التصوير الإسلامي في العراق والشام ليس وليد إيران أو الهند أو تركيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التصوير الإسلامي في العراق والشام ليس وليد إيران أو الهند أو تركيا

    التصوير الإسلامي في العراق والشام ليس وليد إيران أو الهند أو تركيا


    زكي محمد حسن: المدرسة العراقية في التصوير الإسلامي عربية.
    الأربعاء 2024/02/14
    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    تصوير له خصوصياته

    اختلف الفقهاء حول تحريم الإسلام للتصوير، فتأخر إبداع المسلمين في فن التصوير كثيرا، إذ رأوا أن في التصوير تجسيدا قد يشبه الأصنام، التي حطّمها الإسلام وتخلص منها، لكن الفنان المسلم لم يقف مكتوف الأيدي؛ وسعى للخروج من هذا المأزق عبر التجريد، فكان له ما أراد، حيث انطلق يرسم بريشته الزخارف النباتية والأشكال الخرافية، بل أبدع فنا جديدا لم يعرفه العالم من قبل وهو الفن المعروف بـالـ“أرابيسك”.

    تعددت مدارس التصوير الإسلامي وكان لكل مدرسة منها خصائصها المميزة، وتنوعت موضوعات التصوير وسياقاته فكان منها: شرح محتوى الكتب بالرسوم والخرائط، وتزيينها باللوحات، وتصوير الأمراء وأسرهم.

    العالم الأثري المصري الرائد زكي محمد حسن، الذي يحفل تاريخه بالعديد من الأبحاث التاريخية والأثرية القيمة، أصدر كتابه “التصوير في الإسلام” عام 1938، وصدرت أخيرا طبعة جديدة منه عن مؤسسة هنداوي، يرى أن القرآن لا يعرض لتحريم التصوير بشيء، وأن المحدّثين ينسبون إلى النبي عليه السلام أحاديث تحرّم تجسيم المخلوقات الحية أو تصويرها، ولكن بعض العلماء يشكّون في صحة هذه الأحاديث، ويذهبون إلى أن النبي لم يكره التصوير، ولم ينه عنه، وأن الأحاديث لم تجمع إلا بعد وفاته بزهاء قرنين من الزمان، وأما هذه الأحاديث التي تحرّم التصوير لا تمثل إلا الرأي الذي كان سائدا بين رجال الدين في القرن الثالث الهجري.
    المدرسة العراقية


    يعرض حسن في الكتاب لنشأة التصوير عند المسلمين في العراق والشام، ولتأثير أتباع المذهب المانوي وأتباع الكنيسة المسيحية الشرقية فيه، ويشير إلى النقوش والتزاويق التي عثر عليها في قصر عمرة ببادية الشام، وفي أطلال مدينة سامراء بالعراق. ويوضح أن الفن الإسلامي تخلى بخضوعه لتحريم التصوير عن ميدانين عظيمين من ميادين العبقرية الفنية التي امتازت بها الفنون الأخرى، ولاسيما فنون الغرب التي ورثت الأساليب الفنية الإغريقية.



    ويقول “هذان الميدانان هما النحت وتصوير اللوحات الفنية على النحو الذي نعرفه في الفنون الأوروبية وفنون الشرق الأقصى. فالتصوير الذي ازدهر في إيران وتركيا والهند كان في أكثر الأحيان موقوفا على توضيح الكتب وتزيينها، سواء في ذلك الكتب العلمية أو كتب التاريخ والأدب ودواوين الشعر، وكانت له أساليب فنية اصطلاحية تجعله ميدانا في التصوير قائما بذاته”.

    ويتابع “فضلا عن ذلك فإن المساجد والأضرحة والعمائر الدينية عموما، وكل ما يتصل بها من أثاث، وكذلك المصاحف، انصرف الفنانون في زخارفها عن رسوم الكائنات الحية فصارت لا صور فيها ولا تماثيل يستعان بها على توضيح تاريخ الدعوة وشرح العقائد الدينية وسيرة أبطال الملة كما كان الحال في مذهب المانوية أو البوذية أو في الدين المسيحي. وإن يكن بعض الباحثين قد عثروا على مصحف فيه بعض الصور، فإن مثل هذه الحالة نادرة جدّا فضلا عن أن هذا المصحف لا يرجع إلى العصور الوسطى، وإنما هو من القرن الـ19، ويمكن تبريره ببعض التأثير والتسامح الديني الذي نتج من اختلاط الغرب بالشرق ومن البعثات الإيرانية في أوروبا”.

