الاستدلال وتداعي الأفكار .. الاسْتِدْلال
الاستدلال وتداعي الأفكار
نظرية التداعي . - زعم فلاسفة التداعي أن الاستدلال ظاهرة من ظواهر تداعي الأفكار . وقد ساقهم إلى هذا القول ما وجدوه بين الاستدلال ، وتداعي الأفكار من التشابه .
قالوا : إن التجربة تربط الإدراكات المختلفة بعضها ببعض ، وتولد في الفكر عادة . فمتى تعودت الجمع بين إدراك ( آ ) وإدراك ( ب ) توقعت حدوث أحدهما عند حدوث الآخر . إن جميع الناس يعلمون أن الغيوم السوداء تنبىء بمجيء العاصفة . فهم إذن قد تعودوا بالتجربة أن يجمعوا بين هذين الشيئين ، فإذا رأوا أحدهما توقعوا حدوث الثاني . وقــــــد أشار ( ليبنيز ) إلى هذا التتابع التجربي ( Consecutions empiriques » وقال : انه كثيراً ما ينوب عن الاستدلال . وبين ( استوارت ميل ) أن الاستدلال ، مهما يكن نوعه ، إنما هو استدلال على جزئي يجزئي ، أو استحضار صورة لصورة وفقاً لقوانين التداعي ، قال : ( ۱ ) ان جميع أنواع الاستدلال تنحل إلى التمثيل ؛ ( ۲ ) وان التمثيل لايتم إلا بتداعي الأفكار .
۱ - ان جميع انواع الاستدلال تنحل الى التمثيل فالاستنتاج أولاً لا يختلف عن التمثيل ، لأن القياس كما يقول استوارت ميل ) لا ينقل الذهن من الكلي إلى الجزئي ، يل ينقله من الجزئي إلى الجزئي . إذا حللنا قولنا : كل إنسان فان ، وسقراط إنسان ، فسقراط فان ، وجدنا أن النتيجة ) أي قولنا سقراط فان ( داخلة في قولنا كل إنسان فان ، ولا صحة لهذا الحكم الكلي إلا إذا كان صحيحاً بالنسبة إلى جميع أفراد الإنسان كسقراط ، وزينون ، والفارابي ، وغيرهم . ولو كان سقراط غير فان ، لما صح قولنا كل إنسان فان . ان الاستدلال على الجزئي بالكلي لا يثبت شيئاً ، لأن الكلي لا يكون صحيحاً إلا إذا كان الحكم صادقاً بالنسبة الى جميع أجزائه . فهو اذن تلخيص لجميع الأحكام الجزئية ، وذكرى ذهنية تجمع حولها كل ما يخطر بالبال من المعاني . ان قولنا کل انسان فان ، يرجع الى قولنا ، ان ارسطو ، وزينون ، والفارابي ، وجميع الأشخاص الذين عرفناهم ، أو سمعنا . قد ماتوا كغيرهم من الناس ، فلا غرو اذا استنتجنا من ذلك بهام ( ابن سينا ) أيضاً فان ، لأن هذه الحادثة الجزئية الجديدة مشابهة لجميع الحوادت الجزئية المعروفة عندنا سابقاً . وهذه المشابهة تدل على أن الفكر ، انما ينتقل في الاستنتاج ، من الجزئي الى الجزئي ، لا من الكلي الى الجزئي ، فالاستنتاج لا يختلف اذن عن التمثيل .
والاستقراء أيضاً لا يختلف عن التمثيل ، لأنه ينقل ما يصدق على حالة جزئية واحدة الى جميع الأحوال الجزئية الاخرى المشابهة لها .
ينتح من ذلك كله أن جميع أنواع الاستدلال تنحل الى التمثيل . قال ( استوارت ميل ) : أن حججنا الأولى ضروب من هذا النوع ، لقد تعودنا الاستنباط منذ ظهور جميع الفكر ، ولكننا لم نتعلم كيفية استعمال المعاني العامة الا بعد انقضاء كثير من السنين . ان الطفل الذي يبعد اصبعه عن النار التي أحرقته مرة ، يقايس ، ويستنتج في داخله ، رغم جهله بأن النار محرقة ، فهو يتذكر أنه إحترق مرة ، ويعتقد ، بالاستناد الى ذاكرته ، عند رؤية الشمعة مثلا ، أنه اذا وضع اصبعه على الشعلة سيحترق أيضاً مرة ثانية . ان اعتقاده الأحوال الحاضرة ، ولا يذهب به أبداً الى ما وراء الحاضر . فهو هذا ينطبق على جيع اذن لا يعمم ، بل يستدل على حالة جزئية بحالة جزئية غيرها ( ۱ ) .
