كاتب روسي يعيد بناء موسكو ويغضب ستالين الذي يعدمه
"رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين" رواية تبحث عن بدائل للاستبداد الذي يعتري الديمومة البشرية.
السبت 2024/02/17
أرياف روسيا حلم منهار
أونتاريو (كندا) - رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين” لألكسندر تشايانوف، هي نص رائد، يتجاوز مجرد متعة القراءة، مشاهد لا يمكن وصفها إلا بالمدهشة والحيوية للمناظر الطبيعية المحيطة بمدينة موسكو، وقد ونقلها إلى العربية المترجم والروائي العماني المقيم في موسكو أحمد م الرحبي.
في الرواية نقرأ عن موسكو كما شيدها الكاتب وعالم الاقتصاد الروسي ألكسندر فاسيليفيتش تشايانوف (1888-1937)، مقدما مجتمعا لم تعد فيه المدن أماكن للحياة، والجميع يعيش في الريف، يزرعون الأرض، ويعيشون في هدوء وسكينة معتمدين على الطاقات الإبداعية الخلاقة التي تجمع تقاليد الماضي بالوسائل التقنية الحديثة، من وسائل الراحة والتنقل السريع. أليس هذا حلم غالبية سكان المدن اليوم؟
الرواية تنسف المدن الكبيرة في شكلها الصناعي الحالي وتراهن على المبادرات الابداعية الشخصية، ونشر الثقافة والفن
تنسف هذه الرواية المدن الكبيرة في شكلها الصناعي الحالي، وتراهن على المبادرات الابداعية الشخصية، ونشر الثقافة والفن في كل مكان، بينما تطفو رغبات الطبيعة العميقة إلى السطح، ومعها التفكير، في المقام الأول، في موسكو فاضلة، هي جزء من خيط اليوتوبيا الكبرى التي تخللت العديد من الأعمال الأدبية في بدايات القرن العشرين. لكن هذه الآمال سرعان ما تتلاشى شيئا فشيئا في رحلة خيالية ساحرة ومغامرة تحمل في طياتها متناقضات وأسئلة وجودية جريئة، كدعوة متجددة للتأمل في عالمنا اليوم.
وهذا ما يطالعنا في تساؤلات حملتها كلمة الغلاف “هل تحققت تنبؤات ألكسندر تشايانوف في هذه الرواية الديستوبية؟ هل أصبحت موسكو مدينة فاضلة، عمادها الفن والثقافة، وقد سخر العلم لخدمة الإنسان؟ أسئلة كثيرة ستتوارد إلى ذهنك وأنت تقرأ هذه الرواية الاكتشاف، فبطلها أليكسي كريمنيف يغمى عليه عام 1920 ليستيقظ 1984! (أي كان منطلقها قبل أن يكتب جورج أورويل روايته الشهيرة بـ 29 عاما)، وعليه فإنك ستخوض غمار رحلة خيالية تتخطى الخيال إلى الأفكار والطروحات، إلى الحب والمشاعر الغامضة، بينما يتكامل تشييد تشايانوف لمدينة أشبه ببرج بابل، لكنها لا تخلو من أسباب انهيارها”.
في مقدمة الكتاب التي جاءت بعنوان “تشايانوف، علم على قبر مجهول” يوضح المترجم أحمد م الرحبي أن عنوان الفصل الأخير من الرحلة، يدلنا إلى أن تشايانوف كان يخطط لكتابة جزء/ أجزاء أخرى لكتابه، وأن يكمل معمار مدينته الفاضلة، المعمار الذي وجدناه مشغولا بسرد متقن، ووصف مرهف، مع طرح علمي عميق، يصادفنا في هذا الفصل أو ذاك من فصول الرحلة، كل هذا في صفحات قليلة محبوكة بثقافة عالية، وحس أدبي رفيع، وفكر اقتصادي يصوغ من النظرية العلمية، أحلاما وفنا”.
ويتساءل الرحبي “هل أكمل تشايانوف رحلته؟ أين الجزء/ الأجزاء التالية إذا؟ هل اختفت، ضاعت، أعدمت مع صاحبها؟” مجيبا “لا أحد يعرف، تماما كما لا يعرف أحد المكان الذي دفن فيه تشايانوف، هو الذي أعدم رميا بالرصاص عام 1937 بعدما صنفت أعماله في خانة العمالة للإمبريالية؛ بل إن ستالين تحدث في مؤتمر الماركسيين الزراعيين، وهاجم ما أسماه ‘النظريات المناهضة للعلم التي يقودها اقتصاديون سوفييت من أمثال تشايانوف‘ فأي تهمة أشد وطأة من تهمة يسوقها ستالين؟”
بمقدمة وأربعة عشر فصلا في 96 صفحة، جاءت رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين”، من مرتكز البحث عن بدائل للاستبداد الذي يعتري الديمومة البشرية، بل يرسم مستقبلا مغايرا للاتحاد السوفيتي آنذاك بعد الإطاحة بنظامه “أدبيا”. وقد كانت هذه الرواية، على نحو ما، سببا في إعدام صاحبها.