    ويلفت حسن إلى أن المدرسة العراقية في التصوير الإسلامي تمتاز بأنها عربية أكثر منها إيرانية، فالأشخاص في منتجاتها تلوح عليهم مسحة سامية ظاهرة، وتغطي وجوههم لحى سود فوقها أنوف قنْسيّ، وكثيرا ما نرى في الصور التي توضح حيل أبي زيد السروجي في مقامات الحريري شيئا كثيرا من دقة التعبير والمهارة في تصوير الجموع. وتمتاز منتجات هذه المدرسة بأكاليل النور التي يرسمها الفنانون حول رؤوس الأشخاص، وبالملابس المزركشة والمزينة بالأزهار، وبالطريقة الاصطلاحية البسيطة التي ترسم بها الأشجار، وبالملائكة ذوي الأجنحة المدببة، وأكثر هذه الأساليب الفنية مأخوذ عن الصور التي كان يرقمها أتباع الكنيسة المسيحية الشرقية في الشرق الأدنى.

    ويضيف “لم يصل إلينا من أسماء الفنانين الذين قامت على أكتافهم هذه المدرسة إلا اثنان: هما عبدالله بن الفضل ويحيى بن محمود بن يحيى بن الحسن الواسطي. والواقع أن الفنون الشرقية عامة لم تنم فيها شخصيات الفنانين تمام النمو، ولم يشعر أكثرهم بحقهم الطبيعي في الافتخار بما تصنع أيديهم، وذلك بتسجيل أسمائهم على منتجاتهم، ولذلك فإن لدينا عددا وافرا من التحف الإسلامية متقنة الصنع جميلة الزخرف، والتي بذل صانعوها الجهود الوافرة في سبيل إخراجها بغير أن يفطنوا أو يسمح لهم بالتوقيع على هذه الآثار الفنية”.

    ويتابع “من ثم فقد كانت دراسة الفنون الإسلامية غير يسيرة لعدم توافر العناصر اللازمة لتقسيم التحف بحسب صنّاعها وأساليبهم في الصناعة، اللهم إلا في بعض النواحي كالتحف المعدنية المصنوعة في الموصل، أو مثل بعض الخزف المصري من عصري الفاطميين والمماليك، أو في كثير من الصور الإيرانية والهندية منذ القرن الـ16.ومهما يكن من شيء فإن عبدالله بن الفضل كتب وصور سنة 619 هـ/1222 ميلادية مخطوطا من كتاب خواص العقاقير، فيه نحو ثلاثين صورة تناولتها أيدي التجار فوزعتها بين المتاحف والمجموعات المختلفة، وقد رأينا خمسة منها في معرض الفن الإيراني بلندن سنة 1931، كما أن كثيرا من صور هذا المخطوط مرسوم في المؤلفات المختلفة عن الفنون الإسلامية”.

    ويؤكد حسن أن أشهر صور المدرسة العراقية صورة رجلين كل منهما تحت شجرة وبينهما وعاء يحركه أحدهما بعصا في يده وتمثل هذه الصورة صناع الرصاص. وهناك صورة أخرى في متحف المتروبوليتان بنيويورك تمثل طبيبا يحضر الدواء للسعال، كما أن في متحف اللوفر بباريس صورة أخرى تمثل طبيبا يحضر دواء. ومهما يكن من شيء فإن التأثير البيزنطي ظاهر في كل هذه الصور التي رقمها عبدالله بن الفضل، فأكبر الظن أنه كان تلميذا لفنان مسيحي في العراق، وليس ببعيد أنه كان مسيحيّا اختار الإسلام وتسمى باسم عبدالله كما يفعل أغلب المسيحيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي.

