إبراهيم الخليل وفق علم التاريخ والحقائق الأثرية
بشار خليف
ابراهيم كاسم علم نجده في الكتابات القديمة إن كان في بابل أو ماري أو وثائق مصر . فقد حوت وثائق بابل على تسمية أبراهام أو أبرام بصيغة (( أباراما )) و (( أبام راما )) .كما نجد الاسم في الوثائق المصرية التي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد حيث يرد ذكر اسم مزرعة (( مزرعة أبرام )) في جنوب بلاد كنعان . كذلك نجد أن الوثائق الآشورية العائدة للألف الأول قبل الميلاد تذكر اسم (( أبرام – أبرامو )) . وتذكر لنا وثيقة عثر عليها في مدينة لارسا الرافدية تعود إلى عهد حمورابي اسم شخص يدعى أهوبا بن اسماعيل .
دلت الأبحاث التاريخية الحديثة المستندة على أحدث المكتشفات الأثرية على جملة معطيات حول قبيلة ابراهيم ويمكننا استعراضها كما يلي :
تارح وهو والد إبراهيم كان من مدينة أور في جنوب الرافدين ، هذه المدينة التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد . كان رجلا غنيا يعتمد على رعي الماشية ومن ثم مارس العمل التجاري كون أور كانت تشكل محطة تجارية مهمة على الخط التجاري الواصل بين الخليج العربي والمشرق العربي ومصر .
كانت مدينة أور مركزا لعبادة الإله سن \ إله القمر \ وقد أبانت الحفريات الأثرية عن زقورتها المخصصة لعبادة هذا الإله ، وبطبيعة الحال كان اعتقاد تارح يقوم على عبادة إله القمر .
الخط التجاري كان يقود من الخليج العربي إلى الأعلى عبر أور وبمحاذاة الفرات ثم ينعطف بحدة في منطقة حران ليتجه إلى الجنوب الغربي مارا قرب مدينة قادش ودمشق ويمد عبر أرض كنعان عبر الساحل السوري ليصل في النهاية إلى الحدود المصرية . وعبر هذا الخط يمكننا تتبع رحلة إبراهيم الخليل فيما بعد من حران إلى أرض كنعان فمصر .
يبدو أن الأوضاع السياسية في مدينة أور غير المستقرة والناتجة عن الصراعات السياسية في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد وبداية الألف الثاني ، أدت إلى انهيار النشاط التجاري ما دفع تارح إلى الانتقال نحو حران العاصمة التجارية المهمة أيضا وكذلك كونها مركزا لعبادة اله القمر بعد أور . وتشير المعطيات إلى أن صراعا خفيا نشأ بن معتنقي عبادة القمر وبين الإله القومي الجديد لبابل \ مردوخ \ حيث أن السلالة البابلية التي سيكون منها الملك حمورابي كان مشروعها السياسي التوحيدي لبلاد الرافدين يستوجب وجود إله شامل يضم كافة المدن والمعتقدات تحت لواءه .
انتقل تارح إلى حران والتفت الى نشاطه التجاري في حين سلم شؤون الماشية إلى ولديه إبراهيم وناحور أما الولد الثالث لتارح \ هاران \ فقد عاجله الموت .
مضى ابراهيم في حياة الرعي والتنقل وما يرافقها من حالات التأمل والوحدة والتفكير في الكون والسماء ما أدى به إلى اهتزاز في عبادة القمر التي نشأ عليها وانبثقت لديه فكرة أن خالق القمر والشمس والنجوم يجب أن يكون إلها وحيدا كلي القدرة موجود في كل مكان وزمان ، رحيم عطوف غير منظور ، مضى إبراهيم في نشر معتقده التوحيدي الجديد وسط انزعاج والده وأخيه وباقي سكان المدينة غير أنه استطاع ضم أتباع له ورغم هذا أمكن الحفاظ على وحدة العشيرة ولو ظاهريا لحين وفاة تارح الأب ، حينها اقتسم إبراهيم وناحور تركة أبيهما وانقسمت العشيرة إلى قسمين ، قسم يعبد إله القمر على خطى الأب وقسم يدين بالتوحيد بقيادة إبراهيم .
وكون أن العقيدة الجديدة لا يمكنها أن تخصب في بيئة معتقدية قديمة ومحدودة فقد ارتأى إبراهيم الهجرة إلى أرض كنعان ، وكان ذلك ، حيث مضى في مسار خط التجارة لمسافة ألف كيلومتر عابرا قادش ودمشق ثم أرض كنعان ، وهنا في كنعان وبعد حصول جفاف مضى الى مصر التي كانت تمنح المهاجرين من القبائل مساحات من الأراضي عند مراعي مصب النيل المهجورة .
ويبدو أن إبراهيم عاد إلى فلسطين بعد ذلك ليسكن في منطقة حبرون وهي اليوم الخليل ، ولعل انعدام الوثائق الأثرية في شبه الجزيرة العربية للفترة تلك عتمت على قيام إبراهيم بالذهاب إلى مكة وقد تم ذكر هذا في القرآن الكريم .
في هوية إبراهيم الخليل :
معظم المعطيات تشير إلى أن إبراهيم ظهر في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، والحقيقة أن منذ ما قبل الألف الثاني قبل الميلاد بقليل أصبحت الهوية الاجتماعية الحضارية في المشرق العربي عمورية بالكامل تمظهرت بعدة تسميات حسب المدن آنذاك \ بابل ، آشور ، أكد ، ماري ، إبلا ..الخ \ وعليه فنحن نعتقد أن إبراهيم عموري ونستند في ذلك على أن تارح والده من مدينة أور التي شهدت في نهاية الألف الثالث انهيار سلالتها السومرية لصالح الفاعلية العمورية المنتشرة فيها وفي محيطها . ويشير الدكتور أحمد سوسه في مؤلفه (( العرب واليهود في التاريخ )) إلى أن أسماء أبرام ويعقوب ويوسف وحتى تسمية إسرائيل التي تعني يعقوب هي أسماء كنعانية \ عمورية أصيلة تعود إلى ماقبل الألف الثاني قبل الميلاد ، وهي أسماء روحانية مقدسة .
وكون أن مدينة ماري كانت العاصمة الحقيقية للعموريين في استقرارهم وارتحالهم في الألف الثاني قبل الميلاد وما قبله ، فقد شملت مملكتها مدينة حران أيضا . وقد أبانت وثائق ماري عن اكتشافات قلبت المعارف السائدة لجهة التسميات التوراتية لعصر الآباء ، فقد حوت وثائقها أسماء وردت في التوراة مثل : ناحور، تاراحي ، ساروخي ، تاليكي ، هذه الأسماء التي تتشابه مع أسماء أقارب إبراهيم : ناحور ، تارح ، سيروح ، تاليك . كما أن وثائق ماري تحدثت عن قبائل أبام – رام ، يعقوب – ادبل ، وعن قبيلة تدعى نبيامين \ بنو يمين \ التي كانت تسبب القلائل لماري و استطاعت ماري في النهاية من ايجاد التفاهم معها طبقاً لمصالحها .
والذي يبدو أن أسماء الآباء الأوائل الواردة في التوراة ما هي في واقع الحال سوى أسماء قبائل ومدن أسستها هذه القبائل ، وأن إبراهيم نفسه وحفيده يعقوب وأصغر أبناء هذا الأخير بنيامين لهم علاقة مباشرة بأسماء هذه القبائل .
ويشير كاسيدوفسكي في كتابه ( الواقع والأسطورة في التوراة ) إلى أن القبائل التي سكنت أرض الكنعانيين في أيام إبراهيم تنتسب في أكثرها إلى الساميين الغربيين \ العموريين \ .
هذا ما يمكن استعراضه من الوثائق الأثرية التي تختص بسيرة إبراهيم الخليل والتي لم تقدم سوى رؤيا ايجابية عن شخصيته أساسها الرؤيا التوحيدية .
لكن ما قدمه كتاب التوراة \ الأسفار الخمسة الأولى \ من معلومات تختص بعصر الآباء وإبراهيم بالذات يدفعنا إلى الوقوف بحذر تجاه تلك المعلومات التي جرى تحويرها وتشويه بعضها بما يناسب رغبة وهدف الأحبار اليهود الذين كتبوا التوراة في فترة السبي البابلي وما بعدها قي حوالي منتصف الألف الأول قبل الميلاد .
ويشير كاسيدفسكي إلى أن التوراة ظهرت في وقت متأخر نسبيا عن زمن إبراهيم وذلك بعد عودة اليهود من السبي البابلي ، أي في الفترة الواقعة بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد .
وانطلاقا من دوافع الأحبار الدينية عمدوا إلى تغيير التراث التاريخي التقليدي فحذفوا منه كل ما لم يتفق مع مصالحهم ورؤياهم وأضافوا إليه أفكارهم الخاصة ، فالأحبار لم يكونوا المؤلفين الأصليين بل هم محررون اقتبسوا النصوص القديمة . وقد بين التحليل العميق للتوراة أن نصوصه يضم ثلاث طبقات واضحة ، أول قسم منها قد كتب في القرن التاسع قبل الميلاد وسمته الرئيسية هي أن مؤلفيه استخدموا كلمة الوهيم للدلالة على الله ، بينما استخدمت في النصوص التي ترجع الى القرن الثامن قبل الميلاد كلمة يهوة ، وفي القرن السابع دمج القسمان في نص واحد حيث نجد أن مؤلفي النص الجديد قد استخدموا كلمة الوهيم ويهوة بالتناوب .
