رحيل فتحي غبن فان غوخ غزة ورسام الهوية الفلسطينية
لوحات الفنّان الراحل والتي رسمت في أغلبها بألوان الزيت، تتميّز بازدحام العناصر والشخصيّات فيها، وبتركيزها على الثيمة الفلسطينيّة.
الاثنين 2024/02/26
فنان دافع عن قضيته
غزة (فلسطين) - توفي صباح الأحد الفنان التشكيلي فتحي غبن الملقب بفنان فلسطين و”فان غوخ غزة”، صاحب لوحة “الهوية” التي رسمها عام 1984، وتنبأ فيها باندلاع الانتفاضة، عبر مشهد يصور المقلاع ورمي الحجارة، حيث تم منعه لاحقا من السفر والاستيلاء على أعماله.
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية، الفنان فتحي غبن، الذي توفي بعد صراع طويل مع المرض، ونقلت وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام مقولته “بدي أتنفس”، حيث كان يعاني من ضيق في التنفس وبحاجة إلى السفر للخارج لاستكمال علاجه بسبب نقص الأدوية والأوكسجين في غزة، إلا أن سلطات الاحتلال لم تسمح له بمغادرة القطاع.
وأضافت أن رحيل غبن يشكل خسارة للفن الفلسطيني الذي شهد على يده انتقالات هامة تجاه تجسيد الحياة الفلسطينية واللجوء الفلسطيني والمخيم وتقاليد الحياة في البلاد التي نذر حياته لتخليدها في فنه.
فتحي غبن يعتبر من رواد الفن التشكيلي الفلسطيني بعد النكبة، حيث عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها
وقال وزير الثقافة عاطف أبوسيف، إن الفنان فتحي غبن يعتبر من الرواد في الفن التشكيلي الفلسطيني بعد النكبة، حيث عاش حياة المخيم بكل تفاصيلها ورسمها بدقة متناهية وخلّد حياة القرية الفلسطينية التي أرادت النكبة أن تمحوها، مستذكرا قريته “هِربيا” التي ولد فيها، فرسم الحقل والبيدر والعرس والحصاد والميلاد ورسم البيوت والوجوه والطرقات، وكانت فلسطين دائما حاضرة بكل تفاصيلها في أعمال غبن الذي حمل معه حياة القرية الفلسطينية والمخيم واللجوء إلى العالم عبر ريشته البارعة.
وأضاف أن فتحي عاش حياته في خيمة ومات في خيمة، إن الخيمة ليست قدر الفلسطيني لكنها تعني أن الاحتلال أيضا سيزول مثلما ستزول الخيمة.
ولد فتحي غبن في قرية هربيا داخل أراضي 1948 في 12 نوفمبر 1946، وكان من الفنانين الذين طغت موهبتهم على التقنيات، فشارك في عشرات المعارض سواء في فلسطين أو العالم العربي والعالم، بما فيها المعارض الشخصية والجماعية، كما احترف النحت بالطين، واستخدم في رسوماته مختلف الأدوات والألوان، كما درب عددا كبيرا من الهواة على أساسيات الرسم.
وتعلم غبن الفن بالممارسة، وعاش في مخيم جباليا، واحترف الفن عام 1965، وعمل مدرسًا في مدرسة النصر النموذجية الإسلامية في غزة، قبل أن يصبح مستشارا في وزارة الثقافة، وقد أطلق عليه بعض النقاد والأصدقاء “فان كوخ غزة”.
وحصل على وسام الثقافة والعلوم عام 2015، كما حصل على وسام هيروشيما، ووسام اتحاد الجمعيات العالمي بطوكيو، وحاز على لقب “فنان فلسطين” عام 1993، وحاز على وسام “سيف كنعان” من إدارة التوجيه الوطني والسياسي الفلسطيني، وتم تكريمه من ممثل الاتحاد الأوروبي بعد حصوله على جائزة بيت الصحافة التقديرية الفلسطينية لعام 2023.