    أما الفنان الثاني الذي اشتهر في المدرسة العراقية فيحيى بن محمود بن يحيى بن الحسن الواسطي وقد كتب سنة 634ﻫ/1237م مخطوطا من مقامات الحريري محفوظا الآن في المكتبة الأهلية بباريس، وفيه زهاء مئة صورة لتوضيح الحكايات التي يرويها الحارث بن همام عن حيل أبي زيد السروجي ونوادره. ولا ريب في أن هذه القصص والرسوم التي توضحها صور للحياة الاجتماعية في ذلك العصر وسجل يمكن أن تستنبط منه البيانات الكثيرة عن العادات والملابس فيه.
    إيران وتركيا والهند




    يوضح زكي محمد حسن أنه ازدهرت في التصوير الإسلامي الإيراني مدرسة أخرى في القرنين الـ13 والـ14 حين كانت أخطر مراكز صناعة التصوير تبريز وبغداد وسلطانية. أما تبريز في إقليم أذربيجان فقد كانت عاصمة الأمراء المغول في الصيف، بينما كانت بغداد مقرهم في الشتاء بعد أن احتلوها سنة 1258 ميلادي، وكانت سلطانية إحدى مدن العراق العجمي التي أعجب بها كثيرون من أمراء المغول. وكانت هناك مراكز أخرى كسمرقند وبخارى، ولكن صيت هاتين المدينتين إنما ذاع في العصر التالي ـ عصر تيمور وخلفائه ـ على الخصوص.

    ولا يجب أن ننسى حين ندرس أيّ ظاهرة من الظواهر الفنية في عصر المغول أن العلاقة كانت وثيقة في عصرهم بين إيران وبين الشرق الأقصى، إذ أن الأسرتين اللتين كانتا تحكمان في الصين وفي إيران طوال القرنين الـ13 والـ14 أسرتان مغوليتان تجمعهما روابط الجنس والقرابة. وفضلا عن ذلك فإن المغول عندما استوطنوا إيران استصحبوا معهم عمالا وصناعا وتراجمة من الصينيين. ولذا فإننا نشاهد أن أساليب الشرق الأقصى واضحة في الفنون الإيرانية منذ عصر المغول، ونرى على الخصوص أن الإيرانيين حين عرفوا منتجات الصين في الرسم والتصوير استطاعوا الانصراف عن أساليب المدرسة العراقية وساروا في طريق خاص تطور تطورّا طبيعيّا حتى وصل إلى القمة في عصر الدولة العباسية.

    وهكذا نرى أن المدرسة المغولية هي أولى المدارس الإيرانية الصحيحة في التصوير الإسلامي. ولكن عصر المغول كان قصير الأمد وكان مملوءا بالحروب، ولذا فإن منتجات المصورين فيه لم تكن كثيرة، أو لم يصل إلينا منها على الأقل إلا شيء يسير. ولم تتميز هذه الآثار الفنية بالرقة والأناقة التي نراها في منتجات العصر التيموري أو العصر الصفوي، وإنما كان أكثرها مناظر قتال توضيحا للكتب في التاريخ أو في القصص الحربي، أو مناظر تمثل أمراء المغول بين أفراد أسرهم وحاشيتهم.

    ويرى أنه لم يكن لتركيا مدرسة خاصة في التصوير، فإن الترك لم تكن لهم في هذا الميدان أساليب فنية موروثة، إذ أنهم لم يحتفظوا بما كان لأسلافهم في التركستان، وإنما كان جل اعتمادهم على مصورين إيرانيين هاجروا إلى تركيا، وقام على أكتافهم فن التصوير فيها، أو على مصورين أوروبيين استدعاهم سلاطين تركيا إلى بلاطهم في إسطنبول. والواقع أن سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 1453 ميلادي على يد السلطان محمد الفاتح أدى إلى نمو العلاقات الفنية بين تركيا والغرب ولم يلبث الأتراك أن تأثروا تدريجيّا بالأساليب الفنية الغربية في فنونهم المختلفة.

    وقد استدعي المصور الإيطالي المشهور جنتيلي بليني إلى بلاط السلطان في إسطنبول سنة 1840 ميلادي، وكان للفنانين في إسطنبول علاقات وثيقة بالفن الإيطالي في أول عصر النهضة. وقد وصلت إلينا صورة أمير تركي منسوبة إلى جنتيلي بليني وهي محفوظة الآن في متحف جاردنر بمدينة بوستن. كما أننا نعرف أيضا أن مصور البلاط العثماني في عصر السلطان سليمان (1520 – 1566) واسمه حيدر باشا كان ينقل لوحات المصور الفرنسي كلويه مصور الإمبراطور فرنسوا الأول.

