الحرية .. تعريف الحرية وشرائطها
الحرية
۱ - تعريف الحرية وشرائطها
إن مسألة الحرية من المسائل الفلسفية العويصة التي تعارضت فيها أدلة الفلاسفة وحجج العلماء ، والسبب في ذلك أن الحرية حالة فريدة في ذاتها ، وهي تتضمن معنى الاختراع والايجاد ، وإن كان القول بها عند بعضهم مخالفا لمسلمات العلم .
آ - معنى الحرية :
الحرية التي جعلناها موضوع بحثنا في هذا الكتاب هي حرية الارادة ، أو الحرية غير الحرية الطبيعة ، والحرية المدنية ، والحرية السياسية ، والحرية النفسية . وهي الخلقية ، وحرية الكمال .
١ - الحرية الطبيعية .
- الحرية الطبيعية القدرة على تنفيذ مقاصد الارادة دون عائق خارجي ، وهي محدودة ، وغير مطلقة ، فالمريض ، والعاجز ، والسجين ، لا يتمتعون الطبيعية ، أما الصحيح الجسم ، والقادر على الفعل ، والطليق المتحرر من كل قيد . فإنهم يأكلون ، ويشربون ، ويعملون ، ويتحركون ، كما يشاؤون ، إن حركات السمك في البحر ، والطير في الهواء هي بهذا المعنى حركات حرة .
٣ - الحرية المدنية .
- الحرية المدنية هي تمتع الانسان داخل حدود القانون ببعض الحقوق الملازمة للطبيعة البشرية : كحرية القول ، والعمل ، والاجتماع ، والتملك ، والبيع والشراء ، والتعليم ، وانتخاب المهنة ، والزواج ، وحرية التنازل عن الملك بالمعاوضة
والهبة ، والوصية وغير ذلك . وتسمى هذه الحريات بالحقوق الطبيعية ، إلا أنها مقيدة بحقوق الآخرين من أبناء المجتمع . إن ( روبنصون ) كان يتمتع في جزيرته بحرية مدنية مطلقة ، هذا إذا فرضنا أن له حياة اجتماعية ، فالحرية المدنية إذن حرية خارجية ، كالحرية الطبيعية ، وإذا قيل إن حرية الفكر والاعتقاد ليست خارجية ، قلنا إن هذه الحرية تعبر عن حق الإنسان في إظهار أفكاره ، وشعائره الدينية ، وهذا الحق تابع لشرائط خارجية تحددها القوانين والأنظمة الموضوعة للمصلحة العامة . والإنسان يخسر حريته الطبيعية بالاستعباد ، كما يخسر حريته المدنية بالاستبداد .
٣ - الحرية السياسية .
- أما الحرية السياسية ، فهي حق اشتراك الأفراد في الحكم ، كحق الانتخاب ، وحق المراقبة على أعمال السلطة المدنية . ولا وجود لها في أمة إلا إذا كان يحق لجميع افرادها أن يشتركوا بأنفسهم ، أو بواسطة ممثليهم في سن القوانين وتطبيقها . إن الدول المستبدة تحرم أفرادها هذا الحق ، وكثيراً ما يكون الاستبداد مصحوباً بالقهر والظلم ، وإذا ضاعت الحرية السياسية ضاعت الحرية المدنية معها .
٤ - الحرية الأخلاقية .
- وأما الحرية الأخلاقية ، فهي استقلال إرادة الإنسان عن القهر والضغط خارجياً كان أو داخلياً . فإذا كان الضغط خارجيا ، كان تابعا لتأثير العادات ، والآراء ، والأوهام ، والأزياء ، والأهواء الاجتماعية . وإذا كان داخلياً ، كان ناشئاً عن تأثير الأهواء الذاتية ، والغرائز ، والعادات الفردية . لأن هذه الدوافع تؤثر في شخصية المرء ، وتمنعه من الاتجاه إلى الغايات السامية . فالحرية الأخلاقية تقتضي إذن أن يكون الفعل صادراً عن تفكير ، وتأمل ، وعلم ، وهي : تخلص الشخصة من ربقة الغرائز ، والأهواء ، وتجعل الفعل تابعاً للفاعل نفسه لا لشخص آخر غيره .
