الارادة والأمر الجمعي .. النظرية الاجتماعية .. العوامل الاجتماعية .. حقيقة الإرادة
٣ - حقيقة الإرادة
ينتج من كل ما تقدم أن الإوادة ليست ظاهرة بسيطة ، وإنما هي ظاهرة مركبة من عدة عناصر ، فلا غرو اذا بحث الفلاسفة في عناصرها المقومة ، وأراد كل منهم أن يبين لنا حقيقتها ، بإرجاعها إلى العوامل النفسية ، أو إلى العوامل العضوية ، أو الاجتماعية .
ج - العوامل الاجتماعية
الارادة والأمر الجمعي : النظرية الاجتماعية .
قال ( بلوندل ) : « إذا بحثت في الإرادة ولم تخرج من دائرة الفرد وقعت في مسائل لا يمكن حلها » ( 340 , Dumas , Traité , ll ) ، لأن الإنسان لا يعيش منفرداً ، بل يعيش في بيئة اجتماعية تحيط به من كل جانب ، وتؤثر فيه تأثيراً عميقاً . وقال أيضاً : ( إن الإرادة لا تستمد صفاتها الذاتية من الوسائل الفيزيولوجية التي تطبقها ، وتتقيد بها في تحقيق مظاهرها المادية ، ولا من الفاعلية النفسية المحضة التي تقوم على التجارب الذاتية ، وتقبل ما يبدو لها من مبادىء المعرفة والعمل ، بل تستمد ذلك كله من مجموع المعاني العامة ، والقواعد ، والأوامر ، التي يفرضها عليها المجتمع ، فتضمن التجاربنا الوحدة ، و لشخصيتنا الاتصال والالتحام ، بما تدخله على أحوالنا الشعورية المتبدلة من صلابة وشمول كلي » ) 422 , Traité de Dumas ) .
وفي الحق أن الارادة عند أكثر الناس ليست سوى خضوع انفعالي ( Obeissance passive ) ،
أو خضوع قبولي أعمى لأوامر الجماعة . إن التصورات الجماعية تستوعب تجارب الأفراد ، وتضمها إلى تجربة المجتمع غير المحدودة ، فيتألف منها ركاز تستند اليه عقول الأفراد وإراداتهم . والسبب في اعتبار هذا الخضوع الانفعالي لأوامر الجماعة عملا إراديا أن جهازه مركب من مفاهيم كلية تنطبق على جملة غير محدودة من الأحوال ، وتشتمل على مجموع السلوك الانساني كله . وإدراك هذه المفاهيم ، هو الفارق الأساسي بين الانسان والحيوان ، وهو الذي يجعل الفاعلية الارادية معقولة . كأن الارادة والعقل كليهما هبتان من الهبات الجميلة التي أكسبنا إياها المجتمع .
المناقشة .
- إن النظرية الاجتماعية توضح لنا كثيراً من المسائل التي بحث فيها ( ويليم جيمس ) ولم يجد لها حلا ، فإذا تذكرنا الآن قوله الذي أثبتناه في الصفحة ( ۷۳۷ ) تبين لنا كيف تستطيع الارادة أن تسير بحسب الظاهر في طريق المقاومة الشديدة ، فمن أين تستمد هذه القوة الاضافية . إن الحوض المعنوي الذي تستقي منه الارادة قوتها ، هو الوجدان ، أو الوعي العام المحيط بالجماعة ، وهو روح عامة مشتملة على المثل العليا التي يتوق اليها الأفراد ، ويستمدون منها كل ما يجمع بينهم من التقاليد ، والآراء ، و الأفكار ، والعواطف المشتركة .