كما أنه أحد مؤسسي جمعية التشكيليين في قطاع غزة، ورابطة التشكيليين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتتميّز لوحات الفنّان الراحل والتي رسمت في أغلبها بألوان الزيت، بازدحام العناصر والشخصيّات فيها، وبتركيزها على الثيمة الفلسطينيّة كعناصر التطريز الفلسطيني، ومفتاح العودة، والكوفيه الفلسطينية، وغصن الزيتون. وكان طوال مسيرته يستخدم لغة اللون والرسم العالمية، لينقل الموضوع الفلسطينيّ، ويعرف بقضية بلده وببعض الرموز التي اعتبرها البعض مفاتيح المدرسة الفلسطينية التشكيلية، كمشاهد المرأة بالثوب الفلسطيني التقليدي، وأزقة مدينة القدس، ومواسم الحصاد، وشجر الزيتون، والمقاومة بكل أنماطها، إلى جانب صور ومشاهد كثيرة من الحياة داخل المخيّمات الفلسطينية.
”فان غوخ غزة”
وحظي “فان غوخ غزة” باهتمام وسائل إعلام عربية وغربية، وفي إحدى لقاءاته مع موقع المونيتور الأميركي، وصف بأنه يشبه الفنان العالمي فان غوخ حتى في المأساة والمعاناة التي يعيشها. وجاء في المقال أن “الضربات القويّة للفرشاة، الّتي تركها فان جوخ على لوحاته ربما تعبّر عن نوبات اليأس من الفقر التي أدّت به في النّهاية إلى قطع أذنه، ثمّ الانتحار..الفقر والإبداع بقيا يلازمان سيرة فان جوخ، وهما ذاتهما يرافقان الفنّان الفلسطينيّ المعروف فتحي غبن في حياته”.
وفي الحوار نفسه المنشور في العام 2015، قال غبن واصفا بداياته الفنية «كنت أرسم كلّ شيء وفي أيّ وقت، في حصص الرياضيّات والعلوم والعربيّ، وبقيت هكذا حتى اشتهر اسمي في غزّة. ورغم أنّي لم أكمل دراستي بسبب الفقر، إلا أنه تمّ توظيفي كمدرس للرسم نظراً لشهرة اسمي».
وأضاف «في عام 1982، رسمت لوحتي المعروفة باسم الهويّة، وهي تضم مجموعة من الناس الذين يتظاهرون عند باب العمود في القدس، وتنبأت فيها بالانتفاضة الأولى. وتمّت طباعتها ملوّنة على بوسترات عدّة توزّعت في الضفة وقطاع غزّة»، مشيرا إلى أن الاحتلال الإسرائيليّ اعتقله بسبب هذه اللّوحة عام 1984 بتهمة التّحريض. بعد ذلك تم منعه من السفر وإتلاف أعماله وملاحقة مقتنييها.
كما تعرض الفنان الراحل للاستغلال مرات كثيرة، حيث كانت لوحاته تباع بأثمان باهظة لا يصله منها شيء، وعاش طوال حياته فقيرا، وهو يقول عن ذلك «بعض من اشترى لوحاتي بسعر بخس في غزّة خرج ليبيعها بآلاف الدولارات، وأنا لا أستطيع السفر كي أطالب بحقّي”. كما ذهب الكثير من ريع لوحاته إلى منظّمة التّحرير الفلسطينيّة.
وقد مر الفنان غبن بحالة نفسية غاية في السوء بعد قصف بيته في منطقة النصر غرب غزة، والذي كان يحوي معظم لوحاته التي احترقت إثر القصف.
وكان في أيامه الأخيرة يتلقى العلاج في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح في غزة في انتظار أن يتمكن من الخروج لمصر لتلقي العلاج هناك رغم استكمال كل الإجراءات والتقارير المطلوبة التي تتم في هذه الحالة. ورغم مرور أسبوعين على ذلك إلا أن سلطات الاحتلال لم تسمح بمغادرته.