معرض «متاهات» في غاليري «زملر - صفير» وسط بيروت (غاليري زملر - صفير)
- بيروت: فيفيان حداد
في معرض استعادي يتضمن لوحات مجردة ومركَّبة
نُشر: 18:22-25 يناير 2024 م
لم يرغب الفنان التشكيلي الراحل عارف الريس يوماً في تفسير لوحاته وشرح موضوعاتها لأي إنسان، بل كان يترك لناظرها حرية التحليق بأفكاره. وفي معرض استعادي يستضيفه غاليري «صفير - زملر» وسط بيروت، تصطف مجموعة لوحاته «متاهات» على حيطانه من دون أسماء. وهي رسومات تعود إلى عام 1999. وبالتعاون مع ابنته هالا نُظّم هذا المعرض تحيةً لفنان لبناني حفرت ريشته في الذاكرة.
مشهدية متناقضة تحضر أمام زائر المعرض، تتألف من فضاء أبيض تتناثر عليه لوحات بألوان نافرة. أشكال هندسية وظلال بشرية وزخرفات أفريقية، تؤلف «متاهات» عارف الريس، فيأخذ الزائر فيها في رحلة فوق السحاب، حيث يزدحم الصمت. يشعر الناظر تلقائياً بعزلة عاشها الفنان في أثناء رسمه هذه اللوحات. نفّذها حين كان يُمضي أوقاتاً في رعاية والده المريض.
معرض «متاهات» في غاليري «زملر - صفير» وسط بيروت (غاليري زملر - صفير)
من اللوحات اللافتة بروفايل وجه رجل يشبه منحوتة رومانية. وإذا ما دقّقت النظر فيها اكتشفت الشبه الكبير بينها وبين صاحبها (عارف الريس)، كأنها رسم رجعيٌّ ذاتيٌّ له. مرسومة على خلفية مبدّدة بالبرتقالي والأصفر يتسلق رأس الرجل أشخاصاً يتعلقون بشعره، وبينهم من يلمس وجهه البرتقالي عن قرب.
وفي لوحة أخرى يهيمن عليها الطلاء الورديّ تكتشف دور المرأة البالغ في حياة عارف الريس، يرسمها منتصبةً بأنوثة بالغة مرةً، ومنحنية الظهر منتظرة قدرها في أخرى، وحولها أشكال هندسية تُبحر معها في خيالك إلى فن الخط العربي تارةً، وإلى سفينة القادس التي استُخدمت في المتوسط خلال الحرب والقرصنة في الألفية الأولى قبل الميلاد. ومن هناك تنتقل في لوحة أخرى ودائماً غير معنونة إلى مجاهل أفريقيا، هذه البلاد التي عشقها وأُغرم بالسنغال حيث عاش لفترة. وعلى قماشات واسعة تمرّ ريشته بألوان زاهية ومكثفة وحادة مرات، وتتمدد لتشعر بأنها تطوف على جوانب إطار اللوحة.
ظلال بشرية كثيرة تطالعك في لوحات الريس، ضمن مجموعته «متاهات»، فتتوه بين رؤوسها الدائرية المنقورة بعين جاحظة كبيرة. جميعها منشغلة بتدبير أمورها، بائسة ومستسلمة تقابلها أخرى تعانق الفراغ. ويحضر طيف الأولاد على ضفافها مسلحين بابتسامة أو بنظرة قلقة على مستقبل رمادي.
مجموعة «متاهات» عُرضت لأول مرة في قصر «اليونيسكو» في بيروت عام 1999، لتغيب بعدها عن الأنظار وتعود من جديد وسط بيروت.
يغلب أسلوب النحت على هذه المجموعة التي اتبع فيها الفنان الراحل الدقة في تفاصيلها. تبدو للوهلة الأولى بسيطة وعفوية، ولكن عندما تغوص فيها تأخذك إلى مجالات العلوم والطبيعة والفلسفة والتحليلات النفسية.
تعليق