ومع ذلك فإنه من الصعب أن نسلم بأن الارادة خضوع أعمى لسلطة خارجية . لاجرم ان الانسان لا يتعود الحكم على نفسه إلا إذا تعود الخضوع لغيره أولاً ، ولا شك أن القواعد الاجتماعية . هي التي تحرر المرء من ربقة الشهوات ، حق لقد قيل إن الاستطاعة مبنية على الطاعة ولكن الفرد إذا خضع للمجتمع خضوعاً أعمى ، ولم يكن له بنفسه استقلال ! ، لم يتحرر من ربقة الغرائز إلا ليقع تحت سيطرة التيارات الاجتماعية . فينبغي اذن للمرء أن يكون ذا شخصية مستقلة ، وارادة حرة . وسبيل ذلك أن ينتسب الى عدة حلقات اجتماعية ، وأن يروض نفسه على اتباع نظم متباينة .
أضف الى ذلك أن فوق طبقة العامة الخاضعة للتيارات الاجتماعية خضوعا آليا طبقة من الناس أعلى منها ، وهي طبقة الخاصة المؤلفة من أفراد لهم أمزجة استثنائية ، تفيض عليهم تصورات المجتمع ، فيصوغونها في قوالب معينة ، ويوجهونها كما يشاؤون ، وفقاً المعادلاتهم الشخصية ، وأبعادهم العقلية ، بما يضمون اليها من تجاربهم وعبقرياتهم . ان الارادة عندهم ليست مقصورة على الخضوع الأعمى ، والاتباع الآلي ؛ وانما هي قائمة على ابداع المثل العليا الجديدة ، ولكن هذا الابداع ليس ايجاداً مطلقاً ولا خلقاً حقيقياً ، لأن الفرد يقتبس عناصره من المجتمع .. وليس خضوع الانسان للقواعد التي ارتضاها لنفسه سوى دليل على استقلال ارادته وحريته . والخضوع المختار ليس خضوعاً أعمى ، لأنه يوجب على الفرد أن يمثل جميع القواعد المستمدة من المجتمع ، وأن يصهرها في بوتقة نفسه ، ويبدلها بحسب مزاجه وغاياته الذاتية . لذلك كان لا مفر لنا من القول بتأثير عامل آخر في توجيه سلوك الانسان ، وتكوين ارادته ، الا وهو العامل الذاتي .
٣ - حقيقة الإرادة
ينتج من كل ما تقدم أن الإوادة ليست ظاهرة بسيطة ، وإنما هي ظاهرة مركبة من عدة عناصر ، فلا غرو اذا بحث الفلاسفة في عناصرها المقومة ، وأراد كل منهم أن يبين لنا حقيقتها ، بإرجاعها إلى العوامل النفسية ، أو إلى العوامل العضوية ، أو الاجتماعية .
ج - العوامل الاجتماعية
الارادة والأمر الجمعي : النظرية الاجتماعية .
قال ( بلوندل ) : « إذا بحثت في الإرادة ولم تخرج من دائرة الفرد وقعت في مسائل لا يمكن حلها » ( 340 , Dumas , Traité , ll ) ، لأن الإنسان لا يعيش منفرداً ، بل يعيش في بيئة اجتماعية تحيط به من كل جانب ، وتؤثر فيه تأثيراً عميقاً . وقال أيضاً : ( إن الإرادة لا تستمد صفاتها الذاتية من الوسائل الفيزيولوجية التي تطبقها ، وتتقيد بها في تحقيق مظاهرها المادية ، ولا من الفاعلية النفسية المحضة التي تقوم على التجارب الذاتية ، وتقبل ما يبدو لها من مبادىء المعرفة والعمل ، بل تستمد ذلك كله من مجموع المعاني العامة ، والقواعد ، والأوامر ، التي يفرضها عليها المجتمع ، فتضمن التجاربنا الوحدة ، و لشخصيتنا الاتصال والالتحام ، بما تدخله على أحوالنا الشعورية المتبدلة من صلابة وشمول كلي » ) 422 , Traité de Dumas ) .
