مبادئ العقل
لقد تبين لنا عند دراسة الحياة العقلية . أن التجربة بداية الفكر ؛ وان الفكر يذهب رغم ذلك إلى ما بعد التجربة ، ويريد أن يتفوق عليها ، ويجعلها خاضعة لقوانينه ، وصوره .
و في الحق أن التجربة محدودة النطاق في الزمان ، والمكان ، فلا تكشف لنا إلا عن علائق جزئية بين حوادث متغيرة . غير أن العقل يقارن هذه العلائق بعضها بعضها ببعض ، فيستخرج منها ما كان عميقاً ، ويقلبه إلى قانون كلي ضروري ينطبق على كل زمان ومكان .
ثم ان الظواهر التي نشاهدها تبدو لنا مشتبكة بعضها ببعض ، مشوشة غامضة ، ليس بينها رابط منطقي ، ولكن العقل يكشف لنا عن نظامها الخفي ، ويربطها بعضها ببعض ، ويدخلها في منظومات علمية تامة الحلقات ، واضحة الحدود .
ومع أن كل ما نشاهده حولنا ، ونشعر به في داخلنا يظهر متغيراً ، ومتناهياً ، و ناقصاً . فإن عقولنا تتوهم أنها تدرك المطلق ، والضروري ، وتتطلع إلى اللانهاية ، والكمال .
ولذلك قيل : إن في عقل الإنسان مبادىء كلية تعينه على تأويل التجربة ، وعلى الحكم على الأشياء حكما موضوعياً مستقلاً عن الدوافع الذاتية ، والعوامل الشخصية ، وتسمى . هذه المباديء بمبادىء العقل .
١ - المبادىء العقلية
ان جميع أنواع الاستدلال تدل على أن في العقل مبادىء منظمة تضمن له تحقيق الارتباط المنطقي بين حدود البرهان ، حق لقد قال ( ليبنيز ) ان هذه المبادىء روح الاستدلال وعصبه ، وأساس روابطه ، وهي ضرورية له كضرورة العضلات ، والأوتار العصبية للمشي ( 20 - 1 Leibniz , Nouv . Essais , liv 1 , chap ) ، ويمكننا إرجاع هذه المبادى مع اليبنيز ) إلى اثنين : مبدأ الهوية ، ومبدأ العلة الكافية :
۱ - مبدأ الهوية ( Principe d'identité ) قلنا في فصل الاستدلال إن كل استدلال يقتضي بقاء الحدود على ما هي عليه من أول البرهان إلى آخره . من غير أن يطر أتغيير على معانيها . ان هذا الشرط يكفي في القياس لتحقيق ضرورة النتيجة ، فالفكر المنطقي والاستنتاج الصوري مستندان إذن إلى مبدأ خاص ، نسميه مبدأ الهوية .
يعبر الفلاسفة عن هذا المبدأ بقولهم : ( ما هو هو ) أو ( الموجود هو ذاته ) . إلا أن هذا التعبير يدخل على معنى مبدأ الهوية شيئاً من الوجودية الواقعية ، مع أن مدلوله يجب أن يكون صورياً محضاً . فلنعبر إذن عنه بقولنا : الصادق صادق دائماً في جميع أحواله والقول لا يمكن أن يكون صادقاً ، وكاذباً معاً . ان علماء المنطق يعبرون عن ذلك بقولهم : ب هو ب ( 1 ) .
لمبدأ الهوية عدة توابع :
أ - مبدأ عدم التناقض .
- وهو كقولنا : القضيتان لا تكونان صادقتين معا ، ولا كاذبتين معا - ويمكن قلب هذا المبدأ إلى مبدأ التعاند ( Principe de l'alternative ) كقولنا : المتناقضتان لا تكونان كاذبتين مما ، أي يجب اختيار إحداهما ، أو يمكن قلبه إلى مبدأ الثالث المرفوع Tiers exclusion milieue كقولنا : إذا كانت إحدى المتناقضتين صادقة كانت الثانية كاذبة بالضرورة . وبالعكس ، إذا كانت الاولى كاذبة كانت الثانية صادقة بالضرورة ( أي لا وسط بينهما ) .
ب - مبدأ التضاد : المتضادتان لا تكونان صادقتين معا ( ۱ ) ( أي إذا كانت إحداهما صحيحة كانت الثانية كاذبة ، ولا يضح العكس .
ج - البديهيات الرياضية : تستنتج هذه البديهيات من انطباق مبدأ الهوية على موضوع الرياضيات ، ولكنها تستعيض عن الهوية في الكيف بالهوية في الكم ، بحيث ينقلب مبدأ الهوية فيها إلى مبدأ تبادل الحدود المتعادلة . كقولنا : الكميتان المساويتان لكمية ثالثة متساويتان .
