الحياة معركة شاملة قاسية ضارية ..
منذ سنوات ، رأيت على شاشة التلفاز رحلة جماعة من العلماء ، خرجوا الى براري افريقية الوسطى وأدغالها ، يدرسون ما بها من صنوف الحيوانات ، واتخذوا لهذه الرحلة الطائرة التي تسير في بطء على مقربة من الأرض ، تلك التي سموها الهيلوكبتر ، وعجز العرب ، في عجزهم عن الشائع عن اتفاق ، عن ابتداع اسم لهذه الطائرة ، له الجرس العربي ، يرضونه جميعا .
ومن هذه الطائرة رأى الراكبوها ما يجري في تلك البراري والأدغال من أحداث صغار وأحداث كبار . ورأت العدسة التلفازية بالكمرة التي حملوا ، وبها سجلوا معهم كل ما رأوا .
وكان ما رأوا ، ورأيت معهم بعد ذلك على الشاشة ، مناظر قطعان ، مئات أحيانا ، من ذوات الحافر ، قابعة على سطح الأرض ، وسائرة حينا ، ترود في أرض الله الواسعة المعشبة ما لابد منه من طعام .
ورأيت من هذه القطعان ، قطيعا كبيرا كأنه البقر ، وقد انتفض من مراقده على حين بغتة ، وأطلق للريح سيقانه ، وما لبثت أن رأيت جماعة من الذئاب تجري وراءه تطلب منه صيدا . ولحقت الذئاب بأطراف القطيع واخذت تفصل عنه البقر الصغير الرضيع ، وتفترسه افتراسا . وكانت ساعة ذهلت فيها كل مرضعة من البقر عما أرضعت ، فلم تتريث الأمهات لتحميها ومضت لا تلوي على شيء .
قاتل و مقتول آكل ومأكول ومَا أفلت ، لحقه بالفناء الزمان
واخذت العاطفة أحد رجال الطائرة أخذا ، فهم بأن يطلق على ذئب من الذئاب الرصاص وقد هم أن ينال من فريسته الصغيرة الثائرة الجائعة المرتاعة فقال له آخر : بالله لا تحرم الذئب من غدائه ، فلعله قد مضى علیه ایام . أهلكه فيها الجوع .
نعم : « لا تحرم الذئب من غدائه !! » .
قاتل من الحيوان ومقتول .
توزعت بينهما عاطفة الرجلين ، وتعطلت بينهما لغة الآداب ، فلم تدر ما تقول .
حين لا يكون الشيء حقا أو باطلا
ان ظواهر هذا الوجود الكبرى جلت عن أن يكون فيها ما يستطيع انسان أن يسميها حقا ، وما يستطيع أن يسميها باطلا . انها أمور خرجت عن نطاق الأحكام .
انك تحمل في يدك الشيء الهش الغالي ، وينفلت من يدك فيسقط على الأرض ، فيتهشم ، ولكنك لا تغضب على الأرض لأن كل شيء ينجذب اليها .
وقد ينهار جانب من جبل على قرية فيدفنها دفنا ، ولا يغضب أحد على الجبل ، بأن انحدر منه ، بفعل الجاذبية الأرضية أيضا ، ما انحدر .
والرعد والبرق قد يثوران في السماء ثورة تجر بأذيالها على الأرض ، فتصعق ، أو يفيض ماؤها فتفرق ولا يغضب أحد على برق أو رعد .
فجائع ، في نظرنا ، تصدر عن قوانين ثابتة في أرض وسماء ، لا تعي جوامد الأرض والسماء ، من معنى الفجيعة فيها شيئا ، ولا من معنى العدل والظلم ، ولا من معنى الذم والحمد .
وكما في عالم الجوامد ، فكذلك في عالم الأحياء ... كل يقتل ، وكل يأكل وكل مقتول هو في دوره قاتل . وكل مأكول هو في دوره آكل ، ولو عشب الأرض فما خلا العشب من حياة .
انه قانون الحياة ، ليس الى انكاره من سبيل .
وهو بين قوانين الحياة ، اصدق قانون ، واشمل قانون وهو القانون الذي اذا تعطل ، تعطلت معه الحياة كما نعرفها .
للأغذية سلاسل تجري فيها
وتتمثل السلسلة الغذائية في أول مثل ذكرناه : الذئب يأكل الأبقار ( الوليدة ) ، والأبقار تأكل العشب . سلسلة ذات ثلاث حلقات ، كلها من الأحياء . العشب منها .
