المراكز الحضرية
توسعت المدن في القرن العشرين الميلادي أكثر من أي وقت مضى. وفي نهاية القرن العشرين الميلادي كان حوالي 2,900 مدينة قد بلغ عدد سكان كل منها أكثر من 100,000 نسمة، وحوالي 225 مدينة بلغ عدد سكان كلٍّ منها مليون نسمة. فبومباي مثلاً، وهي واحدة من كبريات المدن في العالم، بلغ عدد سكانها حوالي 11 مليون نسمة. بينما بلغ عدد سكان نيويورك أكبر مدن الولايات المتحدة نحو 7 مليون ونصف المليون نسمة.
وقد حدث الازدياد المذهل المنتظم في المناطق التي تقع بالقرب من المدن الكبرى، واستقرت أعداد كبيرة من الناس في هذه المناطق في القرن العشرين، وأسسوا مجتمعات هناك تسمى الضواحي. والأعداد الكبيرة من الناس الذين ملأوا هذه المدن يزحمون الآن المدن والضواحي الواقعة حولها. ★ تَصَفح: الضاحية.
فالمدينة ذات الضواحي تسمى المدينة الحضرية. والمدينة بالإضافة إلى ضواحيها تسمى المنطقة الحضرية، والمنطقة الحضرية لمدينة طوكيو هي أكبر المناطق الحضرية في العالم، حيث يعيش فيها أكثر من 28 مليون نسمة. كما أن أكبر المدن في العالم اليوم هي جميعها مدن حضريّة. ★ تَصَفح: المنطقة الحضرية الكبرى.
أدى الانفجار السكاني دورًا مهمًا في ظهور المناطق الحضريّة. وبحلول عام 1990م أصبح تعداد سكان العالم خمسة أضعاف ما كان عليه في سنة 1850م. وأدى هذا الانفجار إلى اكتظاظ المدن، وجعل كثيرًا من الناس يتحركون إلى الضواحي، كما أدى الانفجار الداخلي، الذي تحرك فيه الناس من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، إلى بناء المناطق الحضريّة. وكذلك أدى التكثف السكاني، الذي يتحرك فيه الناس من خلفيات عرقية ودينية وقومية متنوعة نحو المدن، دورًا مهمًا في تطور المناطق الحضريّة. وبعد أن تحركت مجموعة الأقليات والفقراء إلى وسط المدن، كالسود في الولايات المتحدة، تحرك كثير من الوجهاء من المدن إلى الضواحي.
وقد أدت التنمية الاقتصادية إلى تطور المناطق الحضريّة. كما أدى الانتعاش الاقتصادي بالدول الصناعية بملايين الناس أن يحققوا مستوى معيشيًا مرتفعًا. ونتيجة لهذا استطاع كثير من الناس أن يبتاعوا المنازل الغالية في ضواحي المدن. وقد عجّلت السيارة ـ وهي من أهم مظاهر تقدم وسائل النقل في القرن العشرين ـ تطور المناطق الحضريّة، وأصبحت من ضرورات الحياة لملايين الناس. وفي تسعينيات القرن الثامن عشر الميلادي كانت السيارات حديثة جدًا وغير عادية إلى درجة أنها كانت تعرض في السيرك. واليوم، توجد حوالي 400 مليون سيارة خاصة في العالم. والغالبية العظمى من هذه السيارات توجد عند الأمم المتقدمة. وقد أتاحت السيارات لملايين الناس أن يسكنوا بعيدًا عن مكان العمل أو المدرسة والأسواق المركزية. ★ تَصَفح: السيارة. وساهمت قطارات رحلات العمل والتي تقل كثيرًا من العمال الريفيين بين منازلهم وأعمالهم هي الأخرى في تطور المنطقة الحضريّة. ويمكن للناس أن يسكنوا في الضواحي ويعملوا في وسط المدن في الوقت نفسه.
الوصف:
المدن المعاصرة أكبر بكثير من تلك التي كانت توجد في الأيام السابقة. ففي القرن الخامس عشر الميلادي مثلاً، كانت باريس تغطي حوالي 8كم² لكنها الآن تغطي حوالي 105كم²، وتمتد المنطقة الحضرية الكبرى بها حوالي 480كم².