د - البديهيات المنطقية : أيضاً مشتقة من مبدأ الهوية كقولنا : إذا صدق الأمر على الجنس صدق على النوع ، لأن النوع داخل في الجنس .
۲ - مبدأ العلة الكافية Principe de raison suffisante - مبدأ العلة الكافية هو المبدأ الذي يفرض أن لكل شيء قانوناً طبيعياً يفسر حدوثه – وقد عبر ( ليبنيز ) عنه بقوله لا يحدث شيء من غير أن يكون هناك سبب يوجب حدوثه ، أعني سبباً صالحاً ، بصورة قبلية ، لتعليل حدوت الشيء ، وبيان كونه على هذه الصورة دون غيرها ( ۲ ) .
وهذا يقتضي أن يكون لكل شيء في الطبيعة تفسير ، وأن يكون العقل قادراً على تعليل كل شيء ، ان مبدأ العلة الكافية هو إذن كما قال ( فويه Foulliée ) مبدأ المعقولية يقتضي أن يكون لحدوث كل ظاهرة من ظواهر الطبيعة تفسير الكلية ذلك أنه . ومعنى يرضى به العقل •
ولكن تفسير حدوث الظواهر يكون على وجهين وهما : التفسير بالعملة الفاعلة ، والتفسير بالعملة الغائية .
فمبدأ العملة الكافية ينقسم إذن إلى مبدأين هما : مبدأ السببية ، ومبدأ الغائية :
۱ - مبدأ السببية ومبدأ الحتمية .
- ان اعتقاد الإنسان أن لكل معلول علة ، هو أساس مبدأ السببية ونحن نعتمد على هذا المبدأ ، وعلى مبدأ الحتمية ، في قضايا الاستقراء العلمي .
المثال من هذا الاستقراء انتقال العالم من بعض الملاحظات والتجارب الجزئية ، إلى قانون عام مثل قانون ( ماريوت ) . فالعالم يلاحظ هنا أن تغيرات الحجم ملازمة لتغيرات الضغط ، و أن حدوث هذه التغيرات الأخيرة يستلزم حدوث تغيرات الحجم بالضرورة . فهذا الاستقراء مستند إلى مبدأ نسميه بمبدأ الحتمية ، ويمكننا التعبير عنه بقولنا : ان كل تغير فهو مقيد بشرائط معينة ، والشرائط نفسها تحدث التغيرات نفسها ومعنى ذلك أن التغير خاضع لقانون واحد ، أو لعدة قوانين ، وأن في العالم نظاماً يوجب أن تجري قوانينه على نسق واحد .
ولكن لما كانت أكثر قوانين الطبيعة قوانين علمية ، أي قوانين تربط بعض الحوادث المتأخرة ببعض الشرائط المتقدمة . كان الاستقراء مستنداً إلى مبدأ السببية أيضاً عن هذا المبدأ بقولهم : ان لكل حادثة علة ، أو أن كل حادث فهو معلول ، ويعبر الفلاسفة أو أن العلل المتشابهة تحدث المعلولات المتشابهة .
إن لمبدأ السببية أثراً عظيما في توطيد اسس العلم . ولكن الاستقراء العلمي لا يؤدي دائما إلى قوانين سببية . فأحد قوانين ) كبار ) مثلا : يبين لنا أن أفلاك السيارات أهليلجية الشكل ، وقانون ( نيوتون ) يقول : أن الأجسام تتجاذب بحسب كتلها ، وبصورة متناسبة عكساً مع مربع المسافات التي بينها . وقانون ) ديكارت ) في انكسار الضوء : يبين لنا أن جيب يه = ن جيب ر ، فكل هذه العلاقات مطردة ومتسقة ، مع انها لا تعبر عن علاقة سببية ، ولكن عدم تعبيرها عن علاقات سببية ظاهرة لا يمنعنا من قبولها ، وتعميمها . فالاستقراء مستند هنا إلى مبدأ أعم من مبدأ السببية ، مبدأ الحتمية ، أو مبدأ التقيد ، أو الاطراد ، أو النظام الطبيعي . وقد أشار ) كورنو ) إلى هذا المبدأ بقوله : المحال أن يكون اطراد الحوادث نتيجة المصادفة والاتفاق ،، أو قوله : « إن انتظام بعض التغيرات يحمل العقل البشري على القول بوجود قانون ضابط لها ) .
ب - مبدأ الغائية .