ويختم بالقول : لقد تناقل اليهود هذا التراث من لسان إلى لسان ومن جيل إلى جيل وساهم الطابع الفولكلوري نقل الروايات الحقيقية وتطعيمها بالكثير من الخرافات والأساطير والأمثال .
والذي بيدو أن الأحبار في فترة السبي الفاقدين للأرض والمعانين من عقدة السبي عمدوا إلى استعارة قصة إبراهيم العموري وألصقوها بتاريخهم محققين بذلك هدفين :
الأول : إعادة تاريخهم إلى فترة مطلع الألف الثاني قبل الميلاد عبر الانتماء إلى سلالة إبراهيم .
الثاني : ربط الأرض الموعودة \ فلسطين \ بوعد إلهي \ من يهوه \ لإبراهيم .
الثالث : الشخصية الإبراهيمية في التوراة شخصية لا تنتمي لروحية الأنبياء حيث جرى إظهارها بمظهر سلبي لا يليق بنبي ، وهذا يذكر بما قدمته التوراة عن شخصية نوح السكيرة أيضا .
وعلى هذا نتابع ماورد في التوراة عن إبراهيم التوراتي \ وليس إبراهيم الحنفي \ .
ابراهيم الخليل في كتاب التوراة :
- جاء في سفر التكوين- الإصحاح الحادي عشر- من 1 إلى 26, ذكر لمواليد سام, انتهت سلسلتها بمواليد تارح الذي ولد أبرام وناحور وهاران- وولد هاران لوطاً ومات هاران في أرض ميلاده في أور الكلدانيين.
- ثم تزوج أبرام سراي, وناحور مَلْكة بنت هاران. وأخذ تارح أبرام ابنه ولوطاً بن هاران وسراي كنته وخرجوا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك. ولقد مات تارح في حاران.
- وفي الإصحاح الثاني عشر جاء أن الرب قال لأبرام " اذهب من رضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. وهكذا ذهب أبرام من حاران إلى أرض فلسطين إلى مكان شكيم يدعى بلوطة مورة.
- وعندئذ ظهر الرب لأبرام وقال له: لنسلك أعطي هذه الأرض". فبنى هناك مذبحاً للرب.
- ثم انتقل إلى جبل شرقي بيت ايل ونصب خيمته. ثم ارتحل ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب.
- " وحدث جوع في الأرض فانحدر أبرام إلى مصر " وقبل دخوله مصر خشي على زوجته التي كانت جميلة جداً. فقال لها " إني قد علمت أنك امرأة حسنة المظهر فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك. قولي أنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك ". وهكذا تم فعلاً ودخلت سارة على فرعون بصفتها أخت أبرام...
- وبعد ذلك ضرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب سراي امرأة أبرام التي أخذها زوجة له.
- وإذ علم فرعون أن سراي هي زوجة أبرام وليست أخته وبّخه على ما فعل وأعادها إليه. ثم طرده وأخذ أبرام كل ما كان لديه وكان غنياً جداً بسبب سراي.
- ( الإصحاح الثالث عشر): ارتحل أبرام من مصر عائداً إلى الجنوب إلى بيت ايل مكان خيمته الأولى وكان معه لوط وكان لهما غنم وبقر وخيام.
- ولما ضاقت المراعي بمواشي أبرام ولوط تقاسما الأرض حتى لا تقع خصومة بينهما, فاختص لوط بدائرة الأردن وأبرام بقسم من أرض كنعان. وكان ذلك قبل خراب سدوم وعامورة.
- تجلى الرب لأبرام ووعده بالأرض الذي هو عليها وأقام بعدئذ في موقع بلوطات ممرا في حبرون.
- ( الإصحاح الرابع عشر ) : في أيام امرافل, ملك شنعار وثلاثة ملوك من حلفائه غزا هؤلاء الملوك أراضي ملوك سادوم وعامورة وادمة وهبوئيم وتغلبوا عليهم, وحكموا المنطقة أربع عشرة سنة. ثم اجتمع ملك سادوم وحلفاؤه وشنوا حرباً مضادة مع كدرلعومر وحلفائه أدت إلى انكسارهم فعربوا ولكن لوطاً وقع أسيراً بين أيدي كدلعومر.
- ولما وصل الخبر إلى أبرام جمع غلمانه المتمرنين وعددهم ثلاث مئة وثمانية عشر, وُلدان بيته وتبع الملوك المنتصرين إلى دان حيث كسرهم مسترجعاً لوطاً وكل الأملاك التي حصل عليها.
- بعد هذا النصر كان من بين مستقبلي أبرام ملكي صادق ملك شاليم ( أورشليم ) الذي أخرج خبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي. وبارك أبرام.
الإصحاح الخامس عشر :
- بعد هذه الأحداث تضرع أبرام للرب كي يمنحه ولداً حتى لا يكون أليعازر الدمشقي وريثه. فوعده الرب بمولود, كما وعده بأن ملكه سيمتد من نهر مصر إلى النهر الكبير, نهر الفرات, إذ ينتصر على القينيين و القنزيين و القدمونيين و الحثيين و الفرزيين و الرفائيين و الأموريين و الكنعانيين و الجرجاشيين و اليبوسيين.
وفي هذا المجال أيضاً حريّ بنا الإشارة إلى ما ورد في سفر التكوين التوراتي – الأصحاح 18 حيث أن يهوه التوراتي وشخصيتان قدسيتان / ملاكان / زاروا ابراهيم التوراتي الذي كان حزيناً لأن لا ولد لديه حيث يعده يهوه / الإله الزائر !/ بولد سوف يأتي.
في موازاة هذه القصة نقرأ في ملحمة أقهت ابن دانيال الأجاريتية والتي تعود إلى الثلث الأخير من الألف الثاني قبل الميلاد أي قبل كتابة التوراة بحوالي ألف سنة، أن الإله بعل يظهر لدانيال الحزين لعدم وجود ابن لديه حيث يعده بعل بولد يسميه أقهت.
الفارق بين الوثيقة الأجاريتية والقصة التوراتية هو أن ابراهيم التوراتي كان يجلس أمام خيمته، في حين أن دانيال كان يجلس أمام بيته تبعاً لثقافة الشخصيتين.
الإصحاح السادس عشر:
ولما كانت سراي عاقراً دفعت بأبرام إلى حضن جاريته هاجر التي أتت معه من مصر فحبلت منه.
إثر هذا الحبل غارت ساراي من هاجر فأوغرت صدر أبرام وأدى به ذلك إلى عدم وجود حل لهذا الخلاف مما أدى إلى هرب هاجر نحو بلاد شور. وفي الطريق تراءى لها ملاك الرب فأمرها بالعودة إلى بيتها وتأدية واجب الطاعة إلى مولاتها سراي. وقد أنبأ ملاك الرب أنها حبلى وستلد ابناً تدعوه إسماعيل وأنه يكون إنساناً وحشياً يده على كل واحد ويد كل واحد عليه وأمام جميع أخوته يسكن. فدعت اسم الرب لذي تكلم معها " أنت ايل رئي ". ودعيت البئر التي كانت عندها هاجر " بئر لحي رئي " وهي بين قادش وبارد.
ولدت هاجر ابناً دعي إسماعيل, وبعد ثلاث عشرة سنة ختن أبرام نفسه وإسماعيل وكل رجال بيته والمبتاعين بالفضة. وكان عمر أبرام وقتئذ تسع وتسعين سنة.
الإصحاح الثامن عشر:
- وفي سن التسع والتسعين ظهر الرب لأبرام ووعده بأن يكون أباً لجمهر من الأمم ولذلك يصبح اسمه إبراهيم بدلاً من أبرام وكذلك زوجته ساراي تدعى منذ الآن سارة. كما وعده بأن تلد له سارة ابناً يدعوه اسحق.
الإصحاح التاسع عشر:
- بعد خراب سادوم وعامورة صعد لوط إلى الجبل ومعه ابنتاه..
وهناك حسن للبنت البكر أن تضطجع مع أبيها فاضطجعت معه بعد أن أسكرته وفي الليلة الثانية عملت مثلها البنت الأصغر فولدت البكر ولداً أسمته "مؤاب" وقد أصبح أبا الموأبيين والصغر ولدت ابناً أسمته " بني عمي " أصبح أبا بني عمون.
الإصحاح العشرون:
- وانتقل إبراهيم إلى منطقة جرار في الجنوب ما بين قادش وشور و تغرب في جرار, في ظل ملكها ابيمالك. ولدى ابيمالك كرر إبراهيم مع هذا الملك ما سبق وفعله مع فرعون بالنسبة لسارة مدعياً أنها أخته. بعد ثلاثة أيام من انتقال سارة لعند ابيمالك أوحى الله لهذا الملك بحقيقة سارة أنها زوجة إبراهيم وليست أخته فأحضره وبعد أن وبخه طرده من عنده وأعطاه غنماً وبقراً وعبيداً وإماء...
الإصحاح الحادي والعشرون:
بعد ذلك حبلت سارة وولدت لابراهيم في شيخوخته ابناً أسماه إسحق وكان وقتئذ عمر إبراهيم مئة سنة.
رأت سارة ابن هاجر المصرية يمزح فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها وكان الله إلى جانب سارة في طلبها هذا فأذعن إبراهيم لهذا الأمر وفي الغد الباكر أعطى هاجر خبزاً وقربة ماء وطردها من بيته فمضت وتاهت في برية بئر سبع. وكان الله مع الغلام حيث شب في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر.
