الأحياء أخذت من الطبيعة ، ثم كسبت لنفسها
أن الدارس لكل الأحياء ، من تلك التي لا ترى الا بالمجهر ، الى الحشر ، الى السمك ، الى الطير ، الى ذوات الثدي ، الى الانسان ، الدارس لهذه جميعا لا يلبث أن يدرك أن هناك شيئا تعطيه الطبيعة عند ميلاد وايجاد .
ان الايجاد القائم اليوم في الكون لا يكون الانسلا ، ينسل جيل جيلا من الناس ، وينسل جيل جيلا من
الذباب والفئران .
وهذا الموجود الجديد ، هذا المولود ، خرج الى هذا العالم الذي يجهله كل الجهل ، وهو محصن بأنماط من التصرف فيه ، لم يتعلمها ، وانما وضعت فيه وضعا، لتحفظ حياته ، على ضعف الادراك وضعف الفهم ضعفا شدیدا .
وهذا الارث المحتم ، لا حيلة للحي فيه ، وهو مجبر فيه غير مخير .
ويسمى هذا الارث بالفرائز ، أو هو يسمى بالميول الداخلة التي تدفع الى الأفعال الخارجة ، ويسمى
بالدوافع والنوازع .
- حوت سلیمان يعود الى النهر اقتحاما ليبيض
ومن أمثلة هذا أن أنثى السمكة المعروفة بحوت سلیمان Salmon ، تخرج من بيضتها ، في النهر العذب، ثم يحملها ماؤه الى البحر الملح . وفيه تكبر وتأكل وتتصرف مع قبيلها تصرف الحياة ، فاذا جاءها أوان البيض ، فأحست أن عليها أن تبيض ، طلبت النهر العذب ، تجري فيه عكس تياره تقتحمه اقتحاما . طلبته لتبيض فيه كما باضتها أمها . ولست أتعرض الآن للحكمة في ذلك .
من علمها هذا ؟ لا أحد . انه ليس مما يتعلم . انه ارث ورثته من أمها وأبيها ، وهي لم ترهما قط . مخطط في باطن نفسها ، في روحها ، لابد لها من تنفيذه. وهو مخطط لا يتصل بالمكان وحده ، ولكنه يتصل بالزمان . فأمر التنفيذ لا يحيا في السمكة ، سمكة حوت سليمان ، الا اذا هي جاءها أوان البيض . على هذا خلقت . وبهذا أذنت .
- والعصفور يبني عشه كاحسن ما تبنى الأعشاش
وقد تقول ما أبسطها غريزة . ولكن في الغرائز ما هو أعقد !
في الطير . انك قد تأخذ العصفور الصغير وتبعده عن أمه . ثم هو يكبر تحت رعايتك ويترعرع . فاذا حان وقت بيضه ، وجئت له بالقش ، بدأ يبني لنفسه بيتا يضع البيض فيه ، ليفرخ فيه .
فهل تدري اي عش يبني ؟ يبني نفس ذلك العش المعقد الهندسة ، المتعشق الأعواد ، الذي يعصف به الريح فلا ينعصف . ويبنيه تماما على الأسلوب الذي بنته امه .
من علمه ؟ لا احد . انه المخطط الذي غرزته فيه الطبيعة غرزا ، تعوضه به عما فاته من عقل كعقل الانسان كبير . لقد عقلت له ، ونيابة عنه ، الطبيعة ، وهي من الله ، وأودعت نتيجة ذلك كتابا مرموقا يفتح ويقرأ عند الحاجة . ومن يفتحه ، ومن يقدر الوقت الذي ينفتح فيه ؟ انها الطبيعة تقوم حتى بهذا .
- وتقل الغرائز ، ويزيد العقل
حتى يبلغ أقصى المراتب : في الانسان
وترتفع في سلم الحيوانات درجات ، وكلما ارتفعنا قلت الكتب المرقومة المودعة في طبع الحي ، بزيادة الفهم وزيادة التعقل ، وزيادة القدرة على التصرف بغية السلامة واجراء الحياة .