٥ - حرية الكمال .
- وهناك معنى آخر للحرية قريب من المعنى السابق اطلق عليه الفلاسفة اسم حرية الكمال ) Liberté de perfection ) . إن قول ( أوغست ) في كتاب ( سينا ) : أنا سيد نفسي ، وسيد العالم . يشير إلى أنه حرر نفسه من كل حسد ، وبغضاء ، ورغبة في الانتقام . فهذه الحرية هي إذن صفة الحكماء الذين حرروا أنفسهم من الجهل وارتقوا بالعلم إلى درجة الكمال . قال ( ليبنز ) : « كلما كان سلوكنا أكثر مطابقة لأحكام العقل ، كانت حريتنا أوسع ، وكلما كان خضوعنا لأهوائنا أشد ، كانت عبوديتنا أعظم .
و في الحق إن اتباعنا لأحكام العقل يجعل سلو كنا أكثر اتفاقاً . طبيعتنا البشرية ؛ أما مع اتباعنا للأهواء فيجعلنا خاضعين للأشياء الخارجية » . ثم إن حرية الكمال ليست مضادة افكرة التقيد ، وإنما هي . مقيدة محاكم العقل ، وفكرة الخير ، فهي إذن مثل أعلى يجب السمو اليه . قال ( ليبنز ) : ( إن الله وحده كامل الحرية ، أما النفوس المخلوقة فلا حرية لها إلا من جهة ماهي قادرة على التخلص من الأهواء Leibniz , Nouveaux sais . Il ) ولكن هل في وسعنا أن نسمو الى هذا المثل الأعلى ، وأن نعيش عيشة الأخيار ، وأن نتجنب الشر بحسن الاختيار ، ذلك ما نريد معالجته عند ا الكلام على حرية الإرادة .
٦ - حرية الارادة وحرية الاختيار .
- لا يستطيع الإنسان أن يتصف بحرية الكمال إلا إذا كان في و وسعه أن يتقيد بفكرة الخير . أما حرية الاختيار فتجرد الإرادة من كل قيد . وقد قال الفلاسفة بهذه الحرية لتعليل ما في العزم الارادي من المناقشة والروية ، حتى لقد زعم بعضهم : أن الارادة مطلقة الاختيار ، وأنها لا تقرر شيئاً بتأثير الظروف الخارجية ؛ بل تقرره بتأثير قوة ذاتية حرة مستقلة تقول للشيء كن فيكون قال ( بوسويه ) : ( كلما بحثت في أعماق نفسي عن السبب الذي يدفعنى إلى الفعل ، لم أجد فيها شيئاً غير حريتي ( 1 Bossuet , Traité du libre arbitre ) ، فالارادة إذن أول ، وابتداء مطلق ، لا تتبع فى العزم على الفعل قاعدة ولا شرطاً . وهي مجردة عن كل قيد ، لأنها لا تقتضي أن يكون الفعل مستقلاً عن الشرائط الخارجية فحسب ، بل تقتضي أن يكون . ن مستقلاً أيضا عن الدوافع ، والبواعث الداخلية ، أي عن العواطف ، والتصورات وهذا يدل على أن فكرة الحرية ملازمة لفكرة اللا تعين ( Indetermination ) ، وفكرة الجواز ( Contingence ) ، وهي تحتمل إمكان وقوع الفعل ، أو عدم وقوعه على السواء ، وهذا المعنى مخالف لمعنى الحتمية ) Determinisme ) . قال بوسويه : « إن حرية الاختيار القدرة على فعل الشيء ، أو فعله ( ١ ) ، وقد عرفوها بقولهم أيضاً : هي القدرة سلب هي عدم على انتخاب أحد المقدورين .