الإصحاح الثاني والعشرون:
بعد هذه الأحداث أراد الله امتحان إبراهيم فطلب منه أخذ ابنه إسحق إلى أرض المريا ليقدمه محرقة لله. فبادر إبراهيم إلى تنفيذ ما طلب الرب, ولكن ما إن باشر بإعداد المحرقة حتى رأى بالقرب منه خروفاً فدية من الله عن إسحق.
الإصحاح الثالث والعشرون:
- عاشت سارة مئة وسبعاً وعشرين سنة ثم ماتت فطلب إبراهيم من بني حث أن يسمحوا له بدفن زوجته في أرضهم بثمن أربع مئة شاقل من الفضة. وهكذا تم ودفنت سارة في حقل عفرون في المكفيلة, التي هي أرض حبرون في أرض كنعان.
الإصحاح الرابع والعشرون:
- بعد أن شاخ إبراهيم طلب من عبده أن يأتيه من مدينة ناحور في آرام النهرين زوجة لابنه إسحق لأنه لم يشأ أن يزوجه من بنات كنعان وإنما بواحدة من أهل بيته.
- ذهب العبد إلى آرام النهرين, إلى مدينة ناحور حيث وقع اختياره على رفقة بنت بتوئيل ابن ملكة امرأة ناحور أخي إبراهيم وتم الوفاق برضاها أن تكون زوجة لإسحق وقبل أخوها "لابان" كما قبل أبوعل بتوئيل.
- إثر عودة العبد إلى أرض الجنوب حيث كان يقيم إسحق تعرف إلى رفقة وسرّ بها ثم تزوجها وأدخلها إلى خباء أمه...
الإصحاح الخامس والعشرون:
- وعاد إبراهيم فأخذ زوجة له اسمها قطورة فولدت له: زمران و يقشان و مدان و مديان و يشباق و شوحا. ومن ثم أعطى إبراهيم كل ما كان له وأبعد إسحق عن بني السراري اللواتي كانت لإبراهيم, أن صرفهم شرقاً إلى أرض المشرق.
- عاش إبراهيم مئة وخمس وسبعون سنة. بعد وفاته دفنه ابناه إسحق وإسماعيل في مغارة المكفيلة في حقل عفرون الحتي أمام ممرا ذلك الحقل الذي سبق واشتراه إبراهيم ودفن فيه سارة.
- لما تزوج إسحق كان له من العمر أربعون سنة. وقد ولدت له رفقة توأمين الولد الأول كان عيسو والثاني كان يعقوب.
- كبر الغلامان وكان عيسو يعرف الصيد وشديد البأس وأما يعقوب فكان هادئاً يسكن الخيام. وفي أحد الأيام أعد يعقوب طبيخاً وعند عودة عيسو طلب من أخيه أن يأكل من هذا الأحمر ولذلك دعي آدوم فاشترط عليه يعقوب أن يبيعه الباكورة, فقبل عيسو زاهداً فيها.
وقد ورد في ً وثائق أجاريت ذكر لما يسمى بحق البكورة، حيث أن هذا التقليد يعبّر عن أن الابن الأكبر في العائلة له نصيب مضاعف وله وضع متميز بالبيت والعائلة الكنعانية، كونه هو الذي سيقدم العون لوالديه في سن الشيخوخة وهذا التصور عائد إلى الخلفية الكنعانية التي تعتبر أن الابن البكر يخص الإله أي أنه يتمتع بسمات مقدسة تميزه عن باقي الأخوة.
وتقتضي الأعراف الكنعانية بأن الأب يستطيع أن يحرم ابنه البكر من حق البكورة هذا إذا اقترف هذا الابن جريمة بحق أبيه / سرقة – عدم احترام..الخ /.
نلاحظ أن هذا التقليد الأوغاريتي تم نقله إلى التوراة حين باع عيسو التوراتي البكورة ليعقوب لقاء صحن من العدس !.
الإصحاح السادس والعشرون:
- و كان في الأرض جوع فذهب اسحق إلى أبيمالك و معه زوجته رفقة و سأله أهل المكان ن امرأته فقال هي أختي . لأنه خاف أن يقول أمرأتي لعل أهل المكان يقتلونني من أجل رفقة لأنها كانت حسنة المظهر . و لما عرف أبيمالك بالأمر وبخه قائلاً : لولا قليل لاضطجع أحد الشعب منع أمرأتك فجلبت علينا ذنبا كبيراً . و أثر ذلك أوصى أبيمالك ألا يمس أحد رفقة و سمح لاسحق بالبقاء في أرض جرار حيث تعاظمت ثروته .
و لما كان عيسو ابن أربعين سنة اتخذ زوجة له يهوديت ابنة بيري الحي و بسنة ابنة ايلون الحثي فكانتا مرارة نفس لإسحق و رفقة .
الإصحاح السابع و العشرون
_ و حدث لما شاخ اسحق و كلت عيناه عن النظر, طلب من عيسو أن يذهب إلى البرية ليتصيد له و قال له : و عند عودتك اصنع لي أطعمة و أتني بها لأكل لأني أريد أن أباركك قبل أن أموت .
- اغتنمت رفقة هذه المناسبة, و كانت تحب يعقوب أكثر من عيسو فبعد عودة عيسو بالصيد الذي تصيده و في غيابه, لفّت رفقة على ذراع يعقوب جلود جديي معزى بحيث أصبح ذا شعر كثيف مثل عيسو وقدمته إلى إسحق تحت اسم عيسو ليباركه ولما لمس إسحق شعر ذراع يعقوب قال يعقوب: أنا عيسو وعند ذلك باركه.
- بعد ذلك عرف عيسو بالمؤامرة فاغتاظ و صرخ في وجه أبيه : باركني أنا أيضا فأحاب اسحق : لقد جاء أخوك بمكر و أخذ بركتك و هكذا حلت البركة نهائياً على يعقوب رغم كل ما فيها من مكر.
- حقد عيسو على يعقوب و فكر في قتله فما كان من رفقة إلا أن أبعدت يعقوب عن عيسو لعند أخيها لابان خاصة و أن اسحق أوصى بألا يتزوج من بنات كنعان.
الإصحاح الثامن و العشرون:
- و لما رأى عيسو أن اسحق بارك يعقوب و أرسه إلى فدان آرام ليأخذ لنفسه من هناك زوجة , ذهب إلى اسماعيل و أخذ محله بنت إسماعيل بن إبراهيم تبايوت زوجة له على نسائه .
الإصحاح التاسع و العشرون:
- ذهب يعقوب إلى فدان آرام حيث اجتمع بلابان و تعرف إلى راحيل ابنته و أعجب بها , و اشترط عليه لابان أن يخدمه سبع سنين مقابل راحيل و بعد نفاد هذه المدة أعطاه راحيل و لكن بدلا من أن يقدم ليلاً راحيل قدم له ليئة و لما احتج على هذه المعاملة فيما بعد قال لابان : لا يجوز أن تعطى الصغيرة قبل الكبيرة فإذا كنت راغباً أيضاً في راحيل فما عليك إلا أن تخدمني سبع سنين أخرى و هكذا تم . كما أن لابان منح يعقوب جاريته زلفة إلى ابنته كما أعطى بلهة جارية لراحيل.
الإصحاح الثلاثون:
حبلت ليئة وولدت ليعقوب أربعة بنين و أما راحيل فكانت عاقراً.
فألحت على يعقوب أن يدخل على جاريتها بَلْهة التي حبلت منه وولدت ابناً. وعند ذلك هدأ غضب راحيل و توالت مواليد يعقوب من جاريته حتى حبلت راحيل و ولدت يوسف واستمرت على هذا النحو ولادات أبناء يعقوب الإثني عشر وهم :
• من ليئة : راوبين , شمعون , لاوي , يهوذا , يساكر , زيلون
• من راحيل : يوسف و بنيامين
• من بلهة جارية راحيل : دان ــ نفتالي
• من زلفة جاريت ليئة : جاد ـــ اشير .
الإصحاح الثاني و الثلاثون:
ـــ قرر يعقوب العودة إلى بيت أبيه اسحق و لكنه كان يخشى أن يصيبه عيسو بمكروه فقدم له مئتي عنزة و عشرين تيساً و مئتي نعجة و عشرين كبشاً مسترضياً إياه. و لما شاهد عيسو أفراد ذرية يعقوب تعجب من كثرة عددهم و تفاهما على مكان الإقامة ليعقوب و أولاده , (( مكان مسكون )) .
و في أثناء العودة صارع يعقوب إنساناً حتى طلوع الفجر . و بعد ذلك بارك هذا الإنسان يعقوب و قال له لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله و الناس .
الإصحاح السابع و الثلاثون:
ـــ و سكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان . و كان يوسف بفضل ذكائه و أحلامه ذا حظوة عند أبيه فحسده أخوته على ذلك و قرروا قتله . و بينما هم يرعون غنمهم أقبل عليهم يوسف و عند وصوله حاولوا رميه في بئر و لكن قافلة اسماعيلية من مديان كانت في طريقها إلى مصر فباعوا يوسف أخاهم إلى هذه القافلة بعشرين من الفضة و أتت به إلى مصر . أما إخوة يوسف فأدعوا لدى أبيهم أن وحشاً رديئاً أكله .
الإصحاح الثامن و الثلاثون:
ـــ يهوذا يضطجع مع تامار كنته.
الإصحاح التاسع و الثلاثون:
ـــ سلك يوسف سلوكاً أخلاقياً ممتازاً في مصر و بفضل ذكائه تدرج في أعلى المنصب و كان مفسراً ماهراً للأحلام مما جعله الرجل الأول في بلاط فرعون.