ومعظم المدن الحضريّة تتميز بمظهر خارجي متشابه. ويقع قطاع الأعمال الرئيسي والذي يسمى أحيانًا قلب المدينة في مركز المدينة، وهو من أكثر أجزاء المجتمع نشاطًا وازدحامًا، إذ يعمل الناس من كل أرجاء الحواضر بالمكاتب والمحلات التجارية هناك، ويتسوقون فيها، وقطاع الأعمال فيها يغطي مساحة صغيرة، لكنه يقدم خدمة لآلاف الناس يوميًا، إذ إن كثيرًا من المكاتب والمحلات التجارية توجد في المباني ذوات الطبقات المتعددة. وتلي مركز المدينة ـ محيطة به أو بجانبه مباشرة ـ منطقة صناعية توجد بها المصانع والمخازن وأحواض السفن. أما المناطق السكنية، والتي يسكن بها معظم الناس، فتبدأ بعد المنطقة الصناعية، وتقع المنازل القديمة والمتصدعة بالمنطقة السكنية بالقرب من مركز المدينة. ويسكن معظم الفقراء في هذه المنطقة، والتي غالبًا ما تسمى المدينة الداخلية. وقد تولت الحكومات مسؤولية مشاريع التجديد الحضرية في كثير من المدن الداخلية. ومن خلال هذه المشاريع، تحولت بعض أسوأ المباني رداءة إلى مساكن حديثة قليلة التكلفة. ويحتوي جزء كبير من هذه المباني على شقق بالمباني العالية. وقد أصبحت المناطق المجاورة لها حديثة وجذابة وبعيدة عن المدينة الداخلية. وتوجد أفضل المنازل بالقرب من أطراف المدينة وبضواحيها. ولكل منطقة سكنية متاجرها الخاصة. وفي منتصف القرن العشرين أنشئت كثير من المصانع بعيدًا عن القطاعات الصناعية المركزية بالمدن وبخاصة الضواحي.
وغالبًا ما تزدحم الطرق الرئيسية بالمدن والضواحي بالسيارات والحافلات والشاحنات، وفي مثل هذه الأوقات تزحف حركة المرور ببطء مسببة تأخير وغضب أعداد ضخمة من الناس. ونتيجة لهذا أقيمت طرق عريضة أساسية لتساعد في احتواء مشاكل حركة المرور. وبالرغم من ذلك فإن عدد السيارات قد ازداد بدرجة كبيرة مما جعل الاختناقات المرورية تحدث في هذه الطرق، كما تحدث في الشوارع.
وما زالت كثير من المدن بالبلدان النامية تعاني من نظم بائسة لإزالة الأوساخ والفضلات، لكن ـ وبصفة عامة ـ فإن مدنًا في بلدان أخرى تملك مرافق صحية مناسبة. ومن ناحية أخرى، فإن هذه المدن لديها مشكلة بيئية خطيرة ألا وهي التلوث. وتتسبب السيارات والمصانع ومحطات الطاقة الكهربائية ومصادر أخرى في تلوّث الهواء الذي يعلق أحيانًا كالضباب القذر. ويهدد الهواء الملوث، مثلما كانت تفعل الفضلات في الأيام الخالية، صحة منْ يقطنون بالمدن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن فضلات المدن التي تصب في الممرات المائية تقضي على الأسماك وتجعل الممرات غير صالحة للسباحة.
السكان:
أخذ عدد سكان الأماكن الحضرية في الازدياد منذ الثورة الصناعية، ويعيش الآن حوالي خُمسي سكان العالم في مناطق حضرية. ومنذ عام 1945م فإن ازدياد سكان الضواحي كان أكثر ازدهارًا منه في المدن. وبالجملة فإن سكان المناطق الحضريّة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان يتمتعون بأعلى مستوى معيشي في الوقت الحاضر. وازداد عدد الأثرياء وأصحاب الدخول المتوسطة أكثر من ذي قبل.
ويتمتع كثير من سكان المناطق الحضريّة بمساكن طيبة، ويرسلون أطفالهم لمدارس جيدة الإعداد، وعندهم ما يكفي لضرورات الحياة، وكثير من الكماليات. وقد استفاد العمال في كل الوظائف من الانتعاش الاقتصادي ومن تنامي قوة الحركة العاملة في القرن العشرين. ومع ذلك فإنّ كثيرًا من الناس يعيشون في فقر مدقع، كما كان حاصلاً على امتداد التاريخ. ووجود الفقر وسط الثروة يعتبر من المشكلات الرئيسية بالمدن المعاصرة. يريد الفقراء أن يشاركوا في الثروة العامة، لكن كثيرًا منهم لا يستطيعون تحسين أحوالهم الاقتصادية. ربما يعوزهم التعليم والتدريب الذي يؤهلهم لنيل الوظائف الطيبة. لكن كثيرًا من الناس يحرمون التعليم اللائق أو السكن المناسب نتيجة لنوع من أنواع التمييز. ويسكن معظم الفقراء في وسط المدينة الداخلية التي تتميز بالمباني المتصدعة المزدحمة المتلاصقة. وقد قسمت كثير من الشقق بحيث تسكن أكثر من عائلة في أماكن مخصصة أصلاً لعائلة واحدة.
ويصنف علماء الاجتماع النسبة الكبيرة من الناس الذين يسكنون بالمناطق التي تبعد قليلاً عن وسط المدينة كطبقة متوسطة دنيا. ويعيش هؤلاء الناس حياة أكثر رخاء من حياة الفقراء، لكنهم لا يرتقون إلى مستوى أولئك الذين يبعدون أكثر منهم في المدن الداخلية، إذ إن لهؤلاء منازل قديمة وصغيرة الحجم، لكنها في حالة جيدة وأقل ازدحامًا من المساكن في المدينة الداخلية.
يسكن أكثر الأغنياء ومتوسطو الدخل على حدود المدينة أو بالضواحي، ومنازلهم أكبر وأحدث وأكثر رفاهية من المنازل التي تقع بالداخل. وأكثر هذه المنازل لها حدائق خلفية كبيرة، حيث تتسلّى العائلات وتسترخي بحرية. وفي منتصف القرن العشرين، اتجه بناء المباني الفارهة إلى أعلى في الضواحي. كما بُنِى بعضها الآخر بالقرب من قطاع الأعمال بالمدينة.
وفي بداية القرن العشرين كان الناس قد أخذوا يتحركون تدريجيًا للنواحي الخارجية للمدن وإلى الضواحي، وازدادت هذه الحركة كثيرًا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م). وكان الناس يتحركون خارج المدينة ليبتعدوا عن المناطق التي يرتفع فيها معدل الجريمة، ولكي ينعموا بالسكن الأفضل، والأكثر نظافة وأكثر هدوءًا وأقل ازدحامًا. وهم يعتقدون أيضًا أن أطفالهم سيحصلون على تعليم أفضل من ذلك الذي يجدونه وسط المدينة. وقد انتُقِدتْ المدارس بوسط المدن على أنها أردأ إعدادًا من أن تقوم بتعليم الأطفال كما ينبغي.
الاقتصاد:
مازال الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ خلال الثورة الصناعية والقرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين مستمرًا حتى الآن. وزادت الأسواق التي خصصت للمنتجات التي تصنع بالمدن نماءً. وأوجد الانفجار السكاني مزيدًا من المستهلكين لمزيد من السلع، وجعلت مستويات المعيشة المرتفعة الناس يشترون حجمًا أكبر من المنتجات، ووسعت كثير من الأمم تجارتها مع المدن الأخرى، لكي تجد سوقًا جديدًا لمنتجاتها. وجعلت التطورات التقنية كثيرًا من المنتجات الجديدة متيسرة. وتعتمد اقتصاديات الأمم بشدة على كثافة المبيعات لمنتجات السيارات والأفران الكهربائية والغازية والثلاجات وأجهزة التلفاز وآلات الغسيل الجاف.
