكن ترسخ المسرح مع العلبة الإيطالية ليصبح في شكل واحد، وهو ما تحاول تجاوزه الكثير من التظاهرات المسرحية التي تعنى بالمسرح في فضاءات خارج العلبة في شكله، وخارج التكرار مستفيدا من قصص بيئته وخصوصياتها الثقافية، ووفق هذا التمشي يأتي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، معيدا المسرح إلى فضاءات بداياته.
انطلقت فعاليات الدورة السابعة من مهرجان المسرح الصحراوي، بلقاء تعريفي بمخرجي الأعمال المشاركة، والذين قدم كل منهم لمحة عن عمله وعن رؤيته للصحراء كفضاء مسرحي وما توفره من إمكانات وروافد ثقافية وفنية وفكرية، علاوة على ما تطرحه من تحديات أمام المسرحيين بداية من المخرج والممثلين إلى التقنيات المطلوبة لخصوصية المكان.
وتطرق كل مخرج من المخرجين، الذين يمثلون خمس جنسيات عربية هي موريتانيا ومصر والأردن وسوريا والإمارات، إلى خصوصية العمل المسرحي الصحراوي، في تأكيد على إمكانية الخروج عن الشكل والفضاء المتداول ممثلا في العلبة الإيطالية، والعمل على مناخات وفضاءات أخرى بأشكال وطرق وقصص مختلفة.
حب في البادية
المهرجان يكشف جماليات مسرحية مختلفة تقدمها الصحراء بما تختزنه من حكايات وثقافة عريقة مستفيدا من عناصر مبتكرة
طيلة الأشهر الماضية كان التنسيق يوميا لإنجاز عرضهم “الذيب” الذي يستفيد من قصص البادية السورية ورمزية الذئب في المخيال العربي مقدما قصة حب مثيرة في بيئة صنعت مجد أشهر قصص الحب العربية.
وقال المخرج السوري سامر محمد إسماعيل إن “العودة إلى الصحراء هي عودة للمنامات الأولى والأبجديات الأولى، الصحراء فضاء عبقري يعيد المسرح إلى أصله، فالمسرح ليس فقط في العلبة، وهذا الفضاء (الصحراء) يوفر لنا قدرات جديدة وإمكانيات مختلفة في إنجاز العروض”.
وأضاف “البادية السورية مكان لم يتم تناوله، بادية الشام منطقة غنية جدا ثقافيا وفنيا، وهي امتداد لشبه الجزيرة العربية”.
وإن اشتغل إسماعيل سابقا في البادية السورية، فقد استفاد من تجربته ليحاول في عمله الجديد تقديم قصة، معروفة للجميع ربما، لكن طرحها يختلف. ويقدم العرض قصة الحب ويروي تفاصيلها وتقلباتها بشكل شرطي يجعل من الشخصيات، وفق المخرج، أكثر قربا للمتلقي.
ونوه إسماعيل بدور الموسيقى التي كانت عنصرا رئيسيا في العرض، لافتا إلى سعيهم لتطويع أدوات جديدة في العرض والابتعاد عن التكلف، إذ يراهنون على “العودة بالمسرح إلى بداية البدايات”.
وقال المخرج الأردني فراس المصري حول مشاركة فرقة المسرح الحر بعرض “منيفة”، إنه يقدم عملا في “فضاء جديد لكنه يشبه فضاءنا، فتسعون في المئة من الأردن صحراء”.
سامر محمد إسماعيل: نراهن على العودة بالمسرح إلى بداية البدايات
ولا يخفي المصري أنه كان هناك خوف من التجربة، لكن العمل يليق بفرقة المسرح الحر، التي تقدم فيه عصارة تجارب في التمثيل والأداء والنص.
وأشار إلى أن “منيفة” اسم صبية بدوية. متابعا “أردنا تقديم عمل مسرحي بدوي أردني باللهجة البدوية، وهي أعمال قليلة ونادرة في المسرح مقارنة بالأعمال الدرامية البدوية”.
