الناقدة والمفكرة المصرية الراحلة سيزا قاسم (الجزيرة)
علي الكفراوي
11/1/2024
مصر.. رحيل سيزا قاسم آخر سلالات الذهب من مؤسسي ثقافة الحداثة
رحلت عن عالمنا، قبل يومين، الدكتورة سيزا قاسم عن 89 عاما بعد أن قضت جل حياتها في خدمة النقد والثقافة العربية، فكانت أحد أبرز الأسماء وأهمها بين النقاد العرب المعاصرين الذين تخصصوا في دراسة الأدب المقارن، سواء كان معاصرا أم من التراث.
ولم تكن سيزا قاسم مجرد ناقدة أدبية فقط، بل كانت صوتًا قويا للوعي الثقافي والسياسي، وعبّرت عن آرائها بشجاعة وعقلانية، وقدمت تحليلاتها النقدية للأدب والثقافة في ضوء التحديات الراهنة.
دافعت سيزا قاسم كثيرا عن سؤال المنهج وعن حق الإنسان العربي في المعرفة، وترى أن تزييف المعرفة وحجبها، وفرض منظور الأيديولوجية السائدة على المجتمع من خلال ما تسميه القمع المعرفي، من المشكلات الجوهرية التي يعاني منها المجتمع العربي، ومن ثم يقع العبء على الأدب في أن يفضح هذا الزيف وأن يكشف النقاب عن الحقيقة.
ولهذا دانت في أعمالها النقدية الاستبداد والتسلط والقمع والظلم الاجتماعي، داعية إلى دمقرطة الحكم وإحقاق إنسانية الإنسان، وكان لديها الشجاعة النقدية التي لا تخضعها لعبادة الأصنام الثقافية، وتجأر بصوتها في وجه الجميع مهددة بخرق حد الصمت، ومنددة بالسكوت الذي يتساوى مع الاشتراك في الجريمة.
إنتاج قليل وحصاد غزير:
لم تقدّم سيزا قاسم كثيرا من الأعمال النقدية أو الفكرية، فلم يشغلها الكم بقدر ما كان يشغلها الهم الإنساني بأن تعبر الأعمال الأدبية عن آمال الإنسان وطموحاته، وتفتح له في الأفق نافذة يجد فيها الخلاص، لذا جاءت كل أعمالها بمثابة الثورة في مجالها، تهدم قديما وتشيد جديدا على أنقاضه.
كانت رسالتها للدكتوراه عن "الواقعية في الرواية المصرية.. بحث في ثلاثية نجيب محفوظ"، لقد كان الأمر مستغربا وفريدا في نهاية السبعينيات، إذ كيف يتم التصديق على دراسة أكاديمية مقارنة تقوم على عمل واحد فقط؟
ومثلما كانت رسالتها عصفًا بالتقاليد الأكاديمية، كانت فتحا في الرؤى النقدية للأدب العربي، حيث أرادت أن ترسم صورة للواقع المصري والتاريخ من أسفل من خلال رؤية مكبرة.
في هذه الدراسة، ولأول مرة وضعت يدها على تأثر أديب نوبل نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة بمدارس غربية ثلاث: المدرسة الواقعية الفرنسية متمثلة في أونوريه دي بلزاك وغوستاف فلوبير، والمدرسة الطبيعية (مذهب الطبيعة) متمثلة في إميل زولا، ومدرسة الروائيين الإنجليز الإدوارديين مثل غولزورذي وبينيت.
أما كتاب "القارئ والنص" فبحث في موضوع القراءة والقارئ ونظرية التلقي، وقيمة النص ودلالته ومعناه، وضعت مجموعة من التساؤلات على طاولة التشريح الأدبي: هل يمتلك النص قيمة بذاته أم تقوم هذه القيمة في كاتبه أم إن القارئ هو من يخلع مثل هذه القيمة عليه؟ أو بالأدق ما طبيعة العلاقة بين القارئ والنص الأدبي؟
من هذا المدخل سعت الدكتورة سيزا قاسم لتناول قضية القراءة في أصولها المعرفية بين القارئ والنص الأدبي، منطلقة في ذلك من فكرة مسلم بها تقول إن اللغة هي الملكة التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات، فكيف يستقبلها الإنسان؟ وكيف تنتقل الدلالة من منبع ما إلى مستقبِلها؟ أو كيف يفهم البشر بعضهم بعضا؟
علي الكفراوي
11/1/2024
مصر.. رحيل سيزا قاسم آخر سلالات الذهب من مؤسسي ثقافة الحداثة
رحلت عن عالمنا، قبل يومين، الدكتورة سيزا قاسم عن 89 عاما بعد أن قضت جل حياتها في خدمة النقد والثقافة العربية، فكانت أحد أبرز الأسماء وأهمها بين النقاد العرب المعاصرين الذين تخصصوا في دراسة الأدب المقارن، سواء كان معاصرا أم من التراث.