وقد تلتقي السلسلة بسلاسل اخرى فتتفرع او تتصالب فقد يقتل الذئب الغزلان ويأكلها ، وقد يأكل الفئران ، والاسماك . والأبقار يأكلها الأسد ، ويأكلها النمر . سلاسل تلتقي في حلقة أو أكثر من
حلقة من حلقاتها .
والسلسلة قد تطول . فالنمر يأكل الكلب ( البري ) والكلب يأكل الأرنب . والأرنب يأكل العشب .
وفي الماء كما في الأرض ، سلحفاة الماء تأكل السمك ، والسمك الكبير يأكل السمك الصغير ، والسمك يأكل القشريات البحرية ، والقشريات البحرية تأكل الحشرات المائية ، وهذه تأكل من أحياء البحر ما هو أصغر ، من الحيوانات البحرية والنباتات .
ولو جمعنا هذه السلاسل ، وكتبناها على صفحة من الورق ، واشركنا فيها المشترك من الحلقات ، لتألف عندها « شبكة » ، كل ما فيها آكل ومأكول . وتعرف بالشبكة الغذائية .
قسوة الحياة : ثعبان يبلغ ضفدعا حيا سمينا ، وقد كاد أن يختفي بطنه هل تلومه ؟
أعشاب - أبقار - سباع
سلسلة ثلاث حلقات •
أولها العشب وهو لا يأكل ، وانما يؤكل .
وآخرها السبع ، وهو يأكل ، وغالبا لا يؤكل حيا .
وبينهما ذو الحافر ، وهو آكل ومأكول .
ومع هذا فلا بد للعشب من أصل سبق .
ولا بد للسبع من نهاية سوف تلحق .
أما العشب فليس يسبقه أصل من حياة ، ان العشب نفسه الذي يصنع الحياة انه يصنعها من ثاني أكسيد الكربون الذي بالهواء ، ومما في الأرض من ماء ، ومما فيها من أملاح معدنية ، يجمع بينها جميعا شعاع الشمس ، فيخيطها خيطا كما يخاط الثوب ، ويصنع منها الحياة : خلايا حية تنمو ، النماء تتنفس . وفيها ومع هي السكر والنشا والبروتينات ، وحتى الزيوت . انه النبات الذي يغطي سطح الأرض ، بعشبه ، وعيدانه ، وشجره . وثمره .
والعشب والنبات جميعه قوت الحيوانات ، التي تأكل العشب ، وتأكل من الشجيرات والشجر ورقهما وحبهما ، وثمرهما . والبقر منها فهو عاشب . والفيل منها ، والغزال والوعل ، وحمار الوحش . وبعض الحشرات . وبعض الطير .
والنبات أول اشكال الحياة ، بل هو غذاء الحياة جميعا ، من كل صنف ، وكل نوع .
ومن وراء النبات تقبع الشمس ، تمد بطاقتها الى الأرض ، في صمت ، هو أجدر شيء بالمختبرات الأولى التي تجري فيها عمليات الخلق .
حتى في البحر ، تبدأ الحياة بمثل ما تبدأ به على الأرض . خلايا نباتية ، تبني في الماء ما تبنيه خلايا النبات في التراب ، من ماء وملح ، واكسيد كربون ، وأشعة شمس . واذ صارت نباتا ، أكلها الحيوان البحري الصغير ، ليأكله الكبير .
ويأتي بعد اكلات النبات ، في أرض أو بحر ، اكلات اللحم ، وهي تأكل آكلات النبات ، في أرض أو بحر .
والنبات طيع ، لا يمنع آكله أن يأكل .
والحيوانات تمنع آكلها ، فتدفع عن نفسها ، واذن تقوم المعركة متصلة دائمة ، ميدانها الارض ، والبحر ، والهواء .
وتغير الحيوانات آكلات اللحم ، من ساكنات أرض او هواء أو بحر ، على آكلات العشب وآكلات اللحم حيثما كانت . تغير على سمك في بحر . وتغير على طير في هواء .
والطير يهبط من هواء ، جارحا أو غير جارح ، يطلب رزقه نبات ، أو من حشرات ، أو من حيوان زاحف ، أو حتى من انسان طفل رضيع .
ومعنى هذا ان اكلات اللحم تمتد معاركها الى آكلات اللحم ، التي هي أصغر منها ، أو أضعف منها ، أو أقل حيلة .