ووصاية الطبيعة على الخلائق ، بايداعها المخططات التي تجعل اتباعها اضطرارا في جبلة الشيء الحي ، هذه الوصاية تقل ، ثم تقل حتى تكاد تعدم . أو حتى تظن انها انعدمت وهي لم تفعل .
وآخر ما نبلغ في صعود السلم : الانسان .
وفي الانسان ، سيد الخلائق ، على ما عرفنا منها ، نجد سلطان العقل قد تربع في صدر النفس على أريكة ومع هذا فلا تزال به غرائز تفعل فيه ، وبالرغم كبيرة منه تفعل ، هي من حيث جوهرها كغرائز الحيوان. وهي غرائز قد يركبها العقل وقد تركبه .
( وهذا الشمبنزي ، تركوه وحده ، مع عصوين ، من الممكن وصلهما . وعلقوا في السقف عنقود موز. فاهتدى الشمبنزي الى وصل العصوين ، واستطاع بهما هكذا أن ينال الموز )
- أمثلة في الغرائز
و من هذه الغرائز :
البحث عن الطعام
البحث عن الزوج
حماية النسل
التملك
حماية النفس بالدفاع أو الهرب .
التجمع .
التشوف والتفهم الخ .
وهي غرائز ، بعضها يشترك فيه كل الحيوانات ،
وبعض يشترك فيه بعضها . وهي جميعا تتصل بحماية الحياة ووصلها على هذه الأرض . وهي كلها موروثة .
ومن الموروث كذلك ما يتصل بالعقل ، كالقدرة على الفهم ، وعلى التعقل ، وعلى الاختيار في التصرف .
و من الموروث ما يتصل بالانفعالات .
- موروث الانسان لا يكفيه لاطراد الحياة
وغرائز الانسان لا تكفيه . لابد من مكسوب .
ان المكسوب حجمه اكبر كثيرا ، وخطره أخطر كثيرا .
ولنضرب مثلا لرجل : طفل أخذناه من أمه وتركناه
في غاب وحده . انه يموت . انه ليس فيه من الفرائز ما يكفيه لمعالجة العيش ، بينما في الغاب يوجد ألف حي ، ومنها الذي ما عرف أما أو أبا ، يعيش معتمدا على الذي اختزنته فيه الطبيعة من غرائز .
ولو فرضنا فرضا أن هذا الطفل وجد من الحيوان
من يرعاه ، وشب صبيا فرجلا . فهو لن يكون رجلا
كسائر الرجال .
انه رجل وحشي لا يعرف ما الثياب . وان وجد القماش فهو لا يعرف انه يخاط ، وقد تهديه جبلته تلك الموروثة ، الى ان يتلفع به . وهو لا يعرف الطعام الا ما يجد منه من ثمر على الشجر ، أو نبتا في الأرض . وهو لا يعرف ما طبخ الطعام وهو لا يعرف ما النار . وهو لا يعرف كيف يصنع النار ولو عاش سنين طوالا. وهو يرى الماء فيستقي منه بحكم بالطبع .
ثم هو لا يدري ما الكلام ، لأن الكلام ليس غريزة : وانما هو من الأشياء المكسوبة .
واذا هوجم فهو يفر ، أو يضرب كما يضرب ،
وفقا لما تمليه عليه الفطنة الطبيعية ، أو الخبرة المكتسبة من هجمات سابقة .
ان الانسان أعجز الحيوانات كلها من حيث الغرائز . انها لا تحميه . انها لا تكفيه . أن الحيوانات تأكل الناس لو انهم بقوا عند غرائزهم وحدها . أن رجل اليوم يدفع السبع عن نفسه بالسلاح . والسلاح من مبتدعات
( في الأسرة الشمبنزية : غارت الأم لما أخذ زوجها يغازل سواها ، وغضبت . ثم عادت تلاطفه و تمازحه خشية أن تفقده وده . هكذا حظ الاناث في القردة والناس . وبذلك خرجت نتيجة التجربة )
الانسان على القرون الطوال . ولكن السلاح علم وفن يورثه جيل جيلا . فالجيل من الناس لابد له من أن يتعلم كيف يصنع السلاح . وأن يتعلم كيف يستخدم السلاح .
