رواد الكيمياء وأهم مؤلفاتهم:
المأثور عند العرب أن أول عهدهم بالكيمياء والعلوم الطبيعية كان أيام خالد بن يزيد بن معاوية الملقب بحكيم آل مروان. ويذكر ابن خلكان أنه كان من أعلم قريش بفنون العلم، وله كلام في صنعة الكيمياء والطب. ويقال إن جعفر الصادق (ت148هـ، 765م) كان على علم بهذه الصنعة، وأن جابر بن حيان تعلّمها منه، ومع جابر انتقلت الكيمياء من طور الخرافة والطلاسم إلى طور العلم التجريبي، وارتقى العلم بعده على يد جهابذة آخرين أمثال الكندي، والرازي، وابن سينا وغيرهم. وكان إسهامهم في الكيمياء ذا شأن ؛ إذ أضافوا إليه أصالة البحث العلمي بإدخالهم التجربة العلمية والمشاهدات الدقيقة ؛ حتى ليكاد ينعقد الرأي، عند كثير من الباحثين الآن، أن المسلمين هم مؤسسو علم الكيمياء التجريبي ؛ فقد جعلوه يقوم على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية.
إسهام جابر بن حَيّان. يعد جابر بن حيان (ت 200هـ،815م) مؤسس علم الكيمياء التجريبي، فهو أول من استخلص معلوماته الكيميائية من خلال التجارب، والاستقراء، والاستنتاج العلمي. وكان غزير الإنتاج والاكتشافات، حتى أن الكيمياء اقترنت باسمه فقالوا : كيمياء جابر، والكيمياء لجابر، وقالوا : علم جابر أو صنعة جابر. وكانت أعماله القائمة على التجربة المعملية أهم محاولة جادة قامت آنذاك لدراسة الطبيعة دراسة علمية دقيقة. فهو أول من بشَّر بالمنهج التجريبي المخبري، ومن نصائحه لطلابه في هذا الصدد: "أول واجب أن تعمل وتجري تجارب ؛ لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة". وتكاد الإجراءات التي كان يتبعها في أبحاثه تطابق ما يقوم به المشتغلون بالمنهج العلمي اليوم ؛ وتتلخص إجراءاته في خطوات ثلاث: 1ـ أن يأتي الكيميائي بفرض يفرضه من خلال مشاهداته، وذلك حتى يفسر الظاهرة التي يريد تفسيرها و 2ـ أن يستنبط مما افترضه نتائج تترتب عليه نظريًا، و 3ـ أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليتثبت ما إذا كانت ستصدق على مشاهداته الجديدة أم لا ؛ فإن صدقت تحولت الفرضية إلى قانون علمي يُعوَّل عليه في التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة إذا توافرت ظروف بعينها.
قام جابر بإجراء كثير من العمليات المخبرية، كان بعضها معروفًا من قبل فطوَّره، وأدخل عمليات جديدة. من الوسائل التي استخدمها: التّبخّر، والتكليس، والتقطير، والتبلر، والتصعيد، والترشيح، والصهر، والتكثيف، والإذابة. ودرس خواص بعض المواد دراسة دقيقة ؛ فتعرف على أيون الفضة النشادري المعقد. كما قام بتحضير عدد كبير من المواد الكيميائية ؛ فهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك التقطير من الشب. وحضّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك ؛ أي ماء الفضة، وكان يسميه الماء المحلل أو ماء النار، وحضر حمض الكلوريدريك المسمّى بروح الملح. وهو أول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة وقد سمّاها حجر جهنم، وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسمِّي كذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن. وهو أول من لاحظ رواسب كلوريد الفضة عند إضافة ملح الطعام إلى نترات الفضة. كما استخدم الشب في تثبيت الأصباغ في الأقمشة، وحضّر بعض المواد التي تمنع الثياب من البلل ؛ وهذه المواد هي أملاح الألومنيوم المشتقة من الأحماض العضوية ذات الأجزاء الهيدروكربونية. ومن استنتاجاته أن اللهب يكسب النحاس اللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، والإثمد (الأنتيمون)، وتنقية المعادن، وصبغ الأقمشة، ويعزى إلى جابر أنه أول من استعمل الميزان الحساس والأوزان المتناهية الدقة في تجاربه المخبرية ؛ وقد وزن مقادير يقل وزنها عن1/100 من الرطل. وينسب إليه تحضير مركبات كل من كربونات البوتاسيوم والصوديوم والرصاص القاعدي والإثمد (الأنتيمون)، كما استخدم ثاني أكسيد المنجنيز لإزالة الألوان في صناعة الزجاج. كما بلور جابر النظرية التي مفادها أن الاتحاد الكيميائي يتم باتصال ذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها. ومثّل على ذلك بكل من الزئبق والكبريت عندما يتحدان ويكونان مادة جديدة.
تدل العمليات الكيميائية التي أوردها جابر في مؤلفاته على براعته في الكيمياء وإبداعه في تصميم الأفران والبوتقات، ولا شك أنه لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل تجاربه المخبرية. وقد كان يجري معظم هذه التجارب في مختبر خاص اكتشف في أنقاض مدينة الكوفة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي ؛ وهو أشبه بالقبو في مكان منعزل بعيدًا عن أعين الفضوليين، وبه من الأثاث: منضدة وقوارير، وأفران، وموقد، وهاون، وبعض الأدوات مثل الماشق (الماسك)، والمقرض، والملعقة، والمبرد، والقمع، والراووق (المصفاة)، وأحواض، وإسفنجة، وآلة تكليس، وقطّارة، ومعدات للتقطير، وميزان وإنبيق وغيرها.
ولجابر بن حيان مؤلفات ورسائل كثيرة في الكيمياء. وأشهر هذه المؤلفات كتاب السموم ودفع مضارها، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية، ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لها وتفاعلها في الجسم ؛ وكتاب التدابير ؛ وتعني التدابير في ذلك الوقت العمل القائم على التجربة، وكتاب الموازين وكتاب الحديد ؛ وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلب من خاماته الأولى. كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق، ومن كتبه كذلك نهاية الإتقان، و رسالة في الأفران. وتُشكل مجموعة الكتب التي تحمل اسم جابر بن حيان موسوعة تحتوي على خلاصة ما توصل إليه علم الكيمياء حتى عصره. وقد تَرْجم معظم كتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي روبرت الشستري (ت 539هـ، 1144م) وجيرار الكريموني (ت 583هـ، 1187م) وغيرهما. ومثّلت مصنفاته المترجمة الركيزة التي انطلق منها علم الكيمياء الحديث في العالم.
إسهام الكندي. كان يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 260هـ، 873م) أول من وقف معارضًا بشدة مقولة الكيميائيين بإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة. وألف في ذلك رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم، وكذلك رسالة أخرى في التنبيه على خدع الكيميائيين. وقد ألف في الكيمياء، إلى جانب الرسالتين السابقتين، مؤلفات أخرى منها: رسالة في العطر وأنواعه ؛ تلويح الزجاج ؛ رسالة فيما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تتثلّم ولا تكل ؛ رسالة في صنع أطعمة من غير عناصرها ؛ رسالة فيما يصبغ فيعطي لونًا ؛ قلع الآثار عن الثياب ؛ وتشتمل على بعض المواد الكيميائية المستخدمة حاليًا في تنظيف الثياب وإزالة البقع منها. أما كتابه كيمياء العطر والتصعيدات فيورد فيه الكثير من أنواع العطور التي يشتقها من عطر واحد ؛ فبعد أن يستخلص العطر من مصدره الطبيعي، يأخذ مقدارًا ضئيلاً ويعالجه بمواد أخرى ليحصل على مقدار أكبر من العطر نفسه. بدأ كتابه بطُرُق صنع المسك ومجموعة أخرى من العطور المشهورة في وقته، تحدّث في طرق الحصول على هذه العطور عن عمليات كيميائية عديدة كالتقطير والترشيح والتصعيد.
حضّر الكندي أنواعًا من الحديد الفولاذ بأسلوب المزج والصهر ؛ وهي طريقة لا زالت تستخدم حتى وقتنا الحاضر بنجاح. يتلخص هذا الأسلوب في مزج كميتين معلومتين من الحديد النرماهن (المطاوع) والحديد الشبرقان (الحديد الصلب). ويصهران معًا ثم يسخنان إلى درجة حرارة معلومة وخلال مدة زمنية مناسبة بحيث يكون الحديد الناتج محتويًا على نسبة من الكربون لا تقل عن 0,5% ولا تزيد كثيرًا على 1,5%. واستخدم الكندي أشهر السموم المعدنية المعروفة في وقتنا الراهن ؛ وهي التي تتكون من أيون السيانيد الموجود في ورق نبات الدفلي، وكذلك الزرنيخ الأصفر. فقد ذكر الكندي وصفة لتلوين حديد السيوف والسكاكين يدخل في تركيبها بعض المواد العضوية والأعشاب، من بينها نبات الدفلي الذي ثبت أن السم فيه عالي التركيز لاحتوائه على مقدار كبير نسبياً من سيانيد الصوديوم أو البوتاسيوم، ويكسب الحديد لونًا أحمر يضرب إلى الزرقة.