وبيّن أن المسرحية قصة تروى على لسان راو، وقد استخدموا أسلوب الراوي الذي يمكنه أن يقفز بنا بين مراحل زمنية ومكانية وأحداث مختلفة بسلاسة، إذ يسرد هذا الراوي قصة حب وعشق بدوية موشحة بالرقص والغناء، في محاولة لرسم صفات البدوي الأردني بشكل مغاير.
وأكد المصري أن هذا هو أول عرض للعمل، ولكن لديهم تنسيق مع الهيئة العربية للمسرح لتقديم عروض في فضاء مفتوح.
ولفت المخرج إلى أنه حضر فعاليات الدورة السابقة لمهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة بصفته ضيفا، مؤكدا أنها كانت تجربة جديدة شاهدوا خلالها مجموعة أعمال مميزة وندوات بعد العروض.
مضيفا “لم نأت لنقدم قصصا فلسفية معقدة، فقصص الصحراء موجهة للجمهور” وهو الرأي الذي أثار حفيظة عدد من الحضور ومنهم المخرج المصري انتصار عبدالفتاح، الذي شدد تعقيبا على كلام فراس المصري أن المسرح الصحراوي ليس مجرد فرجة وترفيه بل فيه قصص أعمق من ذلك.
ملحمة موريتانية
فراس المصري: أردنا تقديم عمل مسرحي بدوي أردني باللهجة البدوية
قال المخرج الموريتاني سلي عبدالفتاح “نحتاج إلى ربط الصلة وتوثيقها مع عالمنا العربي”، ذاكرا أن المخرج التونسي حافظ خليفة قدم دورات تدريبية في موريتانيا ولم يكتف بالإشراف على الفريق لإنتاج عملهم الملحمي “أولاد العالية”.
وأضاف “عائشة وعالية، أبناء المرأة الأولى ذابوا في القبائل الأخرى، أما أبناء المرأة الثانية فصاروا أمراء وأصحاب شأن، هم أولاد مبارك”. وذكر أن العمل “قصة خيل وما يوازيها من أحداث، قصة موسيقى وشعر موريتاني، وخاصة منه ‘التبراع‘، وهو شعر خاص بالمرأة”.
وتابع المخرج “حاولنا كسر الروتين وتقديم شيء مختلف. صحراء موريتانيا صحراء عربية فيها الحب والجود والشجاعة”، مشددا على تحديات الطقس وغيرها في الإعداد للعمل.
وبدوره قال المخرج التونسي حافظ خليفة الذي أشرف على إعداد فريق ملحمة “أولاد العالية” في موريتانيا بتكليف من إدارة المسرح بالشارقة، “هي تجربة ثانية بعد ‘بنت البار’. ما انتبهت إليه إدارة المسرح هو أن تطعّم التجارب المسرحية بمشرف فني، وهذا أفضل من الورشات التدريبية. تحولت إلى موريتانيا للعمل مع الشباب الذين وعوا وجربوا وأتقنوا مراحل إنجاز الملاحم”.
وذكر أن “الحياة في موريتانيا لها إيقاع مختلف تماما، هناك ثراء كبير. ولكنهم اختاروا التركيز على حكاية أولاد العالية”.
بحث خاص
سلي عبدالفتاح: عملنا قصة خيل وموسيقى وشعر وما يوازيها من أحداث
قال المخرج المصري انتصار عبدالفتاح إن “المسرح الصحراوي جزء من الفضاء الكوني. أنا عاشق للأماكن المفتوحة. كان هناك تجربة قمت بها في أسوان في فضاء مفتوح، كان عرض ‘راهب الأحجار‘ يتنقل على محطات والجمهور يتابعه”، متطرقا أيضا إلى خصوصيات عمله “الخروج إلى النهار”.
أما عمله الجديد الذي يعرض ضمن فعاليات المهرجان تحت عنوان “ترنيمة الصحراء” نجد فيه “الخال جالسا بعصاه في هذا العالم الفريد، الخالة التي تشكل بالطين أشكالا من عالم الصحراء، وكلاهما في انتظار شاب لا نعرف إن كان سيأتي”.
