سناء عبد العزيز
الجمعة 15 مارس 2024 م
التهافت الرقمي يجعل الإنسان بلا ماض ولا مستقبل
كتاب "أزمات السرد" يكشف كيف أن الذاكرة البشرية تهدف إلى تجميع ركام من البيانات لا تنضوي تحت معنى
الإنسان في مواجهة الذكاء الاصطناعي (موقع الذكاء الاصطناعي)
ملخص
باتت وسائل التواصل الاجتماعي تعكس مدى عجز البشر عن بناء سردية حقيقية محكمة. و"بنك" المعلومات الذي وفرته التكنولوجيا الحديثة يهدف إلى جمع أكبر قدر ممكن من البيانات عن كل فرد، مما يجعل من السهل مراقبة الفرد والجماعة وتوجيههما واستغلالهما اقتصادياً. والبشر الذين يجذبهم اللعب على هواتفهم الذكية طوال الوقت، هم في الحقيقة من يتم التلاعب بهم.
مع هيمنة المنصات الرقمية، ومنها "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام" و"تيك توك" و"سناب شات" وهلم جرا، بات من السهل علينا مشاركة القصص والأخبار وقتما نشاء. غير أن عصر التحديثات المتوالية لم يسهم في تطوير السرد كما كنا نظن، بل على العكس، لقد أدى إلى تراجعه لصالح مجرد صور من الترويج للذات، لم تتمكن على وفرتها من ملء الفراغ السردي كما يعتقد الفيلسوف الكوري بيونغ تشول هان في كتابه "أزمات السرد" الصادر حديثاً عن دار بوليتي للنشر، ترجمة دانيال ستوير.
يبلور هان فرضيته في أن ما نرسله أو نستقبله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يعكس مدى عجزنا عن بناء سردية حقيقية محكمة. إنه بالأحرى يفضح تخلينا - من دون اتفاق - عن القصة لصالح تبادل المعلومات، متجاهلين حقيقة أن الذاكرة البشرية انتقائية وسردية. وهي في ذلك تختلف تماماً عن بنك المعلومات المعتمدة ذاكرته الرقمية على الإضافة وعلى تجميع ركام من البيانات لا تنضوي تحت معنى يوحدها، بينما ينبني السرد في جوهره، على اختيار الأحداث والربط بينها، لخلق المعنى والمغزى الحقيقيين. أما عن طوفان المعلومات الذي وفرته التكنولوجيا الحديثة، فإنه يخنق "روح السرد" ويبدد الألفة التي دعتنا ذات يوم للتجمع حول نار المخيم.
كتب يقول "لا يمكن لأي مقدار من القصص أن يعيد إشعال النار التي كان البشر يتجمعون حولها يتسامرون ويتبادلون رواية الأخبار بحميمية. لقد انطفأت تلك النار منذ فترة طويلة. وتم استبدالها بالشاشة الرقمية، التي عملت على الفصل بين الناس كمستهلكين أفراد لا كمجتمع".
كتاب "أزمة السرد" (دار بوليتي)
يرى هان أن أجهزتنا الحديثة حالت دون تدفق السرد بحيث لا يمكن "لطائر الأحلام أن يبني عشاً على الإنترنت. الباحثون عن المعلومات يطردونه." وفي حين يملأهم الزهو بأنهم أصبحوا أكثر حرية وتواصلاً، إذا بهم يخضعون لصورة جديدة من الهيمنة الخوارزمية توهمهم بالظهور في موقع السيطرة، فيواصلون اللعب على هواتفهم الذكية طوال الوقت، بينما في الحقيقة يتم التلاعب بهم كنتيجة طبيعية للوسيط الذي يهدف إلى جمع أكبر قدر ممكن من البيانات عن كل فرد، مما يجعل من السهل مراقبته وتوجيهه واستغلاله اقتصادياً.
أهذا ما يدفعنا إلى التواصل على نحو مفرط من دون أن نحقق أي إشباع؟ لأننا ببساطة لا نحكي بعضنا بعضاً، وإنما يتمحور هدفنا في النشر والمشاركة وجمع أكبر عدد من المتابعين مما يضمن مزيداً ومزيداً من أصابع الإعجاب. حتى عندما نستهدف الحكي، فنحن لا نستهدفه لذاته بل لإشباع هوسنا بالظهور والترويج لأنفسنا بأسلوب مسطح وشائه، من دون الالتفات لمدى تعقد حياتنا وغناها.
تعليق