العالم من عام 500م إلى 1500م
أوروبا العصور الوسطى:
بدأت بعض مناطق العالم تتصل بعضها ببعض ـ ولأول مرة ـ في الفترة من عام 500 إلى1500م. ووقعت تطورات عدة في مواطن الحضارات القديمة في ذات الحقبة (1000 عام)، أما في أوروبا فقد ظهرت دويلات عدة في أعقاب زوال الإمبراطورية الرومانية الغربية، في حين أن الإمبراطورية البيزنطية ظلت مزدهرة. وشهدت هذه الفترة ظهور الدين الإسلامي في جزيرة العرب، وانتشاره إلى أماكن عدة من العالم. ★ تَصَفح: فقرة العالم الإسلامي في هذه المقالة. وفي الصين كان حكم الأسر لايزال مستمرًا، في الوقت الذي كانت تنمو فيه حضارة شرقية في اليابان.
عرفت فترة الألف عام في التاريخ الأوروبي بالعصور الوسطى، وقد ظلت الثقافة الرومانية حية ومستمرة، خاصة في أوساط الحكام الجرمان (الألمان)، الذين تحولوا آنذاك إلى النصرانية. كما تعرضت أوروبا طوال هذه القرون لحملات الفايكنج من الشمال، وفتوحات المسلمين العرب من الجنوب، والمجر من الشرق وقد نتج عن هذه الأحوال المضطربة، والحروب المستمرة ظهور نظام سياسي وعسكري جديد عرف باسم الإقطاع، مكن من إقامة حكومات قوية استطاعت أن تشيع السلام، وتحيي التجارة من جديد، فأقيمت المدن، وتطورت الزراعة، وزاد عدد السكان، وازدهرت الآداب خاصة عندما أوجدت التجارة صلات مع الحضارة البيزنطية والحضارة الإسلامية. وقد شهد القرنان الثاني عشر والثالث عشر الميلاديان ظهور أولى الجامعات الأوروبية، مثل جامعة بولونيا في إيطاليا وجامعة باريس في فرنسا.
الإمبراطورية البيزنطية:
كانت امتدادًا للإمبراطورية الرومانية الغربية، لكنها تأثرت بالثقافة الإغريقية أكثر من تأثرها بالثقافة اللاتينية، فكان لها بعض الفضل في حفظ التراث الإغريقي القديم في الأدب والفلسفة واللغة. وازدهرت فيها النصرانية، فحملت الكنيسة الحضارة البيزنطية، إلى الشعوب السلافية في جنوب شرقي أوروبا وروسيا. ووقعت خلافات فكرية دينية بينها وبين كنيسة روما أدت في النهاية إلى تحولها عن روما، وإنشاء كنيسة خاصة بها هي الكنيسة الأورثوذكسية الشرقية. وصلت الإمبراطورية إلى أوج عظمتها عام 527م على عهد الإمبراطور جستنيان، حيث ازدهرت الحضارة البيزنطية، وقد ظلت تحمي أوروبا من غزوات الفرس الساسانيين وتغلّب عليها المسلمون بقيادة العثمانيين، واستولوا على عاصمتها القسطنطينية (إسطنبول الآن) عام 1453م. ★ تَصَفح: الإمبراطورية البيزنطية.
صيدلي مسلم يعد دواء من كتاب طبي في القرن الثالث عشر الميلادي. لقد ساهم المسلمون مساهمة كبيرة في تطوير العلوم والفنون. |
شهد القرن السابع الميلادي ظهور الإسلام في الجزيرة العربية. وكان النبي محمد ﷺ قد ولد في عام الفيل نحو عام 570م في مكة. ولما جاءته الرسالة قام يدعو للإسلام في مكة، ولكنه واجه معارضة المشركين، فهاجر بدينه الجديد إلى المدينة المنورة، حيث تمكن من إقامة دولة الإسلام الأولى. ولما توفي ﷺ نحو عام 11هـ، 632م، خلفه الخلفاء الراشدون الأربعة. ثم جاءت الفتوحات لتنشر الدين الإسلامي خلال فترة الخلافة الراشدة، في بلاد الشام والعراق، وفارس ومصر. ثم تحوّل الحكم عام 41هـ، 661م إلى الأمويين، حيث حكموا العالم الإسلامي الجديد من عاصمتهم دمشق، واستمر الإسلام في تسجيل انتصارات جديدة. وما أن حل القرن الثامن الميلادي حتى كان المسلمون قد بسطوا سيطرتهم على قبرص ورودس وشمالي إفريقيا وأفغانستان، ووصلت الجيوش الإسلامية إلى أسبانيا والهند وحدود الصين.