وآكلات اللحم تأكل الحيوانات ذات اللحم لأنها لا تستطيع أكل غيره •
منذ سنوات ، رأيت على شاشة التلفاز رحلة جماعة من العلماء ، خرجوا الى براري افريقية الوسطى وأدغالها ، يدرسون ما بها من صنوف الحيوانات ، واتخذوا لهذه الرحلة الطائرة التي تسير في بطء على مقربة من الأرض ، تلك التي سموها الهيلوكبتر ، وعجز العرب ، في عجزهم عن الشائع عن اتفاق ، عن ابتداع اسم لهذه الطائرة ، له الجرس العربي ، يرضونه جميعا .
ومن هذه الطائرة رأى الراكبوها ما يجري في تلك البراري والأدغال من أحداث صغار وأحداث كبار . ورأت العدسة التلفازية بالكمرة التي حملوا ، وبها سجلوا معهم كل ما رأوا .
وكان ما رأوا ، ورأيت معهم بعد ذلك على الشاشة ، مناظر قطعان ، مئات أحيانا ، من ذوات الحافر ، قابعة على سطح الأرض ، وسائرة حينا ، ترود في أرض الله الواسعة المعشبة ما لابد منه من طعام .
ورأيت من هذه القطعان ، قطيعا كبيرا كأنه البقر ، وقد انتفض من مراقده على حين بغتة ، وأطلق للريح سيقانه ، وما لبثت أن رأيت جماعة من الذئاب تجري وراءه تطلب منه صيدا . ولحقت الذئاب بأطراف القطيع واخذت تفصل عنه البقر الصغير الرضيع ، وتفترسه افتراسا . وكانت ساعة ذهلت فيها كل مرضعة من البقر عما أرضعت ، فلم تتريث الأمهات لتحميها ومضت لا تلوي على شيء .
قاتل و مقتول آكل ومأكول ومَا أفلت ، لحقه بالفناء الزمان
واخذت العاطفة أحد رجال الطائرة أخذا ، فهم بأن يطلق على ذئب من الذئاب الرصاص وقد هم أن ينال من فريسته الصغيرة الثائرة الجائعة المرتاعة فقال له آخر : بالله لا تحرم الذئب من غدائه ، فلعله قد مضى علیه ایام . أهلكه فيها الجوع .
نعم : « لا تحرم الذئب من غدائه !! » .
قاتل من الحيوان ومقتول .
توزعت بينهما عاطفة الرجلين ، وتعطلت بينهما لغة الآداب ، فلم تدر ما تقول .
حين لا يكون الشيء حقا أو باطلا
ان ظواهر هذا الوجود الكبرى جلت عن أن يكون فيها ما يستطيع انسان أن يسميها حقا ، وما يستطيع أن يسميها باطلا . انها أمور خرجت عن نطاق الأحكام .
انك تحمل في يدك الشيء الهش الغالي ، وينفلت من يدك فيسقط على الأرض ، فيتهشم ، ولكنك لا تغضب على الأرض لأن كل شيء ينجذب اليها .
وقد ينهار جانب من جبل على قرية فيدفنها دفنا ، ولا يغضب أحد على الجبل ، بأن انحدر منه ، بفعل الجاذبية الأرضية أيضا ، ما انحدر .
والرعد والبرق قد يثوران في السماء ثورة تجر بأذيالها على الأرض ، فتصعق ، أو يفيض ماؤها فتفرق ولا يغضب أحد على برق أو رعد .
فجائع ، في نظرنا ، تصدر عن قوانين ثابتة في أرض وسماء ، لا تعي جوامد الأرض والسماء ، من معنى الفجيعة فيها شيئا ، ولا من معنى العدل والظلم ، ولا من معنى الذم والحمد .
وكما في عالم الجوامد ، فكذلك في عالم الأحياء ... كل يقتل ، وكل يأكل وكل مقتول هو في دوره قاتل . وكل مأكول هو في دوره آكل ، ولو عشب الأرض فما خلا العشب من حياة .
انه قانون الحياة ، ليس الى انكاره من سبيل .
وهو بين قوانين الحياة ، اصدق قانون ، واشمل قانون وهو القانون الذي اذا تعطل ، تعطلت معه الحياة كما نعرفها .
للأغذية سلاسل تجري فيها
وتتمثل السلسلة الغذائية في أول مثل ذكرناه : الذئب يأكل الأبقار ( الوليدة ) ، والأبقار تأكل العشب . سلسلة ذات ثلاث حلقات ، كلها من الأحياء . العشب منها .