والمدن الحضريّة، كالمدن الصناعية هي مراكز للتصنيع، وتوفر أعمالاً لآلاف من عمال المصانع، ولكن المدن المعاصرة أيضًا توفر عددًا كبيرًا من الوظائف لعمال في مئات الأعمال الأخرى. ويعمل البائعون في بيع منتجات المصنع، ويحركها عمال النقل من مكان إلى آخر. ويساعد موظفو المكاتب في إدارة الأعمال بسهولة ويسر. ويقوم عمال الإنشاء ببناء المكاتب والمصانع التي يحتاج إليها توسيع الأعمال، ويقيمون وحدات سكنية لعدد السكان المتزايد. وقد وظفت الحكومات محاسبين ورجال إطفاء وأخصائيين في الصحة، ومحامين ومهندسي طرق ومشذبي أشجار وعمال صحة وكثيرًا من المجموعات الأخرى من المستخدمين لإدارة شئون المدن.
وقد دعمت التنمية الاقتصادية في أوائل القرن العشرين مئات الابتكارات التقنية، التي تشمل استخدام الكهرباء والنفط لتشغيل الآلات، وتطورت صناعات البلاستيك والمواد الأخرى لتصنيع منتجات جديدة. أما التطورات التقنية الأخرى فكانت تتمثل في الراديو والتلفاز والأقمار الصناعية للاتصالات، والسيارة والطائرة للنقل، والحاسوب ليتولى المعلومات التي تطلبها الاقتصاديات المعقدة. وتشمل المهن التي أوجدها التقدم التقني مهن ملاحي الطائرات ومشغلي الحاسوب والكهربائيين والميكانيكيين ومشرفي محطات الوقود.
وقد أصبح النشاط الاقتصادي بالمناطق الحضريّة لا مركزيًا إلى حد كبير. ونشأت كثير من شركات الأعمال والمصانع في الضواحي بينما احتفظت بمكاتبها في المدينة.
نظام الحكم:
أصبحت حكومات المدن منظمات ضخمة ومعقدة، وهي تواجه واجبات التحدي في توفير الخدمات لآلاف الملايين من الناس، وتساعد في إعادة بناء وسط المدينة. وقد اضطرت هذه الحكومات للحصول على التمويل الذي تحتاج إليه للقيام بعملها، وازدادت المشاكل بازدياد عدد السكان الحضريين. لمزيد من المعلومات ★ تَصَفح: المشكلات الحكومية في هذه المقالة.
المدينة الحضرية مجتمع عملاق، مع وجود الضواحي بالقرب منه. في لوس أنجلوس وغيرها من المدن الصناعية، تربط الطرق الرئيسية وسط المدينة بالمجتمعات التي تحيط به. وهذه الطرق السريعة جعلت ملايين الناس يسافرون من منازلهم بالضواحي إلى أماكن عملهم بالمدن. |
وقد حدث الازدياد المذهل المنتظم في المناطق التي تقع بالقرب من المدن الكبرى، واستقرت أعداد كبيرة من الناس في هذه المناطق في القرن العشرين، وأسسوا مجتمعات هناك تسمى الضواحي. والأعداد الكبيرة من الناس الذين ملأوا هذه المدن يزحمون الآن المدن والضواحي الواقعة حولها. ★ تَصَفح: الضاحية.
فالمدينة ذات الضواحي تسمى المدينة الحضرية. والمدينة بالإضافة إلى ضواحيها تسمى المنطقة الحضرية، والمنطقة الحضرية لمدينة طوكيو هي أكبر المناطق الحضرية في العالم، حيث يعيش فيها أكثر من 28 مليون نسمة. كما أن أكبر المدن في العالم اليوم هي جميعها مدن حضريّة. ★ تَصَفح: المنطقة الحضرية الكبرى.
أدى الانفجار السكاني دورًا مهمًا في ظهور المناطق الحضريّة. وبحلول عام 1990م أصبح تعداد سكان العالم خمسة أضعاف ما كان عليه في سنة 1850م. وأدى هذا الانفجار إلى اكتظاظ المدن، وجعل كثيرًا من الناس يتحركون إلى الضواحي، كما أدى الانفجار الداخلي، الذي تحرك فيه الناس من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، إلى بناء المناطق الحضريّة. وكذلك أدى التكثف السكاني، الذي يتحرك فيه الناس من خلفيات عرقية ودينية وقومية متنوعة نحو المدن، دورًا مهمًا في تطور المناطق الحضريّة. وبعد أن تحركت مجموعة الأقليات والفقراء إلى وسط المدن، كالسود في الولايات المتحدة، تحرك كثير من الوجهاء من المدن إلى الضواحي.
