الحرارة
كيف تصَوَّرَهَا الْأَقْدَمُونَ وكيف فَضَحَ سِرْهَا الأحدثون
كنت اقرأ في كتاب اسمه « الأتو قراط على مائدة الافطار » ، للعالم الأديب الشهير الدكتور هومز Oliver Windell Holmes ( ۱۸۰۹ - ١٨٩٤ ) ،
فوجدته يقول :
( ... انها الأشياء التي لا وزن لها ، الحرارة والكهرباء والحب ، هي التي تحكم الدنيا )
وقفت عند هذه العبارة ، ولفتني اليها ما خلت من سخرية فيها . ثم أمعنت النظر ، فاذا هو قول حق ، لا سخرية فيه ولا مزاح .
فالحجر والورق والحديد والخشب ، كلها أشياء لها أوزان .
أما الحرارة فلا وزن لها .
وأما الكهرباء فلا وزن لها .
وأما الحب فلا وزن له .
وأما أن الحرارة والكهرباء يحكمان الدنيا ، فذاك حق أيضا . ذلك أن الحرارة والكهرباء هما المصدران المحركان للتكنية الصناعية التي جعلت من الأمم سادة، و صنع آخر مسودین .
وأما أن الحب يحكم الدنيا فأترك للقارىء أن يدلي برأيه فيه ، وأي حب أراد هذا الكاتب الأديب العالم .
- الحرارة لا وزن لها :
هكذا انت تقول اليوم ويقول معك من تعلم من الناس .
وبهذه السرعة حكمت وحكموا ولكن عند هذا الحكم وقف الكثير من الأقدمين متشككين .
هذا وعاء من ماء بارد . وهذا آخر مثله تماما من ماء ساخن كاد يبلغ حد الغليان . أيهما أثقل وزنا ؟
انس ما تكون تعلمته في المدارس ، واذن تجد
نفسك تميل طوعا مع من يقول ان الأسخن أثقل وزنا .
وهكذا فعل بعض القدماء .
ان للحرارة قصة طريفة بين قديم الزمان وحديثه نبدأ بها عكسا . نبدأ بالحاضر ، ثم نرجع بالزمن الى الوراء .
- الحرارة :
اننا الآن قد الفنا معنى الحرارة .
هذا كوز به ماء . نضع فيه الترمومتر ، فنقرأ عليه درجة حرارة الماء ، فنجدها درجة ٥٠ مئوية . فنقول انها درجة في المنتصف ، بين درجة غليان الماء التي هي ۱۰۰ درجة ، وتجمد الماء التي هي صفر .
وهذا كوز آخر به ماء ، ولكنه كوز اكبر ، الماء الذي به ضعف الماء الذي في الكوز الأول . ونقيس الدرجة فنجدها كذلك ٥٠ درجة . فنقول ان الماءين في درجة من الحرارة واحدة . ونخلط ماءهما ونقيس درجة الحرارة فنجدها ٥٠ درجة .
ولكنهما غير سواء في مقدار الحرارة التي بهما الثاني به ضعف الحرارة التي بالأول .
أمور تؤمن بها اليوم ، كما تؤمن بأن النهار أبيض ، وأن الليل أسود .. انها بدائه عندنا اليوم .
- الحرارة حركة :
وتسأل مدرس الفيزياء عن هذه الحرارة ، ما هي ، فتعلم منه أن الحرارة حركة .
ويضرب لك مثلا بالهواء ، أو أي مادة غازية أخرى ويذكرك بأن الغاز يريد دائما أن ينتشر . ومعنى هذا أنه متحرك . وأنه مكون من جزيئات ( تصغير جزء ) غاية في الصفر ، لا تراها عدسات المكرسكوبات لشدة صفرها ، وأن هذه الجزيئات دائمة الحركة ، يصدم بعضها بعضا، وهي تصدم جدار الوعاء الذي هي فيه ، ونقيس مقدار هذا الصدام في المختبرات ونسميه ضغطا .
ونضغط الغاز في وعائه الى نصفه مثلا فتزداد حرارته ، لأن جزيئاته تضاعف عدد اصطدامها فيما بينها ، وفيما بينها وبين جدران الوعاء ، لقصر المسافات التي تقطعها قبل أن تصطدم .. فزيادة الحركة هذه زيادة حرارة .
وانت تملأ اطار عجلتك التي تركبها بالهواء ، ثم تزيده ملاً ، وتحس الاطار وهو من مطاط بيدك فتجد أنه زاد حرارة . لأنك زدت مقدار الهواء الذي هو سبب الحركة ، فهو سبب الحرارة . زدته في الحيز الواحد ، فازداد ضغطا .
وعلى العكس من ذلك ، ان الغاز المضغوط ، اذا انت أطلقته في حيز أوسع ، لنزلت بدرجة حرارته ، لأن طاقته الحركية توزعت على حيز أكبر .
( جزيئات من الغاز في حالة برودة ، فحركتها معتدلة نسبيا )
( جزیئات من الغاز ، في حركة دائبة )
( جزيئات الغاز وقد زدناها حرارة ، فازدادت حركة ، فهي تصطدم مع بعضها ، وتصدم الجدار فيزداد الضغط ، ضغط الغاز )
( زحمنا الجزيئات في حجم أصفر ، فزاد دقها جدران الوعاء ، فزاد الضغط )
وأنت تقف في ركن من حجرتك ، وتفتح زجاجة صغيرة ، بها زيت طيار طيب الرائحة ، ثم تغلقها ، فلا يلبث أن يتحول هذا القليل من الطيب الى غاز ، يظل ينتشر في الهواء ، ثم ينتشر ، صادمة جزيئاته كل ما تلقى من جزيئات هواء الحجرة حتى تبلغ المدى . وقد كانت المسافة بين الجزيء منها ، والجزيء ، مسافة صغيرة ، فاذا بها تطول حتى تصل الى ما يكاد يبلغ بين جدران الحجرة من مسافات
والخلاصة أن المواد الغازية تتألف من جزيئات حرة ، تنطلق ، وتطلب المزيد من الانطلاق ، وأن مجموع ما في جزيئات غاز من حركة ، في حيز ما ، نحسه نحن بني الناس ، حرارة ، تزيد كلما زادت الحركة بتركزها في حيز أضيق ، وتقل كلما قلت الحركة بتوزعها على حيز أوسع وأرحب .
- وفي الأبعاد والأحجام :
ولو أننا طرقنا باب الأبعاد والأحجام والمقادير في
شئون الغازات وجزيئاتها لوجدنا شيئا عجبا .
فعلماء الفيزياء يحدثوننا عن غاز الأدروجين مثلا فيقولون ان صفا واحدا من جزيئات الأدروجين طوله بوصة واحدة ، يحتاج لاقامته الى ۱۰۰ مليون جزيء من الأدروجين ، يصف الجزيء فيه الى جانب الجزيء كما يصف الجنود. وذلك لأن الجزيء الواحد غاية في الصغر . وقطر أكثر الجزيئات يقع بين ١ على ۱۰.۰۰۰.۰۰۰ و ۱ على ۱.۰۰۰.۰۰۰ من الملليمتر .
والمسافة التي يقطعها جزيء الأدروجين في حركته قبل أن يصطدم بجزيء منه آخر تبلغ في المتوسط ۱۷۰.... ر . من الملليمتر ، وهي مسافة غاية في الصغر في حسباننا ، ولكنها غير صغيرة اذا قيست بتلك الذرات الصغيرة الغاية في الصغر .
ان عالم الغازات عالم آخر غير عالمنا الذي الفناه. عالم غريب الأعداد ، غريب المسافات ، غريب السرعات يزيدك منه غرابة اذا علمت أن جزيئات الهواء تسير بسرعة أكثر من ۱۰۰۰ ميل في الساعة ، في المتوسط ، قبل أن يصطدم بعضها ببعض ، أو يصطدم بحائط الوعاء فيحدث ضغطا .
والخلاصة أن هذه الحركة ، حركة هذه الجزيئات هي الحرارة .
انها الطاقة الحركية صنعت الطاقة الحرارية التي
نحسها ونقيسها بالترمومترات .
