أمراض الإرادة
ومما يؤيد الملاحظات السابقة أن الارادة اذا أصيبت بمرض أدى مرضها الى انحلالها ، وتفككها . ولنقسم بحثنا في ذلك قسمين :
- الارادة الضعيفة : إذا اقتصرنا على دراسة الإرادة الضعيفة تبين لنا أن أحوالها مختلفة الأحكام .
فمنها ما ينشأ عن فقد الاندفاع Defaut d'impulsion كحالة الذين يكونون ضعاف الحس ، وتكون فاعلية الحياة عندهم راكدة ( ١ ) .
ومنها ما ينشأ عن فرط الإحساس كحالة الذين يكونون كثيري الانفعال .
قال ( جان جاك روسو ) : انظر إلي وأنا هادى ، تجدني مثالاً للتواني والكسل ، فكل شيء يخيفني ، وكل أمر يرعبني . إني أخاف من طنين الذباب ، وأذعر من أقل كلمة ، أو أدنى إشارة ، ويستولي علي الخوف والحياء حتى أتمنى أن أحتجب عن الناس ، فلا أدري ماذا يجب أن أفعل ، ولا ما ينبغي أن أقول ، وإذا نظر الناس إلي تشوشت نفسي .
ومن هذه الأحوال ما يتولد من فرط الاندفاع ، كحالة الذين يكونون سريمي الغضب ، أو يكونون عبيد رغائبهم ، فلا يستطيعون مقاومتها ، ولا التغلب عليها .
ومنها ما ينشأ عن فقدان التفكير ، كحالة الطيش ، أو ارتباك النفس .
ومنها ما ينشأ عن فرط التفكير ، كحالة المتردد ، أو المتحير الذي لا يستطيع أن يقرر شيئاً .
وكثيراً ما تكون الإرادة ضعيفة عند الثائرين الذين يعيشون على هامش الحياة الاجتماعية ، أو عند الفوضويين الذين لا يحبون النظام ، ولا يريدون أن يقيدوا أنفسهم بعمل دائم ، أو عند الذين لا يستطيعون الانضمام إلى جماعة من الجماعات حاضرة كانت أو غائبة . قال ( بلوندل ) : ان الظرفاء الذين لا يصلحون لمهنة من المهن ، والعمال المتعبين الجاهلين بأصول الصناعة ، والأشخاص الذين يميلون إلى جميع ا الأعمال للتلذذ بها من غير انقطاع لأحدها ، كل هؤلاء في مجتمعنا الحديث من ضعفاء الإرادة .
ومن ضعفاء الإرادة أيضاً : المقلدون الذين يشبهون خراف ( بانورج ) في أعمالهم ، فيتبعون تقاليد غيرهم ، أو عاداتهم ، ويدورون في دائرة واحدة ، كالآلات المتحركة ، يكررون الأعمال نفسها ، وليس لهم ميل ، أو رغبة ، أو قدرة تدفعهم إلى التجديد ومنهم أيضاً المتقلبون الذين لا ثبات عندهم ، ولا شجاعة ، ولا قدرة على المغالبة " . والمجاهدة ، يتبدلون في كل لحظة ، ويتقلبون كريشة في مهب الريح . ومنهم من يكون ضعيف الإرادة لتشتت مشاعره ، وتنازع أفكاره ، وسرعة انقياده لانفعالاته ، وأهوائه ، ووساوسه . قال ( مالابر ) : ( إن هذا الاندفاع الدال على نقص في تنظيم النزعات ، وفقدان الإرادة التأملية ، وضعف قوة الوقف والكف ، إنما هو خاص بالأقوام الابتدائية ، والأطفال ، وعديمي الاتزان الفكري ، ( 1 Malapert , Ibid ) ، وكثيراً ما أشار العلماء إلى فقدان الإرادة وكثرة الاندفاع عند المتوحشين . فقد قال ( أسرتيه - Essertier ) : لا شيء أدل على شخصية الإنسان الابتدائي من عجزه عن امتلاك نفسه ، وكذلك الطفل فهو خاضع لرغائبه الموقتة ، طائش ، مشتت الفكر ، ينسى ما يقول ، ويمل مما يفعل ، أو يرخي العنان لاهوائه ووساوسه .
ومن عجيب الاتفاق أن الميل إلى التغيير ملازم عند الطفل للتقليد الضيق ، أي لكره التجديد ( Misonic ) ، فكل مخالفة للعرف والعادة تثيره ، وكل بعد عن التقاليد يهيجه ، لأن سرعة التغير ، وشدة التمسك بالعادات القديمة هما ، كما قال ( دور كهايم ) ( ۱ ) أمران متلازمان ، ، ولكن الاندفاعات السريعة والأحوال المشتتة ، ، لا تستطيع أن تقاوم عادة من العادات الراسخة ، ولا أن تتغلب عليها وقصارى القول : إن ضعف الارادة يتولد من نقص في عناصرها المقومة ، أو من خلل في تركيبها .
۲ - امراض الارادة .
- أما أمراض الارادة فقد أرجعها ( ريبو ) في كتابه ( أمراض الارادة ) إلى ثلاثة أنواع ؛ وهي :
آ - فقد الاندفاع .
- إن هذا المرض يتولد من فقدان قوة التحريك ، لأن النزعات قد تضعف حق تزول معها قوة الاندفاع ، ويتوقف الميل إلى الفعل ، وينشأ عن هذه الأسباب كلها حالة يسميها العلماء ) Abouli ) ، أي فقدان الارادة من أعراض هذه الحالة : أن المريض يرغب في الفعل ، ولكنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا . وقد يبقى وحده مستلقياً على فراشه ، أو على كرسيه زماناً طويلا من غير أن يقوم بعمل من الأعمال لضعف حسه ، وقلة تأثره ، وركود نزعاته .
والضعف في قابلية الحس ينشأ عن انحطاط عام في وظائف الحياة . وقد يبلغ هذا الانحطاط درجة يشعر المريض معها بأنه أصبح جماداً ، أو حطبا يابساً ، كما في حالات السوداء ( المليخوليا ) ، فتبطى دورته الدموية ، وتهبط حرارته ، وتضعف حركاته .
والمصابون بفقد الاندفاع أكثر الناس خيالاً ، فهم يدعون أنهم أقوياء الارادة ، قادرون على جلائل الأعمال ، وانهم سيتحفون الناس بكتاب جديد ، أو بمذهب جديد ، أو اختراع عظيم ، فعقولهم مفعمة بالمشاريع الجميلة ، والنيات الطيبة ، والأحلام اللذيذة ، ولكن هذه المشاريع الجميلة لا تقترن بالتنفيذ أبداً .
ب - فرط الاندفاع .
- والحالة الثانية هي : الاندفاع الشديد الى الفعل دون روية وفكر ، أو الفكرة الثابتة التي لا يمكن طردها من الذهن ، كالاندفاع الى ارتكاب الجنايات والانتحار ، وجنون السرقة ) Kleptomani ) . ان أعراض هذا المرض مختلفة أعراض فقد الاندفاع تماماً . لأن الملكات العقلية تكون فيه أضعف من الدوافع الحسية والانفعالية . ومتى ضعف العقل أمست الارادة آلة في يد الغرائز تسيرها كما تشاء على غير هدى . وقد تكون الدوافع المحركة شعورية ، وقد تكون لا شعورية . ولكنها في كلا الحالين متبوعة بالتنفيذ السريع . والفعل الذى يعقبها شبيه بالفعل المنعكس . قال الدكتور ( بيير جانه ) : ( اجتمعت الى خمس أمهات يوم ألقيت محاضرة في هذا الموضوع في مستشفى ( سالبترير ) ، فكانت كل واحدة منهن تقول لي وهي باكية : ان شيئاً أقوى ( منها كان يدفعها الى طعن أولادها الصغار بموسى حادة ( 19 , Pierre Janet , Les névroses ) . وقال ( دو فوغيه ) في كتابه ( الرواية الروسية ) ( ١ ) : قد تستولي هذه الطيوف على أدمغتنا كالكابوس ، ولكنها لا تنقلب الى فعل . أما في الأدمغة الروسية فإنها تنقلب الى الفعل دون مقاومة . قال ( تولستوي ) : اذا علمت أن الفكر قد يتوقف عن مراقبة اندفاع الارادة ، أدركت حالة ذلك الطفل الذي أضرم النار في بيت أبيه وهو يبتسم من غير تردد ولا خوف ، أن أباه وأمه واخوته وجميع الذين يحبهم كانوا نائمين فيه ، و اتضحت لك أيضاً حالة ذلك القروي الذي نظر الى حد الفأس المسنون ، فأمسك به وضرب به أباه وهو نائم ، ثم نظر الى الدم الجاري تحت المقعد نظرة الفضولي البليد .