وقد أدت التنمية الاقتصادية إلى تطور المناطق الحضريّة. كما أدى الانتعاش الاقتصادي بالدول الصناعية بملايين الناس أن يحققوا مستوى معيشيًا مرتفعًا. ونتيجة لهذا استطاع كثير من الناس أن يبتاعوا المنازل الغالية في ضواحي المدن. وقد عجّلت السيارة ـ وهي من أهم مظاهر تقدم وسائل النقل في القرن العشرين ـ تطور المناطق الحضريّة، وأصبحت من ضرورات الحياة لملايين الناس. وفي تسعينيات القرن الثامن عشر الميلادي كانت السيارات حديثة جدًا وغير عادية إلى درجة أنها كانت تعرض في السيرك. واليوم، توجد حوالي 400 مليون سيارة خاصة في العالم. والغالبية العظمى من هذه السيارات توجد عند الأمم المتقدمة. وقد أتاحت السيارات لملايين الناس أن يسكنوا بعيدًا عن مكان العمل أو المدرسة والأسواق المركزية. ★ تَصَفح: السيارة. وساهمت قطارات رحلات العمل والتي تقل كثيرًا من العمال الريفيين بين منازلهم وأعمالهم هي الأخرى في تطور المنطقة الحضريّة. ويمكن للناس أن يسكنوا في الضواحي ويعملوا في وسط المدن في الوقت نفسه.
التجديد الحضري حوّل الأحياء القذرة المزدحمة بالسكان إلى مناطق جذابة في معظم المدن الصناعية. هذه الصور لموقع تجديد حضري في شيكاغو، وتبين كيف أن المباني المتصدعة (إلى اليمين) قد استبدلت بها مساكن حديثة قليلة التكلفة (يسارًا). |
المدن المعاصرة أكبر بكثير من تلك التي كانت توجد في الأيام السابقة. ففي القرن الخامس عشر الميلادي مثلاً، كانت باريس تغطي حوالي 8كم² لكنها الآن تغطي حوالي 105كم²، وتمتد المنطقة الحضرية الكبرى بها حوالي 480كم².
ومعظم المدن الحضريّة تتميز بمظهر خارجي متشابه. ويقع قطاع الأعمال الرئيسي والذي يسمى أحيانًا قلب المدينة في مركز المدينة، وهو من أكثر أجزاء المجتمع نشاطًا وازدحامًا، إذ يعمل الناس من كل أرجاء الحواضر بالمكاتب والمحلات التجارية هناك، ويتسوقون فيها، وقطاع الأعمال فيها يغطي مساحة صغيرة، لكنه يقدم خدمة لآلاف الناس يوميًا، إذ إن كثيرًا من المكاتب والمحلات التجارية توجد في المباني ذوات الطبقات المتعددة. وتلي مركز المدينة ـ محيطة به أو بجانبه مباشرة ـ منطقة صناعية توجد بها المصانع والمخازن وأحواض السفن. أما المناطق السكنية، والتي يسكن بها معظم الناس، فتبدأ بعد المنطقة الصناعية، وتقع المنازل القديمة والمتصدعة بالمنطقة السكنية بالقرب من مركز المدينة. ويسكن معظم الفقراء في هذه المنطقة، والتي غالبًا ما تسمى المدينة الداخلية. وقد تولت الحكومات مسؤولية مشاريع التجديد الحضرية في كثير من المدن الداخلية. ومن خلال هذه المشاريع، تحولت بعض أسوأ المباني رداءة إلى مساكن حديثة قليلة التكلفة. ويحتوي جزء كبير من هذه المباني على شقق بالمباني العالية. وقد أصبحت المناطق المجاورة لها حديثة وجذابة وبعيدة عن المدينة الداخلية. وتوجد أفضل المنازل بالقرب من أطراف المدينة وبضواحيها. ولكل منطقة سكنية متاجرها الخاصة. وفي منتصف القرن العشرين أنشئت كثير من المصانع بعيدًا عن القطاعات الصناعية المركزية بالمدن وبخاصة الضواحي.