الإصحاح الأربعون و ما بعده:
ـــ نزل أولاد يعقوب إلى مصر ليبتاعوا قمحاً و هناك تعرف إليهم يوسف و صفح عن الجرم الذي اقترفوه بحقه. ثم طلب والده و لما أتوا به خصهم بأرض في جاسان ليقيموا فيها و يرعوا غنمهم. و كان عدد أفراد ذرية يعقوب من بنات و بنين ثلاثة و ثلاثين.
الإصحاح الخمسون:
ـــ وقعت وفاة يعقوب في مصر وكان قد أوصى بأن يدفن مع ابراهيم و سارة و اسحق و رفقة . و هكذا تم فقد حنط جسده يوسف و بعد أربعين يوماُ نقلوه و من ثم و بعد سبعين يوماُ كانت قد مضت على بكائه , نفذ يوسف وصية والده و نقله إلى أرض كنعان.
وفي مقاربة تاريخية فكرية لشخصية إبراهيم كما وردت في التوراة ، يشير الدكتور كمال الصليبي في كتابه خفايا التوراة إلى وجود خمس شخصيات لإبراهيم \ أبرام \ في التوراة \ الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة لموسى \ .
فهناك : أبرام العبراني – أبرام الآرامي – أبرام سفر التكوين 15 – أبرام الشباعة – أبرام اليمن . وتختلف الصفات وأنماط الشخصية بين هذه الأبرامات حسب الجغرافيا التاريخية التي يقترحها الباحث. حيث يصل إلى نتيجة مفادها أن التقليد الكهنوتي وهو تقليد إسرائيلي متأخر أخذ الأبرامات الخمسة فجعل منها أبراما واحدا ، حيث أن بني إسرائيل مثلهم مثل سائر الشعوب التاريخية لم يكونوا شعبا واحدا في الأصل بل مجموعة قبائل مختلفة تم توحيدها على مراحل عن طريق الالتفاف والتحالف لسبب أو لآخر . وبذا أمكن جمع التقاليد المختلفة التي كانت عليها قبائل بني إسرائيل وتم تنسيقها حتى تظهر بمظهر التقليد الواحد ، وهكذا أصبح الجد الأعلى أي الأبرام لكل من العناصر المختلفة من شعب إسرائيل وهو المدعو أيضا أبراهام في النص القائم لسفر التكوين . والذي يبدو أن قصة أبرام كما ألفتها الأدبيات الدينية تختص بأبرام سفر التكوين 15 حسب الدكتور صليبي .
الجدير ذكره هنا ، هو أن اسم إبراهيم ورد في القرآن الكريم 41 مرة ، في حين أنه ورد باسم ابراهِم فقط في سورة البقرة 15 مرة ، ولم يرد الاسم بهذه الصيغة الكتابية \ دون ياء \ خارج سورة البقرة .
في المسيحية:
إن أقوال المسيح في إبراهيم الخليل هي المدوّنة في الأناجيل الأربعة وما يلحق بها من أقوال الرسل والحواريين وكل ذلك إنما هو خلاصة الرسالة الجديدة التي أتى بها السيد المسيح وأساسها المحبة. وفيما يلي نأتي على المواقع الكتابية التي جاء فيها ذكر لإبراهيم الخليل.
1-جاء في إنجيل لوقا الإصحاح السادس عشر : وذلك في مسألة الحياة بعد الموت فقد ضرب السيد المسيح مثل إبراهيم وألعازر والرجل الغني في العالم الآخر قال:" كان إنسان غني و كان يلبس الأرجوان و البز و هو يتنعم كل يوم في رفاهه. و كان مسكين اسمه ألعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح , و يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تأتي و تلحس قروحه, فمات المسكين و حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم و مات الغني أيضا و دفن فرفع عينيه في الجحيم و هو في العذاب و رأى إبراهيم من بعيد و ألعازر في حضنه فنادى و قال يا أبي إبراهيم ارحمني و أرسل ألعازر ليبل طرف إصبعه بماء و يبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب, فقال إبراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك و كذلك ألعازر البلايا و الآن هو يتعزى و أنت تتعذب ,و فوق هذا كله بيننا و بينكم هوة عظيمة قد أثبتت حتى أن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون و لا الذين من هناك يجتازون إلينا. فقال أسالك إذا يا أبت أن ترسله إلى بيت أبي. لأن لي خمسة أخوة حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضا إلى موضع العذاب هذا . قال له إبراهيم عندهم موسى و الأنبياء ليسمعوا منهم. فقال لا يا أبي إبراهيم بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى و الأنبياء و لا إن قام واحد من الأموات يصدقون, فما هم بمصدقيه".
2- وفي الإصحاح الثامن من إنجيل متى يقول السيد المسيح:
" الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا. و أقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق و المغارب و يتكئون مع إبراهيم و اسحق و يعقوب في ملكوت السماوات. و أما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية...".
3- ومن أقوال يوحنا المعمدان:
(( ..... اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة, ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم: لنا إبراهيم أباً, لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم )).
4- و من كلام السيد المسيح في إنجيل لوقا حيث جاء في الإصحاح الثالث عشر :
((فاني أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون من بعد أن يكون رب البيت قد قام و أغلق الباب و ابتدأتم تقفون خارجاً وتقرعون الباب قائلين يا رب! يا رب افتح لنا... يجيب و يقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم حينئذ تبتدئون تقولون أكلنا قدامك و شربنا و علمت في شوارعنا. فيقول اقول لكم لا أعرفكم من أين انتم تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم
هناك يكون البكاء و صرير الأسنان متى رأيتم إبراهيم واسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله و أنتم مطروحون خارجاً
و يأتون من المشارق و من المغارب و من الشمال و الجنوب و يتكئون في ملكوت الله
وهوذا آخرون يكونون أولين وأولون يكونون آخرين)) .
5- وفي الإصحاح الثاني من إنجيل يوحنا يقول المسيح لليهود الذين آمنوا به:
((إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي و تعرفون الحق و الحق يحرركم أجابوه: إننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لأحد قط كيف تقول أنت إنكم تصيرون أحرارا أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية و العبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد.
ثم قال: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. )) .
6 – و قال بولس أكثر من مرة : إن الختان لا يجعل الإنسان ابنا لإبراهيم و إنما أبناؤه من يسلكون في خطوات الإيمان , و أن إبراهيم أب لنا جميعاً و الله جعله أباً لأمم كثيرة .
هذا ما أتت به المسيحية في كتب العهد الجديد, عن إبراهيم الخليل. و الملاحظ أن هذه الكتابات لم تذكر شيئاً عن سيرة إبراهيم و ذريته فقد اقتصرت على اعتبار إبراهيم من أصحاب الرسالات الدينية الخالدين فاستحق بذلك ملكوت السموات و لذلك يردد المؤمن المسيحي: ((اجعلني يا الله في حضن إبراهيم)) وأما في الإسلام فقد أتى القرآن الكريم على سيرة إبراهيم بكثير من التفصيل بحيث أتت الآيات الكريمة وصفاً كاملاً لشخصية إبراهيم الفذة.
عند الصابئة :
يبلغ عدد المنتمين إلى الصابئة بضعة آلاف يقيمون في الأقاليم الجنوبية من العراق و يعتقد بعض المؤرخين أن وجودهم يرقى إلى عهد إبراهيم الخليل و منهم فئة تحج إلى حاران التي هاجر إليها إبراهيم .
و الصابئة مستقلة باللغة الدينية و الكتابة الأبجدية , حروفهم تشبه الحروف النبطية و يدّعون أن لغتهم هي الآرامية.
أما معتقداتهم فهي خليط من جميع الأديان , فلا يعرف دين من الأديان إلا و لهم فيه شعائر مشابهة لشعائر معتنقيه .
و المشهور عن الصابئة أنهم يوقرون الكعبة في مكة. وهم لا يؤمنون بالأنبياء إلا فرقة واحدة منهم تذكر شيتا و إدريس و إبراهيم و يحيى ( يوحنا المعمدان ) و هم يؤمنون بالله و باليوم الآخر و بالحساب و العقاب و بأن الأبرار يذهبون بعد الموت إلى عالم النور (( آلمي دنهورو )) و أن المذنبين يذهبون إلى عالم الظلام (( آلمي دهسوخا )) .
و كتابهم المقدس يسمى ((كنزه)) فهم يقدسونه و يخفونه, لذلك كانت المعلومات عن أسرار ديانة الصابئة قليلة جداُ فيما عدا خطوطها الكبرى و منها تقديسهم لإبراهيم الخليل.
المراجع :
- د . أحمد سوسة - العرب واليهود في التاريخ – العربي للنشر – دمشق ط1 -مغفل التاريخ .
- زينون كاسيدوفسكي – الواقع والأسطورة في التوراة – ت: حسان اسحق – دار الأبجدية – دمشق – 1990
- مفيد عرنوق – التوراة والتراث السوري – دار النضال – بيروت 1986
- د . بشار خليف - مملكة ماري وفق أحدث الكشوفات الأثرية – دار الرائي – دمشق 2005
- د. بشار خليف – العبرانيون في تاريخ المشرق العربي القديم – دار الرائي – دمشق – 2004
- كتاب التوراة .
- الإنجيل .
- كمال الصليبي – خفايا التوراة – دار الساقي – بيروت – ط6 – 2006
- اسحق شيفمان – ثقافة أجاريت – ت : حسان اسحاق – دار الأبجدية – دمشق – 1989.