وكل هذا مكسوب .
أن الدارس لكل الأحياء ، من تلك التي لا ترى الا بالمجهر ، الى الحشر ، الى السمك ، الى الطير ، الى ذوات الثدي ، الى الانسان ، الدارس لهذه جميعا لا يلبث أن يدرك أن هناك شيئا تعطيه الطبيعة عند ميلاد وايجاد .
ان الايجاد القائم اليوم في الكون لا يكون الانسلا ، ينسل جيل جيلا من الناس ، وينسل جيل جيلا من
الذباب والفئران .
وهذا الموجود الجديد ، هذا المولود ، خرج الى هذا العالم الذي يجهله كل الجهل ، وهو محصن بأنماط من التصرف فيه ، لم يتعلمها ، وانما وضعت فيه وضعا، لتحفظ حياته ، على ضعف الادراك وضعف الفهم ضعفا شدیدا .
وهذا الارث المحتم ، لا حيلة للحي فيه ، وهو مجبر فيه غير مخير .
ويسمى هذا الارث بالفرائز ، أو هو يسمى بالميول الداخلة التي تدفع الى الأفعال الخارجة ، ويسمى
بالدوافع والنوازع .
- حوت سلیمان يعود الى النهر اقتحاما ليبيض
ومن أمثلة هذا أن أنثى السمكة المعروفة بحوت سلیمان Salmon ، تخرج من بيضتها ، في النهر العذب، ثم يحملها ماؤه الى البحر الملح . وفيه تكبر وتأكل وتتصرف مع قبيلها تصرف الحياة ، فاذا جاءها أوان البيض ، فأحست أن عليها أن تبيض ، طلبت النهر العذب ، تجري فيه عكس تياره تقتحمه اقتحاما . طلبته لتبيض فيه كما باضتها أمها . ولست أتعرض الآن للحكمة في ذلك .
من علمها هذا ؟ لا أحد . انه ليس مما يتعلم . انه ارث ورثته من أمها وأبيها ، وهي لم ترهما قط . مخطط في باطن نفسها ، في روحها ، لابد لها من تنفيذه. وهو مخطط لا يتصل بالمكان وحده ، ولكنه يتصل بالزمان . فأمر التنفيذ لا يحيا في السمكة ، سمكة حوت سليمان ، الا اذا هي جاءها أوان البيض . على هذا خلقت . وبهذا أذنت .
- والعصفور يبني عشه كاحسن ما تبنى الأعشاش
وقد تقول ما أبسطها غريزة . ولكن في الغرائز ما هو أعقد !
في الطير . انك قد تأخذ العصفور الصغير وتبعده عن أمه . ثم هو يكبر تحت رعايتك ويترعرع . فاذا حان وقت بيضه ، وجئت له بالقش ، بدأ يبني لنفسه بيتا يضع البيض فيه ، ليفرخ فيه .
فهل تدري اي عش يبني ؟ يبني نفس ذلك العش المعقد الهندسة ، المتعشق الأعواد ، الذي يعصف به الريح فلا ينعصف . ويبنيه تماما على الأسلوب الذي بنته امه .
من علمه ؟ لا احد . انه المخطط الذي غرزته فيه الطبيعة غرزا ، تعوضه به عما فاته من عقل كعقل الانسان كبير . لقد عقلت له ، ونيابة عنه ، الطبيعة ، وهي من الله ، وأودعت نتيجة ذلك كتابا مرموقا يفتح ويقرأ عند الحاجة . ومن يفتحه ، ومن يقدر الوقت الذي ينفتح فيه ؟ انها الطبيعة تقوم حتى بهذا .
- وتقل الغرائز ، ويزيد العقل
حتى يبلغ أقصى المراتب : في الانسان
وترتفع في سلم الحيوانات درجات ، وكلما ارتفعنا قلت الكتب المرقومة المودعة في طبع الحي ، بزيادة الفهم وزيادة التعقل ، وزيادة القدرة على التصرف بغية السلامة واجراء الحياة .