وفي الحق أن الارادة عند أكثر الناس ليست سوى خضوع انفعالي ( Obeissance passive ) ،
أو خضوع قبولي أعمى لأوامر الجماعة . إن التصورات الجماعية تستوعب تجارب الأفراد ، وتضمها إلى تجربة المجتمع غير المحدودة ، فيتألف منها ركاز تستند اليه عقول الأفراد وإراداتهم . والسبب في اعتبار هذا الخضوع الانفعالي لأوامر الجماعة عملا إراديا أن جهازه مركب من مفاهيم كلية تنطبق على جملة غير محدودة من الأحوال ، وتشتمل على مجموع السلوك الانساني كله . وإدراك هذه المفاهيم ، هو الفارق الأساسي بين الانسان والحيوان ، وهو الذي يجعل الفاعلية الارادية معقولة . كأن الارادة والعقل كليهما هبتان من الهبات الجميلة التي أكسبنا إياها المجتمع .
المناقشة .
- إن النظرية الاجتماعية توضح لنا كثيراً من المسائل التي بحث فيها ( ويليم جيمس ) ولم يجد لها حلا ، فإذا تذكرنا الآن قوله الذي أثبتناه في الصفحة ( ۷۳۷ ) تبين لنا كيف تستطيع الارادة أن تسير بحسب الظاهر في طريق المقاومة الشديدة ، فمن أين تستمد هذه القوة الاضافية . إن الحوض المعنوي الذي تستقي منه الارادة قوتها ، هو الوجدان ، أو الوعي العام المحيط بالجماعة ، وهو روح عامة مشتملة على المثل العليا التي يتوق اليها الأفراد ، ويستمدون منها كل ما يجمع بينهم من التقاليد ، والآراء ، و الأفكار ، والعواطف المشتركة .
ومع ذلك فإنه من الصعب أن نسلم بأن الارادة خضوع أعمى لسلطة خارجية . لاجرم ان الانسان لا يتعود الحكم على نفسه إلا إذا تعود الخضوع لغيره أولاً ، ولا شك أن القواعد الاجتماعية . هي التي تحرر المرء من ربقة الشهوات ، حق لقد قيل إن الاستطاعة مبنية على الطاعة ولكن الفرد إذا خضع للمجتمع خضوعاً أعمى ، ولم يكن له بنفسه استقلال ! ، لم يتحرر من ربقة الغرائز إلا ليقع تحت سيطرة التيارات الاجتماعية . فينبغي اذن للمرء أن يكون ذا شخصية مستقلة ، وارادة حرة . وسبيل ذلك أن ينتسب الى عدة حلقات اجتماعية ، وأن يروض نفسه على اتباع نظم متباينة .
أضف الى ذلك أن فوق طبقة العامة الخاضعة للتيارات الاجتماعية خضوعا آليا طبقة من الناس أعلى منها ، وهي طبقة الخاصة المؤلفة من أفراد لهم أمزجة استثنائية ، تفيض عليهم تصورات المجتمع ، فيصوغونها في قوالب معينة ، ويوجهونها كما يشاؤون ، وفقاً المعادلاتهم الشخصية ، وأبعادهم العقلية ، بما يضمون اليها من تجاربهم وعبقرياتهم . ان الارادة عندهم ليست مقصورة على الخضوع الأعمى ، والاتباع الآلي ؛ وانما هي قائمة على ابداع المثل العليا الجديدة ، ولكن هذا الابداع ليس ايجاداً مطلقاً ولا خلقاً حقيقياً ، لأن الفرد يقتبس عناصره من المجتمع .. وليس خضوع الانسان للقواعد التي ارتضاها لنفسه سوى دليل على استقلال ارادته وحريته . والخضوع المختار ليس خضوعاً أعمى ، لأنه يوجب على الفرد أن يمثل جميع القواعد المستمدة من المجتمع ، وأن يصهرها في بوتقة نفسه ، ويبدلها بحسب مزاجه وغاياته الذاتية . لذلك كان لا مفر لنا من القول بتأثير عامل آخر في توجيه سلوك الانسان ، وتكوين ارادته ، الا وهو العامل الذاتي .
تعليق