    بينما كان السلاطين الأتراك في بروسة ثم في إسطنبول يستقدمون الخطاطين والمصورين الإيرانيين لكتابة المخطوطات الفارسية والتركية وتزيينها كما كانوا يستقدمون أيضا صناع الخزف والقاشاني من إيران لتزيين مساجدهم وأضرحتهم. وهكذا نرى أن التصوير الإسلامي في تركيا كان مطبوعا بطابع إيراني قوي، حتى أن أهم ما يميز الصور التركية عن الصور الإيرانية إنما هو العمامة التركية الكبيرة التي يلبسها الأشخاص في الصور التركية فضلا عن الملابس التركية التي تميزهم عن الأشخاص في الصور الإيرانية. ومن المصورين الإيرانيين الذين نزحوا إلى تركيا في القرن الـ16 شاه قولي وولي جان الذي كان تلميذا لسياوش. وقد كان سياوش هذا من إقليم الكرج وتلقى فن التصوير على آغا ميرك.

    ويقسم حسن الصور الهندية إلى مدرستين: مدرسة المغول، ومدرسة راجبوت. أما مدرسة المغول فهي هندية متأثرة كثيرا بأساليب الفنانين الإيرانيين الذين ساهموا في قيامها. وأقدم ما يعرف من آثارها الفنية يرجع إلى عصر الإمبراطور بابر (1526 – 1530) وعصر الإمبراطور أكبر (1556 ـ 1605) ولكن الصور التي تنسب إلى عصر بابر نادرة جدّا ولعل أحسنها صورة معركة بحرية.

    وكانت هذه الصورة في مرقعة (ألبوم) للإمبراطور جهانجير وهي الآن في مكتبة الدولة ببرلين ويظهر في أسلوبها التأثر ببهزاد وبمدرسة بخارى. ويجدر بنا في هذه المناسبة أن نشير إلى أن عواهل المغول الهنود كان لهم ولوع كبير بحفظ المرقعات المحتوية على بدائع الصور المستقلة من غير أن يصرفهم ذلك عن جمع المخطوطات ذات الصور الفنية.
    الفنون الشرقية لم تنم فيها شخصيات الفنانين تمام النمو، ولم يشعر أكثرهم بحقهم في الافتخار بما تصنع أيديهم

    أما الإمبراطور همايون الذي خلف بابر سنة 1530 فقد كان أكبر راعيا كبيرا للفنون ولاسيما التصوير، فكانت جدران قصوره في عاصمته الجديدة “فتح بور سكرى” وفي سائر أنحاء ملكه محلاة بالنقوش والتزاويق من عمل الفنانين الإيرانيين والهنود. وقد أسس هذا الإمبراطور مجمعا للفنون وظف فيها زهاء سبعين مصورا، جلهم من الهنود. وكان هؤلاء المصورون يرسمون الصور لتوضيح المخطوطات الفارسية المختلفة وتزيينها، وذلك بإشراف أساتذة من المصورين الإيرانيين. وكان الإمبراطور يجمع لهم في مكتبته الخاصة أبدع النماذج بريشة أعلام المصورين الإيرانيين لدرسها والاهتداء بها. وكانوا يوفقون في تقليدها إلى أبعد حدود التوفيق حتى لا يستطيع تمييزها عن الأصل إلا ذوو الخبرة في الفنون الإسلامية ممن يستطيعون إدراك الفرق في اللون وفي بعض التفاصيل الدقيقة. وقد كان يحدث أحيانا أن يضع الفنان اسم فنان مشهور على الصورة المنقولة، كما نرى في خمسة صور بمخطوط من كتاب “هفت بيكار” للشاعر نظامي والمخطوط محفوظ في متحف المتروبوليتان بنيويورك، وعلى الصور الخمس إمضاء بهزاد.

    أما المدرسة الأخرى وهي مدرسة راجبوت في الهند فقد كانت تقوم إلى جانب المدرسة المغولية، ولكن أساليبها الفنية كانت مأخوذة عن الأساليب الفنية في نقوش الجدران بالهند القديمة، وكانت فضلا عن ذلك شعبية تختلف في موضوعاتها عن المدرسة المغولية.

    وبينما كان رجال المدرسة المغولية يرسمون صور الأباطرة، وصور الحوادث المهمة، وصور الحيوانات والطيور، كان الفنانون في مدرسة راجبوت يرسمون الموضوعات المستمدة من القصص الشعبية، والملاحم الهندية، ونوادر الآلهة والقديسين. وأقدم ما يعرف من الآثار الفنية المنسوبة لمدرسة راجبوت يرجع إلى القرن الـ16.

    ShareWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
    كاتب مصري
يعمل...
X