وواصل عبدالفتاح “يأتي الشاب في حالات طقسية من الصحراء” ومن هناك تثار تفاصيل الحكاية.
وقال المخرج “اشتغلنا على الألوان في الملابس والديكور والممثلين خاصة الممثلات”، متابعا “العرض جزء لا يتجزأ من المكان”.
حافظ خليفة: الحياة في موريتانيا لها إيقاع مختلف تماما، هناك ثراء كبير
وشدد عبدالفتاح على أن مسرح الصحراء “ليس مجرد عرض وحفلة سمر بل بحث عن مواضيع خاصة، فالصحراء لها طابع خاص”.
وبين المسرحي السوداني عصام أبوالقاسم، الذي تولى تأطير ندوة المخرجين، أن كل العروض جديدة ومنتجة خصيصا للمهرجان، مشددا على أنها فرصة للمخرجين للاشتغال والتجديد في محاورة فضاء الصحراء.
وذكر أن موريتانيا تشارك سنويا في المهرجان في نوع من التمييز الإيجابي، نظرا إلى ثراء ثقافتها العربية الصحراوية، منوها أيضا بمشاركة المخرج المصري انتصار عبدالفتاح الذي عرف باشتغاله في الفضاء المفتوح ليقدم في عرضه في المهرجان تجربة ملحمية جديدة.
ولفت أبوالقاسم إلى أن المخرج السوري سامر محمد اسماعيل يجدد الحضور السوري في المهرجان، معتبرا أنه فنان شامل مخرج وكاتب. مضيفا “المهرجان لا يقدم فقط عروضا، بل يوفر فرصة للجمهور للإقامة ومعايشة إنتاج العروض”.
عرض "الناموس"
انتصار عبدالفتاح: مسرح الصحراء ليس مجرد عرض وحفلة سمر بل بحث عن مواضيع خاصة
كان افتتاح المهرجان ليل الجمعة بالعرض الإماراتي “الناموس” إخراج محمد العامري وتأليف وأشعار سلطان النيادي. والناموس في مفردات اللهجة المحلية يعني “الشرف والمكانة الرفيعة التي ينالها الشخص بعمل استثنائي، يحقق فيه لنفسه ولمجتمعه العزة والكرامة والفخر”.
عناصر مختلفة تداخلت في العمل الذي جاء فضاؤه عبارة عن خيام، وخلفها الكثبان التي تشتعل على رأسها النار، كما تتداخل فيه عناصر مثل الخيل والإبل، في جو قبلي، فيه تدور أحداث الحكاية.
يحكي العرض عن أبناء عم لا يكفون عن التقاتل والتباغض وتربية الحقد بين بعضهم البعض على أتفه الأسباب، بينما يغير غزاة كل مرة على شق منهم، وسط صمت الآخر، إلى أنه لم يبق لهم شيء، إلا خيمة واحدة تجمعهم، بينما يفرض الغزاة شروطهم الساخرة والجائرة عليهم، إما أن يقبلوا الدخول في سباق واسترداد ما راح من أموالهم وأغنامهم إذا فازوا، أما إن خسروا فيجبرون على دفع جزية سنوية من الذهب والفضة، وهو ما يخلق حالة خصام جديدة بين من هو مع الحرب والقتال لأجل الشرف ومن هو خانع يأتمر لحاجاته الخاصة فحسب.
عصام أبوالقاسم: المهرجان لا يقدم فقط عروضا بل يمكّن من معايشة إنتاجها
العرض وإن كان ممتعا في عناصره غير المألوفة وفي موسيقاه وأشعاره الممتعة، فإنه جاء مليئا بالرموز، يقود تفاصيله رجل وامرأة في آخر مراحل الكهولة وبداية الشيخوخة، يلقيان أشعارا تنضح منها الحكمة والرأي السديد، رغم ما فيها من رثاء للحال كما تردد المرأة مثلا “ما أكثر عددنا وأقل فعلنا”.