وقد تلتقي السلسلة بسلاسل اخرى فتتفرع او تتصالب فقد يقتل الذئب الغزلان ويأكلها ، وقد يأكل الفئران ، والاسماك . والأبقار يأكلها الأسد ، ويأكلها النمر . سلاسل تلتقي في حلقة أو أكثر من
حلقة من حلقاتها .
والسلسلة قد تطول . فالنمر يأكل الكلب ( البري ) والكلب يأكل الأرنب . والأرنب يأكل العشب .
وفي الماء كما في الأرض ، سلحفاة الماء تأكل السمك ، والسمك الكبير يأكل السمك الصغير ، والسمك يأكل القشريات البحرية ، والقشريات البحرية تأكل الحشرات المائية ، وهذه تأكل من أحياء البحر ما هو أصغر ، من الحيوانات البحرية والنباتات .
ولو جمعنا هذه السلاسل ، وكتبناها على صفحة من الورق ، واشركنا فيها المشترك من الحلقات ، لتألف عندها « شبكة » ، كل ما فيها آكل ومأكول . وتعرف بالشبكة الغذائية .
قسوة الحياة : ثعبان يبلغ ضفدعا حيا سمينا ، وقد كاد أن يختفي بطنه هل تلومه ؟
أعشاب - أبقار - سباع
سلسلة ثلاث حلقات •
أولها العشب وهو لا يأكل ، وانما يؤكل .
وآخرها السبع ، وهو يأكل ، وغالبا لا يؤكل حيا .
وبينهما ذو الحافر ، وهو آكل ومأكول .
ومع هذا فلا بد للعشب من أصل سبق .
ولا بد للسبع من نهاية سوف تلحق .
أما العشب فليس يسبقه أصل من حياة ، ان العشب نفسه الذي يصنع الحياة انه يصنعها من ثاني أكسيد الكربون الذي بالهواء ، ومما في الأرض من ماء ، ومما فيها من أملاح معدنية ، يجمع بينها جميعا شعاع الشمس ، فيخيطها خيطا كما يخاط الثوب ، ويصنع منها الحياة : خلايا حية تنمو ، النماء تتنفس . وفيها ومع هي السكر والنشا والبروتينات ، وحتى الزيوت . انه النبات الذي يغطي سطح الأرض ، بعشبه ، وعيدانه ، وشجره . وثمره .
والعشب والنبات جميعه قوت الحيوانات ، التي تأكل العشب ، وتأكل من الشجيرات والشجر ورقهما وحبهما ، وثمرهما . والبقر منها فهو عاشب . والفيل منها ، والغزال والوعل ، وحمار الوحش . وبعض الحشرات . وبعض الطير .
والنبات أول اشكال الحياة ، بل هو غذاء الحياة جميعا ، من كل صنف ، وكل نوع .
ومن وراء النبات تقبع الشمس ، تمد بطاقتها الى الأرض ، في صمت ، هو أجدر شيء بالمختبرات الأولى التي تجري فيها عمليات الخلق .
حتى في البحر ، تبدأ الحياة بمثل ما تبدأ به على الأرض . خلايا نباتية ، تبني في الماء ما تبنيه خلايا النبات في التراب ، من ماء وملح ، واكسيد كربون ، وأشعة شمس . واذ صارت نباتا ، أكلها الحيوان البحري الصغير ، ليأكله الكبير .
ويأتي بعد اكلات النبات ، في أرض أو بحر ، اكلات اللحم ، وهي تأكل آكلات النبات ، في أرض أو بحر .
والنبات طيع ، لا يمنع آكله أن يأكل .
والحيوانات تمنع آكلها ، فتدفع عن نفسها ، واذن تقوم المعركة متصلة دائمة ، ميدانها الارض ، والبحر ، والهواء .
وتغير الحيوانات آكلات اللحم ، من ساكنات أرض او هواء أو بحر ، على آكلات العشب وآكلات اللحم حيثما كانت . تغير على سمك في بحر . وتغير على طير في هواء .
والطير يهبط من هواء ، جارحا أو غير جارح ، يطلب رزقه نبات ، أو من حشرات ، أو من حيوان زاحف ، أو حتى من انسان طفل رضيع .
ومعنى هذا ان اكلات اللحم تمتد معاركها الى آكلات اللحم ، التي هي أصغر منها ، أو أضعف منها ، أو أقل حيلة .
وآكلات اللحم تأكل الحيوانات ذات اللحم لأنها لا تستطيع أكل غيره •
تعليق