22/9/2021
يونس مسكين
طنجة.. تاريخ عروس الشمال المتغنّجة على السواحل المغربية
يلقبها المغاربة بعروس الشمال، وهي في حقيقة الأمر عروس الأرض، ففيها يعانق البحر المتوسط شقيقه الأكبر المحيط الأطلسي، وعندها تنتهي أفريقيا، ومنها تبدأ أوروبا. من أمام سواحلها تعبر كبرى سفن التجارة العالمية وفي تاريخها تلتقي الأسطورة الخيالية بالرواية الدينية.
تستأثر مدينة طنجة المغربية بأكثر المواقع الجغرافية حيوية وحساسية من الناحية السياسية وعلاقة المملكة بالعالم على مر التاريخ. ففيها أقام الرومان مملكتهم الطنجية، وبها استقر مقام الحكم الأموي الإسلامي بعد الفتح، ومنها انطلق الزحف العربي-الأمازيغي نحو الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وفيها مولد وانطلاقة أشهر الرحالة على الإطلاق، محمد بن عبد الله المعروف بابن بطوطة.
مهر الأميرة الإنجليزية.. نقطة التوازن بين القوى عبر التاريخ
من هذه المدينة المغربية خرج الفتح الإسلامي نحو الأندلس، ومنها تسرّب فيروس الاستعمار الأجنبي، فقد غادرت بيت السيادة المغربية طيلة أكثر من قرنين، حين اختطفها الملك البرتغالي، ثم أهداها مهرا لأميرة إنجليزية، لكنها لم تزل وفية لأصلها المغربي، حتى استعادت هويتها نهاية القرن الـ17.
هي قطعة استثنائية من المغرب، فيها نشأ عالم أوروبي نهاية القرن الـ19، تقاطعت فيه أطماع ورغبات القوى الدولية، لكنها أغوتهم جميعا وسلبتهم أرقى ما أنتجته الحضارة الإنسانية وقتها من فن وأدب ومسرح وسينما وصحافة وإذاعة وتلغراف، حتى أنها كانت تعيش زمنا يسبق الزمن المغربي بقرن أو يزيد.
الموقع الجغرافي للمدينة، أي ملتقى كل من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وإشرافها على مضيق جبل طارق؛ بقدر ما يجعلها مكشوفة أمام التيارات والقوى الدولية فقد ساهم في تحصينها، حيث جعلها نقطة توازن بين القوى الدولية عبر التاريخ، يحرم على أي منهم الاستئثار بها دون الآخرين.
“الطين جا”.. اسم طنجة الذي حير أساطير الحضارات
اسم طنجة لغز محيّر استعصى على المؤرخين واللسانيين وعلماء الآثار، فقد نسج كثير من الأساطير حول اسم المدينة، وكلّ أسطورة منها اعتمدت على حضارة معينة وقصة خاصة بها، ومن هذه الأساطير أن ظهور مدينة طنجة يعود إلى طوفان بحريّ أدّى إلى حدوث صراع بين الرمز البحريّ القوي أطلس والعملاق أنطي، وكانت طنجة أرملة أنطي الذي قتله أطلس. ومن الروايات الأخرى أن المدينة مرتبطة بطوفان نوح المذكور في الكتب السماوية. وثمة قصة تشير إلى أن اسم طنجة يعود لاسم إحدى الأميرات سُمّيت المدينة على اسمها حتّى تكون تذكارا لها.[1]
فالأسطورة الشفوية المتداولة تقول إنه بعد الطوفان ضلت سفينة نوح الطريق وهي تبحث عن اليابسة، وذات يوم حطت حمامة فوق السفينة وفي رجليها شيء من الوحل، فصاح ركاب السفينة “الطين جا.. الطين جا”، أي جاءت الأرض اليابسة، ومن ثم سميت المنطقة “طنجة”.[2]
أما الأسطورة الإغريقية فتقول إن “أنتي” ابن “بوسيدون” و”غايا”، كان يهاجم المسافرين فيقتلهم ليصنع من جماجمهم معبدا أهداه فيما بعد لأبيه، وأطلق على مملكته اسم زوجته “طنجة” -بكسر الطاء وسكون النون- وكانت تمتد من مدينة سبتة إلى “ليكسوس” مدينة التفاحات الذهبية قرب العرائش.
وفي معركة قوية بين “هرقل” و”أنتي” استطاع “هرقل” أن يهزمه، وفي المعركة شقت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا والمغرب، ثم تزوج بعد ذلك زوجة “أنتي”، فأنجبت له “سوفوكس” الذي أنشأ مستعمرة “طنجيس”.[3]
مدينة طنجة القديمة في بداية القرن العشرين
تعليق