يخلق العرض متعة لمختلف شرائح الجمهور الذي تنوع بين نساء ورجال وكبار وصغار وحتى أطفال، إذ وفرت القصائد الملقاة وسط السينوغرافيا الصحراوية والإضاءة المؤطرة للفضاء المفتوح، حالة تخييل وكشف لملامح الدراما التي حركتها أيضا بشكل لافت المؤثرات الصوتية، مثل أصوات الإغارة وخبب الخيول وصهيلها المخيف، كما حركها الأداء المهم للشالات، وهي قراءة القصائد بصوت عذب وقد قام بتلحينها وأدائها الفنان محمد البادي والفنانة الدماني.
الشعر المؤدى لحنيا بالصوت دون آلات موسيقية كان عنصرا رئيسيا في العرض، بل هو البطل الحقيقي للدراما التي يقدمها الممثلون، إذ يحرك خيوطها ويتنقل بها من حال إلى حال، وصولا إلى النهاية التي كانت رمزية بأن تشتت الشمل وبقوا يحملون النار نازلين من الكثبان بحثا عن شرفهم المفقود وأرضهم وعرضهم.
الرمزية أيضا في مشهد الفتى الصغير الحامل للناقة والذي يعبر مساحة الأداء بصمت، وكأنه رسالة أمل مؤجل بما ترمز له الناقة من العزة والشرف والأصالة، وما يرمز له الفتى من المستقبل، إذ لم تكن النهاية سوداوية في المطلق أو نوعا من العدمية، رغم واقعية النتائج التي آلات إليها، إذ لا تجمّل أو تجامل، بل تنقد الوقائع بدقة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد ناصر المولهي
كاتب تونسي
"الناموس".. صراعات أبناء العم ونهايات مؤلمة في مسرح مليء بالرموز.
دراما تحركها القصائد
لكل شعب خصوصياته الثقافية وعاداته الفرجوية، ووفق هذا الإقرار فقد عرفت ثقافات وجغرافيات أخرى إضافة إلى الإغريق الفن المسرحي، ومنها الثقافة العربية، ولكن ترسخ المسرح مع العلبة الإيطالية ليصبح في شكل واحد، وهو ما تحاول تجاوزه الكثير من التظاهرات المسرحية التي تعنى بالمسرح في فضاءات خارج العلبة في شكله، وخارج التكرار مستفيدا من قصص بيئته وخصوصياتها الثقافية، ووفق هذا التمشي يأتي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، معيدا المسرح إلى فضاءات بداياته.
انطلقت فعاليات الدورة السابعة من مهرجان المسرح الصحراوي، بلقاء تعريفي بمخرجي الأعمال المشاركة، والذين قدم كل منهم لمحة عن عمله وعن رؤيته للصحراء كفضاء مسرحي وما توفره من إمكانات وروافد ثقافية وفنية وفكرية، علاوة على ما تطرحه من تحديات أمام المسرحيين بداية من المخرج والممثلين إلى التقنيات المطلوبة لخصوصية المكان.
وتطرق كل مخرج من المخرجين، الذين يمثلون خمس جنسيات عربية هي موريتانيا ومصر والأردن وسوريا والإمارات، إلى خصوصية العمل المسرحي الصحراوي، في تأكيد على إمكانية الخروج عن الشكل والفضاء المتداول ممثلا في العلبة الإيطالية، والعمل على مناخات وفضاءات أخرى بأشكال وطرق وقصص مختلفة.
حب في البادية
المهرجان يكشف جماليات مسرحية مختلفة تقدمها الصحراء بما تختزنه من حكايات وثقافة عريقة مستفيدا من عناصر مبتكرة
طيلة الأشهر الماضية كان التنسيق يوميا لإنجاز عرضهم “الذيب” الذي يستفيد من قصص البادية السورية ورمزية الذئب في المخيال العربي مقدما قصة حب مثيرة في بيئة صنعت مجد أشهر قصص الحب العربية.