ولم تكن سيزا قاسم مجرد ناقدة أدبية فقط، بل كانت صوتًا قويا للوعي الثقافي والسياسي، وعبّرت عن آرائها بشجاعة وعقلانية، وقدمت تحليلاتها النقدية للأدب والثقافة في ضوء التحديات الراهنة.
دافعت سيزا قاسم كثيرا عن سؤال المنهج وعن حق الإنسان العربي في المعرفة، وترى أن تزييف المعرفة وحجبها، وفرض منظور الأيديولوجية السائدة على المجتمع من خلال ما تسميه القمع المعرفي، من المشكلات الجوهرية التي يعاني منها المجتمع العربي، ومن ثم يقع العبء على الأدب في أن يفضح هذا الزيف وأن يكشف النقاب عن الحقيقة.
ولهذا دانت في أعمالها النقدية الاستبداد والتسلط والقمع والظلم الاجتماعي، داعية إلى دمقرطة الحكم وإحقاق إنسانية الإنسان، وكان لديها الشجاعة النقدية التي لا تخضعها لعبادة الأصنام الثقافية، وتجأر بصوتها في وجه الجميع مهددة بخرق حد الصمت، ومنددة بالسكوت الذي يتساوى مع الاشتراك في الجريمة.
إنتاج قليل وحصاد غزير:
لم تقدّم سيزا قاسم كثيرا من الأعمال النقدية أو الفكرية، فلم يشغلها الكم بقدر ما كان يشغلها الهم الإنساني بأن تعبر الأعمال الأدبية عن آمال الإنسان وطموحاته، وتفتح له في الأفق نافذة يجد فيها الخلاص، لذا جاءت كل أعمالها بمثابة الثورة في مجالها، تهدم قديما وتشيد جديدا على أنقاضه.
كانت رسالتها للدكتوراه عن "الواقعية في الرواية المصرية.. بحث في ثلاثية نجيب محفوظ"، لقد كان الأمر مستغربا وفريدا في نهاية السبعينيات، إذ كيف يتم التصديق على دراسة أكاديمية مقارنة تقوم على عمل واحد فقط؟
ومثلما كانت رسالتها عصفًا بالتقاليد الأكاديمية، كانت فتحا في الرؤى النقدية للأدب العربي، حيث أرادت أن ترسم صورة للواقع المصري والتاريخ من أسفل من خلال رؤية مكبرة.
في هذه الدراسة، ولأول مرة وضعت يدها على تأثر أديب نوبل نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة بمدارس غربية ثلاث: المدرسة الواقعية الفرنسية متمثلة في أونوريه دي بلزاك وغوستاف فلوبير، والمدرسة الطبيعية (مذهب الطبيعة) متمثلة في إميل زولا، ومدرسة الروائيين الإنجليز الإدوارديين مثل غولزورذي وبينيت.
أما كتاب "القارئ والنص" فبحث في موضوع القراءة والقارئ ونظرية التلقي، وقيمة النص ودلالته ومعناه، وضعت مجموعة من التساؤلات على طاولة التشريح الأدبي: هل يمتلك النص قيمة بذاته أم تقوم هذه القيمة في كاتبه أم إن القارئ هو من يخلع مثل هذه القيمة عليه؟ أو بالأدق ما طبيعة العلاقة بين القارئ والنص الأدبي؟
من هذا المدخل سعت الدكتورة سيزا قاسم لتناول قضية القراءة في أصولها المعرفية بين القارئ والنص الأدبي، منطلقة في ذلك من فكرة مسلم بها تقول إن اللغة هي الملكة التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات، فكيف يستقبلها الإنسان؟ وكيف تنتقل الدلالة من منبع ما إلى مستقبِلها؟ أو كيف يفهم البشر بعضهم بعضا؟
تعليق