كيف تصَوَّرَهَا الْأَقْدَمُونَ وكيف فَضَحَ سِرْهَا الأحدثون
كنت اقرأ في كتاب اسمه « الأتو قراط على مائدة الافطار » ، للعالم الأديب الشهير الدكتور هومز Oliver Windell Holmes ( ۱۸۰۹ - ١٨٩٤ ) ،
فوجدته يقول :
( ... انها الأشياء التي لا وزن لها ، الحرارة والكهرباء والحب ، هي التي تحكم الدنيا )
وقفت عند هذه العبارة ، ولفتني اليها ما خلت من سخرية فيها . ثم أمعنت النظر ، فاذا هو قول حق ، لا سخرية فيه ولا مزاح .
فالحجر والورق والحديد والخشب ، كلها أشياء لها أوزان .
أما الحرارة فلا وزن لها .
وأما الكهرباء فلا وزن لها .
وأما الحب فلا وزن له .
وأما أن الحرارة والكهرباء يحكمان الدنيا ، فذاك حق أيضا . ذلك أن الحرارة والكهرباء هما المصدران المحركان للتكنية الصناعية التي جعلت من الأمم سادة، و صنع آخر مسودین .
وأما أن الحب يحكم الدنيا فأترك للقارىء أن يدلي برأيه فيه ، وأي حب أراد هذا الكاتب الأديب العالم .
- الحرارة لا وزن لها :
هكذا انت تقول اليوم ويقول معك من تعلم من الناس .
وبهذه السرعة حكمت وحكموا ولكن عند هذا الحكم وقف الكثير من الأقدمين متشككين .
هذا وعاء من ماء بارد . وهذا آخر مثله تماما من ماء ساخن كاد يبلغ حد الغليان . أيهما أثقل وزنا ؟
انس ما تكون تعلمته في المدارس ، واذن تجد
نفسك تميل طوعا مع من يقول ان الأسخن أثقل وزنا .
وهكذا فعل بعض القدماء .
ان للحرارة قصة طريفة بين قديم الزمان وحديثه نبدأ بها عكسا . نبدأ بالحاضر ، ثم نرجع بالزمن الى الوراء .
- الحرارة :
اننا الآن قد الفنا معنى الحرارة .
هذا كوز به ماء . نضع فيه الترمومتر ، فنقرأ عليه درجة حرارة الماء ، فنجدها درجة ٥٠ مئوية . فنقول انها درجة في المنتصف ، بين درجة غليان الماء التي هي ۱۰۰ درجة ، وتجمد الماء التي هي صفر .
وهذا كوز آخر به ماء ، ولكنه كوز اكبر ، الماء الذي به ضعف الماء الذي في الكوز الأول . ونقيس الدرجة فنجدها كذلك ٥٠ درجة . فنقول ان الماءين في درجة من الحرارة واحدة . ونخلط ماءهما ونقيس درجة الحرارة فنجدها ٥٠ درجة .
ولكنهما غير سواء في مقدار الحرارة التي بهما الثاني به ضعف الحرارة التي بالأول .
أمور تؤمن بها اليوم ، كما تؤمن بأن النهار أبيض ، وأن الليل أسود .. انها بدائه عندنا اليوم .
- الحرارة حركة :
وتسأل مدرس الفيزياء عن هذه الحرارة ، ما هي ، فتعلم منه أن الحرارة حركة .
ويضرب لك مثلا بالهواء ، أو أي مادة غازية أخرى ويذكرك بأن الغاز يريد دائما أن ينتشر . ومعنى هذا أنه متحرك . وأنه مكون من جزيئات ( تصغير جزء ) غاية في الصفر ، لا تراها عدسات المكرسكوبات لشدة صفرها ، وأن هذه الجزيئات دائمة الحركة ، يصدم بعضها بعضا، وهي تصدم جدار الوعاء الذي هي فيه ، ونقيس مقدار هذا الصدام في المختبرات ونسميه ضغطا .