وقال المخرج السوري سامر محمد إسماعيل إن “العودة إلى الصحراء هي عودة للمنامات الأولى والأبجديات الأولى، الصحراء فضاء عبقري يعيد المسرح إلى أصله، فالمسرح ليس فقط في العلبة، وهذا الفضاء (الصحراء) يوفر لنا قدرات جديدة وإمكانيات مختلفة في إنجاز العروض”.
وأضاف “البادية السورية مكان لم يتم تناوله، بادية الشام منطقة غنية جدا ثقافيا وفنيا، وهي امتداد لشبه الجزيرة العربية”.
وإن اشتغل إسماعيل سابقا في البادية السورية، فقد استفاد من تجربته ليحاول في عمله الجديد تقديم قصة، معروفة للجميع ربما، لكن طرحها يختلف. ويقدم العرض قصة الحب ويروي تفاصيلها وتقلباتها بشكل شرطي يجعل من الشخصيات، وفق المخرج، أكثر قربا للمتلقي.
ونوه إسماعيل بدور الموسيقى التي كانت عنصرا رئيسيا في العرض، لافتا إلى سعيهم لتطويع أدوات جديدة في العرض والابتعاد عن التكلف، إذ يراهنون على “العودة بالمسرح إلى بداية البدايات”.
وقال المخرج الأردني فراس المصري حول مشاركة فرقة المسرح الحر بعرض “منيفة”، إنه يقدم عملا في “فضاء جديد لكنه يشبه فضاءنا، فتسعون في المئة من الأردن صحراء”.
سامر محمد إسماعيل: نراهن على العودة بالمسرح إلى بداية البدايات
ولا يخفي المصري أنه كان هناك خوف من التجربة، لكن العمل يليق بفرقة المسرح الحر، التي تقدم فيه عصارة تجارب في التمثيل والأداء والنص.
وأشار إلى أن “منيفة” اسم صبية بدوية. متابعا “أردنا تقديم عمل مسرحي بدوي أردني باللهجة البدوية، وهي أعمال قليلة ونادرة في المسرح مقارنة بالأعمال الدرامية البدوية”.
وبيّن أن المسرحية قصة تروى على لسان راو، وقد استخدموا أسلوب الراوي الذي يمكنه أن يقفز بنا بين مراحل زمنية ومكانية وأحداث مختلفة بسلاسة، إذ يسرد هذا الراوي قصة حب وعشق بدوية موشحة بالرقص والغناء، في محاولة لرسم صفات البدوي الأردني بشكل مغاير.
وأكد المصري أن هذا هو أول عرض للعمل، ولكن لديهم تنسيق مع الهيئة العربية للمسرح لتقديم عروض في فضاء مفتوح.
ولفت المخرج إلى أنه حضر فعاليات الدورة السابقة لمهرجان المسرح الصحراوي بالشارقة بصفته ضيفا، مؤكدا أنها كانت تجربة جديدة شاهدوا خلالها مجموعة أعمال مميزة وندوات بعد العروض.
مضيفا “لم نأت لنقدم قصصا فلسفية معقدة، فقصص الصحراء موجهة للجمهور” وهو الرأي الذي أثار حفيظة عدد من الحضور ومنهم المخرج المصري انتصار عبدالفتاح، الذي شدد تعقيبا على كلام فراس المصري أن المسرح الصحراوي ليس مجرد فرجة وترفيه بل فيه قصص أعمق من ذلك.
ملحمة موريتانية
فراس المصري: أردنا تقديم عمل مسرحي بدوي أردني باللهجة البدوية
قال المخرج الموريتاني سلي عبدالفتاح “نحتاج إلى ربط الصلة وتوثيقها مع عالمنا العربي”، ذاكرا أن المخرج التونسي حافظ خليفة قدم دورات تدريبية في موريتانيا ولم يكتف بالإشراف على الفريق لإنتاج عملهم الملحمي “أولاد العالية”.