بشار خليف
ابراهيم كاسم علم نجده في الكتابات القديمة إن كان في بابل أو ماري أو وثائق مصر . فقد حوت وثائق بابل على تسمية أبراهام أو أبرام بصيغة (( أباراما )) و (( أبام راما )) .كما نجد الاسم في الوثائق المصرية التي تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد حيث يرد ذكر اسم مزرعة (( مزرعة أبرام )) في جنوب بلاد كنعان . كذلك نجد أن الوثائق الآشورية العائدة للألف الأول قبل الميلاد تذكر اسم (( أبرام – أبرامو )) . وتذكر لنا وثيقة عثر عليها في مدينة لارسا الرافدية تعود إلى عهد حمورابي اسم شخص يدعى أهوبا بن اسماعيل .
دلت الأبحاث التاريخية الحديثة المستندة على أحدث المكتشفات الأثرية على جملة معطيات حول قبيلة ابراهيم ويمكننا استعراضها كما يلي :
تارح وهو والد إبراهيم كان من مدينة أور في جنوب الرافدين ، هذه المدينة التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد . كان رجلا غنيا يعتمد على رعي الماشية ومن ثم مارس العمل التجاري كون أور كانت تشكل محطة تجارية مهمة على الخط التجاري الواصل بين الخليج العربي والمشرق العربي ومصر .
كانت مدينة أور مركزا لعبادة الإله سن \ إله القمر \ وقد أبانت الحفريات الأثرية عن زقورتها المخصصة لعبادة هذا الإله ، وبطبيعة الحال كان اعتقاد تارح يقوم على عبادة إله القمر .
الخط التجاري كان يقود من الخليج العربي إلى الأعلى عبر أور وبمحاذاة الفرات ثم ينعطف بحدة في منطقة حران ليتجه إلى الجنوب الغربي مارا قرب مدينة قادش ودمشق ويمد عبر أرض كنعان عبر الساحل السوري ليصل في النهاية إلى الحدود المصرية . وعبر هذا الخط يمكننا تتبع رحلة إبراهيم الخليل فيما بعد من حران إلى أرض كنعان فمصر .
يبدو أن الأوضاع السياسية في مدينة أور غير المستقرة والناتجة عن الصراعات السياسية في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد وبداية الألف الثاني ، أدت إلى انهيار النشاط التجاري ما دفع تارح إلى الانتقال نحو حران العاصمة التجارية المهمة أيضا وكذلك كونها مركزا لعبادة اله القمر بعد أور . وتشير المعطيات إلى أن صراعا خفيا نشأ بن معتنقي عبادة القمر وبين الإله القومي الجديد لبابل \ مردوخ \ حيث أن السلالة البابلية التي سيكون منها الملك حمورابي كان مشروعها السياسي التوحيدي لبلاد الرافدين يستوجب وجود إله شامل يضم كافة المدن والمعتقدات تحت لواءه .
انتقل تارح إلى حران والتفت الى نشاطه التجاري في حين سلم شؤون الماشية إلى ولديه إبراهيم وناحور أما الولد الثالث لتارح \ هاران \ فقد عاجله الموت .
مضى ابراهيم في حياة الرعي والتنقل وما يرافقها من حالات التأمل والوحدة والتفكير في الكون والسماء ما أدى به إلى اهتزاز في عبادة القمر التي نشأ عليها وانبثقت لديه فكرة أن خالق القمر والشمس والنجوم يجب أن يكون إلها وحيدا كلي القدرة موجود في كل مكان وزمان ، رحيم عطوف غير منظور ، مضى إبراهيم في نشر معتقده التوحيدي الجديد وسط انزعاج والده وأخيه وباقي سكان المدينة غير أنه استطاع ضم أتباع له ورغم هذا أمكن الحفاظ على وحدة العشيرة ولو ظاهريا لحين وفاة تارح الأب ، حينها اقتسم إبراهيم وناحور تركة أبيهما وانقسمت العشيرة إلى قسمين ، قسم يعبد إله القمر على خطى الأب وقسم يدين بالتوحيد بقيادة إبراهيم .
وكون أن العقيدة الجديدة لا يمكنها أن تخصب في بيئة معتقدية قديمة ومحدودة فقد ارتأى إبراهيم الهجرة إلى أرض كنعان ، وكان ذلك ، حيث مضى في مسار خط التجارة لمسافة ألف كيلومتر عابرا قادش ودمشق ثم أرض كنعان ، وهنا في كنعان وبعد حصول جفاف مضى الى مصر التي كانت تمنح المهاجرين من القبائل مساحات من الأراضي عند مراعي مصب النيل المهجورة .
ويبدو أن إبراهيم عاد إلى فلسطين بعد ذلك ليسكن في منطقة حبرون وهي اليوم الخليل ، ولعل انعدام الوثائق الأثرية في شبه الجزيرة العربية للفترة تلك عتمت على قيام إبراهيم بالذهاب إلى مكة وقد تم ذكر هذا في القرآن الكريم .
في هوية إبراهيم الخليل :
معظم المعطيات تشير إلى أن إبراهيم ظهر في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، والحقيقة أن منذ ما قبل الألف الثاني قبل الميلاد بقليل أصبحت الهوية الاجتماعية الحضارية في المشرق العربي عمورية بالكامل تمظهرت بعدة تسميات حسب المدن آنذاك \ بابل ، آشور ، أكد ، ماري ، إبلا ..الخ \ وعليه فنحن نعتقد أن إبراهيم عموري ونستند في ذلك على أن تارح والده من مدينة أور التي شهدت في نهاية الألف الثالث انهيار سلالتها السومرية لصالح الفاعلية العمورية المنتشرة فيها وفي محيطها . ويشير الدكتور أحمد سوسه في مؤلفه (( العرب واليهود في التاريخ )) إلى أن أسماء أبرام ويعقوب ويوسف وحتى تسمية إسرائيل التي تعني يعقوب هي أسماء كنعانية \ عمورية أصيلة تعود إلى ماقبل الألف الثاني قبل الميلاد ، وهي أسماء روحانية مقدسة .
وكون أن مدينة ماري كانت العاصمة الحقيقية للعموريين في استقرارهم وارتحالهم في الألف الثاني قبل الميلاد وما قبله ، فقد شملت مملكتها مدينة حران أيضا . وقد أبانت وثائق ماري عن اكتشافات قلبت المعارف السائدة لجهة التسميات التوراتية لعصر الآباء ، فقد حوت وثائقها أسماء وردت في التوراة مثل : ناحور، تاراحي ، ساروخي ، تاليكي ، هذه الأسماء التي تتشابه مع أسماء أقارب إبراهيم : ناحور ، تارح ، سيروح ، تاليك . كما أن وثائق ماري تحدثت عن قبائل أبام – رام ، يعقوب – ادبل ، وعن قبيلة تدعى نبيامين \ بنو يمين \ التي كانت تسبب القلائل لماري و استطاعت ماري في النهاية من ايجاد التفاهم معها طبقاً لمصالحها .
والذي يبدو أن أسماء الآباء الأوائل الواردة في التوراة ما هي في واقع الحال سوى أسماء قبائل ومدن أسستها هذه القبائل ، وأن إبراهيم نفسه وحفيده يعقوب وأصغر أبناء هذا الأخير بنيامين لهم علاقة مباشرة بأسماء هذه القبائل .
ويشير كاسيدوفسكي في كتابه ( الواقع والأسطورة في التوراة ) إلى أن القبائل التي سكنت أرض الكنعانيين في أيام إبراهيم تنتسب في أكثرها إلى الساميين الغربيين \ العموريين \ .
هذا ما يمكن استعراضه من الوثائق الأثرية التي تختص بسيرة إبراهيم الخليل والتي لم تقدم سوى رؤيا ايجابية عن شخصيته أساسها الرؤيا التوحيدية .
لكن ما قدمه كتاب التوراة \ الأسفار الخمسة الأولى \ من معلومات تختص بعصر الآباء وإبراهيم بالذات يدفعنا إلى الوقوف بحذر تجاه تلك المعلومات التي جرى تحويرها وتشويه بعضها بما يناسب رغبة وهدف الأحبار اليهود الذين كتبوا التوراة في فترة السبي البابلي وما بعدها قي حوالي منتصف الألف الأول قبل الميلاد .
ويشير كاسيدفسكي إلى أن التوراة ظهرت في وقت متأخر نسبيا عن زمن إبراهيم وذلك بعد عودة اليهود من السبي البابلي ، أي في الفترة الواقعة بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد .
وانطلاقا من دوافع الأحبار الدينية عمدوا إلى تغيير التراث التاريخي التقليدي فحذفوا منه كل ما لم يتفق مع مصالحهم ورؤياهم وأضافوا إليه أفكارهم الخاصة ، فالأحبار لم يكونوا المؤلفين الأصليين بل هم محررون اقتبسوا النصوص القديمة . وقد بين التحليل العميق للتوراة أن نصوصه يضم ثلاث طبقات واضحة ، أول قسم منها قد كتب في القرن التاسع قبل الميلاد وسمته الرئيسية هي أن مؤلفيه استخدموا كلمة الوهيم للدلالة على الله ، بينما استخدمت في النصوص التي ترجع الى القرن الثامن قبل الميلاد كلمة يهوة ، وفي القرن السابع دمج القسمان في نص واحد حيث نجد أن مؤلفي النص الجديد قد استخدموا كلمة الوهيم ويهوة بالتناوب .
ويختم بالقول : لقد تناقل اليهود هذا التراث من لسان إلى لسان ومن جيل إلى جيل وساهم الطابع الفولكلوري نقل الروايات الحقيقية وتطعيمها بالكثير من الخرافات والأساطير والأمثال .