ج - بطلان الارادة ، عالم الوساوس .
- كثيراً ما تنحل الارادة انحلالاً تاماً ، فيتولد من ذلك حالة يسميها العلماء حالة التشويش ، أو فقدان التوازن ، أو الفوضى ( ريبو ، أمراض الارادة ، ص ۱۱۹ ) ، وهي شبيهة بالحالة التي كان العلماء يسمونها بالخبل . فمن أعراض هذه الحالة : أن المريضة تنتقل فيها بصورة عجيبة من السرور الى الحزن ، ومن الضحك الى البكاء ، و من الرحمة الى القسوة ، بحيث تعجز عن كبح جماح نفسها ، أو السيطرة على حركاتها ، أو مقاومة دوافعها المتعارضة ( 118 ) - فحالتها شبيهة اذن بحالة الطفل . وقد يؤدي هذا التشويش في توازن النزعات الى فناء الارادة ، كما في حالة الوجد ( Extase ) ، أو الجولان في النوم .
ينتج مما تقدم أن أمراض الارادة ملازمة على العموم لضعف التركيب الذهني ، وهي ظاهرة من طواهر الانحطاط النفسي ( Psychasthenie ) المصحوب بفقدان الشعور بالواقع ( Fonction du réel ) . قال ( ريبو ) : ( إن هؤلاء المرضى يتصورون الشيء ويرغبون فيه ، ويريدونه بنفوسهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يقوموا به بالفعل » . وكثيراً ما يتصف فقدان الارادة بصفة خاصة كفقدان الارادة المهنية ( Aboulic professionnelle ) فيكره المريض مهنته ويحتقرها ، ويصيبه ما أصاب تلك الفتاة التي غيرت مهنتها خمس عشرة مرة ، وانتدبت لثلاثين وظيفة في مدة تسع سنوات . ثم إن هذه الأمراض مصحوبة على الأكثر بفقدان الحس الاجتماعي ، فإذا كلف المريض القيام ببعض الأعمال أمام الناس عجز عن تنفيذها . وضعفاء الارادة ينقطعون على الأغلب إلى نفوسهم ، وينطوون على ذواتهم ، ويعيشون حياة داخلية محضة .
ومما يؤيد الملاحظات السابقة أن الارادة اذا أصيبت بمرض أدى مرضها الى انحلالها ، وتفككها . ولنقسم بحثنا في ذلك قسمين :
- الارادة الضعيفة : إذا اقتصرنا على دراسة الإرادة الضعيفة تبين لنا أن أحوالها مختلفة الأحكام .
فمنها ما ينشأ عن فقد الاندفاع Defaut d'impulsion كحالة الذين يكونون ضعاف الحس ، وتكون فاعلية الحياة عندهم راكدة ( ١ ) .
ومنها ما ينشأ عن فرط الإحساس كحالة الذين يكونون كثيري الانفعال .
قال ( جان جاك روسو ) : انظر إلي وأنا هادى ، تجدني مثالاً للتواني والكسل ، فكل شيء يخيفني ، وكل أمر يرعبني . إني أخاف من طنين الذباب ، وأذعر من أقل كلمة ، أو أدنى إشارة ، ويستولي علي الخوف والحياء حتى أتمنى أن أحتجب عن الناس ، فلا أدري ماذا يجب أن أفعل ، ولا ما ينبغي أن أقول ، وإذا نظر الناس إلي تشوشت نفسي .
ومن هذه الأحوال ما يتولد من فرط الاندفاع ، كحالة الذين يكونون سريمي الغضب ، أو يكونون عبيد رغائبهم ، فلا يستطيعون مقاومتها ، ولا التغلب عليها .
ومنها ما ينشأ عن فقدان التفكير ، كحالة الطيش ، أو ارتباك النفس .
ومنها ما ينشأ عن فرط التفكير ، كحالة المتردد ، أو المتحير الذي لا يستطيع أن يقرر شيئاً .
وكثيراً ما تكون الإرادة ضعيفة عند الثائرين الذين يعيشون على هامش الحياة الاجتماعية ، أو عند الفوضويين الذين لا يحبون النظام ، ولا يريدون أن يقيدوا أنفسهم بعمل دائم ، أو عند الذين لا يستطيعون الانضمام إلى جماعة من الجماعات حاضرة كانت أو غائبة . قال ( بلوندل ) : ان الظرفاء الذين لا يصلحون لمهنة من المهن ، والعمال المتعبين الجاهلين بأصول الصناعة ، والأشخاص الذين يميلون إلى جميع ا الأعمال للتلذذ بها من غير انقطاع لأحدها ، كل هؤلاء في مجتمعنا الحديث من ضعفاء الإرادة .