ووصاية الطبيعة على الخلائق ، بايداعها المخططات التي تجعل اتباعها اضطرارا في جبلة الشيء الحي ، هذه الوصاية تقل ، ثم تقل حتى تكاد تعدم . أو حتى تظن انها انعدمت وهي لم تفعل .
وآخر ما نبلغ في صعود السلم : الانسان .
وفي الانسان ، سيد الخلائق ، على ما عرفنا منها ، نجد سلطان العقل قد تربع في صدر النفس على أريكة ومع هذا فلا تزال به غرائز تفعل فيه ، وبالرغم كبيرة منه تفعل ، هي من حيث جوهرها كغرائز الحيوان. وهي غرائز قد يركبها العقل وقد تركبه .
( وهذا الشمبنزي ، تركوه وحده ، مع عصوين ، من الممكن وصلهما . وعلقوا في السقف عنقود موز. فاهتدى الشمبنزي الى وصل العصوين ، واستطاع بهما هكذا أن ينال الموز )
- أمثلة في الغرائز
و من هذه الغرائز :
البحث عن الطعام
البحث عن الزوج
حماية النسل
التملك
حماية النفس بالدفاع أو الهرب .
التجمع .
التشوف والتفهم الخ .
وهي غرائز ، بعضها يشترك فيه كل الحيوانات ،
وبعض يشترك فيه بعضها . وهي جميعا تتصل بحماية الحياة ووصلها على هذه الأرض . وهي كلها موروثة .
ومن الموروث كذلك ما يتصل بالعقل ، كالقدرة على الفهم ، وعلى التعقل ، وعلى الاختيار في التصرف .
و من الموروث ما يتصل بالانفعالات .
- موروث الانسان لا يكفيه لاطراد الحياة
وغرائز الانسان لا تكفيه . لابد من مكسوب .
ان المكسوب حجمه اكبر كثيرا ، وخطره أخطر كثيرا .
ولنضرب مثلا لرجل : طفل أخذناه من أمه وتركناه
في غاب وحده . انه يموت . انه ليس فيه من الفرائز ما يكفيه لمعالجة العيش ، بينما في الغاب يوجد ألف حي ، ومنها الذي ما عرف أما أو أبا ، يعيش معتمدا على الذي اختزنته فيه الطبيعة من غرائز .
ولو فرضنا فرضا أن هذا الطفل وجد من الحيوان
من يرعاه ، وشب صبيا فرجلا . فهو لن يكون رجلا
كسائر الرجال .
انه رجل وحشي لا يعرف ما الثياب . وان وجد القماش فهو لا يعرف انه يخاط ، وقد تهديه جبلته تلك الموروثة ، الى ان يتلفع به . وهو لا يعرف الطعام الا ما يجد منه من ثمر على الشجر ، أو نبتا في الأرض . وهو لا يعرف ما طبخ الطعام وهو لا يعرف ما النار . وهو لا يعرف كيف يصنع النار ولو عاش سنين طوالا. وهو يرى الماء فيستقي منه بحكم بالطبع .
ثم هو لا يدري ما الكلام ، لأن الكلام ليس غريزة : وانما هو من الأشياء المكسوبة .
واذا هوجم فهو يفر ، أو يضرب كما يضرب ،
وفقا لما تمليه عليه الفطنة الطبيعية ، أو الخبرة المكتسبة من هجمات سابقة .
ان الانسان أعجز الحيوانات كلها من حيث الغرائز . انها لا تحميه . انها لا تكفيه . أن الحيوانات تأكل الناس لو انهم بقوا عند غرائزهم وحدها . أن رجل اليوم يدفع السبع عن نفسه بالسلاح . والسلاح من مبتدعات
( في الأسرة الشمبنزية : غارت الأم لما أخذ زوجها يغازل سواها ، وغضبت . ثم عادت تلاطفه و تمازحه خشية أن تفقده وده . هكذا حظ الاناث في القردة والناس . وبذلك خرجت نتيجة التجربة )
الانسان على القرون الطوال . ولكن السلاح علم وفن يورثه جيل جيلا . فالجيل من الناس لابد له من أن يتعلم كيف يصنع السلاح . وأن يتعلم كيف يستخدم السلاح .
وكل هذا مكسوب .
تعليق