٢ - ان التمثيل لا يتم الا بتداعي الأفكار .
- مثال ذلك : أن الطفل الذي أحرق اصبعه بالنار يتوقاها ، ولا يتقرب منها مرة ثانية . ان رؤية الشعلة تذكر الطفل بالاحتراق السابق ، فتحمله هذه الذكرى على الاعتقاد أنه اذا وضع اصبعه عليها احترق مرة ثانية . ان استدلاله هذا مبني على ارتباط الإحساس الحاضر بالذكرى القديمة . وعلى ذلك فإن التمثيل لا يتم الا بالتداعي ، لأن رؤية الشعلة قد ارتبطت عند الطفل بألم الاحتراق ، فإذا رأى شعلة شبيهة بالاولى ، توقع حدوث الألم الذي أحس به سابقاً .
نقد نظرية التداعي . - لقد أشرنا إلى هذه النظرية عند كلامنا على الحكم ، وفندناها بقولنا : ان نتائج الحكم قد تشبه نتائج القداعي ، ولكن روابطه لا تنحل الى التتابع الآلي ، والتسلسل التلقائي . وما قلناه في نقد هذه النظرية عند كلامنا على الحكم يمكن أن يقال هنا أيضاً . فقد ذكرنا ان الحكم وقوف في سلسلة التداعي ، لأنه قرار ذهني يثبت به العقل مضمون الاعتقاد . وهذا . أيضاً بالنسبة الى الاستدلال ، صحيح لأنه فعل مؤلف من أحكام يلزم عنها بذاتها حكم آخر غيرها . فإذا كانت نظرية التداعي لا تصلح لتعليل الحكم ، فكيف تصلح اذن لتعليل الاستدلال .
ولنناقش الآن ( استوارت ميل ) في آرائه : لقد زعم هذا الفيلسوف . أن جميع أنواع الاستدلال تنحل الى التمثيل . ولكننا اذا حللنا أنواع الاستدلال لم نجد فيها ما يؤيد هذا الرأي . ان انتقاد ( ميل ) للقياس لا يصح ، الا اذا أولنا القياس بحسب الماصدق ، لا بحسب المفهوم . فإذا أولناه بحسب الماصدق كان قولنا : كل انسان فان ، صادقا على زيد و عمرو ، وسقراط ، وأفلاطون ، وغيرهم من أفراد الناس ، وكان القياس كما زعم ( ميل ) دوراً فاسداً ، لأنه لو لم يكن كل من هؤلاء الأفراد فانياً لما صدق قولنا كل انسان فان ، ولكننا اذا أولنا القياس بحسب المفهوم ، كان تصور الإنسان في مثالنا هذا متقوماً من الصفات المرتبطة بعضها ببعض وفقاً لقانون طبيعي ، لا جملة من الصور الجزئية المجتمعة بعضها فوق بعض ، وكان قولنا كل انسان فان ، دالاً على أن صفة الفاني هي احدى تلك الصفات المقومة . فالكبرى تدل على أن هناك علاقة بين الموضوع ، والمحمول ، والنتيجة تطبق هذه العلاقة الحقيقية في حالة فردية خاصة ، وهي حالة سقراط . وهكذا يصبح انتقالاً من الكلي الى الجزئي ، لا من الجزئي الى الجزئي .
وهذا النقد ينطبق أيضا على رأي ( استوارت ميل ) في الاستقراء ، لأن الاستقراء ليس مقارنة بسيطة بين أحوال جزئية مجملة ، وانما هو تحليل هذه الأحوال الجزئية ، و استخراج ما تنطوي عليه من العناصر المجردة العامة .