هل تحققت تنبؤات ألكسندر تشايانوف في هذه الرواية الديستوبية؟ هل أصبحت موسكو مدينة فاضلة، عمادها الفن والثقافة، وقد سخر العلم لخدمة الإنسان؟
ويذكر أن ألكسندر فاسيليفيتش تشايانوف هو اقتصادي روسي سوفيتي، ورغم ذلك فإن مؤلفاته تربو على أربعين كتابا توزعت بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية والخيال العلمي والطوباوي وصولا إلى كتابة الرواية التي أدرج فيها أفكاره الرائدة ما جره إلى صدامات عنيفة ومتكررة مع السلطة السوفيتية انتهت بشكل مأساوي.
ولعل وجه الشبه أو التخاطر كبير بين رواية تشايانوف وأورويل، إذ هناك قواسم مشتركة بين ما كتبه الرجلان. الكلام هنا عن رواية جوروج أورويل “1984”. فمع تشايانوف وأورويل نجد أن المرتكز الرئيسي لعمليهما الطوباويين، واحد. يتمثل هذا المرتكز في البحث الدائب عند كلا الكاتبين عن بدائل للاستبداد الذي يعتري الديمومة البشرية ويتغلغل فيها، وذلك على الرغم من الاختلاف الظاهري بينهما، حيث العالم في رواية “1984” قاتم، لا مخرج فيه من المأزق الذي ينصبه الطغيان السلطوي للبطل، بينما تنحو رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين” إلى طمس الحدود بين القرية والمدينة، المركز والريف، مع تكييف التطور التقني الخارق لخدمة الإنسان ورفع مستواه الثقافي.
ويذكر أن رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين” صدرت عن “محترف أوكسجين للنشر” في أونتاريو، وتأتي هذه الرواية ضمن سلسلة “أوكلاسيك” (أوكسجين وكلاسيك يساوي أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف.
"رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين" رواية تبحث عن بدائل للاستبداد الذي يعتري الديمومة البشرية.
السبت 2024/02/17
أرياف روسيا حلم منهار
أونتاريو (كندا) - رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين” لألكسندر تشايانوف، هي نص رائد، يتجاوز مجرد متعة القراءة، مشاهد لا يمكن وصفها إلا بالمدهشة والحيوية للمناظر الطبيعية المحيطة بمدينة موسكو، وقد ونقلها إلى العربية المترجم والروائي العماني المقيم في موسكو أحمد م الرحبي.
في الرواية نقرأ عن موسكو كما شيدها الكاتب وعالم الاقتصاد الروسي ألكسندر فاسيليفيتش تشايانوف (1888-1937)، مقدما مجتمعا لم تعد فيه المدن أماكن للحياة، والجميع يعيش في الريف، يزرعون الأرض، ويعيشون في هدوء وسكينة معتمدين على الطاقات الإبداعية الخلاقة التي تجمع تقاليد الماضي بالوسائل التقنية الحديثة، من وسائل الراحة والتنقل السريع. أليس هذا حلم غالبية سكان المدن اليوم؟
الرواية تنسف المدن الكبيرة في شكلها الصناعي الحالي وتراهن على المبادرات الابداعية الشخصية، ونشر الثقافة والفن
تنسف هذه الرواية المدن الكبيرة في شكلها الصناعي الحالي، وتراهن على المبادرات الابداعية الشخصية، ونشر الثقافة والفن في كل مكان، بينما تطفو رغبات الطبيعة العميقة إلى السطح، ومعها التفكير، في المقام الأول، في موسكو فاضلة، هي جزء من خيط اليوتوبيا الكبرى التي تخللت العديد من الأعمال الأدبية في بدايات القرن العشرين. لكن هذه الآمال سرعان ما تتلاشى شيئا فشيئا في رحلة خيالية ساحرة ومغامرة تحمل في طياتها متناقضات وأسئلة وجودية جريئة، كدعوة متجددة للتأمل في عالمنا اليوم.