وأضاف “عائشة وعالية، أبناء المرأة الأولى ذابوا في القبائل الأخرى، أما أبناء المرأة الثانية فصاروا أمراء وأصحاب شأن، هم أولاد مبارك”. وذكر أن العمل “قصة خيل وما يوازيها من أحداث، قصة موسيقى وشعر موريتاني، وخاصة منه ‘التبراع‘، وهو شعر خاص بالمرأة”.
وتابع المخرج “حاولنا كسر الروتين وتقديم شيء مختلف. صحراء موريتانيا صحراء عربية فيها الحب والجود والشجاعة”، مشددا على تحديات الطقس وغيرها في الإعداد للعمل.
وبدوره قال المخرج التونسي حافظ خليفة الذي أشرف على إعداد فريق ملحمة “أولاد العالية” في موريتانيا بتكليف من إدارة المسرح بالشارقة، “هي تجربة ثانية بعد ‘بنت البار’. ما انتبهت إليه إدارة المسرح هو أن تطعّم التجارب المسرحية بمشرف فني، وهذا أفضل من الورشات التدريبية. تحولت إلى موريتانيا للعمل مع الشباب الذين وعوا وجربوا وأتقنوا مراحل إنجاز الملاحم”.
وذكر أن “الحياة في موريتانيا لها إيقاع مختلف تماما، هناك ثراء كبير. ولكنهم اختاروا التركيز على حكاية أولاد العالية”.
بحث خاص
سلي عبدالفتاح: عملنا قصة خيل وموسيقى وشعر وما يوازيها من أحداث
قال المخرج المصري انتصار عبدالفتاح إن “المسرح الصحراوي جزء من الفضاء الكوني. أنا عاشق للأماكن المفتوحة. كان هناك تجربة قمت بها في أسوان في فضاء مفتوح، كان عرض ‘راهب الأحجار‘ يتنقل على محطات والجمهور يتابعه”، متطرقا أيضا إلى خصوصيات عمله “الخروج إلى النهار”.
أما عمله الجديد الذي يعرض ضمن فعاليات المهرجان تحت عنوان “ترنيمة الصحراء” نجد فيه “الخال جالسا بعصاه في هذا العالم الفريد، الخالة التي تشكل بالطين أشكالا من عالم الصحراء، وكلاهما في انتظار شاب لا نعرف إن كان سيأتي”.
وواصل عبدالفتاح “يأتي الشاب في حالات طقسية من الصحراء” ومن هناك تثار تفاصيل الحكاية.
وقال المخرج “اشتغلنا على الألوان في الملابس والديكور والممثلين خاصة الممثلات”، متابعا “العرض جزء لا يتجزأ من المكان”.
حافظ خليفة: الحياة في موريتانيا لها إيقاع مختلف تماما، هناك ثراء كبير
وشدد عبدالفتاح على أن مسرح الصحراء “ليس مجرد عرض وحفلة سمر بل بحث عن مواضيع خاصة، فالصحراء لها طابع خاص”.
وبين المسرحي السوداني عصام أبوالقاسم، الذي تولى تأطير ندوة المخرجين، أن كل العروض جديدة ومنتجة خصيصا للمهرجان، مشددا على أنها فرصة للمخرجين للاشتغال والتجديد في محاورة فضاء الصحراء.
وذكر أن موريتانيا تشارك سنويا في المهرجان في نوع من التمييز الإيجابي، نظرا إلى ثراء ثقافتها العربية الصحراوية، منوها أيضا بمشاركة المخرج المصري انتصار عبدالفتاح الذي عرف باشتغاله في الفضاء المفتوح ليقدم في عرضه في المهرجان تجربة ملحمية جديدة.
ولفت أبوالقاسم إلى أن المخرج السوري سامر محمد اسماعيل يجدد الحضور السوري في المهرجان، معتبرا أنه فنان شامل مخرج وكاتب. مضيفا “المهرجان لا يقدم فقط عروضا، بل يوفر فرصة للجمهور للإقامة ومعايشة إنتاج العروض”.