- وكما يستند الاستقراء الى مبدأ التقيد ، فكذلك يستند التمثيل الى مبدأ الغائية ، فإننا اذا وجدنا أن المريخ مشابه للأرض في جوه ، ودرجة حرارته ، وغير ذلك من الصفات ، قلنا أن المريخ آهل بالسكان كالأرض ، فنحن قد رأينا أن بعض الصفات الظاهرة مشتركة بين الأرض ، والمريخ ، وتوقعنا بعد ذلك وجود اشتراك بينهما في صفات أعمق من الصفات الظاهرة . وهذا ناشيء عن اعتبارنا اجتماع هذه الصفات الظاهرة وسيلة لتحقيق غاية من الغايات ، فنقول : ان وجود بعض الشرائط الجوية يدل على أن الطبيعة تهيء الأسباب ، والوسائل ، لإمكان وجود الحياة على سطح هذا الكوكب السيار ، كما تهيء وجودها على سطح الأرض . نعم ان هذه الشرائط غير كافية لظهور الحياة ، ولكنها شرائط ضرورية ، ونحن نفرض أن هذه الشرائط مقارنة لغيرها من الشرائط الضرورية . فمبدأ الغائية إذن يرجع إلى القول : ان الطبيعة لا تحدث شيئاً من الأشياء عبثاً ، بل تحدثه لغاية ، وتتبع في بلوغ هذه الغاية نظاماً . ومعنى ذلك : أن اجتماع بعض الشرائط يدل على أن هناك غاية متبعة عن علم ، أو غير علم .
ولا نريد الآن أن نبحث في قيمة التمثيل ، وأثره في العلم ، ولكننا نقول في ذلك قولاً واحداً وهو . ان الغاية أكثر غموضاً من العلة ، فلا يمكننا إذن أن نجعل مبدأ الغائية مبدأ هياً ، وضروريا كمبدأ السببية . قد يكون في الطبيعة غايات كثيرة ، أو غاية واحدة ، ولكن من الصعب أن نعمم ذلك ونقول : إن لكل شيء غاية . إن العلم لا يستطيع أن يستغنى عن مبدأ السببية ، ومبدأ الحتمية ، ولكن بعض العلماء يميلون اليوم إلى الاستغناء عن التفسير الغائي . وسنعود إلى مناقشة هذا الأمر في المنطق .
لقد تبين لنا عند دراسة الحياة العقلية . أن التجربة بداية الفكر ؛ وان الفكر يذهب رغم ذلك إلى ما بعد التجربة ، ويريد أن يتفوق عليها ، ويجعلها خاضعة لقوانينه ، وصوره .
و في الحق أن التجربة محدودة النطاق في الزمان ، والمكان ، فلا تكشف لنا إلا عن علائق جزئية بين حوادث متغيرة . غير أن العقل يقارن هذه العلائق بعضها بعضها ببعض ، فيستخرج منها ما كان عميقاً ، ويقلبه إلى قانون كلي ضروري ينطبق على كل زمان ومكان .
ثم ان الظواهر التي نشاهدها تبدو لنا مشتبكة بعضها ببعض ، مشوشة غامضة ، ليس بينها رابط منطقي ، ولكن العقل يكشف لنا عن نظامها الخفي ، ويربطها بعضها ببعض ، ويدخلها في منظومات علمية تامة الحلقات ، واضحة الحدود .
ومع أن كل ما نشاهده حولنا ، ونشعر به في داخلنا يظهر متغيراً ، ومتناهياً ، و ناقصاً . فإن عقولنا تتوهم أنها تدرك المطلق ، والضروري ، وتتطلع إلى اللانهاية ، والكمال .
ولذلك قيل : إن في عقل الإنسان مبادىء كلية تعينه على تأويل التجربة ، وعلى الحكم على الأشياء حكما موضوعياً مستقلاً عن الدوافع الذاتية ، والعوامل الشخصية ، وتسمى . هذه المباديء بمبادىء العقل .
١ - المبادىء العقلية
ان جميع أنواع الاستدلال تدل على أن في العقل مبادىء منظمة تضمن له تحقيق الارتباط المنطقي بين حدود البرهان ، حق لقد قال ( ليبنيز ) ان هذه المبادىء روح الاستدلال وعصبه ، وأساس روابطه ، وهي ضرورية له كضرورة العضلات ، والأوتار العصبية للمشي ( 20 - 1 Leibniz , Nouv . Essais , liv 1 , chap ) ، ويمكننا إرجاع هذه المبادى مع اليبنيز ) إلى اثنين : مبدأ الهوية ، ومبدأ العلة الكافية :
۱ - مبدأ الهوية ( Principe d'identité ) قلنا في فصل الاستدلال إن كل استدلال يقتضي بقاء الحدود على ما هي عليه من أول البرهان إلى آخره . من غير أن يطر أتغيير على معانيها . ان هذا الشرط يكفي في القياس لتحقيق ضرورة النتيجة ، فالفكر المنطقي والاستنتاج الصوري مستندان إذن إلى مبدأ خاص ، نسميه مبدأ الهوية .