في عام 134هـ، 751م انتقل الحكم إلى الدولة العباسية التي حكمت من عاصمتها الجديدة بغداد، فوصلت الحضارة الإسلامية على عهدهم أوج عظمتها، فأصبحت بغداد مدينة ضخمة تضارع بل تتفوق على القسطنطينية في شتى مناحي الحياة، وازدهرت الفنون والعمارة والعلوم الإسلامية، وفُتحت المعاهد والجامعات الإسلامية، واختلطت الحضارة الإسلامية وامتزجت بغيرها من الحضارات كالفارسية والهندية والبيزنطية، فتأثرت بها وأثرت فيها. وتم فتح الأندلس وإقامة دولة إسلامية فيها. وقد كان للمسلمين إسهاماتهم الضخمة في مجالات العلوم كالطب والرياضيات والفلك والآداب، كما نشطت حركة الترجمة، حيث ترجم المسلمون التراث الإغريقي إلى العربية، وحفظوه بذلك من الضياع إلى أن ترجم فيما بعد إلى اللغات اللاتينية، حيث أصبح أساسًا لحركة النهضة التي شهدتها أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي.
باضمحلال الدولة العباسية في بغداد في القرن العاشر الميلادي، قامت الدويلات الإسلامية في أطرافها، فأدت دورًا مهمًا في تاريخ الإسلام، وفي استمرار حضارته وازدهارها. ثم جاءت من بعد ذلك الدولة العثمانية التي قامت في الأناضول (تركيا)، وتوسعت فيه وحوله على حساب الإمبراطورية البيزنطية، حتى استطاعت عام 857هـ، 1453م أن تستولي على العاصمة القسطنطينية. حملت الدولة العثمانية الإسلام إلى أصقاع من أوروبا لم يصلها من قبل، فحملته إلى جهات جنوب شرقي أوروبا، وأنحاء من روسيا ـ وهذا هو السبب وراء وجود الجماعات المسلمة في تلك الأصقاع ـ مثل البوسنة والهرسك، وجنوب الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، وجهات البلقان عامة ـ ثم امتد النفوذ العثماني إلى منطقة المشرق العربي وشمالي إفريقيا.
الكتابة الصينية مثّلت منذ عام 975م تقدم الصين التقني رغم عزلتها. اخترع الصينيون الطباعة على عهد أسرة تانغ التي حكمت بين عامي 618م و 907م. |
ظلت الحضارة الصينية في الفترة من 500 - 1500م محصورة ومعزولة داخل الصين، لا تتفاعل ولا تتأثر بغيرها من الحضارات، فأفادت من هذه العزلة الناتجة عن صعوبة الوصول إلى الصين، فبقيت حضارة مستقرة، ومكتفية ذاتيًا، وفي عهد أسرتي تانغ، 618 - 907م، وسونج، 960 - 1279م شهدت الصين رخاءً ملحوظًا، وإنجازات حضارية جمة، فقامت المدن وتطورت، واخترع نظام الري، كما تم اختراع البوصلة المغنطيسية، والطباعة، والبارود.
كما أن هذه الفترة شهدت غزو المغول بقيادة قبلاي خان للصين، وإقامتهم لحكم أسرة يووان التي حكمت منذ عام 1279إلى عام 1368م. والتي تمكنت ولأول مرة من توحيد البلاد تحت حكم أجنبي. وقد زاد اختلاط الصين بالعالم الخارجي، وزادت معرفة الأوروبيين بها بسبب زيارة المكتشفين الأوروبيين لها. لكن سرعان ما قامت الثورات على هذه العائلة وأنهت حكمها، فخلفهم في الحكم عائلة مينج، التي حكمت حتى عام 1644م.
ظهور الحضارة اليابانية:
تأثرت الحضارة اليابانية بجارتها الحضارة الصينية. ففي القرن السادس الميلادي أخذت اليابان عن الصين الكونفوشية، والبوذية، وصناعة الحرير ونظام كتابتهم إلى جانب بعض الآراء حول الحكم والإدارة. فمثلاً كان الإمبراطور في اليابان هو قمة الهرم الإداري. وكان المجتمع الياباني كالمجتمع الصيني مقسمًا إلى عشائر وعائلات.
ظهرت أسرة الفوجيوارا أواخر القرن الثامن وبداية القرن التاسع الميلاديين. وحكمت اليابان لمدة ثلاثمائة سنة، وفي عهد تلك الأسرة بدأت الآثار الصينية تضعف ثم تزول، وكانوا هم أصحاب السلطة الحقيقية بالرغم من أنه كان هناك إمبراطور يحكم لكنه ضعيف السلطة. وقد بدأت على عهدهم معالم الحضارة اليابانية في الظهور.