قام كل من أرنالدوس وجيرار الكريموني بترجمة كتب الكندي في مجال الكيمياء والصيدلة إلى اللغة اللاتينية، وقال عنه الأخير إنه كان "خصب القريحة، وإنه فريد عصره في معرفة العلوم بأسرها".
إسهام الرازي. كانت لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت 311هـ، 923م) إسهامات كبيرة في الكيمياء، ويعود له الفضل في تحويل الكيمياء القديمة (كيمياء جابر) إلى علم الكيمياء الحديث، وكانت مصنفاته أول المصنفات الكيميائية في تاريخ هذا العلم. وعلى الرغم من أن أستاذه جابر بن حيان كان أول من بشَّر بالمنهج التجريبي ؛ إلا أنه كان يخلط ذلك بأوهام الرمزية والتنجيم. أما الرازي فقد تجرّد عن الغموض والإيهام وعالج المواد الطبيعية من منظور حقيقتها الشكلية الخارجية دون مدلولها الرمزي. ولذا كان الرازي بطبيعة الأمر أوسع علمًا وأكثر تجربة وأدق تصنيفًا للمواد من أستاذه. ونستطيع أن نقول : إنه الرائد الأول في هذا العلم، وذلك في ضوء اتجاهه العلمي، وحرصه على التحليل وترتيب العمل المخبري، وكذلك في ضوء ما وصف من عقاقير وآلات وأدوات.
عكف الرازي ـ إلى جانب عمله التطبيقي في الطب والصيدلة والكيمياء ـ على التأليف ؛ وصنَّف ما يربو على 220 مؤلفًا ما بين كتاب ورسالة ومقالة. وأشهر مصنفاته في حقل الكيمياء سر الأسرار نقله جيرار الكريموني إلى اللاتينية، وبقيت أوروبا تعتمده في مدارسها وجامعاتها زمنًا طويلاً. بيًَّن في هذا الكتاب المنهج الذي يتبعه في إجراء تجاربه ؛ فكان يبتدئ على الدوام بوصف المواد التي يعالجها ويطلق عليها المعرفة، ثم يصف الأدوات والآلات التي يستعين بها في تجاربه ؛ وسماها معرفة الآلات، ثم يشرح بالتفصيل أساليبه في التجربة وسماها معرفة التدابير. ولعل براعة الرازي في حقل الطب جعلته ينبغ في حقل الكيمياء والصيدلة ؛ إذ كان لابد للطبيب البارع آنذاك أن يقوم بتحضير الأدوية المركبة، ولا يمكن تحضير هذه المركبات إلا عن طريق التجربة المعملية. ويبين سر الأسرار ميل الرازي الكبير واهتمامه العميق بالكيمياء العملية، وترجيح الجانب التطبيقي على التأمل النظري، ولا يورد فيه سوى النتائج المستفادة من التجربة. وقسَّم المواد الكيميائية إلى أربعة : معدنية، ونباتية، وحيوانية ومشتقة.
كان الرازي من أوائل من طبقوا معارفهم الكيميائية في مجال الطب والعلاج، وكان ينسب الشفاء إلى إثارة تفاعل كيميائي في جسم المريض ؛ فهو أول من استعمل الكحول في تطهير الجروح، وابتكر طريقة جديدة لتحضير الكحول الجيد من المواد النشوية والسكرية المتخمرة. كما كان أول من أدخل الزئبق في المراهم. ★ تَصَفح: إسهام رازي في الصيدلة في هذه المقالة.