وغالبًا ما تزدحم الطرق الرئيسية بالمدن والضواحي بالسيارات والحافلات والشاحنات، وفي مثل هذه الأوقات تزحف حركة المرور ببطء مسببة تأخير وغضب أعداد ضخمة من الناس. ونتيجة لهذا أقيمت طرق عريضة أساسية لتساعد في احتواء مشاكل حركة المرور. وبالرغم من ذلك فإن عدد السيارات قد ازداد بدرجة كبيرة مما جعل الاختناقات المرورية تحدث في هذه الطرق، كما تحدث في الشوارع.
وما زالت كثير من المدن بالبلدان النامية تعاني من نظم بائسة لإزالة الأوساخ والفضلات، لكن ـ وبصفة عامة ـ فإن مدنًا في بلدان أخرى تملك مرافق صحية مناسبة. ومن ناحية أخرى، فإن هذه المدن لديها مشكلة بيئية خطيرة ألا وهي التلوث. وتتسبب السيارات والمصانع ومحطات الطاقة الكهربائية ومصادر أخرى في تلوّث الهواء الذي يعلق أحيانًا كالضباب القذر. ويهدد الهواء الملوث، مثلما كانت تفعل الفضلات في الأيام الخالية، صحة منْ يقطنون بالمدن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن فضلات المدن التي تصب في الممرات المائية تقضي على الأسماك وتجعل الممرات غير صالحة للسباحة.
السكان:
أخذ عدد سكان الأماكن الحضرية في الازدياد منذ الثورة الصناعية، ويعيش الآن حوالي خُمسي سكان العالم في مناطق حضرية. ومنذ عام 1945م فإن ازدياد سكان الضواحي كان أكثر ازدهارًا منه في المدن. وبالجملة فإن سكان المناطق الحضريّة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان يتمتعون بأعلى مستوى معيشي في الوقت الحاضر. وازداد عدد الأثرياء وأصحاب الدخول المتوسطة أكثر من ذي قبل.
ويتمتع كثير من سكان المناطق الحضريّة بمساكن طيبة، ويرسلون أطفالهم لمدارس جيدة الإعداد، وعندهم ما يكفي لضرورات الحياة، وكثير من الكماليات. وقد استفاد العمال في كل الوظائف من الانتعاش الاقتصادي ومن تنامي قوة الحركة العاملة في القرن العشرين. ومع ذلك فإنّ كثيرًا من الناس يعيشون في فقر مدقع، كما كان حاصلاً على امتداد التاريخ. ووجود الفقر وسط الثروة يعتبر من المشكلات الرئيسية بالمدن المعاصرة. يريد الفقراء أن يشاركوا في الثروة العامة، لكن كثيرًا منهم لا يستطيعون تحسين أحوالهم الاقتصادية. ربما يعوزهم التعليم والتدريب الذي يؤهلهم لنيل الوظائف الطيبة. لكن كثيرًا من الناس يحرمون التعليم اللائق أو السكن المناسب نتيجة لنوع من أنواع التمييز. ويسكن معظم الفقراء في وسط المدينة الداخلية التي تتميز بالمباني المتصدعة المزدحمة المتلاصقة. وقد قسمت كثير من الشقق بحيث تسكن أكثر من عائلة في أماكن مخصصة أصلاً لعائلة واحدة.
ويصنف علماء الاجتماع النسبة الكبيرة من الناس الذين يسكنون بالمناطق التي تبعد قليلاً عن وسط المدينة كطبقة متوسطة دنيا. ويعيش هؤلاء الناس حياة أكثر رخاء من حياة الفقراء، لكنهم لا يرتقون إلى مستوى أولئك الذين يبعدون أكثر منهم في المدن الداخلية، إذ إن لهؤلاء منازل قديمة وصغيرة الحجم، لكنها في حالة جيدة وأقل ازدحامًا من المساكن في المدينة الداخلية.
يسكن أكثر الأغنياء ومتوسطو الدخل على حدود المدينة أو بالضواحي، ومنازلهم أكبر وأحدث وأكثر رفاهية من المنازل التي تقع بالداخل. وأكثر هذه المنازل لها حدائق خلفية كبيرة، حيث تتسلّى العائلات وتسترخي بحرية. وفي منتصف القرن العشرين، اتجه بناء المباني الفارهة إلى أعلى في الضواحي. كما بُنِى بعضها الآخر بالقرب من قطاع الأعمال بالمدينة.
