Hasan M. Yousef مع Sajiyousef Qorqmaz.
أمس الساعة ٨:٣٤ ص ·
من دفتر الوطن
«قمح» عابر للقرون
| حسن م. يوسف
الأحد, 24-04-2022
فكرتان قفزتا إلى ذهني فور انتهائي من قراءة رواية «قمح» للصديق سجيع قرقماز. الفكرة الأولى «مُت فارغاً» Die Empty وهي عنوان كتاب صدرت طبعته الأولى عام 2013، للمؤلف الأميركي تود هنري الذي استوحي فكرة كتابه من اجتماع عمل حضره، إذ سأل مدير إحدى الشركات الأميركية الحضور قائلاً: ما أغنى أرض في العالم؟ أجابه أحدهم: بلاد الخليج الغنية بالنفط، وأضاف آخر: بلد في إفريقيا غني بالألماس. لكن المدير عقب قائلاً: «بل هي المقبرة! لأن ملايين البشر رحلوا إليها وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم يستفد منها أحد».
وقد ألهمت هذه الإجابة تود هنري لوضع كتابه «مُت فارغاً»، وعصارة الكتاب تتجلى في قوله: «لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً بعد أن تعطي الحياة كل الخير الذي في داخلك»، وهذه الفكرة تتجلى في رواية «قمح» التي يفرغ فيها قرقماز عصارة عمره، من خلال سبع محاولات للبقاء على قيد الحياة.
أما الفكرة الثانية فهي للكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك (1799- 1850) إذ يخاطب الكتَّاب ومن يريدون أن يصبحوا كذلك قائلاً: «يا معشر الكتاب لا بد أن نبدأ فنحيا، قبل أن نكتب عن الحياة»، وهذا ما فعله سجيع قرقماز، فبطل الرواية ككاتبها صحفي قديم يروي لنا حكايته وهو ممدد في التابوت بين الحياة والموت بعد أن أصيب في ريف اللاذقية الشمالي أثناء قيامه بتغطية المعارك بين الجيش العربي السوري والفصائل الإرهابية.
يبني قرقماز روايته على معلومة تناقلتها وكالات الأنباء أواسط العام 2018، مفادها أن علماء في جامعة كنساس الأميركية أجروا تجارب عديدة لإنقاذ المحاصيل الزراعية، وخاصة القمح، من تأثير ارتفاع درجات الحرارة وما ينجم عنه، إلا أنهم عجزوا عن الوصول إلى نتيجة حتى اكتشفوا أن بذور الحنطة السورية Aegilops tauschii أو «الدوسر»، هي الوحيدة التي لم تدمرها الآفات والحشرات من بين 20 ألف نوع آخر أجريت التجارب عليها في حقل مغطى بولاية كنساس الأميركية.
في رواية «قمح» يتشظى البطل في الأزمنة وهو بين الحياة والموت معطياً سجيع قرقماز، المعني بالآثار، الفرصة لإفراغ ما تراكم لديه من معلومات قيمة وطريفة عن تاريخ وآثار سورية، فهو يهدي روايته إلى نقماد الثاني ملك أوغاريت في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، ثم يتنقل بنا عبر الأزمنة والأمكنة من تل تنينير إلى أوغاريت إلى بابل إلى بغداد إلى منبج إلى اللاذقية إلى تدمر إلى قرطاج إلى دمشق، كما تصل شظايا روايته إلى ليننغراد ولندن، مستحضراً عدداً من أهم شخصيات التاريخ السوري، بدءاً بسميراميس وحنا بعل وانتهاء بهاني الراهب وخالد الأسعد.
يرى قرقماز في روايته أن أميركا سرقت البذور السورية المقاومة للأمراض وهي تزود دول العالم ببذورٍ مذكرة غير صالحة للزراعة مرة ثانية! ومن المعروف أن الدولة السورية اتهمت السلطات الأميركية في العام الماضي بأن «بذور القمح التي قدمتها للمزارعين في محافظة الحسكة، تحتوي نسبة عالية من الإصابة بالديدان الخيطية التي ستؤثر على التربة في وقت لاحق، موضحين أن أميركا تريد تدمير الزراعة في البلاد».
أحسب أنه من الصعب جداً إلحاق هذه الرواية بأي مدرسة أدبية معروفة، فهي تنهل من تقنيات كل المدارس الأدبية ولا تشبه أياً منها، لكن هذا لا يفقدها جاذبيتها، لأن كاتبها يملك موهبة القص وقد قال الكاتب الإنجليزي سومرست موم: «إذا كان باستطاعتك أن تروي القصص وتخلق الشخصيات وتبتكر الأحداث بشفافية وصدق، فليس مهماً حينها كيف تكتب».