المأثور عند العرب أن أول عهدهم بالكيمياء والعلوم الطبيعية كان أيام خالد بن يزيد بن معاوية الملقب بحكيم آل مروان. ويذكر ابن خلكان أنه كان من أعلم قريش بفنون العلم، وله كلام في صنعة الكيمياء والطب. ويقال إن جعفر الصادق (ت148هـ، 765م) كان على علم بهذه الصنعة، وأن جابر بن حيان تعلّمها منه، ومع جابر انتقلت الكيمياء من طور الخرافة والطلاسم إلى طور العلم التجريبي، وارتقى العلم بعده على يد جهابذة آخرين أمثال الكندي، والرازي، وابن سينا وغيرهم. وكان إسهامهم في الكيمياء ذا شأن ؛ إذ أضافوا إليه أصالة البحث العلمي بإدخالهم التجربة العلمية والمشاهدات الدقيقة ؛ حتى ليكاد ينعقد الرأي، عند كثير من الباحثين الآن، أن المسلمين هم مؤسسو علم الكيمياء التجريبي ؛ فقد جعلوه يقوم على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية.
إسهام جابر بن حَيّان. يعد جابر بن حيان (ت 200هـ،815م) مؤسس علم الكيمياء التجريبي، فهو أول من استخلص معلوماته الكيميائية من خلال التجارب، والاستقراء، والاستنتاج العلمي. وكان غزير الإنتاج والاكتشافات، حتى أن الكيمياء اقترنت باسمه فقالوا : كيمياء جابر، والكيمياء لجابر، وقالوا : علم جابر أو صنعة جابر. وكانت أعماله القائمة على التجربة المعملية أهم محاولة جادة قامت آنذاك لدراسة الطبيعة دراسة علمية دقيقة. فهو أول من بشَّر بالمنهج التجريبي المخبري، ومن نصائحه لطلابه في هذا الصدد: "أول واجب أن تعمل وتجري تجارب ؛ لأن من لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان. فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة". وتكاد الإجراءات التي كان يتبعها في أبحاثه تطابق ما يقوم به المشتغلون بالمنهج العلمي اليوم ؛ وتتلخص إجراءاته في خطوات ثلاث: 1ـ أن يأتي الكيميائي بفرض يفرضه من خلال مشاهداته، وذلك حتى يفسر الظاهرة التي يريد تفسيرها و 2ـ أن يستنبط مما افترضه نتائج تترتب عليه نظريًا، و 3ـ أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليتثبت ما إذا كانت ستصدق على مشاهداته الجديدة أم لا ؛ فإن صدقت تحولت الفرضية إلى قانون علمي يُعوَّل عليه في التنبؤ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة إذا توافرت ظروف بعينها.
قام جابر بإجراء كثير من العمليات المخبرية، كان بعضها معروفًا من قبل فطوَّره، وأدخل عمليات جديدة. من الوسائل التي استخدمها: التّبخّر، والتكليس، والتقطير، والتبلر، والتصعيد، والترشيح، والصهر، والتكثيف، والإذابة. ودرس خواص بعض المواد دراسة دقيقة ؛ فتعرف على أيون الفضة النشادري المعقد. كما قام بتحضير عدد كبير من المواد الكيميائية ؛ فهو أول من حضَّر حمض الكبريتيك التقطير من الشب. وحضّر أكسيد الزئبق، وحمض النتريك ؛ أي ماء الفضة، وكان يسميه الماء المحلل أو ماء النار، وحضر حمض الكلوريدريك المسمّى بروح الملح. وهو أول من اكتشف الصودا الكاوية، وأول من استخرج نترات الفضة وقد سمّاها حجر جهنم، وثاني كلوريد الزئبق (السليماني)، وحمض النتروهيدروكلوريك (الماء الملكي)، وسمِّي كذلك لأنه يذيب الذهب ملك المعادن. وهو أول من لاحظ رواسب كلوريد الفضة عند إضافة ملح الطعام إلى نترات الفضة. كما استخدم الشب في تثبيت الأصباغ في الأقمشة، وحضّر بعض المواد التي تمنع الثياب من البلل ؛ وهذه المواد هي أملاح الألومنيوم المشتقة من الأحماض العضوية ذات الأجزاء الهيدروكربونية. ومن استنتاجاته أن اللهب يكسب النحاس اللون الأزرق، بينما يكسب النحاس اللهب لونًا أخضر. وهو أول من فصل الذهب عن الفضة بالحل بوساطة الحمض، وشرح بالتفصيل عملية تحضير الزرنيخ، والإثمد (الأنتيمون)، وتنقية المعادن، وصبغ الأقمشة، ويعزى إلى جابر أنه أول من استعمل الميزان الحساس والأوزان المتناهية الدقة في تجاربه المخبرية ؛ وقد وزن مقادير يقل وزنها عن1/100 من الرطل. وينسب إليه تحضير مركبات كل من كربونات البوتاسيوم والصوديوم والرصاص القاعدي والإثمد (الأنتيمون)، كما استخدم ثاني أكسيد المنجنيز لإزالة الألوان في صناعة الزجاج. كما بلور جابر النظرية التي مفادها أن الاتحاد الكيميائي يتم باتصال ذرات العناصر المتفاعلة مع بعضها. ومثّل على ذلك بكل من الزئبق والكبريت عندما يتحدان ويكونان مادة جديدة.