ومن ضعفاء الإرادة أيضاً : المقلدون الذين يشبهون خراف ( بانورج ) في أعمالهم ، فيتبعون تقاليد غيرهم ، أو عاداتهم ، ويدورون في دائرة واحدة ، كالآلات المتحركة ، يكررون الأعمال نفسها ، وليس لهم ميل ، أو رغبة ، أو قدرة تدفعهم إلى التجديد ومنهم أيضاً المتقلبون الذين لا ثبات عندهم ، ولا شجاعة ، ولا قدرة على المغالبة " . والمجاهدة ، يتبدلون في كل لحظة ، ويتقلبون كريشة في مهب الريح . ومنهم من يكون ضعيف الإرادة لتشتت مشاعره ، وتنازع أفكاره ، وسرعة انقياده لانفعالاته ، وأهوائه ، ووساوسه . قال ( مالابر ) : ( إن هذا الاندفاع الدال على نقص في تنظيم النزعات ، وفقدان الإرادة التأملية ، وضعف قوة الوقف والكف ، إنما هو خاص بالأقوام الابتدائية ، والأطفال ، وعديمي الاتزان الفكري ، ( 1 Malapert , Ibid ) ، وكثيراً ما أشار العلماء إلى فقدان الإرادة وكثرة الاندفاع عند المتوحشين . فقد قال ( أسرتيه - Essertier ) : لا شيء أدل على شخصية الإنسان الابتدائي من عجزه عن امتلاك نفسه ، وكذلك الطفل فهو خاضع لرغائبه الموقتة ، طائش ، مشتت الفكر ، ينسى ما يقول ، ويمل مما يفعل ، أو يرخي العنان لاهوائه ووساوسه .
ومن عجيب الاتفاق أن الميل إلى التغيير ملازم عند الطفل للتقليد الضيق ، أي لكره التجديد ( Misonic ) ، فكل مخالفة للعرف والعادة تثيره ، وكل بعد عن التقاليد يهيجه ، لأن سرعة التغير ، وشدة التمسك بالعادات القديمة هما ، كما قال ( دور كهايم ) ( ۱ ) أمران متلازمان ، ، ولكن الاندفاعات السريعة والأحوال المشتتة ، ، لا تستطيع أن تقاوم عادة من العادات الراسخة ، ولا أن تتغلب عليها وقصارى القول : إن ضعف الارادة يتولد من نقص في عناصرها المقومة ، أو من خلل في تركيبها .
۲ - امراض الارادة .
- أما أمراض الارادة فقد أرجعها ( ريبو ) في كتابه ( أمراض الارادة ) إلى ثلاثة أنواع ؛ وهي :
آ - فقد الاندفاع .
- إن هذا المرض يتولد من فقدان قوة التحريك ، لأن النزعات قد تضعف حق تزول معها قوة الاندفاع ، ويتوقف الميل إلى الفعل ، وينشأ عن هذه الأسباب كلها حالة يسميها العلماء ) Abouli ) ، أي فقدان الارادة من أعراض هذه الحالة : أن المريض يرغب في الفعل ، ولكنه لا يستطيع إلى ذلك سبيلا . وقد يبقى وحده مستلقياً على فراشه ، أو على كرسيه زماناً طويلا من غير أن يقوم بعمل من الأعمال لضعف حسه ، وقلة تأثره ، وركود نزعاته .
والضعف في قابلية الحس ينشأ عن انحطاط عام في وظائف الحياة . وقد يبلغ هذا الانحطاط درجة يشعر المريض معها بأنه أصبح جماداً ، أو حطبا يابساً ، كما في حالات السوداء ( المليخوليا ) ، فتبطى دورته الدموية ، وتهبط حرارته ، وتضعف حركاته .
والمصابون بفقد الاندفاع أكثر الناس خيالاً ، فهم يدعون أنهم أقوياء الارادة ، قادرون على جلائل الأعمال ، وانهم سيتحفون الناس بكتاب جديد ، أو بمذهب جديد ، أو اختراع عظيم ، فعقولهم مفعمة بالمشاريع الجميلة ، والنيات الطيبة ، والأحلام اللذيذة ، ولكن هذه المشاريع الجميلة لا تقترن بالتنفيذ أبداً .