وهذا ما يطالعنا في تساؤلات حملتها كلمة الغلاف “هل تحققت تنبؤات ألكسندر تشايانوف في هذه الرواية الديستوبية؟ هل أصبحت موسكو مدينة فاضلة، عمادها الفن والثقافة، وقد سخر العلم لخدمة الإنسان؟ أسئلة كثيرة ستتوارد إلى ذهنك وأنت تقرأ هذه الرواية الاكتشاف، فبطلها أليكسي كريمنيف يغمى عليه عام 1920 ليستيقظ 1984! (أي كان منطلقها قبل أن يكتب جورج أورويل روايته الشهيرة بـ 29 عاما)، وعليه فإنك ستخوض غمار رحلة خيالية تتخطى الخيال إلى الأفكار والطروحات، إلى الحب والمشاعر الغامضة، بينما يتكامل تشييد تشايانوف لمدينة أشبه ببرج بابل، لكنها لا تخلو من أسباب انهيارها”.
في مقدمة الكتاب التي جاءت بعنوان “تشايانوف، علم على قبر مجهول” يوضح المترجم أحمد م الرحبي أن عنوان الفصل الأخير من الرحلة، يدلنا إلى أن تشايانوف كان يخطط لكتابة جزء/ أجزاء أخرى لكتابه، وأن يكمل معمار مدينته الفاضلة، المعمار الذي وجدناه مشغولا بسرد متقن، ووصف مرهف، مع طرح علمي عميق، يصادفنا في هذا الفصل أو ذاك من فصول الرحلة، كل هذا في صفحات قليلة محبوكة بثقافة عالية، وحس أدبي رفيع، وفكر اقتصادي يصوغ من النظرية العلمية، أحلاما وفنا”.
ويتساءل الرحبي “هل أكمل تشايانوف رحلته؟ أين الجزء/ الأجزاء التالية إذا؟ هل اختفت، ضاعت، أعدمت مع صاحبها؟” مجيبا “لا أحد يعرف، تماما كما لا يعرف أحد المكان الذي دفن فيه تشايانوف، هو الذي أعدم رميا بالرصاص عام 1937 بعدما صنفت أعماله في خانة العمالة للإمبريالية؛ بل إن ستالين تحدث في مؤتمر الماركسيين الزراعيين، وهاجم ما أسماه ‘النظريات المناهضة للعلم التي يقودها اقتصاديون سوفييت من أمثال تشايانوف‘ فأي تهمة أشد وطأة من تهمة يسوقها ستالين؟”
بمقدمة وأربعة عشر فصلا في 96 صفحة، جاءت رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين”، من مرتكز البحث عن بدائل للاستبداد الذي يعتري الديمومة البشرية، بل يرسم مستقبلا مغايرا للاتحاد السوفيتي آنذاك بعد الإطاحة بنظامه “أدبيا”. وقد كانت هذه الرواية، على نحو ما، سببا في إعدام صاحبها.
هل تحققت تنبؤات ألكسندر تشايانوف في هذه الرواية الديستوبية؟ هل أصبحت موسكو مدينة فاضلة، عمادها الفن والثقافة، وقد سخر العلم لخدمة الإنسان؟
ويذكر أن ألكسندر فاسيليفيتش تشايانوف هو اقتصادي روسي سوفيتي، ورغم ذلك فإن مؤلفاته تربو على أربعين كتابا توزعت بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الاجتماعية والخيال العلمي والطوباوي وصولا إلى كتابة الرواية التي أدرج فيها أفكاره الرائدة ما جره إلى صدامات عنيفة ومتكررة مع السلطة السوفيتية انتهت بشكل مأساوي.
ولعل وجه الشبه أو التخاطر كبير بين رواية تشايانوف وأورويل، إذ هناك قواسم مشتركة بين ما كتبه الرجلان. الكلام هنا عن رواية جوروج أورويل “1984”. فمع تشايانوف وأورويل نجد أن المرتكز الرئيسي لعمليهما الطوباويين، واحد. يتمثل هذا المرتكز في البحث الدائب عند كلا الكاتبين عن بدائل للاستبداد الذي يعتري الديمومة البشرية ويتغلغل فيها، وذلك على الرغم من الاختلاف الظاهري بينهما، حيث العالم في رواية “1984” قاتم، لا مخرج فيه من المأزق الذي ينصبه الطغيان السلطوي للبطل، بينما تنحو رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين” إلى طمس الحدود بين القرية والمدينة، المركز والريف، مع تكييف التطور التقني الخارق لخدمة الإنسان ورفع مستواه الثقافي.
ويذكر أن رواية “رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين” صدرت عن “محترف أوكسجين للنشر” في أونتاريو، وتأتي هذه الرواية ضمن سلسلة “أوكلاسيك” (أوكسجين وكلاسيك يساوي أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف.