محمد أسعد يستعيد روح الأساطير في التشكيل السوري
على الجمهور الاطلاع والقراءة ليستطيع التفاعل مع الفنان التشكيلي.
لوحات غرائبية
يتعامل العديد من الفنانين التشكيليين مع الحضارات والتراث بالكثير من المتابعة والبحث، محاولين تكريسهما في أعمال فنية مختلفة، احتفاء بهما ورغبة في توثيقهما والتعبير عنهما. ومن هؤلاء الفنان التشكيلي السوري محمد أسعد الذي أطلق على نفسه لقبا فنيا مستوحى من الحضارات القديمة وما انفك يقدم أعماله من وحيها.
دمشق - يقدم الفنان محمد أسعد حضورا خاصا في المشهد التشكيلي السوري، بداية من لقبه الذي أطلقه على نفسه وهو “سموقان” أي إله الغابة في الأساطير القديمة المعروفة في منطقة بلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب، مرورا بانتمائه القوي إلى تراث بيئته الساحلية السورية التي عرفها بتاريخها وحاضرها وارتبط بها عضويا كما ارتبط بتاريخها وأساطيرها.
ترجم سموقان ذلك من خلال تأسيسه مجموعة أوغاريت وأبابيل في مدينة اللاذقية التي جمعته مع عدد من الباحثين في عدة فنون وعلوم منهم جبرائيل سعادة وراؤول فيتالي وصديقه هيشون، وكان هدفها البحث في الحضارة الأوغارتية القديمة والتوثيق لها.
محمد أسعد أو “سموقان” كما يحب تعريفه، ينتمي إلى جيل من الفنانين التشكيليين السوريين الذين يشكلون حركة الحداثة فيه، ولد عام 1951 في اللاذقية، تأثر بأساطير بيئته الجغرافية وتخصص بدراستها والرسم فيها، قدم معارضه بمشاركات جماعية وفردية محلية وخارجية. وعرضت بعض أعماله في متاحف عالمية منها متحف اللوفر الفرنسي.
وضمن فعاليات أيام الفن التشكيلي السوري التي انطلقت في دار الأسد للثقافة والفنون “أوبرا دمشق” قبل أيام، قدم سموقان معرضه الأحدث في غاليري البيت الأزرق، معرضا حمل خطوة جديدة في مشروع صدى الأزرق، عرض فيه خمسين لوحة مختلفة الأحجام بأسلوب الزيت على القماش.
ضمن نظرته الفنية المعتادة التي توجد تضافرا عضويا مع روح الأساطير البيئية، من خلال تعامل لوني يرى فيه قدرة خاصة على اكتشاف الشكل وليس تغطيته، فاللوحة عنده ذهنية فنية تغلب عليها الحالة الجمالية البصرية التي لا حدود لمسارها الذي من المفترض أن تحقق فيه أعلى درجات الجمال ولو كان على حساب البعد الدلالي الوظيفي.
سموقان والشعر
في لوحات سموقان بمعرضه الأحدث، إيغال في تكريس مفردات فنية محددة حضرت بشكل متكرر، منها الوجوه والمرأة والطيور والقطط التي تشكل لازمة شبه دائمة في لوحاته، بألوان صاخبة حينا وهادئة حينا آخر.
وعلى خلفية الأساطير التي تشكل الأسطر الخلفية لما يرويه في مشهده الفني التشكيلي في بعده المكشوف أو الأكثر وضوحا، تحضر سوريا في الزمن الراهن بمواجعها وأحلامها وتفاصيل الأمكنة والوجوه والشجر والحيوان.
وكثيرا ما يحكى أن لوحات سموقان تقدم الشعر كخط مواز عما يقدمه من رسومات تحمل مواضيع محددة. في معرضه هذا تحضر هذه المقولة بقوة، ففي اللوحات أبعاد إنسانية عميقة تشي بالكثير وتحاول أن تغوص في أعماق المواجع الإنسانية أكثر علها تصل إلى نقطة تشرح فيها بالتقاطع مع ماضيه وتاريخه جزءا من حاضره الدامي فتصل بالمتلقي إلى نشوة المعرفة وسر السكون النفسي.
سموقان والأسطورة
كل الألوان أزرق، هكذا يرى سموقان طبيعة اللون. وهو من أوجد مسمى أبجدية الأزرق التي قدم من خلالها دفقات لونية غرائبية ومتوالدة في عمق التعامل مع طبيعة اللون واكتشاف مكامنه والتي تذهب إلى طروحات خيالية مختلفة.
ويرى الفنان أن أي لون يمتلك حضورا خاصا به، تحديدا اللون الأزرق الذي يتمتع بصدى خاص يتلقاه كل إنسان بشكل مختلف عن الآخر.
يرى سموقان في اللون مساحة لكي يعبّر من خلاله عن تجليات روحه، وليقدم مزيجا من السعادة الإنسانية التي تقاوم القبح. تظهر عنده المرأة والطيور والوجوه وشجرة الحياة التي ظهرت في العديد من الأشكال والألوان تأكيدا على فكرة التجذر والتجدد والبقاء في المكان كما الشجرة.
يميل الفنان سموقان لاستحضار أجواء الأساطير في أعماله، وكثيرا ما تظهر تأثيراتها في أعماله، ويبين في تصريحات لـ”العرب” أنه “ابن منطقة خصبة حضاريا، حيث تواترت عليها حضارات كثيرة منذ الآلاف من السنين وخلفت أوغاريت ورأس شمرا وغيرهما. أنتمي إلى مزاج بعل وجلجامش وأمثالهما من الجذور التاريخية التي تمشي في دمائنا، والأساطير تظهر في الفن التشكيلي السوري بشكل مقصود أو بطريقة عفوية لا إرادية، كونه فنا متشبعا بها”.
سموقان يرى في اللون مساحة لكي يعبر عن تجليات روحه، وليقدم مزيجا من السعادة الإنسانية التي تقاوم القبح
يبدو محمد أسعد بمزاجه الفني الذي يقوم على الأسطورة، متمازجا بين ماضيه وحاضره، فهو لم يحمل رمزية الاسم فحسب، بل تفاعل معه ليحضر بقوة في ما يقدم من أعمال تحاكي يوميات المواطن السوري في حاضره.
وتحمل لوحاته مسحة غرائبية في تقديم المشهدية التي تتداخل فيها مكونات فكرية تاريخية وأسطورية ومعاصرة، مع تشكيل لوني صاخب في الكثير من الأعمال، فتظهر حدة الألوان وقوتها وكذلك مصادر الضوء التي لها منظومة خاصة عنده.
هذا ما يجعل التواصل مع لوحات الفنان عصيا على جزء من الجمهور. ويقول في ذلك “أنتمي إلى العصر الحديث وأساير بأعمالي هذه الذهنية، لكن الواقع لا يغيب عنها، فهو حاضر بقوة في أدق تفاصيله، أرسم اللوحة ليمكن قراءتها على أكثر من مستوى، فهنالك شيء قريب مقروء وبشكل غير مرئي هنالك شيء أكثر عمقا”.
وعن إمكانية تفاعل الجمهور معها رغم الغرائبية يتابع “لا يقف دور المتلقي عند المشاهدة، بل يجب عليه ارتياد المعارض والتعرف على التجارب المتنوعة ومعرفة أصحابها والقراءة عنهم من قبل مختصين، بعد ذلك سيكون هنالك تفاعل فني حقيقي بين الفنان والجمهور. الغموض في اللوحة الفنية يأتي من خلال ثقافة الفنان، وهذا أسلوب واضح في الفن الحديث، ولكي يتغلب الجمهور على هذا الغموض ويتفاعل معه يجب أن يتدرب على ذلك”.
من ناحية أخرى، لا يقدم سموقان أعمالا عن الواقع بشكل مباشر، ولا يسجل البشاعات الموجودة فيه، فهو يرى أن الفنان يستلهم من ذلك انطباعات، يكونها من خلال ذهنيته الفنية أعمالا تحاكي الواقع برموز ودلالات محددة. وهو يبين لـ”العرب”، “ليست مهمة الفنان نقل الواقع كما هو، والنقل المباشر للواقع أمر غير صحي في الفن، أرى أن الفنان يقدم رؤى متخيلة عما يحلم به الناس، ليكون جزءا من واقعهم، وليقدم نوعا من البهجة والسعادة لهم”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نضال قوشحة
على الجمهور الاطلاع والقراءة ليستطيع التفاعل مع الفنان التشكيلي.
لوحات غرائبية
يتعامل العديد من الفنانين التشكيليين مع الحضارات والتراث بالكثير من المتابعة والبحث، محاولين تكريسهما في أعمال فنية مختلفة، احتفاء بهما ورغبة في توثيقهما والتعبير عنهما. ومن هؤلاء الفنان التشكيلي السوري محمد أسعد الذي أطلق على نفسه لقبا فنيا مستوحى من الحضارات القديمة وما انفك يقدم أعماله من وحيها.
دمشق - يقدم الفنان محمد أسعد حضورا خاصا في المشهد التشكيلي السوري، بداية من لقبه الذي أطلقه على نفسه وهو “سموقان” أي إله الغابة في الأساطير القديمة المعروفة في منطقة بلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب، مرورا بانتمائه القوي إلى تراث بيئته الساحلية السورية التي عرفها بتاريخها وحاضرها وارتبط بها عضويا كما ارتبط بتاريخها وأساطيرها.
ترجم سموقان ذلك من خلال تأسيسه مجموعة أوغاريت وأبابيل في مدينة اللاذقية التي جمعته مع عدد من الباحثين في عدة فنون وعلوم منهم جبرائيل سعادة وراؤول فيتالي وصديقه هيشون، وكان هدفها البحث في الحضارة الأوغارتية القديمة والتوثيق لها.
محمد أسعد أو “سموقان” كما يحب تعريفه، ينتمي إلى جيل من الفنانين التشكيليين السوريين الذين يشكلون حركة الحداثة فيه، ولد عام 1951 في اللاذقية، تأثر بأساطير بيئته الجغرافية وتخصص بدراستها والرسم فيها، قدم معارضه بمشاركات جماعية وفردية محلية وخارجية. وعرضت بعض أعماله في متاحف عالمية منها متحف اللوفر الفرنسي.
وضمن فعاليات أيام الفن التشكيلي السوري التي انطلقت في دار الأسد للثقافة والفنون “أوبرا دمشق” قبل أيام، قدم سموقان معرضه الأحدث في غاليري البيت الأزرق، معرضا حمل خطوة جديدة في مشروع صدى الأزرق، عرض فيه خمسين لوحة مختلفة الأحجام بأسلوب الزيت على القماش.
ضمن نظرته الفنية المعتادة التي توجد تضافرا عضويا مع روح الأساطير البيئية، من خلال تعامل لوني يرى فيه قدرة خاصة على اكتشاف الشكل وليس تغطيته، فاللوحة عنده ذهنية فنية تغلب عليها الحالة الجمالية البصرية التي لا حدود لمسارها الذي من المفترض أن تحقق فيه أعلى درجات الجمال ولو كان على حساب البعد الدلالي الوظيفي.
سموقان والشعر
في لوحات سموقان بمعرضه الأحدث، إيغال في تكريس مفردات فنية محددة حضرت بشكل متكرر، منها الوجوه والمرأة والطيور والقطط التي تشكل لازمة شبه دائمة في لوحاته، بألوان صاخبة حينا وهادئة حينا آخر.
وعلى خلفية الأساطير التي تشكل الأسطر الخلفية لما يرويه في مشهده الفني التشكيلي في بعده المكشوف أو الأكثر وضوحا، تحضر سوريا في الزمن الراهن بمواجعها وأحلامها وتفاصيل الأمكنة والوجوه والشجر والحيوان.
وكثيرا ما يحكى أن لوحات سموقان تقدم الشعر كخط مواز عما يقدمه من رسومات تحمل مواضيع محددة. في معرضه هذا تحضر هذه المقولة بقوة، ففي اللوحات أبعاد إنسانية عميقة تشي بالكثير وتحاول أن تغوص في أعماق المواجع الإنسانية أكثر علها تصل إلى نقطة تشرح فيها بالتقاطع مع ماضيه وتاريخه جزءا من حاضره الدامي فتصل بالمتلقي إلى نشوة المعرفة وسر السكون النفسي.