تدل العمليات الكيميائية التي أوردها جابر في مؤلفاته على براعته في الكيمياء وإبداعه في تصميم الأفران والبوتقات، ولا شك أنه لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه إلا بفضل تجاربه المخبرية. وقد كان يجري معظم هذه التجارب في مختبر خاص اكتشف في أنقاض مدينة الكوفة في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي ؛ وهو أشبه بالقبو في مكان منعزل بعيدًا عن أعين الفضوليين، وبه من الأثاث: منضدة وقوارير، وأفران، وموقد، وهاون، وبعض الأدوات مثل الماشق (الماسك)، والمقرض، والملعقة، والمبرد، والقمع، والراووق (المصفاة)، وأحواض، وإسفنجة، وآلة تكليس، وقطّارة، ومعدات للتقطير، وميزان وإنبيق وغيرها.
ولجابر بن حيان مؤلفات ورسائل كثيرة في الكيمياء. وأشهر هذه المؤلفات كتاب السموم ودفع مضارها، وفيه قسَّم السموم إلى حيوانية، ونباتية وحجرية، وذكر الأدوية المضادة لها وتفاعلها في الجسم ؛ وكتاب التدابير ؛ وتعني التدابير في ذلك الوقت العمل القائم على التجربة، وكتاب الموازين وكتاب الحديد ؛ وفيه يصف جابر عملية استخراج الحديد الصلب من خاماته الأولى. كما يصف كيفية صنع الفولاذ بوساطة الصهر بالبواتق، ومن كتبه كذلك نهاية الإتقان، و رسالة في الأفران. وتُشكل مجموعة الكتب التي تحمل اسم جابر بن حيان موسوعة تحتوي على خلاصة ما توصل إليه علم الكيمياء حتى عصره. وقد تَرْجم معظم كتبه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي روبرت الشستري (ت 539هـ، 1144م) وجيرار الكريموني (ت 583هـ، 1187م) وغيرهما. ومثّلت مصنفاته المترجمة الركيزة التي انطلق منها علم الكيمياء الحديث في العالم.
إسهام الكندي. كان يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 260هـ، 873م) أول من وقف معارضًا بشدة مقولة الكيميائيين بإمكان تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن ثمينة. وألف في ذلك رسالة في بطلان دعوى المدعين صنعة الذهب والفضة وخدعهم، وكذلك رسالة أخرى في التنبيه على خدع الكيميائيين. وقد ألف في الكيمياء، إلى جانب الرسالتين السابقتين، مؤلفات أخرى منها: رسالة في العطر وأنواعه ؛ تلويح الزجاج ؛ رسالة فيما يطرح على الحديد والسيوف حتى لا تتثلّم ولا تكل ؛ رسالة في صنع أطعمة من غير عناصرها ؛ رسالة فيما يصبغ فيعطي لونًا ؛ قلع الآثار عن الثياب ؛ وتشتمل على بعض المواد الكيميائية المستخدمة حاليًا في تنظيف الثياب وإزالة البقع منها. أما كتابه كيمياء العطر والتصعيدات فيورد فيه الكثير من أنواع العطور التي يشتقها من عطر واحد ؛ فبعد أن يستخلص العطر من مصدره الطبيعي، يأخذ مقدارًا ضئيلاً ويعالجه بمواد أخرى ليحصل على مقدار أكبر من العطر نفسه. بدأ كتابه بطُرُق صنع المسك ومجموعة أخرى من العطور المشهورة في وقته، تحدّث في طرق الحصول على هذه العطور عن عمليات كيميائية عديدة كالتقطير والترشيح والتصعيد.