ب - فرط الاندفاع .
- والحالة الثانية هي : الاندفاع الشديد الى الفعل دون روية وفكر ، أو الفكرة الثابتة التي لا يمكن طردها من الذهن ، كالاندفاع الى ارتكاب الجنايات والانتحار ، وجنون السرقة ) Kleptomani ) . ان أعراض هذا المرض مختلفة أعراض فقد الاندفاع تماماً . لأن الملكات العقلية تكون فيه أضعف من الدوافع الحسية والانفعالية . ومتى ضعف العقل أمست الارادة آلة في يد الغرائز تسيرها كما تشاء على غير هدى . وقد تكون الدوافع المحركة شعورية ، وقد تكون لا شعورية . ولكنها في كلا الحالين متبوعة بالتنفيذ السريع . والفعل الذى يعقبها شبيه بالفعل المنعكس . قال الدكتور ( بيير جانه ) : ( اجتمعت الى خمس أمهات يوم ألقيت محاضرة في هذا الموضوع في مستشفى ( سالبترير ) ، فكانت كل واحدة منهن تقول لي وهي باكية : ان شيئاً أقوى ( منها كان يدفعها الى طعن أولادها الصغار بموسى حادة ( 19 , Pierre Janet , Les névroses ) . وقال ( دو فوغيه ) في كتابه ( الرواية الروسية ) ( ١ ) : قد تستولي هذه الطيوف على أدمغتنا كالكابوس ، ولكنها لا تنقلب الى فعل . أما في الأدمغة الروسية فإنها تنقلب الى الفعل دون مقاومة . قال ( تولستوي ) : اذا علمت أن الفكر قد يتوقف عن مراقبة اندفاع الارادة ، أدركت حالة ذلك الطفل الذي أضرم النار في بيت أبيه وهو يبتسم من غير تردد ولا خوف ، أن أباه وأمه واخوته وجميع الذين يحبهم كانوا نائمين فيه ، و اتضحت لك أيضاً حالة ذلك القروي الذي نظر الى حد الفأس المسنون ، فأمسك به وضرب به أباه وهو نائم ، ثم نظر الى الدم الجاري تحت المقعد نظرة الفضولي البليد .
ج - بطلان الارادة ، عالم الوساوس .
- كثيراً ما تنحل الارادة انحلالاً تاماً ، فيتولد من ذلك حالة يسميها العلماء حالة التشويش ، أو فقدان التوازن ، أو الفوضى ( ريبو ، أمراض الارادة ، ص ۱۱۹ ) ، وهي شبيهة بالحالة التي كان العلماء يسمونها بالخبل . فمن أعراض هذه الحالة : أن المريضة تنتقل فيها بصورة عجيبة من السرور الى الحزن ، ومن الضحك الى البكاء ، و من الرحمة الى القسوة ، بحيث تعجز عن كبح جماح نفسها ، أو السيطرة على حركاتها ، أو مقاومة دوافعها المتعارضة ( 118 ) - فحالتها شبيهة اذن بحالة الطفل . وقد يؤدي هذا التشويش في توازن النزعات الى فناء الارادة ، كما في حالة الوجد ( Extase ) ، أو الجولان في النوم .
ينتج مما تقدم أن أمراض الارادة ملازمة على العموم لضعف التركيب الذهني ، وهي ظاهرة من طواهر الانحطاط النفسي ( Psychasthenie ) المصحوب بفقدان الشعور بالواقع ( Fonction du réel ) . قال ( ريبو ) : ( إن هؤلاء المرضى يتصورون الشيء ويرغبون فيه ، ويريدونه بنفوسهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يقوموا به بالفعل » . وكثيراً ما يتصف فقدان الارادة بصفة خاصة كفقدان الارادة المهنية ( Aboulic professionnelle ) فيكره المريض مهنته ويحتقرها ، ويصيبه ما أصاب تلك الفتاة التي غيرت مهنتها خمس عشرة مرة ، وانتدبت لثلاثين وظيفة في مدة تسع سنوات . ثم إن هذه الأمراض مصحوبة على الأكثر بفقدان الحس الاجتماعي ، فإذا كلف المريض القيام ببعض الأعمال أمام الناس عجز عن تنفيذها . وضعفاء الارادة ينقطعون على الأغلب إلى نفوسهم ، وينطوون على ذواتهم ، ويعيشون حياة داخلية محضة .
تعليق