يعبر الفلاسفة عن هذا المبدأ بقولهم : ( ما هو هو ) أو ( الموجود هو ذاته ) . إلا أن هذا التعبير يدخل على معنى مبدأ الهوية شيئاً من الوجودية الواقعية ، مع أن مدلوله يجب أن يكون صورياً محضاً . فلنعبر إذن عنه بقولنا : الصادق صادق دائماً في جميع أحواله والقول لا يمكن أن يكون صادقاً ، وكاذباً معاً . ان علماء المنطق يعبرون عن ذلك بقولهم : ب هو ب ( 1 ) .
لمبدأ الهوية عدة توابع :
أ - مبدأ عدم التناقض .
- وهو كقولنا : القضيتان لا تكونان صادقتين معا ، ولا كاذبتين معا - ويمكن قلب هذا المبدأ إلى مبدأ التعاند ( Principe de l'alternative ) كقولنا : المتناقضتان لا تكونان كاذبتين مما ، أي يجب اختيار إحداهما ، أو يمكن قلبه إلى مبدأ الثالث المرفوع Tiers exclusion milieue كقولنا : إذا كانت إحدى المتناقضتين صادقة كانت الثانية كاذبة بالضرورة . وبالعكس ، إذا كانت الاولى كاذبة كانت الثانية صادقة بالضرورة ( أي لا وسط بينهما ) .
ب - مبدأ التضاد : المتضادتان لا تكونان صادقتين معا ( ۱ ) ( أي إذا كانت إحداهما صحيحة كانت الثانية كاذبة ، ولا يضح العكس .
ج - البديهيات الرياضية : تستنتج هذه البديهيات من انطباق مبدأ الهوية على موضوع الرياضيات ، ولكنها تستعيض عن الهوية في الكيف بالهوية في الكم ، بحيث ينقلب مبدأ الهوية فيها إلى مبدأ تبادل الحدود المتعادلة . كقولنا : الكميتان المساويتان لكمية ثالثة متساويتان .
د - البديهيات المنطقية : أيضاً مشتقة من مبدأ الهوية كقولنا : إذا صدق الأمر على الجنس صدق على النوع ، لأن النوع داخل في الجنس .
۲ - مبدأ العلة الكافية Principe de raison suffisante - مبدأ العلة الكافية هو المبدأ الذي يفرض أن لكل شيء قانوناً طبيعياً يفسر حدوثه – وقد عبر ( ليبنيز ) عنه بقوله لا يحدث شيء من غير أن يكون هناك سبب يوجب حدوثه ، أعني سبباً صالحاً ، بصورة قبلية ، لتعليل حدوت الشيء ، وبيان كونه على هذه الصورة دون غيرها ( ۲ ) .
وهذا يقتضي أن يكون لكل شيء في الطبيعة تفسير ، وأن يكون العقل قادراً على تعليل كل شيء ، ان مبدأ العلة الكافية هو إذن كما قال ( فويه Foulliée ) مبدأ المعقولية يقتضي أن يكون لحدوث كل ظاهرة من ظواهر الطبيعة تفسير الكلية ذلك أنه . ومعنى يرضى به العقل •
ولكن تفسير حدوث الظواهر يكون على وجهين وهما : التفسير بالعملة الفاعلة ، والتفسير بالعملة الغائية .
فمبدأ العملة الكافية ينقسم إذن إلى مبدأين هما : مبدأ السببية ، ومبدأ الغائية :
۱ - مبدأ السببية ومبدأ الحتمية .
- ان اعتقاد الإنسان أن لكل معلول علة ، هو أساس مبدأ السببية ونحن نعتمد على هذا المبدأ ، وعلى مبدأ الحتمية ، في قضايا الاستقراء العلمي .