إن هذا المعنى الأخير يسوقنا إلى حرية اللامبالاة ( Liberté d'indifference ) التي ذكرناها في الفصل السابق . وقد أشار اليها ( بوسويه ) بقوله : لا معنى لحرية اللامبالاة إلا حيث تتساوى الأسباب المتعارضة . فالحرية بهذا المعنى إذن هي القدرة على اتخاذ قرار من غير مرجح .
وقصارى القول أن للحرية مفاهيم مختلفة ، إلا أن الحرية التي نريد أن نبحث فيها هنا هي حرية الارادة . ويمكننا أن نعرفها بقولنا أنها : القدرة على انتخاب أحد الممكنات من غير أن يكون التنبؤ بنتيجة هذا الانتخاب ممكنا . فهل هذه الحرية حقيقة أم وهم ؟ هل نحن قادرون على خلق أفعالنا ، أم نحن مسخرون لقوى خارجية تسيرنا من حيث ندري ولا ندري ؟
ب - شرائط الحرية :
لا معنى لحرية الارادة إلا إذا استوفت بعض الشروط ، وهي :
۱ - الجواز والامكان .
- الشرط الأول هو جواز الفعل ، أي عدم ضرورته ، ومعنى ذلك أنه يجب أن تكون الامور ممكنة لا واجبة ، أي أن يكون المستقبل غير تابع للحاضر ، وأن يكون هناك عدة ممكنات ، لا ترجيح لأحدها على الآخر . أما إذا كان الأمر على عكس ذلك ، أي إذا كان كل حادث مقيداً بما قبله ، كان محالاً أن يغير الانسان بإرادته أمراً من الأمور ، أو أن يكون مبدعاً الحال من الأحوال ، أو سبب من الأسباب ، أو أن يؤثر في جريان الأحوال النفسية ، أو في تبديل نظام الظواهر الخارجية .
۲ - البواعث والدوافع .
- وينبغي أن نضيف إلى هذا الشرط الأول شرطاً ثانياً : وهو استناد المريد في فعله إلى أسباب تساعده على ترجيح أحد المقدورين . إن عدم التقيد الأسباب ليس من الحرية في شيء . تصور كائناً لا يحركه باعث عقلي ، ولا بسبب من يدفعه دافع قلبي ، ولا تقيده قوة من القوى . إن كائناً هذا شأنه لا يبالي بشيء . ولا يتجه إلى جهة دون أخرى ، فهو إذن محروم الحرية لتجرده عن الأسباب . فالحرية تستلزم إذن أن يكون الفعل مبنياً على أسباب مرجحة ، وهذه الأسباب قد تكون عقلية ، وقد تكون قلبية ؛ إلا أن الإرادة في كلا الحالين لابد من أن تشتمل على التقيد بالأسباب ، لاستنادها إلى العقل والحساسية .
٣ - التلقائية .
- والحرية تقتضي أيضاً اتصاف الفعل بالتلقائية أيضاً اتصاف الفعل بالتلقائية ، ونعني بذلك قدرة الارادة على ابتداء الأمور بذاتها ، ومن تلقاء ذاتها ، وتشبثها بها ، لترجيح أحدها على الآخر .
٤ - صفات الفعل الحر .
- ينتج مما تقدم أن الفعل الحر ليس مستقلا عن الأسباب ، ولا هو بالأمر التحكمي ( Aabirtraire ) الذي لا قاعدة له ، ولا مرجح ، وإنما هو مبني على معرفة الأسباب المرجحة - وهو يصدر عن ذواتنا . ويدل دلالة حقيقية على دخائلنا . نعم إنه قد يتأثر بالظروف الخارجية ، إلا أنه لولا نشاط إرادتنا لما حدث أبداً - وكلما كان إدراكنا لعلاقة سجيتنا بسلو كنا أتم ، كان يقيننا بحريتنا أقوى . وأحسن مديح يسدى إلى المرء على أفعاله الصالحة هو أن يقال له : الشيء لا يستغرب من معدنه ، وإن ما فعله قد جاء مطابقاً لما هو مقتدر عليه ، ومؤمل منه .