أما قول ( استوارت ميل ) ان التمثيل ينحل الى تداعي الأفكار . فباطل أيضاً ، لأن التحليل يبين لنا أن التمثيل مختلف عن آلية التداعي اختلافاً تاماً . نعم ان الطفل الذي أحرق اصبعه بالنار ، يمتنع عن تقريب يده منها مرة ثانية ، ولكن هذا المثال الدال على التمثيل والتداعي معاً لا يكفي لإرجاع احدى العمليتين الى الاخرى . فإذا كان الطفل جاهلا بالعلاقة الحقيقية الكائنة بين النار والاحتراق ، كانت ذكرى الاحتراق مرتبطة في ذهنه بصورة النار ، كارتباط صورة هذا المكان بذكرى الحادثة التي جرت فيه ارتباطاً آلياً مبنياً على قانون الاقتران . واذا كان الطفل عالماً بهذه العلاقة الحقيقية ، لم يكن انتقال فكره الى الاحتراق عند مشاهدة النار نتيجة تداع ذاتي معتاد ، بل كان استدلالاً يطبق به مبدأ عاماً معلوماً على أحوال خاصة مجهولة . واذن كل استدلال فهو يقتضي الاعتقاد أن ارتباط المعاني بعضها ببعض يسوق الذهن الى نتيجة مستقلة عن الشخص ، وعن تجاربه الخاصة .
قال ( كرسون ) : « هبني صادفت أحد أصدقائي وأنا أجتاز جسراً من جسور ( السين ) قبل ثمانية أيام ، فإذا مررت اليوم من جديد على هذا الجسر ، رجعت صورة ذلك الصديق الى نفسي ، ولكنني لا أتوقع قط أن أصادفه بالذات ، ولو صادفته لمجبت لهذه المفاجأة . ففي مثالنا هذا استحضار صور وفقاً لقوانين التداعي ، وليس فيه توقع ، ولا عنصر من عناصر التمثيل » .
و قصارى القول : أن التداعي يستعيد الماضي ، أما التمثيل فيحكم على المستقبل بحسب تذكر الماضي ، ولا يتم هذا الحكم كما قال ( كرسون ( الا اذا تبينت بفعل العقل أن الظروف التي كنت فيها ظروف متشابهة .
الاستدلال وتداعي الأفكار
نظرية التداعي . - زعم فلاسفة التداعي أن الاستدلال ظاهرة من ظواهر تداعي الأفكار . وقد ساقهم إلى هذا القول ما وجدوه بين الاستدلال ، وتداعي الأفكار من التشابه .
قالوا : إن التجربة تربط الإدراكات المختلفة بعضها ببعض ، وتولد في الفكر عادة . فمتى تعودت الجمع بين إدراك ( آ ) وإدراك ( ب ) توقعت حدوث أحدهما عند حدوث الآخر . إن جميع الناس يعلمون أن الغيوم السوداء تنبىء بمجيء العاصفة . فهم إذن قد تعودوا بالتجربة أن يجمعوا بين هذين الشيئين ، فإذا رأوا أحدهما توقعوا حدوث الثاني . وقــــــد أشار ( ليبنيز ) إلى هذا التتابع التجربي ( Consecutions empiriques » وقال : انه كثيراً ما ينوب عن الاستدلال . وبين ( استوارت ميل ) أن الاستدلال ، مهما يكن نوعه ، إنما هو استدلال على جزئي يجزئي ، أو استحضار صورة لصورة وفقاً لقوانين التداعي ، قال : ( ۱ ) ان جميع أنواع الاستدلال تنحل إلى التمثيل ؛ ( ۲ ) وان التمثيل لايتم إلا بتداعي الأفكار .