ونضغط الغاز في وعائه الى نصفه مثلا فتزداد حرارته ، لأن جزيئاته تضاعف عدد اصطدامها فيما بينها ، وفيما بينها وبين جدران الوعاء ، لقصر المسافات التي تقطعها قبل أن تصطدم .. فزيادة الحركة هذه زيادة حرارة .
وانت تملأ اطار عجلتك التي تركبها بالهواء ، ثم تزيده ملاً ، وتحس الاطار وهو من مطاط بيدك فتجد أنه زاد حرارة . لأنك زدت مقدار الهواء الذي هو سبب الحركة ، فهو سبب الحرارة . زدته في الحيز الواحد ، فازداد ضغطا .
وعلى العكس من ذلك ، ان الغاز المضغوط ، اذا انت أطلقته في حيز أوسع ، لنزلت بدرجة حرارته ، لأن طاقته الحركية توزعت على حيز أكبر .
( جزيئات من الغاز في حالة برودة ، فحركتها معتدلة نسبيا )
( جزیئات من الغاز ، في حركة دائبة )
( جزيئات الغاز وقد زدناها حرارة ، فازدادت حركة ، فهي تصطدم مع بعضها ، وتصدم الجدار فيزداد الضغط ، ضغط الغاز )
( زحمنا الجزيئات في حجم أصفر ، فزاد دقها جدران الوعاء ، فزاد الضغط )
وأنت تقف في ركن من حجرتك ، وتفتح زجاجة صغيرة ، بها زيت طيار طيب الرائحة ، ثم تغلقها ، فلا يلبث أن يتحول هذا القليل من الطيب الى غاز ، يظل ينتشر في الهواء ، ثم ينتشر ، صادمة جزيئاته كل ما تلقى من جزيئات هواء الحجرة حتى تبلغ المدى . وقد كانت المسافة بين الجزيء منها ، والجزيء ، مسافة صغيرة ، فاذا بها تطول حتى تصل الى ما يكاد يبلغ بين جدران الحجرة من مسافات
والخلاصة أن المواد الغازية تتألف من جزيئات حرة ، تنطلق ، وتطلب المزيد من الانطلاق ، وأن مجموع ما في جزيئات غاز من حركة ، في حيز ما ، نحسه نحن بني الناس ، حرارة ، تزيد كلما زادت الحركة بتركزها في حيز أضيق ، وتقل كلما قلت الحركة بتوزعها على حيز أوسع وأرحب .
- وفي الأبعاد والأحجام :
ولو أننا طرقنا باب الأبعاد والأحجام والمقادير في
شئون الغازات وجزيئاتها لوجدنا شيئا عجبا .
فعلماء الفيزياء يحدثوننا عن غاز الأدروجين مثلا فيقولون ان صفا واحدا من جزيئات الأدروجين طوله بوصة واحدة ، يحتاج لاقامته الى ۱۰۰ مليون جزيء من الأدروجين ، يصف الجزيء فيه الى جانب الجزيء كما يصف الجنود. وذلك لأن الجزيء الواحد غاية في الصغر . وقطر أكثر الجزيئات يقع بين ١ على ۱۰.۰۰۰.۰۰۰ و ۱ على ۱.۰۰۰.۰۰۰ من الملليمتر .
والمسافة التي يقطعها جزيء الأدروجين في حركته قبل أن يصطدم بجزيء منه آخر تبلغ في المتوسط ۱۷۰.... ر . من الملليمتر ، وهي مسافة غاية في الصغر في حسباننا ، ولكنها غير صغيرة اذا قيست بتلك الذرات الصغيرة الغاية في الصغر .
ان عالم الغازات عالم آخر غير عالمنا الذي الفناه. عالم غريب الأعداد ، غريب المسافات ، غريب السرعات يزيدك منه غرابة اذا علمت أن جزيئات الهواء تسير بسرعة أكثر من ۱۰۰۰ ميل في الساعة ، في المتوسط ، قبل أن يصطدم بعضها ببعض ، أو يصطدم بحائط الوعاء فيحدث ضغطا .
والخلاصة أن هذه الحركة ، حركة هذه الجزيئات هي الحرارة .
انها الطاقة الحركية صنعت الطاقة الحرارية التي
نحسها ونقيسها بالترمومترات .
تعليق