الحرية
۱ - تعريف الحرية وشرائطها
إن مسألة الحرية من المسائل الفلسفية العويصة التي تعارضت فيها أدلة الفلاسفة وحجج العلماء ، والسبب في ذلك أن الحرية حالة فريدة في ذاتها ، وهي تتضمن معنى الاختراع والايجاد ، وإن كان القول بها عند بعضهم مخالفا لمسلمات العلم .
آ - معنى الحرية :
الحرية التي جعلناها موضوع بحثنا في هذا الكتاب هي حرية الارادة ، أو الحرية غير الحرية الطبيعة ، والحرية المدنية ، والحرية السياسية ، والحرية النفسية . وهي الخلقية ، وحرية الكمال .
١ - الحرية الطبيعية .
- الحرية الطبيعية القدرة على تنفيذ مقاصد الارادة دون عائق خارجي ، وهي محدودة ، وغير مطلقة ، فالمريض ، والعاجز ، والسجين ، لا يتمتعون الطبيعية ، أما الصحيح الجسم ، والقادر على الفعل ، والطليق المتحرر من كل قيد . فإنهم يأكلون ، ويشربون ، ويعملون ، ويتحركون ، كما يشاؤون ، إن حركات السمك في البحر ، والطير في الهواء هي بهذا المعنى حركات حرة .
٣ - الحرية المدنية .
- الحرية المدنية هي تمتع الانسان داخل حدود القانون ببعض الحقوق الملازمة للطبيعة البشرية : كحرية القول ، والعمل ، والاجتماع ، والتملك ، والبيع والشراء ، والتعليم ، وانتخاب المهنة ، والزواج ، وحرية التنازل عن الملك بالمعاوضة
والهبة ، والوصية وغير ذلك . وتسمى هذه الحريات بالحقوق الطبيعية ، إلا أنها مقيدة بحقوق الآخرين من أبناء المجتمع . إن ( روبنصون ) كان يتمتع في جزيرته بحرية مدنية مطلقة ، هذا إذا فرضنا أن له حياة اجتماعية ، فالحرية المدنية إذن حرية خارجية ، كالحرية الطبيعية ، وإذا قيل إن حرية الفكر والاعتقاد ليست خارجية ، قلنا إن هذه الحرية تعبر عن حق الإنسان في إظهار أفكاره ، وشعائره الدينية ، وهذا الحق تابع لشرائط خارجية تحددها القوانين والأنظمة الموضوعة للمصلحة العامة . والإنسان يخسر حريته الطبيعية بالاستعباد ، كما يخسر حريته المدنية بالاستبداد .
٣ - الحرية السياسية .
- أما الحرية السياسية ، فهي حق اشتراك الأفراد في الحكم ، كحق الانتخاب ، وحق المراقبة على أعمال السلطة المدنية . ولا وجود لها في أمة إلا إذا كان يحق لجميع افرادها أن يشتركوا بأنفسهم ، أو بواسطة ممثليهم في سن القوانين وتطبيقها . إن الدول المستبدة تحرم أفرادها هذا الحق ، وكثيراً ما يكون الاستبداد مصحوباً بالقهر والظلم ، وإذا ضاعت الحرية السياسية ضاعت الحرية المدنية معها .
٤ - الحرية الأخلاقية .
- وأما الحرية الأخلاقية ، فهي استقلال إرادة الإنسان عن القهر والضغط خارجياً كان أو داخلياً . فإذا كان الضغط خارجيا ، كان تابعا لتأثير العادات ، والآراء ، والأوهام ، والأزياء ، والأهواء الاجتماعية . وإذا كان داخلياً ، كان ناشئاً عن تأثير الأهواء الذاتية ، والغرائز ، والعادات الفردية . لأن هذه الدوافع تؤثر في شخصية المرء ، وتمنعه من الاتجاه إلى الغايات السامية . فالحرية الأخلاقية تقتضي إذن أن يكون الفعل صادراً عن تفكير ، وتأمل ، وعلم ، وهي : تخلص الشخصة من ربقة الغرائز ، والأهواء ، وتجعل الفعل تابعاً للفاعل نفسه لا لشخص آخر غيره .
