كانت منبج (هيرابوليس) مدينة مقدسة لما لها من حرمة دينية لدى سكانها، لما تحتويه من معابد وثنية يحج إليها الألوف من الوثنيين، لحضور الأعياد والاحتفالات الدينية التي كانت تقام فيها، والتي يشرف على تنظيمها وتنفيذها رئيس كهان المدينة. وكانت أعظم معبودات (منبج) هي أتارجتيس (بالإنجليزية: Atargatis)، ويعود تاريخ هيكلها إلى عام 320 ق.م، وإلى جانبه هيكل آخر لتمثال زوجها المعبود حدد (بالإنجليزية: Hadad) آلهة الصواعق والعواصف، ويظهر جالسًا على عرش مستندًاإلى ثورين.
.
وقد تحدث "لوسيانوس السمسياطي" الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، عن قصة بناء المعبد والطقوس المكرسة للآلهة "آتارغاتيس" ومعبدها وبحرتها المقدسة، وهو من اقدم المؤرخين واهمهم الذين تحدثوا عن "هيرابوليس"
.
ورغم وجود الكثير من المعلومات التي تدخل إطار الأسطورة. إلا أن كتاباته تعتبر في غاية الأهمية وهي الوحيدة الموجودة عن مدينة "هيرابوليس" ومعبدها من ذلك العصر.
قصة بناء المعبد
~~~~~~~~~~~~
عبادة "اتارغاتيس" Atargatis
كان يطلق عليها في العصر الروماني (آلهة سوريا) واسمها مُركّب في الأصل السرياني من (عتار) و (عتا) أي عشتار وعناة (وهما عبادتان ساميتان اندمجتا معاً)، وهي آلهة الخصب والحياة المنعمة والمترفة.
و كانت (أتارجتيس) تشكل مع (حدد) و (سيميوس) الأقاليم الثلاثة في المدينة المقدسة بامبيكة (منبج)، إلاّ أنها كانت أكثرها شعبية،
.
وكانت (أتارجتيس) تتمتع بشعبية كبيرة في سوريا وخاصة في دمشق وعسقلان ودورا وتدمر وغير ذلك كثير، وحظيت بنفس الشعبية في آسيا الصغرى خلال العصر اليوناني وكذلك في مقدونيا، وقدسها اليونان والرومان، وبنوا لها معابد في (دلوس)، وكان نيرون من المعجبين بها في وقت من حياته.
و طُبعت صورة أتارغاتيس على النقود في هيرابولس (منبج)، ويتألف رمزها من الهلال مع قرص الشمس، وتُشاهد في الآثار الرومانية جالسة على عرش بين أسدين
.
يحتل مكان المعبد حالياً ملعبُ "منبج" وقسم من الحديقة العامة ، وحتى الوقت الحاضر لا نملك أية وثائق أثرية عن هذا المعبد باستثناء الوصف الذي أتى على ذكره "لوسيانوس" في كتابه "الآلهة السورية"، حيث يذكر قصة بناء المعبد والطقوس التي كانت تجري ضمنه ومن المناسب هنا أن نأتي على موجز لوصف "لوسيانوس" لهذا المعبد.
.
يذكر لوسيانوس أن معبد "هيرابوليس" من أعظم المعابد قداسةً وإجلالاً، ومن أغنى المعابد التي عرفها، فالثروات تأتيه من الجزيرة العربية ومن الفينيقيين والبابليين والآشوريين، حتى أن عدد الاحتفالات الدينية وكثرة الحجاج لا يبلغ عند أي شعب آخر ما يبلغه شعب "هيرابوليس".
.
ويتابع "لوسيانوس" قصة بناء المعبد ويروي أنه سمع العديد من الأساطير حول بناء المعبد، إلا أنه لا يأخذ بها، ((ويسرد قصة بنائه على أن الصرح القائم اليوم (يُقصد بذلك أيام لوسيانوس القرن الثاني الميلادي) ليس هو نفسه الذي بُني في الأصل. وان المعبد القائم اليوم هو من بناء "ستراتونيس" -زوجة أحد الملوك الآشوريين-،والتي كانت قد رأت حلماً وقد أمرتها الآلهة "هيرا" ببناء معبد تكريما لها في "هيرابوليس"، فتروي "ستراتونيس" حلمها لزوجها ويرسلها إلى "هيرابوليس" مع المال والجند لبناء المعبد..))
.
وقد أقيم معبد الآلهة "أتارجتيس" على تلة، وهو محاط بسور مزدوج، ويتجه نحو الشمس، ويتم الولوج إليه عن طريق مصطبة حجرية، يليها مدخل الهيكل المزدان بأبواب ذهبية.
كذلك الأمر بالنسبة لداخل المعبد، الذي يحتوي على مصلى مخصص للكهنة فقط وقد وضع فيه تمثال من الذهب ل (أتارجتيس) وآخر ل (حدد)، وكان هناك قرابة ثلاثمائة كاهن يخدمون المعبد وكان بينهم عدد قليل من القاصرين (اقل من 18 سنة).