وفي بداية القرن العشرين كان الناس قد أخذوا يتحركون تدريجيًا للنواحي الخارجية للمدن وإلى الضواحي، وازدادت هذه الحركة كثيرًا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م). وكان الناس يتحركون خارج المدينة ليبتعدوا عن المناطق التي يرتفع فيها معدل الجريمة، ولكي ينعموا بالسكن الأفضل، والأكثر نظافة وأكثر هدوءًا وأقل ازدحامًا. وهم يعتقدون أيضًا أن أطفالهم سيحصلون على تعليم أفضل من ذلك الذي يجدونه وسط المدينة. وقد انتُقِدتْ المدارس بوسط المدن على أنها أردأ إعدادًا من أن تقوم بتعليم الأطفال كما ينبغي.
الاقتصاد:
مازال الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ خلال الثورة الصناعية والقرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين مستمرًا حتى الآن. وزادت الأسواق التي خصصت للمنتجات التي تصنع بالمدن نماءً. وأوجد الانفجار السكاني مزيدًا من المستهلكين لمزيد من السلع، وجعلت مستويات المعيشة المرتفعة الناس يشترون حجمًا أكبر من المنتجات، ووسعت كثير من الأمم تجارتها مع المدن الأخرى، لكي تجد سوقًا جديدًا لمنتجاتها. وجعلت التطورات التقنية كثيرًا من المنتجات الجديدة متيسرة. وتعتمد اقتصاديات الأمم بشدة على كثافة المبيعات لمنتجات السيارات والأفران الكهربائية والغازية والثلاجات وأجهزة التلفاز وآلات الغسيل الجاف.
والمدن الحضريّة، كالمدن الصناعية هي مراكز للتصنيع، وتوفر أعمالاً لآلاف من عمال المصانع، ولكن المدن المعاصرة أيضًا توفر عددًا كبيرًا من الوظائف لعمال في مئات الأعمال الأخرى. ويعمل البائعون في بيع منتجات المصنع، ويحركها عمال النقل من مكان إلى آخر. ويساعد موظفو المكاتب في إدارة الأعمال بسهولة ويسر. ويقوم عمال الإنشاء ببناء المكاتب والمصانع التي يحتاج إليها توسيع الأعمال، ويقيمون وحدات سكنية لعدد السكان المتزايد. وقد وظفت الحكومات محاسبين ورجال إطفاء وأخصائيين في الصحة، ومحامين ومهندسي طرق ومشذبي أشجار وعمال صحة وكثيرًا من المجموعات الأخرى من المستخدمين لإدارة شئون المدن.
وقد دعمت التنمية الاقتصادية في أوائل القرن العشرين مئات الابتكارات التقنية، التي تشمل استخدام الكهرباء والنفط لتشغيل الآلات، وتطورت صناعات البلاستيك والمواد الأخرى لتصنيع منتجات جديدة. أما التطورات التقنية الأخرى فكانت تتمثل في الراديو والتلفاز والأقمار الصناعية للاتصالات، والسيارة والطائرة للنقل، والحاسوب ليتولى المعلومات التي تطلبها الاقتصاديات المعقدة. وتشمل المهن التي أوجدها التقدم التقني مهن ملاحي الطائرات ومشغلي الحاسوب والكهربائيين والميكانيكيين ومشرفي محطات الوقود.
وقد أصبح النشاط الاقتصادي بالمناطق الحضريّة لا مركزيًا إلى حد كبير. ونشأت كثير من شركات الأعمال والمصانع في الضواحي بينما احتفظت بمكاتبها في المدينة.
نظام الحكم:
أصبحت حكومات المدن منظمات ضخمة ومعقدة، وهي تواجه واجبات التحدي في توفير الخدمات لآلاف الملايين من الناس، وتساعد في إعادة بناء وسط المدينة. وقد اضطرت هذه الحكومات للحصول على التمويل الذي تحتاج إليه للقيام بعملها، وازدادت المشاكل بازدياد عدد السكان الحضريين. لمزيد من المعلومات ★ تَصَفح: المشكلات الحكومية في هذه المقالة.