٥ - حرية الكمال .
- وهناك معنى آخر للحرية قريب من المعنى السابق اطلق عليه الفلاسفة اسم حرية الكمال ) Liberté de perfection ) . إن قول ( أوغست ) في كتاب ( سينا ) : أنا سيد نفسي ، وسيد العالم . يشير إلى أنه حرر نفسه من كل حسد ، وبغضاء ، ورغبة في الانتقام . فهذه الحرية هي إذن صفة الحكماء الذين حرروا أنفسهم من الجهل وارتقوا بالعلم إلى درجة الكمال . قال ( ليبنز ) : « كلما كان سلوكنا أكثر مطابقة لأحكام العقل ، كانت حريتنا أوسع ، وكلما كان خضوعنا لأهوائنا أشد ، كانت عبوديتنا أعظم .
و في الحق إن اتباعنا لأحكام العقل يجعل سلو كنا أكثر اتفاقاً . طبيعتنا البشرية ؛ أما مع اتباعنا للأهواء فيجعلنا خاضعين للأشياء الخارجية » . ثم إن حرية الكمال ليست مضادة افكرة التقيد ، وإنما هي . مقيدة محاكم العقل ، وفكرة الخير ، فهي إذن مثل أعلى يجب السمو اليه . قال ( ليبنز ) : ( إن الله وحده كامل الحرية ، أما النفوس المخلوقة فلا حرية لها إلا من جهة ماهي قادرة على التخلص من الأهواء Leibniz , Nouveaux sais . Il ) ولكن هل في وسعنا أن نسمو الى هذا المثل الأعلى ، وأن نعيش عيشة الأخيار ، وأن نتجنب الشر بحسن الاختيار ، ذلك ما نريد معالجته عند ا الكلام على حرية الإرادة .
٦ - حرية الارادة وحرية الاختيار .
- لا يستطيع الإنسان أن يتصف بحرية الكمال إلا إذا كان في و وسعه أن يتقيد بفكرة الخير . أما حرية الاختيار فتجرد الإرادة من كل قيد . وقد قال الفلاسفة بهذه الحرية لتعليل ما في العزم الارادي من المناقشة والروية ، حتى لقد زعم بعضهم : أن الارادة مطلقة الاختيار ، وأنها لا تقرر شيئاً بتأثير الظروف الخارجية ؛ بل تقرره بتأثير قوة ذاتية حرة مستقلة تقول للشيء كن فيكون قال ( بوسويه ) : ( كلما بحثت في أعماق نفسي عن السبب الذي يدفعنى إلى الفعل ، لم أجد فيها شيئاً غير حريتي ( 1 Bossuet , Traité du libre arbitre ) ، فالارادة إذن أول ، وابتداء مطلق ، لا تتبع فى العزم على الفعل قاعدة ولا شرطاً . وهي مجردة عن كل قيد ، لأنها لا تقتضي أن يكون الفعل مستقلاً عن الشرائط الخارجية فحسب ، بل تقتضي أن يكون . ن مستقلاً أيضا عن الدوافع ، والبواعث الداخلية ، أي عن العواطف ، والتصورات وهذا يدل على أن فكرة الحرية ملازمة لفكرة اللا تعين ( Indetermination ) ، وفكرة الجواز ( Contingence ) ، وهي تحتمل إمكان وقوع الفعل ، أو عدم وقوعه على السواء ، وهذا المعنى مخالف لمعنى الحتمية ) Determinisme ) . قال بوسويه : « إن حرية الاختيار القدرة على فعل الشيء ، أو فعله ( ١ ) ، وقد عرفوها بقولهم أيضاً : هي القدرة سلب هي عدم على انتخاب أحد المقدورين .