********************
من دفتر الوطن«قمح» عابر للقرون
| حسن م. يوسف
الأحد, 24-04-2022
فكرتان قفزتا إلى ذهني فور انتهائي من قراءة رواية «قمح» للصديق سجيع قرقماز. الفكرة الأولى
«مُت فارغاً» Die Empty وهي عنوان كتاب صدرت طبعته الأولى عام 2013، للمؤلف الأميركي تود هنري الذي استوحي فكرة كتابه من اجتماع عمل حضره، إذ سأل مدير إحدى الشركات الأميركية الحضور قائلاً: ما أغنى أرض في العالم؟ أجابه أحدهم: بلاد الخليج الغنية بالنفط، وأضاف آخر: بلد في إفريقيا غني بالألماس. لكن المدير عقب قائلاً: «بل هي المقبرة! لأن ملايين البشر رحلوا إليها وهم يحملون الكثير من الأفكار القيّمة التي لم يستفد منها أحد».
وقد ألهمت هذه الإجابة تود هنري لوضع كتابه «مُت فارغاً»، وعصارة الكتاب تتجلى في قوله: «لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً بعد أن تعطي الحياة كل الخير الذي في داخلك»، وهذه الفكرة تتجلى في رواية «قمح» التي يفرغ فيها قرقماز عصارة عمره، من خلال سبع محاولات للبقاء على قيد الحياة.
أما الفكرة الثانية فهي للكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك (1799- 1850) إذ يخاطب الكتَّاب ومن يريدون أن يصبحوا كذلك قائلاً: «يا معشر الكتاب لا بد أن نبدأ فنحيا، قبل أن نكتب عن الحياة»، وهذا ما فعله سجيع قرقماز، فبطل الرواية ككاتبها صحفي قديم يروي لنا حكايته وهو ممدد في التابوت بين الحياة والموت بعد أن أصيب في ريف اللاذقية الشمالي أثناء قيامه بتغطية المعارك بين الجيش العربي السوري والفصائل الإرهابية.
يبني قرقماز روايته على معلومة تناقلتها وكالات الأنباء أواسط العام 2018، مفادها أن علماء في جامعة كنساس الأميركية أجروا تجارب عديدة لإنقاذ المحاصيل الزراعية، وخاصة القمح، من تأثير ارتفاع درجات الحرارة وما ينجم عنه، إلا أنهم عجزوا عن الوصول إلى نتيجة حتى اكتشفوا أن بذور الحنطة السورية Aegilops tauschii أو «الدوسر»، هي الوحيدة التي لم تدمرها الآفات والحشرات من بين 20 ألف نوع آخر أجريت التجارب عليها في حقل مغطى بولاية كنساس الأميركية.
في رواية «قمح» يتشظى البطل في الأزمنة وهو بين الحياة والموت معطياً سجيع قرقماز، المعني بالآثار، الفرصة لإفراغ ما تراكم لديه من معلومات قيمة وطريفة عن تاريخ وآثار سورية، فهو يهدي روايته إلى نقماد الثاني ملك أوغاريت في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، ثم يتنقل بنا عبر الأزمنة والأمكنة من تل تنينير إلى أوغاريت إلى بابل إلى بغداد إلى منبج إلى اللاذقية إلى تدمر إلى قرطاج إلى دمشق، كما تصل شظايا روايته إلى ليننغراد ولندن، مستحضراً عدداً من أهم شخصيات التاريخ السوري، بدءاً بسميراميس وحنا بعل وانتهاء بهاني الراهب وخالد الأسعد.
يرى قرقماز في روايته أن أميركا سرقت البذور السورية المقاومة للأمراض وهي تزود دول العالم ببذورٍ مذكرة غير صالحة للزراعة مرة ثانية! ومن المعروف أن الدولة السورية اتهمت السلطات الأميركية في العام الماضي بأن «بذور القمح التي قدمتها للمزارعين في محافظة الحسكة، تحتوي نسبة عالية من الإصابة بالديدان الخيطية التي ستؤثر على التربة في وقت لاحق، موضحين أن أميركا تريد تدمير الزراعة في البلاد».
أحسب أنه من الصعب جداً إلحاق هذه الرواية بأي مدرسة أدبية معروفة، فهي تنهل من تقنيات كل المدارس الأدبية ولا تشبه أياً منها، لكن هذا لا يفقدها جاذبيتها، لأن كاتبها يملك موهبة القص وقد قال الكاتب الإنجليزي سومرست موم: «إذا كان باستطاعتك أن تروي القصص وتخلق الشخصيات وتبتكر الأحداث بشفافية وصدق، فليس مهماً حينها كيف تكتب».
تعليق