والذي بيدو أن الأحبار في فترة السبي الفاقدين للأرض والمعانين من عقدة السبي عمدوا إلى استعارة قصة إبراهيم العموري وألصقوها بتاريخهم محققين بذلك هدفين :
الأول : إعادة تاريخهم إلى فترة مطلع الألف الثاني قبل الميلاد عبر الانتماء إلى سلالة إبراهيم .
الثاني : ربط الأرض الموعودة \ فلسطين \ بوعد إلهي \ من يهوه \ لإبراهيم .
الثالث : الشخصية الإبراهيمية في التوراة شخصية لا تنتمي لروحية الأنبياء حيث جرى إظهارها بمظهر سلبي لا يليق بنبي ، وهذا يذكر بما قدمته التوراة عن شخصية نوح السكيرة أيضا .
وعلى هذا نتابع ماورد في التوراة عن إبراهيم التوراتي \ وليس إبراهيم الحنفي \ .
ابراهيم الخليل في كتاب التوراة :
- جاء في سفر التكوين- الإصحاح الحادي عشر- من 1 إلى 26, ذكر لمواليد سام, انتهت سلسلتها بمواليد تارح الذي ولد أبرام وناحور وهاران- وولد هاران لوطاً ومات هاران في أرض ميلاده في أور الكلدانيين.
- ثم تزوج أبرام سراي, وناحور مَلْكة بنت هاران. وأخذ تارح أبرام ابنه ولوطاً بن هاران وسراي كنته وخرجوا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك. ولقد مات تارح في حاران.
- وفي الإصحاح الثاني عشر جاء أن الرب قال لأبرام " اذهب من رضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. وهكذا ذهب أبرام من حاران إلى أرض فلسطين إلى مكان شكيم يدعى بلوطة مورة.
- وعندئذ ظهر الرب لأبرام وقال له: لنسلك أعطي هذه الأرض". فبنى هناك مذبحاً للرب.
- ثم انتقل إلى جبل شرقي بيت ايل ونصب خيمته. ثم ارتحل ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب.
- " وحدث جوع في الأرض فانحدر أبرام إلى مصر " وقبل دخوله مصر خشي على زوجته التي كانت جميلة جداً. فقال لها " إني قد علمت أنك امرأة حسنة المظهر فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك. قولي أنك أختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك ". وهكذا تم فعلاً ودخلت سارة على فرعون بصفتها أخت أبرام...
- وبعد ذلك ضرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب سراي امرأة أبرام التي أخذها زوجة له.
- وإذ علم فرعون أن سراي هي زوجة أبرام وليست أخته وبّخه على ما فعل وأعادها إليه. ثم طرده وأخذ أبرام كل ما كان لديه وكان غنياً جداً بسبب سراي.
- ( الإصحاح الثالث عشر): ارتحل أبرام من مصر عائداً إلى الجنوب إلى بيت ايل مكان خيمته الأولى وكان معه لوط وكان لهما غنم وبقر وخيام.
- ولما ضاقت المراعي بمواشي أبرام ولوط تقاسما الأرض حتى لا تقع خصومة بينهما, فاختص لوط بدائرة الأردن وأبرام بقسم من أرض كنعان. وكان ذلك قبل خراب سدوم وعامورة.
- تجلى الرب لأبرام ووعده بالأرض الذي هو عليها وأقام بعدئذ في موقع بلوطات ممرا في حبرون.
- ( الإصحاح الرابع عشر ) : في أيام امرافل, ملك شنعار وثلاثة ملوك من حلفائه غزا هؤلاء الملوك أراضي ملوك سادوم وعامورة وادمة وهبوئيم وتغلبوا عليهم, وحكموا المنطقة أربع عشرة سنة. ثم اجتمع ملك سادوم وحلفاؤه وشنوا حرباً مضادة مع كدرلعومر وحلفائه أدت إلى انكسارهم فعربوا ولكن لوطاً وقع أسيراً بين أيدي كدلعومر.
- ولما وصل الخبر إلى أبرام جمع غلمانه المتمرنين وعددهم ثلاث مئة وثمانية عشر, وُلدان بيته وتبع الملوك المنتصرين إلى دان حيث كسرهم مسترجعاً لوطاً وكل الأملاك التي حصل عليها.
- بعد هذا النصر كان من بين مستقبلي أبرام ملكي صادق ملك شاليم ( أورشليم ) الذي أخرج خبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي. وبارك أبرام.
الإصحاح الخامس عشر :
- بعد هذه الأحداث تضرع أبرام للرب كي يمنحه ولداً حتى لا يكون أليعازر الدمشقي وريثه. فوعده الرب بمولود, كما وعده بأن ملكه سيمتد من نهر مصر إلى النهر الكبير, نهر الفرات, إذ ينتصر على القينيين و القنزيين و القدمونيين و الحثيين و الفرزيين و الرفائيين و الأموريين و الكنعانيين و الجرجاشيين و اليبوسيين.
وفي هذا المجال أيضاً حريّ بنا الإشارة إلى ما ورد في سفر التكوين التوراتي – الأصحاح 18 حيث أن يهوه التوراتي وشخصيتان قدسيتان / ملاكان / زاروا ابراهيم التوراتي الذي كان حزيناً لأن لا ولد لديه حيث يعده يهوه / الإله الزائر !/ بولد سوف يأتي.
في موازاة هذه القصة نقرأ في ملحمة أقهت ابن دانيال الأجاريتية والتي تعود إلى الثلث الأخير من الألف الثاني قبل الميلاد أي قبل كتابة التوراة بحوالي ألف سنة، أن الإله بعل يظهر لدانيال الحزين لعدم وجود ابن لديه حيث يعده بعل بولد يسميه أقهت.
الفارق بين الوثيقة الأجاريتية والقصة التوراتية هو أن ابراهيم التوراتي كان يجلس أمام خيمته، في حين أن دانيال كان يجلس أمام بيته تبعاً لثقافة الشخصيتين.
الإصحاح السادس عشر:
ولما كانت سراي عاقراً دفعت بأبرام إلى حضن جاريته هاجر التي أتت معه من مصر فحبلت منه.
إثر هذا الحبل غارت ساراي من هاجر فأوغرت صدر أبرام وأدى به ذلك إلى عدم وجود حل لهذا الخلاف مما أدى إلى هرب هاجر نحو بلاد شور. وفي الطريق تراءى لها ملاك الرب فأمرها بالعودة إلى بيتها وتأدية واجب الطاعة إلى مولاتها سراي. وقد أنبأ ملاك الرب أنها حبلى وستلد ابناً تدعوه إسماعيل وأنه يكون إنساناً وحشياً يده على كل واحد ويد كل واحد عليه وأمام جميع أخوته يسكن. فدعت اسم الرب لذي تكلم معها " أنت ايل رئي ". ودعيت البئر التي كانت عندها هاجر " بئر لحي رئي " وهي بين قادش وبارد.
ولدت هاجر ابناً دعي إسماعيل, وبعد ثلاث عشرة سنة ختن أبرام نفسه وإسماعيل وكل رجال بيته والمبتاعين بالفضة. وكان عمر أبرام وقتئذ تسع وتسعين سنة.
الإصحاح الثامن عشر:
- وفي سن التسع والتسعين ظهر الرب لأبرام ووعده بأن يكون أباً لجمهر من الأمم ولذلك يصبح اسمه إبراهيم بدلاً من أبرام وكذلك زوجته ساراي تدعى منذ الآن سارة. كما وعده بأن تلد له سارة ابناً يدعوه اسحق.
الإصحاح التاسع عشر:
- بعد خراب سادوم وعامورة صعد لوط إلى الجبل ومعه ابنتاه..
وهناك حسن للبنت البكر أن تضطجع مع أبيها فاضطجعت معه بعد أن أسكرته وفي الليلة الثانية عملت مثلها البنت الأصغر فولدت البكر ولداً أسمته "مؤاب" وقد أصبح أبا الموأبيين والصغر ولدت ابناً أسمته " بني عمي " أصبح أبا بني عمون.
الإصحاح العشرون:
- وانتقل إبراهيم إلى منطقة جرار في الجنوب ما بين قادش وشور و تغرب في جرار, في ظل ملكها ابيمالك. ولدى ابيمالك كرر إبراهيم مع هذا الملك ما سبق وفعله مع فرعون بالنسبة لسارة مدعياً أنها أخته. بعد ثلاثة أيام من انتقال سارة لعند ابيمالك أوحى الله لهذا الملك بحقيقة سارة أنها زوجة إبراهيم وليست أخته فأحضره وبعد أن وبخه طرده من عنده وأعطاه غنماً وبقراً وعبيداً وإماء...
الإصحاح الحادي والعشرون:
بعد ذلك حبلت سارة وولدت لابراهيم في شيخوخته ابناً أسماه إسحق وكان وقتئذ عمر إبراهيم مئة سنة.
رأت سارة ابن هاجر المصرية يمزح فقالت لإبراهيم اطرد هذه الجارية وابنها وكان الله إلى جانب سارة في طلبها هذا فأذعن إبراهيم لهذا الأمر وفي الغد الباكر أعطى هاجر خبزاً وقربة ماء وطردها من بيته فمضت وتاهت في برية بئر سبع. وكان الله مع الغلام حيث شب في برية فاران وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر.
الإصحاح الثاني والعشرون:
بعد هذه الأحداث أراد الله امتحان إبراهيم فطلب منه أخذ ابنه إسحق إلى أرض المريا ليقدمه محرقة لله. فبادر إبراهيم إلى تنفيذ ما طلب الرب, ولكن ما إن باشر بإعداد المحرقة حتى رأى بالقرب منه خروفاً فدية من الله عن إسحق.