حضّر الكندي أنواعًا من الحديد الفولاذ بأسلوب المزج والصهر ؛ وهي طريقة لا زالت تستخدم حتى وقتنا الحاضر بنجاح. يتلخص هذا الأسلوب في مزج كميتين معلومتين من الحديد النرماهن (المطاوع) والحديد الشبرقان (الحديد الصلب). ويصهران معًا ثم يسخنان إلى درجة حرارة معلومة وخلال مدة زمنية مناسبة بحيث يكون الحديد الناتج محتويًا على نسبة من الكربون لا تقل عن 0,5% ولا تزيد كثيرًا على 1,5%. واستخدم الكندي أشهر السموم المعدنية المعروفة في وقتنا الراهن ؛ وهي التي تتكون من أيون السيانيد الموجود في ورق نبات الدفلي، وكذلك الزرنيخ الأصفر. فقد ذكر الكندي وصفة لتلوين حديد السيوف والسكاكين يدخل في تركيبها بعض المواد العضوية والأعشاب، من بينها نبات الدفلي الذي ثبت أن السم فيه عالي التركيز لاحتوائه على مقدار كبير نسبياً من سيانيد الصوديوم أو البوتاسيوم، ويكسب الحديد لونًا أحمر يضرب إلى الزرقة.
قام كل من أرنالدوس وجيرار الكريموني بترجمة كتب الكندي في مجال الكيمياء والصيدلة إلى اللغة اللاتينية، وقال عنه الأخير إنه كان "خصب القريحة، وإنه فريد عصره في معرفة العلوم بأسرها".
إسهام الرازي. كانت لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت 311هـ، 923م) إسهامات كبيرة في الكيمياء، ويعود له الفضل في تحويل الكيمياء القديمة (كيمياء جابر) إلى علم الكيمياء الحديث، وكانت مصنفاته أول المصنفات الكيميائية في تاريخ هذا العلم. وعلى الرغم من أن أستاذه جابر بن حيان كان أول من بشَّر بالمنهج التجريبي ؛ إلا أنه كان يخلط ذلك بأوهام الرمزية والتنجيم. أما الرازي فقد تجرّد عن الغموض والإيهام وعالج المواد الطبيعية من منظور حقيقتها الشكلية الخارجية دون مدلولها الرمزي. ولذا كان الرازي بطبيعة الأمر أوسع علمًا وأكثر تجربة وأدق تصنيفًا للمواد من أستاذه. ونستطيع أن نقول : إنه الرائد الأول في هذا العلم، وذلك في ضوء اتجاهه العلمي، وحرصه على التحليل وترتيب العمل المخبري، وكذلك في ضوء ما وصف من عقاقير وآلات وأدوات.
عكف الرازي ـ إلى جانب عمله التطبيقي في الطب والصيدلة والكيمياء ـ على التأليف ؛ وصنَّف ما يربو على 220 مؤلفًا ما بين كتاب ورسالة ومقالة. وأشهر مصنفاته في حقل الكيمياء سر الأسرار نقله جيرار الكريموني إلى اللاتينية، وبقيت أوروبا تعتمده في مدارسها وجامعاتها زمنًا طويلاً. بيًَّن في هذا الكتاب المنهج الذي يتبعه في إجراء تجاربه ؛ فكان يبتدئ على الدوام بوصف المواد التي يعالجها ويطلق عليها المعرفة، ثم يصف الأدوات والآلات التي يستعين بها في تجاربه ؛ وسماها معرفة الآلات، ثم يشرح بالتفصيل أساليبه في التجربة وسماها معرفة التدابير. ولعل براعة الرازي في حقل الطب جعلته ينبغ في حقل الكيمياء والصيدلة ؛ إذ كان لابد للطبيب البارع آنذاك أن يقوم بتحضير الأدوية المركبة، ولا يمكن تحضير هذه المركبات إلا عن طريق التجربة المعملية. ويبين سر الأسرار ميل الرازي الكبير واهتمامه العميق بالكيمياء العملية، وترجيح الجانب التطبيقي على التأمل النظري، ولا يورد فيه سوى النتائج المستفادة من التجربة. وقسَّم المواد الكيميائية إلى أربعة : معدنية، ونباتية، وحيوانية ومشتقة.
كان الرازي من أوائل من طبقوا معارفهم الكيميائية في مجال الطب والعلاج، وكان ينسب الشفاء إلى إثارة تفاعل كيميائي في جسم المريض ؛ فهو أول من استعمل الكحول في تطهير الجروح، وابتكر طريقة جديدة لتحضير الكحول الجيد من المواد النشوية والسكرية المتخمرة. كما كان أول من أدخل الزئبق في المراهم. ★ تَصَفح: إسهام رازي في الصيدلة في هذه المقالة.
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
أشهر الكيميائيين، وأهم مؤلفاتهم | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|