۱ - ان جميع انواع الاستدلال تنحل الى التمثيل فالاستنتاج أولاً لا يختلف عن التمثيل ، لأن القياس كما يقول استوارت ميل ) لا ينقل الذهن من الكلي إلى الجزئي ، يل ينقله من الجزئي إلى الجزئي . إذا حللنا قولنا : كل إنسان فان ، وسقراط إنسان ، فسقراط فان ، وجدنا أن النتيجة ) أي قولنا سقراط فان ( داخلة في قولنا كل إنسان فان ، ولا صحة لهذا الحكم الكلي إلا إذا كان صحيحاً بالنسبة إلى جميع أفراد الإنسان كسقراط ، وزينون ، والفارابي ، وغيرهم . ولو كان سقراط غير فان ، لما صح قولنا كل إنسان فان . ان الاستدلال على الجزئي بالكلي لا يثبت شيئاً ، لأن الكلي لا يكون صحيحاً إلا إذا كان الحكم صادقاً بالنسبة الى جميع أجزائه . فهو اذن تلخيص لجميع الأحكام الجزئية ، وذكرى ذهنية تجمع حولها كل ما يخطر بالبال من المعاني . ان قولنا کل انسان فان ، يرجع الى قولنا ، ان ارسطو ، وزينون ، والفارابي ، وجميع الأشخاص الذين عرفناهم ، أو سمعنا . قد ماتوا كغيرهم من الناس ، فلا غرو اذا استنتجنا من ذلك بهام ( ابن سينا ) أيضاً فان ، لأن هذه الحادثة الجزئية الجديدة مشابهة لجميع الحوادت الجزئية المعروفة عندنا سابقاً . وهذه المشابهة تدل على أن الفكر ، انما ينتقل في الاستنتاج ، من الجزئي الى الجزئي ، لا من الكلي الى الجزئي ، فالاستنتاج لا يختلف اذن عن التمثيل .
والاستقراء أيضاً لا يختلف عن التمثيل ، لأنه ينقل ما يصدق على حالة جزئية واحدة الى جميع الأحوال الجزئية الاخرى المشابهة لها .
ينتح من ذلك كله أن جميع أنواع الاستدلال تنحل الى التمثيل . قال ( استوارت ميل ) : أن حججنا الأولى ضروب من هذا النوع ، لقد تعودنا الاستنباط منذ ظهور جميع الفكر ، ولكننا لم نتعلم كيفية استعمال المعاني العامة الا بعد انقضاء كثير من السنين . ان الطفل الذي يبعد اصبعه عن النار التي أحرقته مرة ، يقايس ، ويستنتج في داخله ، رغم جهله بأن النار محرقة ، فهو يتذكر أنه إحترق مرة ، ويعتقد ، بالاستناد الى ذاكرته ، عند رؤية الشمعة مثلا ، أنه اذا وضع اصبعه على الشعلة سيحترق أيضاً مرة ثانية . ان اعتقاده الأحوال الحاضرة ، ولا يذهب به أبداً الى ما وراء الحاضر . فهو هذا ينطبق على جيع اذن لا يعمم ، بل يستدل على حالة جزئية بحالة جزئية غيرها ( ۱ ) .
٢ - ان التمثيل لا يتم الا بتداعي الأفكار .
- مثال ذلك : أن الطفل الذي أحرق اصبعه بالنار يتوقاها ، ولا يتقرب منها مرة ثانية . ان رؤية الشعلة تذكر الطفل بالاحتراق السابق ، فتحمله هذه الذكرى على الاعتقاد أنه اذا وضع اصبعه عليها احترق مرة ثانية . ان استدلاله هذا مبني على ارتباط الإحساس الحاضر بالذكرى القديمة . وعلى ذلك فإن التمثيل لا يتم الا بالتداعي ، لأن رؤية الشعلة قد ارتبطت عند الطفل بألم الاحتراق ، فإذا رأى شعلة شبيهة بالاولى ، توقع حدوث الألم الذي أحس به سابقاً .
نقد نظرية التداعي . - لقد أشرنا إلى هذه النظرية عند كلامنا على الحكم ، وفندناها بقولنا : ان نتائج الحكم قد تشبه نتائج القداعي ، ولكن روابطه لا تنحل الى التتابع الآلي ، والتسلسل التلقائي . وما قلناه في نقد هذه النظرية عند كلامنا على الحكم يمكن أن يقال هنا أيضاً . فقد ذكرنا ان الحكم وقوف في سلسلة التداعي ، لأنه قرار ذهني يثبت به العقل مضمون الاعتقاد . وهذا . أيضاً بالنسبة الى الاستدلال ، صحيح لأنه فعل مؤلف من أحكام يلزم عنها بذاتها حكم آخر غيرها . فإذا كانت نظرية التداعي لا تصلح لتعليل الحكم ، فكيف تصلح اذن لتعليل الاستدلال .