الإصحاح الثالث والعشرون:
- عاشت سارة مئة وسبعاً وعشرين سنة ثم ماتت فطلب إبراهيم من بني حث أن يسمحوا له بدفن زوجته في أرضهم بثمن أربع مئة شاقل من الفضة. وهكذا تم ودفنت سارة في حقل عفرون في المكفيلة, التي هي أرض حبرون في أرض كنعان.
الإصحاح الرابع والعشرون:
- بعد أن شاخ إبراهيم طلب من عبده أن يأتيه من مدينة ناحور في آرام النهرين زوجة لابنه إسحق لأنه لم يشأ أن يزوجه من بنات كنعان وإنما بواحدة من أهل بيته.
- ذهب العبد إلى آرام النهرين, إلى مدينة ناحور حيث وقع اختياره على رفقة بنت بتوئيل ابن ملكة امرأة ناحور أخي إبراهيم وتم الوفاق برضاها أن تكون زوجة لإسحق وقبل أخوها "لابان" كما قبل أبوعل بتوئيل.
- إثر عودة العبد إلى أرض الجنوب حيث كان يقيم إسحق تعرف إلى رفقة وسرّ بها ثم تزوجها وأدخلها إلى خباء أمه...
الإصحاح الخامس والعشرون:
- وعاد إبراهيم فأخذ زوجة له اسمها قطورة فولدت له: زمران و يقشان و مدان و مديان و يشباق و شوحا. ومن ثم أعطى إبراهيم كل ما كان له وأبعد إسحق عن بني السراري اللواتي كانت لإبراهيم, أن صرفهم شرقاً إلى أرض المشرق.
- عاش إبراهيم مئة وخمس وسبعون سنة. بعد وفاته دفنه ابناه إسحق وإسماعيل في مغارة المكفيلة في حقل عفرون الحتي أمام ممرا ذلك الحقل الذي سبق واشتراه إبراهيم ودفن فيه سارة.
- لما تزوج إسحق كان له من العمر أربعون سنة. وقد ولدت له رفقة توأمين الولد الأول كان عيسو والثاني كان يعقوب.
- كبر الغلامان وكان عيسو يعرف الصيد وشديد البأس وأما يعقوب فكان هادئاً يسكن الخيام. وفي أحد الأيام أعد يعقوب طبيخاً وعند عودة عيسو طلب من أخيه أن يأكل من هذا الأحمر ولذلك دعي آدوم فاشترط عليه يعقوب أن يبيعه الباكورة, فقبل عيسو زاهداً فيها.
وقد ورد في ً وثائق أجاريت ذكر لما يسمى بحق البكورة، حيث أن هذا التقليد يعبّر عن أن الابن الأكبر في العائلة له نصيب مضاعف وله وضع متميز بالبيت والعائلة الكنعانية، كونه هو الذي سيقدم العون لوالديه في سن الشيخوخة وهذا التصور عائد إلى الخلفية الكنعانية التي تعتبر أن الابن البكر يخص الإله أي أنه يتمتع بسمات مقدسة تميزه عن باقي الأخوة.
وتقتضي الأعراف الكنعانية بأن الأب يستطيع أن يحرم ابنه البكر من حق البكورة هذا إذا اقترف هذا الابن جريمة بحق أبيه / سرقة – عدم احترام..الخ /.
نلاحظ أن هذا التقليد الأوغاريتي تم نقله إلى التوراة حين باع عيسو التوراتي البكورة ليعقوب لقاء صحن من العدس !.
الإصحاح السادس والعشرون:
- و كان في الأرض جوع فذهب اسحق إلى أبيمالك و معه زوجته رفقة و سأله أهل المكان ن امرأته فقال هي أختي . لأنه خاف أن يقول أمرأتي لعل أهل المكان يقتلونني من أجل رفقة لأنها كانت حسنة المظهر . و لما عرف أبيمالك بالأمر وبخه قائلاً : لولا قليل لاضطجع أحد الشعب منع أمرأتك فجلبت علينا ذنبا كبيراً . و أثر ذلك أوصى أبيمالك ألا يمس أحد رفقة و سمح لاسحق بالبقاء في أرض جرار حيث تعاظمت ثروته .
و لما كان عيسو ابن أربعين سنة اتخذ زوجة له يهوديت ابنة بيري الحي و بسنة ابنة ايلون الحثي فكانتا مرارة نفس لإسحق و رفقة .
الإصحاح السابع و العشرون
_ و حدث لما شاخ اسحق و كلت عيناه عن النظر, طلب من عيسو أن يذهب إلى البرية ليتصيد له و قال له : و عند عودتك اصنع لي أطعمة و أتني بها لأكل لأني أريد أن أباركك قبل أن أموت .
- اغتنمت رفقة هذه المناسبة, و كانت تحب يعقوب أكثر من عيسو فبعد عودة عيسو بالصيد الذي تصيده و في غيابه, لفّت رفقة على ذراع يعقوب جلود جديي معزى بحيث أصبح ذا شعر كثيف مثل عيسو وقدمته إلى إسحق تحت اسم عيسو ليباركه ولما لمس إسحق شعر ذراع يعقوب قال يعقوب: أنا عيسو وعند ذلك باركه.
- بعد ذلك عرف عيسو بالمؤامرة فاغتاظ و صرخ في وجه أبيه : باركني أنا أيضا فأحاب اسحق : لقد جاء أخوك بمكر و أخذ بركتك و هكذا حلت البركة نهائياً على يعقوب رغم كل ما فيها من مكر.
- حقد عيسو على يعقوب و فكر في قتله فما كان من رفقة إلا أن أبعدت يعقوب عن عيسو لعند أخيها لابان خاصة و أن اسحق أوصى بألا يتزوج من بنات كنعان.
الإصحاح الثامن و العشرون:
- و لما رأى عيسو أن اسحق بارك يعقوب و أرسه إلى فدان آرام ليأخذ لنفسه من هناك زوجة , ذهب إلى اسماعيل و أخذ محله بنت إسماعيل بن إبراهيم تبايوت زوجة له على نسائه .
الإصحاح التاسع و العشرون:
- ذهب يعقوب إلى فدان آرام حيث اجتمع بلابان و تعرف إلى راحيل ابنته و أعجب بها , و اشترط عليه لابان أن يخدمه سبع سنين مقابل راحيل و بعد نفاد هذه المدة أعطاه راحيل و لكن بدلا من أن يقدم ليلاً راحيل قدم له ليئة و لما احتج على هذه المعاملة فيما بعد قال لابان : لا يجوز أن تعطى الصغيرة قبل الكبيرة فإذا كنت راغباً أيضاً في راحيل فما عليك إلا أن تخدمني سبع سنين أخرى و هكذا تم . كما أن لابان منح يعقوب جاريته زلفة إلى ابنته كما أعطى بلهة جارية لراحيل.
الإصحاح الثلاثون:
حبلت ليئة وولدت ليعقوب أربعة بنين و أما راحيل فكانت عاقراً.
فألحت على يعقوب أن يدخل على جاريتها بَلْهة التي حبلت منه وولدت ابناً. وعند ذلك هدأ غضب راحيل و توالت مواليد يعقوب من جاريته حتى حبلت راحيل و ولدت يوسف واستمرت على هذا النحو ولادات أبناء يعقوب الإثني عشر وهم :
• من ليئة : راوبين , شمعون , لاوي , يهوذا , يساكر , زيلون
• من راحيل : يوسف و بنيامين
• من بلهة جارية راحيل : دان ــ نفتالي
• من زلفة جاريت ليئة : جاد ـــ اشير .
الإصحاح الثاني و الثلاثون:
ـــ قرر يعقوب العودة إلى بيت أبيه اسحق و لكنه كان يخشى أن يصيبه عيسو بمكروه فقدم له مئتي عنزة و عشرين تيساً و مئتي نعجة و عشرين كبشاً مسترضياً إياه. و لما شاهد عيسو أفراد ذرية يعقوب تعجب من كثرة عددهم و تفاهما على مكان الإقامة ليعقوب و أولاده , (( مكان مسكون )) .
و في أثناء العودة صارع يعقوب إنساناً حتى طلوع الفجر . و بعد ذلك بارك هذا الإنسان يعقوب و قال له لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله و الناس .
الإصحاح السابع و الثلاثون:
ـــ و سكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان . و كان يوسف بفضل ذكائه و أحلامه ذا حظوة عند أبيه فحسده أخوته على ذلك و قرروا قتله . و بينما هم يرعون غنمهم أقبل عليهم يوسف و عند وصوله حاولوا رميه في بئر و لكن قافلة اسماعيلية من مديان كانت في طريقها إلى مصر فباعوا يوسف أخاهم إلى هذه القافلة بعشرين من الفضة و أتت به إلى مصر . أما إخوة يوسف فأدعوا لدى أبيهم أن وحشاً رديئاً أكله .
الإصحاح الثامن و الثلاثون:
ـــ يهوذا يضطجع مع تامار كنته.
الإصحاح التاسع و الثلاثون:
ـــ سلك يوسف سلوكاً أخلاقياً ممتازاً في مصر و بفضل ذكائه تدرج في أعلى المنصب و كان مفسراً ماهراً للأحلام مما جعله الرجل الأول في بلاط فرعون.
الإصحاح الأربعون و ما بعده:
ـــ نزل أولاد يعقوب إلى مصر ليبتاعوا قمحاً و هناك تعرف إليهم يوسف و صفح عن الجرم الذي اقترفوه بحقه. ثم طلب والده و لما أتوا به خصهم بأرض في جاسان ليقيموا فيها و يرعوا غنمهم. و كان عدد أفراد ذرية يعقوب من بنات و بنين ثلاثة و ثلاثين.