سموقان والأسطورة
كل الألوان أزرق، هكذا يرى سموقان طبيعة اللون. وهو من أوجد مسمى أبجدية الأزرق التي قدم من خلالها دفقات لونية غرائبية ومتوالدة في عمق التعامل مع طبيعة اللون واكتشاف مكامنه والتي تذهب إلى طروحات خيالية مختلفة.
ويرى الفنان أن أي لون يمتلك حضورا خاصا به، تحديدا اللون الأزرق الذي يتمتع بصدى خاص يتلقاه كل إنسان بشكل مختلف عن الآخر.
يرى سموقان في اللون مساحة لكي يعبّر من خلاله عن تجليات روحه، وليقدم مزيجا من السعادة الإنسانية التي تقاوم القبح. تظهر عنده المرأة والطيور والوجوه وشجرة الحياة التي ظهرت في العديد من الأشكال والألوان تأكيدا على فكرة التجذر والتجدد والبقاء في المكان كما الشجرة.
يميل الفنان سموقان لاستحضار أجواء الأساطير في أعماله، وكثيرا ما تظهر تأثيراتها في أعماله، ويبين في تصريحات لـ”العرب” أنه “ابن منطقة خصبة حضاريا، حيث تواترت عليها حضارات كثيرة منذ الآلاف من السنين وخلفت أوغاريت ورأس شمرا وغيرهما. أنتمي إلى مزاج بعل وجلجامش وأمثالهما من الجذور التاريخية التي تمشي في دمائنا، والأساطير تظهر في الفن التشكيلي السوري بشكل مقصود أو بطريقة عفوية لا إرادية، كونه فنا متشبعا بها”.
سموقان يرى في اللون مساحة لكي يعبر عن تجليات روحه، وليقدم مزيجا من السعادة الإنسانية التي تقاوم القبح
يبدو محمد أسعد بمزاجه الفني الذي يقوم على الأسطورة، متمازجا بين ماضيه وحاضره، فهو لم يحمل رمزية الاسم فحسب، بل تفاعل معه ليحضر بقوة في ما يقدم من أعمال تحاكي يوميات المواطن السوري في حاضره.
وتحمل لوحاته مسحة غرائبية في تقديم المشهدية التي تتداخل فيها مكونات فكرية تاريخية وأسطورية ومعاصرة، مع تشكيل لوني صاخب في الكثير من الأعمال، فتظهر حدة الألوان وقوتها وكذلك مصادر الضوء التي لها منظومة خاصة عنده.
هذا ما يجعل التواصل مع لوحات الفنان عصيا على جزء من الجمهور. ويقول في ذلك “أنتمي إلى العصر الحديث وأساير بأعمالي هذه الذهنية، لكن الواقع لا يغيب عنها، فهو حاضر بقوة في أدق تفاصيله، أرسم اللوحة ليمكن قراءتها على أكثر من مستوى، فهنالك شيء قريب مقروء وبشكل غير مرئي هنالك شيء أكثر عمقا”.
وعن إمكانية تفاعل الجمهور معها رغم الغرائبية يتابع “لا يقف دور المتلقي عند المشاهدة، بل يجب عليه ارتياد المعارض والتعرف على التجارب المتنوعة ومعرفة أصحابها والقراءة عنهم من قبل مختصين، بعد ذلك سيكون هنالك تفاعل فني حقيقي بين الفنان والجمهور. الغموض في اللوحة الفنية يأتي من خلال ثقافة الفنان، وهذا أسلوب واضح في الفن الحديث، ولكي يتغلب الجمهور على هذا الغموض ويتفاعل معه يجب أن يتدرب على ذلك”.
من ناحية أخرى، لا يقدم سموقان أعمالا عن الواقع بشكل مباشر، ولا يسجل البشاعات الموجودة فيه، فهو يرى أن الفنان يستلهم من ذلك انطباعات، يكونها من خلال ذهنيته الفنية أعمالا تحاكي الواقع برموز ودلالات محددة. وهو يبين لـ”العرب”، “ليست مهمة الفنان نقل الواقع كما هو، والنقل المباشر للواقع أمر غير صحي في الفن، أرى أن الفنان يقدم رؤى متخيلة عما يحلم به الناس، ليكون جزءا من واقعهم، وليقدم نوعا من البهجة والسعادة لهم”.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
نضال قوشحة