.
وكان هناك شعائر معقدة أثناء الدخول إلى المدينة في أول زيارة لمعبد هيرابولس،
وكانت توجد بالقرب من المعبد "بحيرة مقدسة"، وكانت هذه البحيرة مركز الاحتفالات والأعياد الدينية، وتحتوي على أنواع مختلفة من الأسماك المقدسة، وفي وسطها يرتفع مذبح حجري تُحرق فوقه العطور باستمرار.
وكان كل يوم يأتي الكثير من الناس إلى هذا المذبح الذي يقع منتصف البحيرة سباحةً، ويحملون معهم القرابين إيفاءً لنذرٍ ما.
.
وفي فناء المعبد كان يعيش العديد من الطيور و الحيوانات (عدا الخنازير) التي كانت تستخدم كأضحيات في الأعياد
.
. وعلى شاطئ هذه البحيرة كانت تقام احتفالات كبرى تدعى (النزول إلى البحيرة)، حيث كانت تنزل كافة تماثيل الآلهة وفي مقدمتها تمثال "أتارجتيس"،
.
ويذكر (لوسيانوس) العديد من الأعياد التي كانت تجري ضمن المعبد، وأهمها عيد بداية الربيع؛ كما يتحدث عن الطقوس التي تجري ضمن هذا العيد.
.
من أشهر الأعياد أو الاحتفالات المقدسة:
▪︎- موكب (سيمون) إلى البحر الذي يقام سنويا مرتين، وتجلب فيه مياه من البحر وتصب في شق تحت المعبد، ويُعتقد أن المقصود من هذا الطقس:
• هو إحياء ذكرى الطوفان في النفوس حتى لا تمحوه الأيام،
• كما يُفسر بأنه عملية استسقاء لتنزل الأمطار بواسطة السحر والشعوذة،
• أو أن الغاية أن تتم المصالحة بين الآلهة الأرضية المتخاصمة فيما بينها،
وقد يرمز موكب الاحتفال المتجه إلى بحيرة الأسماك المقدسة إلى طقوس الإغتسال المقدس.
▪︎ - يتم الاحتفال بقدوم فصل الربيع بإشعال النيران، ورفع المشاعل بحضور عدد كبير من الحجاج، كما تُحرق الأشجار المزدانة بضروب شتى من الأضاحي والهدايا،
.
وكان يعتبر تعذيب وإيذاء الذات (كما يفعل البعض اليوم) وغيرها من طرق الشعور بالنشوة عن طريق الألم جزءًا من الطقوس الدينية التي تحدث في هذا المعبد،
وقد يصل الانفعال التأثري ببعض الكهنة المعرفين باسم (جالا) إلى حد الهوس، فيخصون أنفسهم، ويرتدون ثياب النساء وحليهن،
.
وكان كهنة المعبد عموماً من الخصيان (مخصيين) الذين اعتادوا على القيام برحلات إلى اليونان وإيطاليا لنشر عبادة (أتارجتيس) بواسطة التنبؤات والرقص الروحاني، ولجمع تبرعات الأتقياء لأجل معبدها في "هيرابولس" (منبج).
.
كما يشير المؤرخ السوري "لوسيانوس السميساطي" الذي عاش بين 120 – 180 م,وكتب في الآلهة السورية في عصره,إلى الطهارة التي تبدت في المعابد السورية آنذاك ولاسيما في معبد مدينة منبج / قرب حلب / في سوريا / هيرابوليس /
فإذا مات رجل دين / كاهن / فإن رفاقه يأخذونه إلى ضواحي المدينة حيث يتم دفنه وفق شعائر معينة ولكن حين يعودون يمنع عليهم دخول المعبد لسبع أيام وإذا ما دخلوه خلال ذلك فإنهم يرتكبون تدنيساً لحرمته .
.
وإذا ما رأى أحد الأشخاص ميتاً فإنه لا يدخل المعبد في ذلك اليوم ولكنه يستطيع ذلك في اليوم التالي بعد أن يكون قد تطهر . أما أهل الميت فلا يدخلون المعبد طيلة ثلاثين يوماً
.
☆ حاولنا من خلال الموجز أن نظهر ما وصف به "لوسيانوس" معبد "هيرابوليس"، وللأسف لا توجد بين أيدينا أية وثائق عن مخطط المعبد ومنشأته،
إلا أن ما تجدر الإشارة إليه أن سكان مدينة "منبج" وقبل أن يُبنى الملعب كانوا يستذكرون وجود بحرة كانت تتجمع فيها المياه وكانوا يسبحون ضمنها وأنها كانت تحتوي على سمك.
.
وفي عام 2010، تم إجراء بعض الأسبار الأثرية11 داخل الملعب بعد العثور على بقايا جدران أثرية مؤرخة على العصر البيزنطي؛ كما تم الكشف عن حدود البحرة المقدسة..
=================================
-صحيفة روناهي الالكترونية
-المشرق..تاريخ واثار..بشار خليف
ومصادر اخرى