عرض "الناموس"
انتصار عبدالفتاح: مسرح الصحراء ليس مجرد عرض وحفلة سمر بل بحث عن مواضيع خاصة
كان افتتاح المهرجان ليل الجمعة بالعرض الإماراتي “الناموس” إخراج محمد العامري وتأليف وأشعار سلطان النيادي. والناموس في مفردات اللهجة المحلية يعني “الشرف والمكانة الرفيعة التي ينالها الشخص بعمل استثنائي، يحقق فيه لنفسه ولمجتمعه العزة والكرامة والفخر”.
عناصر مختلفة تداخلت في العمل الذي جاء فضاؤه عبارة عن خيام، وخلفها الكثبان التي تشتعل على رأسها النار، كما تتداخل فيه عناصر مثل الخيل والإبل، في جو قبلي، فيه تدور أحداث الحكاية.
يحكي العرض عن أبناء عم لا يكفون عن التقاتل والتباغض وتربية الحقد بين بعضهم البعض على أتفه الأسباب، بينما يغير غزاة كل مرة على شق منهم، وسط صمت الآخر، إلى أنه لم يبق لهم شيء، إلا خيمة واحدة تجمعهم، بينما يفرض الغزاة شروطهم الساخرة والجائرة عليهم، إما أن يقبلوا الدخول في سباق واسترداد ما راح من أموالهم وأغنامهم إذا فازوا، أما إن خسروا فيجبرون على دفع جزية سنوية من الذهب والفضة، وهو ما يخلق حالة خصام جديدة بين من هو مع الحرب والقتال لأجل الشرف ومن هو خانع يأتمر لحاجاته الخاصة فحسب.
عصام أبوالقاسم: المهرجان لا يقدم فقط عروضا بل يمكّن من معايشة إنتاجها
العرض وإن كان ممتعا في عناصره غير المألوفة وفي موسيقاه وأشعاره الممتعة، فإنه جاء مليئا بالرموز، يقود تفاصيله رجل وامرأة في آخر مراحل الكهولة وبداية الشيخوخة، يلقيان أشعارا تنضح منها الحكمة والرأي السديد، رغم ما فيها من رثاء للحال كما تردد المرأة مثلا “ما أكثر عددنا وأقل فعلنا”.
يخلق العرض متعة لمختلف شرائح الجمهور الذي تنوع بين نساء ورجال وكبار وصغار وحتى أطفال، إذ وفرت القصائد الملقاة وسط السينوغرافيا الصحراوية والإضاءة المؤطرة للفضاء المفتوح، حالة تخييل وكشف لملامح الدراما التي حركتها أيضا بشكل لافت المؤثرات الصوتية، مثل أصوات الإغارة وخبب الخيول وصهيلها المخيف، كما حركها الأداء المهم للشالات، وهي قراءة القصائد بصوت عذب وقد قام بتلحينها وأدائها الفنان محمد البادي والفنانة الدماني.
الشعر المؤدى لحنيا بالصوت دون آلات موسيقية كان عنصرا رئيسيا في العرض، بل هو البطل الحقيقي للدراما التي يقدمها الممثلون، إذ يحرك خيوطها ويتنقل بها من حال إلى حال، وصولا إلى النهاية التي كانت رمزية بأن تشتت الشمل وبقوا يحملون النار نازلين من الكثبان بحثا عن شرفهم المفقود وأرضهم وعرضهم.
الرمزية أيضا في مشهد الفتى الصغير الحامل للناقة والذي يعبر مساحة الأداء بصمت، وكأنه رسالة أمل مؤجل بما ترمز له الناقة من العزة والشرف والأصالة، وما يرمز له الفتى من المستقبل، إذ لم تكن النهاية سوداوية في المطلق أو نوعا من العدمية، رغم واقعية النتائج التي آلات إليها، إذ لا تجمّل أو تجامل، بل تنقد الوقائع بدقة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
محمد ناصر المولهي
كاتب تونسي