وفي القرن الحادي عشر قامت حروب أهلية قضت على حكم أسرة الفوجيوارا. ثم جاءت أسرة قوية أخرى هي أسرة ميناموتو عام 1185م لتغتصب الحكم وتجعل الإمبراطور الياباني رهينة لديها، فتحكم حكمًا عسكريًا عن طريق القادة العسكريين الذين يعرف الواحد منها بكلمة شوغن. وانتهى حكم هذه العائلة في القرن الرابع عشر الميلادي، تلا ذلك فترة مزقت اليابان فيها الحروب الأهلية، ولكنها لم تشهد غزوًا أجنبيًا، بسبب حصانة جزرها، وقد حاول المغول غزوها عام 1274م لكن العواصف البحرية العنيفة صدتهم.
مسجد سانكور في تمبكتو في مالي أصبح بيتًا إسلاميًا مهمًا للعبادة في عهد الإمبراطورية المالية في القرن الثالث عشر الميلادي. وقد حلت الإمبراطورية المالية محل الإمبراطورية الغانية فأصبحت أقوى دولة في غربي إفريقيا حيث استمرت في الازدهار إلى القرن الخامس عشر الميلادي. |
بعد سقوط أسرة جبتا في القرن السادس الميلادي، انقسمت الهند إلى ممالك صغيرة. وخلال الفترة من 500-1500م تعرضت الهند لفتوحات وغزوات عدة من جهة الشمال الغربي، فقد جاء المسلمون في القرن الثاني الهجري (القرن الثامن الميلادي) إلى شمال غربي الهند، وفي القرن الخامس الهجري (الثاني عشر الميلادي) سيطر المسلمون الأتراك القادمون من أواسط آسيا على وادي نهر السند، وأقاموا عام 603هـ، 1206م سلطنة دهلي (دلهي). كما أن هذه الفترة شهدت تحول معظم أجزاء الهند للإسلام. وفي عام 801هـ، 1398م غزا المغول الهند وسيطروا على سلطنة دلهي، لكنهم انسحبوا سريعًا فعادت السلطنة من جديد، لكن بعد أن انقسمت باقي أراضيها إلى ممالك عدة، وفي عام 933هـ، 1526م غزا الأمير بابار (من أفغانستان) سلطنة دلهي، وهزم سلطانها وأقام الإمبراطورية المغولية، التي امتدت عند وفاته من كابول إلى مدخل نهر الجانج في بنغلادش الحالية.
الحضارات الإسلامية الإفريقية:
تمت فتوحات المسلمين في شمالي إفريقيا عام 92هـ، 710م، ومنها انتشر الإسلام إلى أماكن أخرى في غربي إفريقيا عن طريق التجارة، ووصل أيضًا إلى شرقي إفريقيا على أيدي التجار المسلمين عبر المحيط الهندي. وظهرت وازدهرت إمبراطوريات إفريقية على طول بعض طرق التجارة الرئيسية، مثل إمبراطورية مالي الإسلامية التي كانت أكبر وأقوى دولة في غرب إفريقيا، حوت ضمن مدنها مدينة تمبكتو الشهيرة كمركز تجاري وثقافي مهم. واضمحلت هذه الإمبراطورية في القرن الخامس عشر الميلادي. وقد شهدت منطقة جنوب شرقي إفريقيا قيام عدة إمبراطوريات تجارية لم يعرف عنها الكثير.★ تَصَفح:غانا، دولة ؛ مالي الإسلامية، دولة.
الحضارات القديمة في الأمريكتين تطورت على أيدي شعب المايا في المكسيك وفي أمريكا الوسطى وعلى أيدي شعب الإنكا في بيرو. والنحت الموجود في (الصورة اليمنى) يعود تاريخه إلى القرن العاشر الميلادي وقد صنعه أحد الرسامين من المايا. أما الكأس الفضية إلى (اليسار) فقد صنعها فنان من الإنكا في حوالي عام 1500م. |
كانت أولى هذه الحضارات حضارة المايا التي قامت في منطقة بيرو والمكسيك الحاليتين، بمراكزها الدينية، ومعابدها، وقصورها وأهراماتها، وقد عرفت نوعًا متطورًا من الكتابة والفلك، لكن حضارة المايا بدأت في التدهور خلال القرن العاشر الميلادي لأسباب غير معروفة، ثم اختفت. ★ تَصَفح: المايا، شعب. وفي الفترة من 900 - 1200م ساد التولتك الذين كانوا في أواسط مرتفعات المكسيك. وأعقب هؤلاء الأزتك، في القرن الثالث عشر الميلادي، كأقوى كيان سياسي في أواسط المكسيك، واهتموا بالأمور الدينية كثيرًا، فعرفوا بتقديمهم القرابين البشرية لآلهتهم، وكثيرًا ما كانوا يحاربون جيرانهم بغرض القبض على الأسرى لتقديمهم قرابين للآلهة. ثم خلفهم الإنكا في حضارة بيرو، الذين بنوا إمبراطورية كبيرة، واهتموا بإنشاء الطرق. ★ تَصَفح: الإنكا .