ولنناقش الآن ( استوارت ميل ) في آرائه : لقد زعم هذا الفيلسوف . أن جميع أنواع الاستدلال تنحل الى التمثيل . ولكننا اذا حللنا أنواع الاستدلال لم نجد فيها ما يؤيد هذا الرأي . ان انتقاد ( ميل ) للقياس لا يصح ، الا اذا أولنا القياس بحسب الماصدق ، لا بحسب المفهوم . فإذا أولناه بحسب الماصدق كان قولنا : كل انسان فان ، صادقا على زيد و عمرو ، وسقراط ، وأفلاطون ، وغيرهم من أفراد الناس ، وكان القياس كما زعم ( ميل ) دوراً فاسداً ، لأنه لو لم يكن كل من هؤلاء الأفراد فانياً لما صدق قولنا كل انسان فان ، ولكننا اذا أولنا القياس بحسب المفهوم ، كان تصور الإنسان في مثالنا هذا متقوماً من الصفات المرتبطة بعضها ببعض وفقاً لقانون طبيعي ، لا جملة من الصور الجزئية المجتمعة بعضها فوق بعض ، وكان قولنا كل انسان فان ، دالاً على أن صفة الفاني هي احدى تلك الصفات المقومة . فالكبرى تدل على أن هناك علاقة بين الموضوع ، والمحمول ، والنتيجة تطبق هذه العلاقة الحقيقية في حالة فردية خاصة ، وهي حالة سقراط . وهكذا يصبح انتقالاً من الكلي الى الجزئي ، لا من الجزئي الى الجزئي .
وهذا النقد ينطبق أيضا على رأي ( استوارت ميل ) في الاستقراء ، لأن الاستقراء ليس مقارنة بسيطة بين أحوال جزئية مجملة ، وانما هو تحليل هذه الأحوال الجزئية ، و استخراج ما تنطوي عليه من العناصر المجردة العامة .
أما قول ( استوارت ميل ) ان التمثيل ينحل الى تداعي الأفكار . فباطل أيضاً ، لأن التحليل يبين لنا أن التمثيل مختلف عن آلية التداعي اختلافاً تاماً . نعم ان الطفل الذي أحرق اصبعه بالنار ، يمتنع عن تقريب يده منها مرة ثانية ، ولكن هذا المثال الدال على التمثيل والتداعي معاً لا يكفي لإرجاع احدى العمليتين الى الاخرى . فإذا كان الطفل جاهلا بالعلاقة الحقيقية الكائنة بين النار والاحتراق ، كانت ذكرى الاحتراق مرتبطة في ذهنه بصورة النار ، كارتباط صورة هذا المكان بذكرى الحادثة التي جرت فيه ارتباطاً آلياً مبنياً على قانون الاقتران . واذا كان الطفل عالماً بهذه العلاقة الحقيقية ، لم يكن انتقال فكره الى الاحتراق عند مشاهدة النار نتيجة تداع ذاتي معتاد ، بل كان استدلالاً يطبق به مبدأ عاماً معلوماً على أحوال خاصة مجهولة . واذن كل استدلال فهو يقتضي الاعتقاد أن ارتباط المعاني بعضها ببعض يسوق الذهن الى نتيجة مستقلة عن الشخص ، وعن تجاربه الخاصة .
قال ( كرسون ) : « هبني صادفت أحد أصدقائي وأنا أجتاز جسراً من جسور ( السين ) قبل ثمانية أيام ، فإذا مررت اليوم من جديد على هذا الجسر ، رجعت صورة ذلك الصديق الى نفسي ، ولكنني لا أتوقع قط أن أصادفه بالذات ، ولو صادفته لمجبت لهذه المفاجأة . ففي مثالنا هذا استحضار صور وفقاً لقوانين التداعي ، وليس فيه توقع ، ولا عنصر من عناصر التمثيل » .
و قصارى القول : أن التداعي يستعيد الماضي ، أما التمثيل فيحكم على المستقبل بحسب تذكر الماضي ، ولا يتم هذا الحكم كما قال ( كرسون ( الا اذا تبينت بفعل العقل أن الظروف التي كنت فيها ظروف متشابهة .
تعليق