المثال من هذا الاستقراء انتقال العالم من بعض الملاحظات والتجارب الجزئية ، إلى قانون عام مثل قانون ( ماريوت ) . فالعالم يلاحظ هنا أن تغيرات الحجم ملازمة لتغيرات الضغط ، و أن حدوث هذه التغيرات الأخيرة يستلزم حدوث تغيرات الحجم بالضرورة . فهذا الاستقراء مستند إلى مبدأ نسميه بمبدأ الحتمية ، ويمكننا التعبير عنه بقولنا : ان كل تغير فهو مقيد بشرائط معينة ، والشرائط نفسها تحدث التغيرات نفسها ومعنى ذلك أن التغير خاضع لقانون واحد ، أو لعدة قوانين ، وأن في العالم نظاماً يوجب أن تجري قوانينه على نسق واحد .
ولكن لما كانت أكثر قوانين الطبيعة قوانين علمية ، أي قوانين تربط بعض الحوادث المتأخرة ببعض الشرائط المتقدمة . كان الاستقراء مستنداً إلى مبدأ السببية أيضاً عن هذا المبدأ بقولهم : ان لكل حادثة علة ، أو أن كل حادث فهو معلول ، ويعبر الفلاسفة أو أن العلل المتشابهة تحدث المعلولات المتشابهة .
إن لمبدأ السببية أثراً عظيما في توطيد اسس العلم . ولكن الاستقراء العلمي لا يؤدي دائما إلى قوانين سببية . فأحد قوانين ) كبار ) مثلا : يبين لنا أن أفلاك السيارات أهليلجية الشكل ، وقانون ( نيوتون ) يقول : أن الأجسام تتجاذب بحسب كتلها ، وبصورة متناسبة عكساً مع مربع المسافات التي بينها . وقانون ) ديكارت ) في انكسار الضوء : يبين لنا أن جيب يه = ن جيب ر ، فكل هذه العلاقات مطردة ومتسقة ، مع انها لا تعبر عن علاقة سببية ، ولكن عدم تعبيرها عن علاقات سببية ظاهرة لا يمنعنا من قبولها ، وتعميمها . فالاستقراء مستند هنا إلى مبدأ أعم من مبدأ السببية ، مبدأ الحتمية ، أو مبدأ التقيد ، أو الاطراد ، أو النظام الطبيعي . وقد أشار ) كورنو ) إلى هذا المبدأ بقوله : المحال أن يكون اطراد الحوادث نتيجة المصادفة والاتفاق ،، أو قوله : « إن انتظام بعض التغيرات يحمل العقل البشري على القول بوجود قانون ضابط لها ) .
ب - مبدأ الغائية .
- وكما يستند الاستقراء الى مبدأ التقيد ، فكذلك يستند التمثيل الى مبدأ الغائية ، فإننا اذا وجدنا أن المريخ مشابه للأرض في جوه ، ودرجة حرارته ، وغير ذلك من الصفات ، قلنا أن المريخ آهل بالسكان كالأرض ، فنحن قد رأينا أن بعض الصفات الظاهرة مشتركة بين الأرض ، والمريخ ، وتوقعنا بعد ذلك وجود اشتراك بينهما في صفات أعمق من الصفات الظاهرة . وهذا ناشيء عن اعتبارنا اجتماع هذه الصفات الظاهرة وسيلة لتحقيق غاية من الغايات ، فنقول : ان وجود بعض الشرائط الجوية يدل على أن الطبيعة تهيء الأسباب ، والوسائل ، لإمكان وجود الحياة على سطح هذا الكوكب السيار ، كما تهيء وجودها على سطح الأرض . نعم ان هذه الشرائط غير كافية لظهور الحياة ، ولكنها شرائط ضرورية ، ونحن نفرض أن هذه الشرائط مقارنة لغيرها من الشرائط الضرورية . فمبدأ الغائية إذن يرجع إلى القول : ان الطبيعة لا تحدث شيئاً من الأشياء عبثاً ، بل تحدثه لغاية ، وتتبع في بلوغ هذه الغاية نظاماً . ومعنى ذلك : أن اجتماع بعض الشرائط يدل على أن هناك غاية متبعة عن علم ، أو غير علم .
ولا نريد الآن أن نبحث في قيمة التمثيل ، وأثره في العلم ، ولكننا نقول في ذلك قولاً واحداً وهو . ان الغاية أكثر غموضاً من العلة ، فلا يمكننا إذن أن نجعل مبدأ الغائية مبدأ هياً ، وضروريا كمبدأ السببية . قد يكون في الطبيعة غايات كثيرة ، أو غاية واحدة ، ولكن من الصعب أن نعمم ذلك ونقول : إن لكل شيء غاية . إن العلم لا يستطيع أن يستغنى عن مبدأ السببية ، ومبدأ الحتمية ، ولكن بعض العلماء يميلون اليوم إلى الاستغناء عن التفسير الغائي . وسنعود إلى مناقشة هذا الأمر في المنطق .
تعليق