إن هذا المعنى الأخير يسوقنا إلى حرية اللامبالاة ( Liberté d'indifference ) التي ذكرناها في الفصل السابق . وقد أشار اليها ( بوسويه ) بقوله : لا معنى لحرية اللامبالاة إلا حيث تتساوى الأسباب المتعارضة . فالحرية بهذا المعنى إذن هي القدرة على اتخاذ قرار من غير مرجح .
وقصارى القول أن للحرية مفاهيم مختلفة ، إلا أن الحرية التي نريد أن نبحث فيها هنا هي حرية الارادة . ويمكننا أن نعرفها بقولنا أنها : القدرة على انتخاب أحد الممكنات من غير أن يكون التنبؤ بنتيجة هذا الانتخاب ممكنا . فهل هذه الحرية حقيقة أم وهم ؟ هل نحن قادرون على خلق أفعالنا ، أم نحن مسخرون لقوى خارجية تسيرنا من حيث ندري ولا ندري ؟
ب - شرائط الحرية :
لا معنى لحرية الارادة إلا إذا استوفت بعض الشروط ، وهي :
۱ - الجواز والامكان .
- الشرط الأول هو جواز الفعل ، أي عدم ضرورته ، ومعنى ذلك أنه يجب أن تكون الامور ممكنة لا واجبة ، أي أن يكون المستقبل غير تابع للحاضر ، وأن يكون هناك عدة ممكنات ، لا ترجيح لأحدها على الآخر . أما إذا كان الأمر على عكس ذلك ، أي إذا كان كل حادث مقيداً بما قبله ، كان محالاً أن يغير الانسان بإرادته أمراً من الأمور ، أو أن يكون مبدعاً الحال من الأحوال ، أو سبب من الأسباب ، أو أن يؤثر في جريان الأحوال النفسية ، أو في تبديل نظام الظواهر الخارجية .
۲ - البواعث والدوافع .
- وينبغي أن نضيف إلى هذا الشرط الأول شرطاً ثانياً : وهو استناد المريد في فعله إلى أسباب تساعده على ترجيح أحد المقدورين . إن عدم التقيد الأسباب ليس من الحرية في شيء . تصور كائناً لا يحركه باعث عقلي ، ولا بسبب من يدفعه دافع قلبي ، ولا تقيده قوة من القوى . إن كائناً هذا شأنه لا يبالي بشيء . ولا يتجه إلى جهة دون أخرى ، فهو إذن محروم الحرية لتجرده عن الأسباب . فالحرية تستلزم إذن أن يكون الفعل مبنياً على أسباب مرجحة ، وهذه الأسباب قد تكون عقلية ، وقد تكون قلبية ؛ إلا أن الإرادة في كلا الحالين لابد من أن تشتمل على التقيد بالأسباب ، لاستنادها إلى العقل والحساسية .
٣ - التلقائية .
- والحرية تقتضي أيضاً اتصاف الفعل بالتلقائية أيضاً اتصاف الفعل بالتلقائية ، ونعني بذلك قدرة الارادة على ابتداء الأمور بذاتها ، ومن تلقاء ذاتها ، وتشبثها بها ، لترجيح أحدها على الآخر .
٤ - صفات الفعل الحر .
- ينتج مما تقدم أن الفعل الحر ليس مستقلا عن الأسباب ، ولا هو بالأمر التحكمي ( Aabirtraire ) الذي لا قاعدة له ، ولا مرجح ، وإنما هو مبني على معرفة الأسباب المرجحة - وهو يصدر عن ذواتنا . ويدل دلالة حقيقية على دخائلنا . نعم إنه قد يتأثر بالظروف الخارجية ، إلا أنه لولا نشاط إرادتنا لما حدث أبداً - وكلما كان إدراكنا لعلاقة سجيتنا بسلو كنا أتم ، كان يقيننا بحريتنا أقوى . وأحسن مديح يسدى إلى المرء على أفعاله الصالحة هو أن يقال له : الشيء لا يستغرب من معدنه ، وإن ما فعله قد جاء مطابقاً لما هو مقتدر عليه ، ومؤمل منه .
تعليق