الإصحاح الخمسون:
ـــ وقعت وفاة يعقوب في مصر وكان قد أوصى بأن يدفن مع ابراهيم و سارة و اسحق و رفقة . و هكذا تم فقد حنط جسده يوسف و بعد أربعين يوماُ نقلوه و من ثم و بعد سبعين يوماُ كانت قد مضت على بكائه , نفذ يوسف وصية والده و نقله إلى أرض كنعان.
وفي مقاربة تاريخية فكرية لشخصية إبراهيم كما وردت في التوراة ، يشير الدكتور كمال الصليبي في كتابه خفايا التوراة إلى وجود خمس شخصيات لإبراهيم \ أبرام \ في التوراة \ الأسفار الخمسة الأولى المنسوبة لموسى \ .
فهناك : أبرام العبراني – أبرام الآرامي – أبرام سفر التكوين 15 – أبرام الشباعة – أبرام اليمن . وتختلف الصفات وأنماط الشخصية بين هذه الأبرامات حسب الجغرافيا التاريخية التي يقترحها الباحث. حيث يصل إلى نتيجة مفادها أن التقليد الكهنوتي وهو تقليد إسرائيلي متأخر أخذ الأبرامات الخمسة فجعل منها أبراما واحدا ، حيث أن بني إسرائيل مثلهم مثل سائر الشعوب التاريخية لم يكونوا شعبا واحدا في الأصل بل مجموعة قبائل مختلفة تم توحيدها على مراحل عن طريق الالتفاف والتحالف لسبب أو لآخر . وبذا أمكن جمع التقاليد المختلفة التي كانت عليها قبائل بني إسرائيل وتم تنسيقها حتى تظهر بمظهر التقليد الواحد ، وهكذا أصبح الجد الأعلى أي الأبرام لكل من العناصر المختلفة من شعب إسرائيل وهو المدعو أيضا أبراهام في النص القائم لسفر التكوين . والذي يبدو أن قصة أبرام كما ألفتها الأدبيات الدينية تختص بأبرام سفر التكوين 15 حسب الدكتور صليبي .
الجدير ذكره هنا ، هو أن اسم إبراهيم ورد في القرآن الكريم 41 مرة ، في حين أنه ورد باسم ابراهِم فقط في سورة البقرة 15 مرة ، ولم يرد الاسم بهذه الصيغة الكتابية \ دون ياء \ خارج سورة البقرة .
في المسيحية:
إن أقوال المسيح في إبراهيم الخليل هي المدوّنة في الأناجيل الأربعة وما يلحق بها من أقوال الرسل والحواريين وكل ذلك إنما هو خلاصة الرسالة الجديدة التي أتى بها السيد المسيح وأساسها المحبة. وفيما يلي نأتي على المواقع الكتابية التي جاء فيها ذكر لإبراهيم الخليل.
1-جاء في إنجيل لوقا الإصحاح السادس عشر : وذلك في مسألة الحياة بعد الموت فقد ضرب السيد المسيح مثل إبراهيم وألعازر والرجل الغني في العالم الآخر قال:" كان إنسان غني و كان يلبس الأرجوان و البز و هو يتنعم كل يوم في رفاهه. و كان مسكين اسمه ألعازر الذي طرح عند بابه مضروبا بالقروح , و يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني بل كانت الكلاب تأتي و تلحس قروحه, فمات المسكين و حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم و مات الغني أيضا و دفن فرفع عينيه في الجحيم و هو في العذاب و رأى إبراهيم من بعيد و ألعازر في حضنه فنادى و قال يا أبي إبراهيم ارحمني و أرسل ألعازر ليبل طرف إصبعه بماء و يبرد لساني لاني معذب في هذا اللهيب, فقال إبراهيم يا ابني اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك و كذلك ألعازر البلايا و الآن هو يتعزى و أنت تتعذب ,و فوق هذا كله بيننا و بينكم هوة عظيمة قد أثبتت حتى أن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون و لا الذين من هناك يجتازون إلينا. فقال أسالك إذا يا أبت أن ترسله إلى بيت أبي. لأن لي خمسة أخوة حتى يشهد لهم لكي لا يأتوا هم أيضا إلى موضع العذاب هذا . قال له إبراهيم عندهم موسى و الأنبياء ليسمعوا منهم. فقال لا يا أبي إبراهيم بل إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون. فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى و الأنبياء و لا إن قام واحد من الأموات يصدقون, فما هم بمصدقيه".
2- وفي الإصحاح الثامن من إنجيل متى يقول السيد المسيح:
" الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا. و أقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق و المغارب و يتكئون مع إبراهيم و اسحق و يعقوب في ملكوت السماوات. و أما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية...".
3- ومن أقوال يوحنا المعمدان:
(( ..... اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة, ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم: لنا إبراهيم أباً, لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم )).
4- و من كلام السيد المسيح في إنجيل لوقا حيث جاء في الإصحاح الثالث عشر :
((فاني أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون من بعد أن يكون رب البيت قد قام و أغلق الباب و ابتدأتم تقفون خارجاً وتقرعون الباب قائلين يا رب! يا رب افتح لنا... يجيب و يقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم حينئذ تبتدئون تقولون أكلنا قدامك و شربنا و علمت في شوارعنا. فيقول اقول لكم لا أعرفكم من أين انتم تباعدوا عني يا جميع فاعلي الظلم
هناك يكون البكاء و صرير الأسنان متى رأيتم إبراهيم واسحق ويعقوب وجميع الأنبياء في ملكوت الله و أنتم مطروحون خارجاً
و يأتون من المشارق و من المغارب و من الشمال و الجنوب و يتكئون في ملكوت الله
وهوذا آخرون يكونون أولين وأولون يكونون آخرين)) .
5- وفي الإصحاح الثاني من إنجيل يوحنا يقول المسيح لليهود الذين آمنوا به:
((إنكم إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي و تعرفون الحق و الحق يحرركم أجابوه: إننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لأحد قط كيف تقول أنت إنكم تصيرون أحرارا أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية و العبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد.
ثم قال: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. )) .
6 – و قال بولس أكثر من مرة : إن الختان لا يجعل الإنسان ابنا لإبراهيم و إنما أبناؤه من يسلكون في خطوات الإيمان , و أن إبراهيم أب لنا جميعاً و الله جعله أباً لأمم كثيرة .
هذا ما أتت به المسيحية في كتب العهد الجديد, عن إبراهيم الخليل. و الملاحظ أن هذه الكتابات لم تذكر شيئاً عن سيرة إبراهيم و ذريته فقد اقتصرت على اعتبار إبراهيم من أصحاب الرسالات الدينية الخالدين فاستحق بذلك ملكوت السموات و لذلك يردد المؤمن المسيحي: ((اجعلني يا الله في حضن إبراهيم)) وأما في الإسلام فقد أتى القرآن الكريم على سيرة إبراهيم بكثير من التفصيل بحيث أتت الآيات الكريمة وصفاً كاملاً لشخصية إبراهيم الفذة.
عند الصابئة :
يبلغ عدد المنتمين إلى الصابئة بضعة آلاف يقيمون في الأقاليم الجنوبية من العراق و يعتقد بعض المؤرخين أن وجودهم يرقى إلى عهد إبراهيم الخليل و منهم فئة تحج إلى حاران التي هاجر إليها إبراهيم .
و الصابئة مستقلة باللغة الدينية و الكتابة الأبجدية , حروفهم تشبه الحروف النبطية و يدّعون أن لغتهم هي الآرامية.
أما معتقداتهم فهي خليط من جميع الأديان , فلا يعرف دين من الأديان إلا و لهم فيه شعائر مشابهة لشعائر معتنقيه .
و المشهور عن الصابئة أنهم يوقرون الكعبة في مكة. وهم لا يؤمنون بالأنبياء إلا فرقة واحدة منهم تذكر شيتا و إدريس و إبراهيم و يحيى ( يوحنا المعمدان ) و هم يؤمنون بالله و باليوم الآخر و بالحساب و العقاب و بأن الأبرار يذهبون بعد الموت إلى عالم النور (( آلمي دنهورو )) و أن المذنبين يذهبون إلى عالم الظلام (( آلمي دهسوخا )) .
و كتابهم المقدس يسمى ((كنزه)) فهم يقدسونه و يخفونه, لذلك كانت المعلومات عن أسرار ديانة الصابئة قليلة جداُ فيما عدا خطوطها الكبرى و منها تقديسهم لإبراهيم الخليل.
المراجع :
- د . أحمد سوسة - العرب واليهود في التاريخ – العربي للنشر – دمشق ط1 -مغفل التاريخ .
- زينون كاسيدوفسكي – الواقع والأسطورة في التوراة – ت: حسان اسحق – دار الأبجدية – دمشق – 1990
- مفيد عرنوق – التوراة والتراث السوري – دار النضال – بيروت 1986
- د . بشار خليف - مملكة ماري وفق أحدث الكشوفات الأثرية – دار الرائي – دمشق 2005
- د. بشار خليف – العبرانيون في تاريخ المشرق العربي القديم – دار الرائي – دمشق – 2004
- كتاب التوراة .
- الإنجيل .
- كمال الصليبي – خفايا التوراة – دار الساقي – بيروت – ط6 – 2006
- اسحق شيفمان – ثقافة أجاريت – ت : حسان اسحاق – دار الأبجدية – دمشق – 1989.